من الهامش إلى المركز.. موريتانيا الجديدة بين مكاسب الغاز والتحديات الإقليمية

تحولت نواكشوط إلى خط دفاع أول لأوروبا في إدارة طريق الهجرة الأطلسية نحو جزر الكناري
تشهد موريتانيا تحولا إستراتيجيا غير مسبوق جعلها تنتقل من موقع الهامش في خريطة الساحل إلى مركز ثقل إقليمي. حسب معهد العلاقات الدولية الإيطالي.
فمنذ بدء إنتاج الغاز الطبيعي المسال من مشروع "تورتو أحميم الكبير" في 2025، دخلت البلاد نادي المصدرين العالميين، ما عزز مكانتها كمحور طاقي في وقت تبحث فيه أوروبا وآسيا عن بدائل للغاز الروسي.
بالتوازي، تحولت نواكشوط إلى خط دفاع أول لأوروبا في إدارة طريق الهجرة الأطلسية نحو جزر الكناري، ما منحها ورقة ضغط سياسية ومالية بالغة الحساسية.
غير أن هذه المكاسب ترافقها تحديات خطيرة؛ مثل تزايد الانتقادات الحقوقية بسبب الانتهاكات ضد المهاجرين، ومخاطر بيئية تهدد البنية الطاقية الجديدة، وضغط أمني متصاعد على حدود مالي.

من الهامش إلى المركز
في بداية التقرير، يؤكد المعهد الإيطالي أن "موريتانيا، التي لطالما عدت لاعبا هامشيا في الساحة الإفريقية، تعيش اليوم لحظة حاسمة تعيد تعريف دورها الإقليمي والدولي".
لافتا إلى أن "اسم نواكشوط ارتبط دوما بالهشاشة المؤسسية والاقتصاد المعتمد على الكفاف، والتوازن الصعب بين المغرب العربي ومنطقة الساحل".
وأردف: "غير أن عام 2025 شكل نقطة تحول، فمع بدء إنتاج الغاز من مشروع (تورتو أحميم الكبير - GTA) البحري على الحدود مع السنغال، دخلت البلاد رسميا نادي موردي الغاز الطبيعي المسال".
وأشار إلى أن "تصدير أول شحنة في أبريل لم يكن مجرد إنجاز صناعي تقني، بل قفزة جيوسياسية جعلت موريتانيا مصدر طاقة في لحظة تعيد فيها أوروبا وآسيا صياغة سلاسل إمدادها بحثا عن مصادر بديلة مستقرة خارج الإطار الروسي".
وتابع: "غير أن هذه العائدات الجديدة تنبني على واقع بالغ التعقيد. فإلى جانب الغاز، تظل موريتانيا محورا رئيسيا في طريق الهجرة الأطلسي نحو جزر الكناري، أحد أهم مسارات الوصول إلى أوروبا".
وأوضح أن "الاتفاق الموقع مع الاتحاد الأوروبي عام 2024، والذي ضمن لنواكشوط دعما بنحو 210 ملايين يورو، جعل البلاد نقطة متقدمة في إستراتيجية (تصدير الحدود) الأوروبية".
لكنه أشار إلى أن "الثمن السياسي والإنساني لهذا الاتفاق كان باهظا، ففي أواخر أغسطس/ آب 2025، أدى غرق قارب إلى مقتل ما لا يقل عن 49 شخصا، ما أعاد الأنظار إلى التكلفة البشرية للطريق الأطلسي".
وبعد أيام، نشرت هيومن رايتس ووتش تقريرا أدان الانتهاكات والاعتقالات التعسفية والترحيل القسري من قبل السلطات الموريتانية، ما فجر توترات مع بروكسل ومدريد والمنظمات الإنسانية.
وبذلك، تستخدم موريتانيا ورقة الهجرة كـ "سلاح تفاوضي قوي لكنه مثير للجدل"، وفق تعبير التقرير، حيث تعد هذه الورقة "مصدرا للتمويل والشراكات، لكنه أيضا عبء على السمعة".

الأمن الإقليمي
وإلى جانب ما سبق، يضاف بعد آخر؛ وهو الأمن الإقليمي.
حيث لفت التقرير إلى أن "تدهور الوضع في الساحل، مع تفكك مالي وتوتر النيجر بعد انقلاب 2023، فرض على موريتانيا تعزيز وضعها العسكري".
وتابع: "ففي عام 2025، تكثف التعاون مع السنغال من خلال مناورات مشتركة وخطط لتعزيز الدفاعات على الحدود الشرقية في منطقة الحوض الغربي، التي تعد نقطة محورية لاحتواء التسلل الجهادي والأنشطة غير الشرعية العابرة للحدود".
وأردف: "هذا الجهد يعكس منطقا مزدوجا: حماية البنى التحتية الجديدة للطاقة واللوجستيات التي تغذي دخل البلاد، والحفاظ في الوقت ذاته على صورة (الدولة المستقرة) في أعين الشركاء الأوروبيين والخليجيين، المستعدين للاستثمار فقط حيث يبقى الخطر الأمني تحت السيطرة".
ونتيجة ما سبق، وفق رؤية المعهد الإيطالي لتحليل العلاقات الدولية، هي أن "موريتانيا باتت في طور التحول من الهامش إلى المركز. فالغاز البحري يوفر لها قوة اقتصادية، وإدارة طريق الهجرة تمنحها قوة تفاوضية مع أوروبا، والوضع الأمني يعزز مصداقيتها كشريك جدير بالثقة في ساحل مأزوم".
لكن يستدرك المعهد ويؤكد على أن هذه المكانة محفوفة بالتحديات، ورأى أن "التحدي الأكبر أمام نواكشوط سيكون تحويل هذا (الاستقرار المفاوض عليه) إلى مشروع وطني للتنمية، بدلا من أن تبقى مجرد منفذ لإستراتيجيات الآخرين".