بعد سقوط نظام الأسد.. لماذا تمركزت المليشيات العراقية قرب حدود السعودية؟

"هذه الحوادث لاشك أنها ستنعكس سلبا على العلاقة بين العراق والسعودية"
رغم الأهمية الكبيرة التي يشكلها منفذ عرعر الحدودي بين العراق والسعودية، لكن عمليات تهريب المخدرات نحو المملكة يثير قلق العراقيين بشأن تأثير ذلك على سير قوافل الحج والعمرة البرية التي عادت بعد 30 عاما من التوقف.
وفي مطلع سبتمبر/ أيلول 2022، أعلنت السلطات العراقية افتتاح منفذ عرعر الحدودي أمام المعتمرين، وتفويج القافلة الأولى برا عبره بعد انقطاع دام أكثر من 30 عاما، جاء بعد جهود كبيرة بذلتها هيئة "الحج والعمرة" في العراق (حكومية) مع الجانب السعودي.

"تهريب متزايد"
ولعل آخر عملية ضبط مواد مخدرة، تلك التي اكتشفتها السلطات السعودية في 13 سبتمبر/ أيلول 2025، كانت مخبأة داخل حقائب اثنين من المعتمرين العراقيين، وعلى الفور جرى اعتقالهما ووقف حركة العبور في منفذ عرعر الحدودي.
وعلى وقع هذه العملية، أجرت السلطات السعودية إجراءات تفتيش صارمة شملت جميع الحافلات القادمة من العراق، واستمرت أكثر من 18 ساعة؛ حيث خضع الركاب إلى فحص دقيق لجميع مقتنياتهم، وتم إنزال بعضهم من الحافلات لساعات طويلة، قبل أن يُسمح لهم بالعبور.
وبعد يومين، أعلنت وزارة الداخلية العراقية تفاصيل العملية، وأنه جرى إحباط محاولة تهريب (142) كغم من مادة "الكريستال" المخدرة إلى المملكة العربية السعودية، بناءً على معلومات استخبارية دقيقة.
وقالت الوزارة خلال بيان لها في 15 سبتمبر: إن "المعلومات توافرت للمديرية العامة لشؤون المخدرات عن طريق جهود استثنائية لمديريتي مكافحة مخدرات أربيل والسليمانية، وتم تمريرها إلى إدارة مكافحة المخدرات في السعودية؛ حيث تمكنت الأخيرة من ضبط الكمية واعتقال متهمين عراقيين كانوا يستقلون حافلة في المدينة المنورة".
وأضاف البيان أن "العملية تعكس حجم التنسيق الأمني والاستخباري بين بغداد والرياض في مواجهة شبكات التهريب التي تحاول استغلال مختلف الوسائل لنقل المخدرات عبر الحدود".
ونقلت وكالة "بغداد اليوم" في 15 سبتمبر عن المتحدث باسم قوات آسايش إقليم كردستان العراق، العقيد سلام عبد الخالق، أن "كمية المخدرات المضبوطة قُدّرت بنحو مليون و300 ألف دولار، وكانت مخبأة في إحدى الحافلات التابعة لشركات خاصة بالحج والعمرة".
وأكد عبد الخالق أن مديرية مكافحة المخدرات في السليمانية لعبت دورا محوريا في كشف الشبكة، مشيرا إلى أن "السلطات السعودية والعراقية طلبت إشراك خبراء من السليمانية في التحقيق، لما يمتلكونه من خبرة في التعامل مع شبكات المخدرات".
وتعدّ هذه العملية واحدة من أكبر الضربات التي توجه لشبكات تهريب المخدرات في المنطقة خلال السنوات الأخيرة؛ إذ تلقي الضوء على خطورة استغلال رحلات الحج والعمرة كغطاء لتهريب المخدرات.
وتصنف القوانين السعودية، تهريب المخدرات والمشروبات الكحولية ضمن الجرائم الكبرى الموجبة للعقوبة المشددة، التي قد تصل أحكامها إلى الإعدام أو السجن المؤبد، تبعا لحجم المضبوطات وطبيعة الجريمة.
وتشير سوابق قضائية في المملكة إلى تنفيذ أحكام إعدام بحق وافدين من جنسيات مختلفة خلال الأعوام الماضية بتهمة إدخال المخدرات عبر المنافذ البرية والمطارات، فيما صدرت أيضا أحكام بالسجن لمدد طويلة مع غرامات مالية كبيرة.

"تعويض الخسائر"
وبخصوص أسباب تصاعد عمليات تهريب المخدرات من الأراضي العراقية إلى السعودية والجهات التي تقف خلف ذلك، قال الخبير في الشأن الأمني فلاح العاني: إن "تجارة المواد المخدرة والممنوعة إلى المملكة، تقف خلفها الفصائل المسلحة".
وأضاف العاني في تصريح نقلته صحيفة "العالم الجديد" العراقية، في 20 سبتمبر، أن "الفصائل المسلحة لا تستطيع أن تكون بالواجهة في عملية تجارة المخدرات إلى السعودية، ولكن جعلت أشخاصا وتجارا (كومبارس)، وجميعهم محميون من تلك الفصائل، والعائدات المالية تعود لها".
وحذر الخبير الأمني العراقي من أن "وجود الفصائل المسلحة على الشريط الحدودي مع السعودية، سيهدد العلاقات الاقتصادية مع الرياض، ويمنع استثمار الشركات والتجار، داخل الأراضي العراقية".
ودعا العاني "الحكومة العراقية ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إلى التحرك حول هذا الموضوع، وسحب هذه الفصائل، وتسليم الملف الأمني في كل المنافذ الحدودية للقوات النظامية الرسمية".
وأردف: "الفصائل تسعى للحصول على الأموال، وتعويض الخسائر المالية جراء فقدانها تجارة المخدرات مع سوريا، فهي تنصب حواجز أمنية وتفرض الإتاوات على الطريق الرابط بين العراق والأردن".
كما أن هذه الفصائل بحسب العاني، "تفرض ضرائب على التجار والمزارعين وأصحاب الأملاك، وكذلك تنتشر على الشريط الحدودي مع السعودية، وتقف خلف تجارة مادة الكريستال والمواد المنوعة الأخرى".
وفي السياق ذاته، كشفت منصة "الجبال" العراقية في 20 سبتمبر، نقلا عن مصدر أمني لم تسمه، عن "تحرك قوة من الفصائل المسلحة، وتحديدا في المنطقة الممتدة بين الحدود الأردنية، والحدود السعودية".
ولفت المصدر إلى أن "هذه القوة تجري تحركات في مناطق ناحية الوليد، والرطبة، والنخيب، وعرعر، وأقامت (ثكنات عسكرية) ونصبت منظومات مراقبة في ناحية المنطقة القريبة من المنفذ الحدودي مع السعودية، وأقامت مقرات هناك".
وبحسب المصدر الأمني، فإن "الفصائل المسلحة تسعى للسيطرة بالكامل على المثلث الحدودي بين العراق من جهة، وبين السعودية والأردن وسوريا من جهة أخرى، وتقوم بتسيير دوريات مشتركة في الطريق الرابط بين عكاشات والرطبة، والنخيب".
وذكرت معلومات المنصة، أن "الفصائل المسلحة، بعد فقدانها سوريا على أثر سقوط نظام بشار الأسد، خسرت إيرادات مالية كبيرة، كانت تحصل عليها من خلال تجارة المخدرات".
وأشارت إلى أن "الفصائل المسلحة تسعى للاختفاء خلف تجار المخدرات، ولكن في الحقيقة هي من تقوم بحماية هؤلاء التجار، وهي المسؤولة عن عملية تجارة المواد الممنوعة، لكونها بحاجة ماسة للمال".

تداعيات محتملة
في السياق ذاته، قال أحد متعهدي الحج والعمرة العراقية لـ"الاستقلال"، طالبا عدم الكشف عن هويته: إن "موسم الحج للعام الحالي 2025، شهد إلقاء القبض على موظفي البعثة العراقية من قبل الأمن السعودي بعد محاولتهم بيع مخدرات قاموا بتهريبها إلى السعودية".
ولفت إلى أن "هذه العملية أثارت إرباكا كبيرا في قوافل الحج العراقية وتأخرا بسبب عمليات التفتيش التي أعقبتها على جميع الحافلات التي تقل الحجيج القادمين عن طريق البرّ عبر منفذ عرعر الحدودي".
وأشار المتعهد العراقي إلى أن "هذه الحوادث لا شك أنها ستنعكس سلبا على العلاقة بين البلدين، لأن ما يجري يعبر عن ضعف في الإجراءات من الجانب العراقي، بالتالي إذا لم تتخذ تدابير تمنع تكرار مثل هذه العمليات، فإن السلطات السعودية قد تتخذ إجراء لحماية أمنها بتقليل أعداد القوافل البرية وربما حتى إيقافها".
وتُظهر بيانات وزارة الداخلية العراقية، أن ملف المخدرات أخذ في الاتساع بشكل مقلق خلال السنوات الأخيرة؛ إذ بلغ عدد المحكومين في قضايا الاتجار والتعاطي خلال عام 2025 وحده أكثر من 2600 شخص، فيما تشير الإحصاءات الرسمية إلى ضبط ثلاثة أطنان من مادة الكبتاغون والكريستال.
وتعد المخدرات من أبرز التحديات التي تواجه المجتمع العراقي، لا سيّما أن تجارتها قد اتسعت في الفترة الأخيرة بصورة خطرة، وتحوّل العراق إلى ممرّ لتلك المواد في اتّجاه عدد من الدول العربية.
ويتراوح سعر الغرام الواحد من "الكريستال" بين 15 إلى 25 ألف دينار (11.5 إلى 19 دولارا)، و"الكبتاغون" التي يصل سعر الحبة الواحدة منها إلى نحو دولارين، وغالبية متعاطيها هم من فئة الشباب بين 18 إلى 30 سنة.
ومنذ انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، نهاية عام 2024، عُثر على كميات كبيرة من أقراص "الكبتاغون" المخدرة في مناطق مختلفة، وهي مكدّسة في مستودعات أو قواعد عسكرية، لتؤكد صحة التقارير السابقة عن دور النظام السوري السابق في صناعتها وتصديرها إلى العالم.
وقدر مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية المتابع لتجارة المخدرات في العالم العربي، أن نظام الأسد حصل على متوسط 2.4 مليارات دولار سنويا من هذه التجارة، بين عامي 2020 و2022، علما أن حجم السوق العالمي يبلغ 5.7 مليارات دولار.
ويعد العراق أحد أكبر المتضررين من تجارة المخدرات والكبتاغون، فقد كانت حدوده مفتوحة أمام دخول كميات كبيرة من الحبوب المخدرة من سوريا، لكنها تراجعت بعد سقوط نظام بشار الأسد، خاصة المنافذ الوهمية، التي كانت تحت سيطرة المليشيات الموالية لإيران.
المصادر
- السعودية الطريق البديل لفصائل عراقية بتجارة المخدرات.. هل هي رغبة إيرانية أم مخطط أميركي؟
- بعد انحسار سوريا.. عرعر يتحول إلى معبر جديد لتهريب المخدرات
- الحج العراقية تفوج أول رحلة عمرة براً بعد انقطاع لأكثر من 30 عاماً
- تعاون بين العراق والسعودية.. ضبط 142 كغم من المخدرات واعتقال عراقيين اثنين
- الأمن السعودي يعتقل موظفا ببعثة الحج العراقية متلبساً ببيع المخدرات
- العراق والسعودية يعتقلان تاجري مخدرات دوليين في عملية مشتركة