عبد اللطيف ميراوي.. وزير مغربي سابق ينهي مساره بخطوة تناقض مواقفه

سلمان الراشدي | منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في مشهد يختزل مفارقة فادحة، عاد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار السابق في المغرب، عبد اللطيف ميراوي، إلى الواجهة، ولكن هذه المرة من قاعة محاضرات جامعة فرنسية؛ وذلك بعد فترة قصيرة فقط من مغادرة منصبه الحكومي. 

حضوره الأكاديمي خارج الوطن يأتي بينما لا تزال الجامعات المغربية تُستنزف كفاءاتها في موجة هجرة كان هو نفسه من أبرز المحذرين من خطورتها.

وميراوي أثناء توليه الوزارة كان من أبرز الأصوات التي طالبت بوضع حد لما أسماه حينها "نزيف العقول وهجرة الكفاءات المغربية إلى الخارج".

أطول إضراب

وقال ميراوي: إن "العودة إلى قاعات المحاضرات والفصول الدراسية في جامعة التكنولوجيا في بلفور – مونتبليار، تعني العودة إلى جوهر مهنتنا: نقل المعرفة، والمشاركة، والتساؤل والمرافقة".

وأضاف عبر منشور على منصة "لينكد إن" في 15 سبتمبر/أيلول 2025، أن “كل دخول جامعي هو لحظة مميزة: وجوه جديدة، طاقات متجددة، وقبل كل شيء الكثير من الأحلام والطموحات”.

https://www.linkedin.com/posts/miraouiofficiel_universitaez-enseignementsupaezrieur-rentraeze-activity-7373243479327424512-vKiZ?utm_source=share&utm_medium=member_desktop&rcm=ACoAAFU9V6IBT64cI6g0O4i50ynmyHmMvIIUY5A

ودعا الطلبة إلى استثمار سنواتهم الجامعية في تنمية معارفهم وصقل شخصياتهم عبر الأنشطة الثقافية والرياضية والفنية؛ لأن الجامعة ميدان للاستكشاف والبحث عن الذات”.

وتابع: "لا تنسوا أن تعطوا الأهمية القصوى للأنشطة الثقافية والرياضية والموسيقية، فهي التي ستشكل شخصيتكم. الجامعة هي مجال استكشافكم. الأمر متروك لكم لكتابة الفصل التالي! سنة دراسية موفقة للجميع”.

هذا الإعلان لم يمر مرور الكرام في المغرب، بل عاد للأذهان فترة صعبة للطلبة والتعليم عامة خلال فترة استوزار ميراوي.

وشهدت الجامعات المغربية خلال فترة تولي ميراوي وزارة التعليم العالي واحدة من أطول موجات الإضراب الطلابي في تاريخها؛ حيث لم يعد طلبة الطب إلى قاعات الدروس والتدريبات السريرية إلا بعد إعفائه والتوصل إلى اتفاق مع الوزير الجديد، عز الدين ميداوي، لتنتهي بذلك مقاطعة دراسية استمرت لأكثر من 11 شهرا.

وبدأ هذا الإضراب في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2023، احتجاجا على قرار تقليص مدة التكوين في كليات الطب والصيدلة من سبع إلى ست سنوات، وهو ما عدّه الطلبة تهديدا لجودة التعليم الطبي بسبب حذف نحو 600 ساعة من البرنامج الدراسي.

في المقابل، دافع ميراوي عن القرار بصفته حلا لمواجهة العجز الكبير في الكفاءات الصحية داخل البلاد.

البقرة الحلوب

وفي تفاعل مع تطور ميراوي، لفتت صحيفة “انتلجنسيا المغرب” إلى أن "خطوة ميراوي أثارت استياء واسعا؛ لأنها تجسد عقلية النخبة التي تستفيد من امتيازات المنصب داخل المغرب، ثم لا تتردد في طرق أبواب الجامعات الأجنبية بمجرد انتهاء مهامها الرسمية".

ورأت في مقال نشرته في 17 سبتمبر، أن "هذا السلوك يسلط الضوء على إشكالية أعمق تتجاوز شخص الوزير السابق لتطرح سؤالا حادا حول المسؤولية الأخلاقية والسياسية للنخب المغربية، التي سرعان ما تدير ظهرها للجامعة الوطنية بمجرد مغادرتها مواقع القرار".

وترى الصحيفة أنه "نموذج صادم لعقلية (البقرة الحلوب)، الاستفادة من المال العام والسلطة ثم الرحيل نحو الخارج تاركين الجامعات المغربية في مواجهة مصيرها المجهول".

من جانبه، قال المدون محمد الراجي: إن “هذا الوزير السابق خاض حربا ضروسا ضد طلبة كليات الطب والصيدلة، لمنعهم من الهجرة إلى الخارج، وها هو اليوم نفسُه يهاجر للتدريس في فرنسا”. 

وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك في 18سبتمبر: “حتى تعرفوا أن (الوطنيّة) التي يتحدثون عنها لا يحملون منها في قلوبهم مثقالَ ذرّة”.

بدوره، تفاعل رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران، مع واقعة ميراوي موجها وصفا لاذعا له.

وعلّق بنكيران  ساخرا خلال خطاب حزبي في 21 سبتمبر: "ها هو قد عاد إلى فرنسا إلى أمه فرنسا".

وقال طالب الدكتوراه إبراهيم الحنين: إن "هذا التناقض الصارخ يعكس خللا أعمق في بنية السياسة المغربية، مسؤولون يتخذون قرارات تؤثر مباشرة في حياة المواطنين، ثم يغادرون البلاد بكل هدوء، وكأنهم أنهوا مهمة مؤقتة في مكان لا ينتمون إليه".

وأضاف الحنين لـ"الاستقلال أن "ذلك في وقت تكرر فيه الخطابات الرسمية شعارات (خدمة الوطن)، يبدو أن بعض المسؤولين أنفسهم لا يثقون في مستقبل هذا الوطن الذي يدّعون خدمته".

ورأى أن "ما نراه هو صورة صارخة لانفصال بين الخطاب والممارسة: وزير يتحدث عن (تشجيع الكفاءات الوطنية) ثم يغادر ليشتغل لصالح مؤسسة أجنبية، وزير يجرّ الطلبة إلى سنة بيضاء، ثم يختفي من المشهد دون محاسبة".

خلفية فرانكفونية

الميراوي من مواليد مدينة الفقيه بنصالح في 13 يناير/ كانون الثاني 1962. 

تلقى تعليمه الثانوي في مدينة الدار البيضاء بثانويتي جابر ابن حيان والخوارزمي، وأنهى دراسته الجامعية بدكتوراه في العلوم الهندسية في فرنسا عام 1992.

شغل منصب رئيس جامعة القاضي عياض في مراكش oghg الفترة ما بين (2011 - 2019). 

وشغل أيضا منصب رئيس اللجنة الدائمة للبحث التقني والابتكار بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين، وترأس الوكالة الجامعية للفرانكوفونية، واختير لعضوية المجلس الأعلى للتعليم والتكوين والبحث العلمي.

تم تعيينه في 12 ديسمبر 2019 عضو في لجنة النموذج التنموي الجديد، وفي عام 2020 تم تعيينه مديرا للمعهد الوطني للعلوم التطبيقية في مدينة رين الفرنسية. 

وفي 7 أكتوبر 2021 عين وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في حكومة عزيز أخنوش، ليتم إعفاؤه في أكتوبر 2024.

ونشرت مواقع مغربية، بينها صحيفة "بالواضح"، في 2 يوليو/تموز 2022، وثائق تتهم الوزير ميراوي بـ"تلقي 2.6 مليون درهم (255 ألف دولار) خلال سنتين، مقابل الترويج لمشاريع فرنكفونية في المملكة خلال ترؤسه جامعة القاضي عياض الحكومية بمدينة مراكش".

وقالت: إن الوزير الذي جيء به من طرف اللوبي الفرنكفوني إلى قطاع التعليم العالي لإلغاء مشروع "البكالوريوس" (الإنجليزي) رغم مصادقة المملكة عليه، هو نفسه الذي وقع على عقد يمنعه من استخلاص أي رواتب ما عدا بعض التعويضات بحكم انتمائه آنذاك لجامعة "دلفور" الفرنسية.

أيضا كان وراء أول اتفاقية من نوعها في مجال التعليم العالي منذ تطبيع العلاقات بشكل رسمي بين المغرب والكيان الإسرائيلي.

ففي 26 مايو/ أيار 2022، ترأس ميراوي، ووزيرة الابتكار والعلوم والتكنولوجيا الإسرائيلية أوريت فركاش هكوهين، بالعاصمة الرباط، مراسيم التوقيع على مذكرة تفاهم بين الجانبين في مجال البحث العلمي والتكنولوجيا.