تفتيش دولي وهواجس عسكرية وعقوبات اقتصادية.. إيران إلى أين؟

يوسف العلي | منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

مع موافقة مجلس الأمن الدولي، في 19 سبتمبر/أيلول 2025، على إعادة فرض العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي، برزت تساؤلات ملحة عن أسباب عدم تمكن طهران من التوصل إلى اتفاقات تجنبها استئناف هذه الإجراءات.

فقد رفضت طهران شروط دول الترويكا الأوروبية (ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا) وأبرزها استئناف المفاوضات مع واشنطن بشأن البرنامج النووي، والسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى مواقعها النووية، وكشف مصير أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب.

وفي 28 أغسطس/آب 2025، فعّلت الدول الثلاث الأوروبية المنضوية في الاتفاق النووي الآلية المعروفة باسم "آلية الزناد" أو "سناب باك"، وذلك بإشعار رسمي إلى مجلس الأمن بإعادة فرض العقوبات على إيران خلال 30 يوما حال عدم استجابتها للشروط.

وترتبط "آلية الزناد"، بالاتفاق النووي المبرم عام 2015، وتنص على أنه في حال إخلال إيران بالتزاماتها، تستطيع الدول الأعضاء تفعيلها داخل مجلس الأمن، لتُعاد تلقائيا جميع العقوبات الأممية السابقة ضد طهران.

سيناريو العراق

ومن أجل تنفيذ الشروط الغربية، تطالب إيران بضمانات بعدم استهداف مواقعها النووية والبدء برفع العقوبات عنها، وهو ما تتجاهله واشنطن والقوى الأوروبية.

على وقع هذه التطورات، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي: إن "إيران قدمت مقترحا إبداعيا وعادلا ومتوازنا، يعالج المخاوف الحقيقية ويعود بالنفع على الطرفين. إن تحويل هذه الفكرة إلى واقع عملي يمكن أن يكون سريعا، ويحدد الأهداف النهائية لتجنب أزمة".

وأضاف عراقجي عبر تدوينة على "إكس" في 18 سبتمبر، أن الاقتراح قدم إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا، المعروفة بمجموعة الترويكا، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، مضيفا أن "هناك طريقا للمضي قدما، لكن لا يمكن لإيران أن تكون الجهة الفاعلة الوحيدة التي تتحمل مسؤولية العمل".

وأفادت صحيفة "وول ستريت جورنال"، الأميركية في 20 سبتمبر، بأن إيران قدّمت مقترحا- رفضته الدول أوروبية الثلاث- أعربت فيه عن استعدادها لمعالجة مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة– وهو مستوى يقترب من الدرجة المستخدمة في تصنيع الأسلحة– ثم تخفيفه إلى نسبة 20 بالمئة.

في المقابل، كانت طهران تتوقع أن ترفع الولايات المتحدة بعض العقوبات، وأن يعمل مجلس الأمن الدولي أولا على تمديد ثم إلغاء قرار آلية الزناد، الذي يسمح بمعاقبة طهران.

ووفقا للصحيفة، طرح وزير الخارجية الإيراني، هذا العرض خلال اتصالات هاتفية مع نظرائه الأوروبيين، كما أبدى استعداده للقاء المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، لإظهار جدية طهران في الحوار. 

في المقابل طالبت طهران بضمانات أميركية بعدم شن هجوم عسكري جديد على منشآتها النووية، كما حدث في يونيو/حزيران 2025 بعدوان مشترك من واشنطن وتل أبيب.

المقترح الإيراني نصّ على أن تتم أولا استعادة كامل مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة قبل بدء عملية التخفيف، غير أن مصير نحو 400 كيلوجرام من اليورانيوم عالي التخصيب ما زال غير واضحا.

لكن طهران تقول: إن هذه الكمية دُفنت تحت الأنقاض بعد الهجمات الأميركية على ثلاثة مواقع نووية في 21 يونيو. وحذر خبراء من أن عملية استعادة هذه الكميات قد تزيد من احتمال تعرض إيران لهجوم عسكري، وفقا للصحيفة.

وفي 19 سبتمبر، نقل السياسي الإيراني، محمد صالح صدقيان، عن مصادر "غير رسمية" بأن مقترح إيران، شمل أيضا: “التخلص من اليورانيوم مرتفع التخصيب”.

وقال عبر “إكس”: "يُعتمد اتفاق القاهرة كقاعدة للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. بعدها تفتح المفاوضات بشأن النووي الإيراني". 

وفي 9 سبتمبر، استضافت القاهرة اجتماعا بين عراقجي، والمدير العام للوكالة الذرية، رافاييل غروسي، جرى التوصل فيه لاتفاق يقضي بحرية عمل المفتشين الدوليين بالمنشآت النووية الإيرانية، لكن مخرجاته أثارت الجدل لاحقا.

وتعليقا على مقترحات طهران، قال الباحث في الشؤون الدولية، عادل الشجيري: إن "النظام في إيران يتخوف من لجان التفتيش بحد ذاتها، لأنهم عدوا مما جرى مع العراق قبل عام 2003، وأدى في نهاية المطاف إلى احتلاله والإطاحة بنظامه السياسي تحت ذريعة أسلحة الدمار الشامل".

وأضاف الشجيري لـ"الاستقلال" أن "أي تنازل يبديه النظام الإيراني بشأن البرنامج النووي هو استسلام حرفيا، كونه يمثل آخر خط دفاعي لها يمكن أن تفاوض به الغرب وتضغط لرفع العقوبات عنها".

وباعتقاد الباحث، فإن "عدم تقديم إيران أي تنازل في ملفها النووي والسماح للجان الطاقة الدولية بالوصول إلى مؤسساتها النووية، مناورة تحاول من خلالها كسب الوقت للانتقال بعدها إلى التفاوض وتقديم تنازلات أقل، بدلا من التخلي عن برنامجها بالكامل".

اتفاق القاهرة

وبعد لقاء القاهرة بيوم، عاد عراقجي وأكد، أن دخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المنشآت النووية في بلاده سيكون مقيداً.

وشدد على أن طهران لن تسمح لمفتشي الوكالة بدخول أي موقع باستثناء محطة بوشهر للطاقة النووية في جنوب البلاد، وفق ما نقلت وكالة أنباء "إرنا" الإيرانية.

وتختلف تصريحات عراقجي هذه عما قاله غروسي بكلمة مقتضبة عن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه، وآلية استئناف عمليات التفتيش في مواقع معينة، بما في ذلك تلك التي استهدفت في الهجمات الإسرائيلية والأميركية في 21 يونيو.

رغم ذلك، رأى غروسي أن اتفاق القاهرة يُعد خطوة مهمة إلى الأمام، إذ يحدد إجراءات تفتيش المنشآت النووية الإيرانية، وكيفية إخطار الوكالة الجانب الإيراني بالزيارات المخطط لها. 

وأضاف المدير العام للوكالة الذرية أن اتفاق القاهرة يتضمن أيضاً التزاما من طهران بالإبلاغ عن حالة مخزونها من اليورانيوم المخصب، حسبما نقلت وكالة "رويترز" البريطانية.

وفي 14 سبتمبر، أعلن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أن الاتفاق الأخير مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية "بشكل عام" مطابق للنص، الذي أقرته اللجنة النووية بالمجلس.

وبين أن تنفيذ هذا الاتفاق مرهون أيضًا برأي المجلس النهائي، مبينا أن التقارير المتعلقة بالمرافق المستهدفة من قِبل الولايات المتحدة وإسرائيل ستتم فقط بعد ضمان الشروط الأمنية وبموافقة المجلس، وأن أي "إجراء عدائي" مثل تفعيل "آلية الزناد" سيؤدي إلى توقف التعاون.

ويأتي هذا الإعلان من المجلس الأعلى للأمن القومي بعد استمرار الغموض حول محتوى الاتفاق الجديد بين إيران والوكالة الدولية في القاهرة، ما أثار انتقادات وتكهنات واسعة داخل إيران حول تفاصيله.

فرصة ضعيفة

وبخصوص عدم تمكن طهران من التوصل إلى اتفاق يجنبها العقوبات الدولية، قال الدبلوماسي الإيراني السابق فريدون مجلسي خلال مقابلة صحيفة "ستاره صبح" الإصلاحية في 21 سبتمبر، إنّ "فرص إيران في منع تفعيل آليّة الزناد ضعيفة".

وعزا مجلسي ذلك إلى "الخطابات الاستفزازية والتهديدات التي يطلقها بعض المسؤولين في البرلمان وخارجه ضد الولايات المتحدة، وأوروبا وإسرائيل، وتهديدها بإغلاق مضيق هرمز"، محذرا من مخاطر حرب واصطفافات إقليمية ضد إيران.

ورأى الدبلوماسي الإيراني السابق، أنّ “استمرار التهديدات يفتح الباب لتفعيل آليّة الزناد، ويجعل إيران عرضة لردود فعل استباقية، خاصة من إسرائيل التي قد تشن هجمات إذا شعرت بالتهديد”، مبينا أن إنهاء العداء والشعارات يحتاج شجاعة سياسية.

من جهته، قال الخبير الدولي الإيراني، محمود عباس زاده مشكيني، إنّ "رفض رفع العقوبات عن إيران في مجلس الأمن يعكس طبيعة النظام الدولي الذي أنشأه الغرب بعد الحرب العالمية الثانية، لإضفاء شرعية على هيمنته الأحادية".

وأوضح مشكيني خلال مقال نشرته صحيفة "تجارت" الاقتصادية، في 21 سبتمبر، أن "الضغوط الغربية – بما فيها آلية الزناد – تهدف في النهاية إلى وضع الملف النووي الإيراني تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (يتيح اتخاذ إجراءات دولية قسرية)، تمهيدا لأي هجوم محتمل".

بدوره، قال الكاتب السياسي صلاح الدين خديو، إن "إضفاء الطابع القانوني على هيكل العقوبات ضد إيران قد يوفر ذريعة لإسرائيل لتنفيذ مغامرة عسكرية جديدة ضد طهران".

أوضح خديو خلال مقال نشره على قناته في “تلغرام” 18 سبتمبر، أن "هذا الخطر سيشتد عندما نرى أن إدارة (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب كانت الداعم الرئيسي والأساسي الوحيد تقريبا للحكومة الإسرائيلية المتطرفة في حروبها بما في ذلك العدوان المستمر على قطاع غزة".

وتساءل الكاتب قائلا: "لماذا لم تتخذ إيران إجراء ذا معنى لمنع تفعيل آلية استعادة العقوبات؟"، لكنه في الوقت نفسه يرجع السبب إلى أن "أحد شروط الترويكا الأوروبية لمنع تفعيل الآلية هو إحياء المفاوضات مع أميركا دون قيد أو شرط وبسرعة".

وأكد خديو أنه مع جدول الأعمال الذي حددته واشنطن، لم يبق عمليا مجال لإيران لمنح تنازلات في موضوع التخصيب".

ولفت إلى أن “البيت الأبيض وضع إصبعه على مدى وقدرة الصواريخ الإيرانية، وأن اللعب بهذا الإطار بالنسبة لإيران محصلته صفر، و”من الطبيعي ألا تحرق طهران أوراقها فيه".