يراجع حساباته بعد هجوم قطر.. إلى أي مدى يمكن للخليج تجاوز واشنطن؟

" الاعتماد على شريك أمني خارجي قد لا يكون فعالا"
يُظهر هجوم إسرائيل على قطر في 9 سبتمبر/أيلول سبب سعي جارتها، السعودية، إلى إبرام اتفاقية دفاع رسمية مع الولايات المتحدة الأميركية خلال السنوات الأخيرة.
ورغم كونها شريكا وثيقا للولايات المتحدة، إلا أن دول الخليج لا تربطها مع واشنطن سوى اتفاقيات أمنية غير رسمية، وهذه الاتفاقيات لا يُصادق عليها مجلس الشيوخ الأميركي، ولذلك لم تمنع إسرائيل من ضرب العاصمة الدوحة.
وبحسب معهد "تشاتام هاوس" البريطاني، فقد أصرت الرياض مرارا على التوصل إلى اتفاقية رسمية تتضمن ضمانات أمنية من الولايات المتحدة.
إسرائيل تعرقل
ويُذكر هنا مقترح الولايات المتحدة في خريف 2023 بشأن ترقية العلاقات الدفاعية بين واشنطن والرياض؛ حيث اقترح الرئيس حينها جو بايدن تقديم اتفاقية دفاع متبادل مع المملكة مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وقد كرر الرئيس دونالد ترامب هذا العرض عندما التقى بقادة السعودية خلال زيارته للخليج في مايو/أيار 2025.
وفي تقرير له، قال معهد “تشاتام هاوس” إنه "في النهاية، لم يتمكن بايدن ولا ترامب من الوفاء بالتزاماتهما؛ لأن إسرائيل لم تستوفِ شرط السعودية بالموافقة على إنشاء دولة فلسطينية مستقلة".
وأضاف “مع ذلك، يبقى الجوهر: كان السعوديون يصرون على أن تقدم الولايات المتحدة ضمانات أمنية قوية تجعل أي خرق للاتفاق من قِبل واشنطن مكلفا سياسة وسمعة”.
وكان السعوديون وجميع شركاء الولايات المتحدة الآخرين في الخليج راضين عن اتفاق أمني غير ملزم قانونيا مع واشنطن لأكثر من سبعة عقود.
لكن حدث 14 سبتمبر/أيلول 2019، غيّر بشكل جذري العقلية السعودية والخليجية، ففي ذلك اليوم، شنت إيران هجوما على منشآت النفط السعودية باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ.
وقد عُدّ الهجوم عقابا للرياض لمواقفها المؤيدة لسياسة الضغط الأقصى التي اتبعها ترامب ضد طهران.
وكانت هذه المرة الأولى في تاريخ العلاقات السعودية-الإيرانية التي تُهاجم فيها طهران السعودية مباشرة بأسلحة تقليدية، وقد نفى الجانب الإيراني مسؤوليته المباشرة، وهو ما رفضته الرياض وواشنطن.
صحيح أن الولايات المتحدة أدانت الهجوم، لكنها لم تتخذ أي إجراء ملموس ضد إيران، مما صدم السعوديين، وبعد ذلك، لم يعد الاتفاق الأمني غير الرسمي مع واشنطن كافيا. بحسب تقييم المعهد.
تهرب أميركي
ولفت إلى أن “السعوديين أرادوا اتفاقا مكتوبا؛ وثيقة موقعة رسميا من الطرفين، وكان من الضروري أن يكون الاتفاق قانونيا، ويحظى بموافقة الكونغرس، ويصمد أمام الإدارات المتعاقبة”.
وهذا يعني معاملة المملكة مثل أي حليف رسمي آخر للولايات المتحدة، مثل أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) ودول المحيط الهادئ بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين.
وهكذا نجد أن دول الخليج تعرضت حتى الآن لهجوم من صديق للولايات المتحدة هو إسرائيل، وعدو هو إيران، وفي كلتا الحالتين لم تتمكن واشنطن -أو، والأسوأ، لم تكن راغبة- في حمايتهم.
وأكد المعهد البريطاني أنه "لا يمكن لوم دول الخليج إذا ساورتها شكوك حول التزام الولايات المتحدة بالدفاع عنها، رغم استضافة واشنطن لقوات وأصول أميركية على أراضيها وبيعها كميات هائلة من الأسلحة".
وقال: "لكن الحل لشكوك دول الخليج بشأن مستقبل الوصاية الأميركية قد لا يكون بالتمسك المفرط بالولايات المتحدة.. فالحصول على معاهدة دفاع متبادل من واشنطن يبدو أقل احتمالا".
وتابع: "وذلك بفعل معارضة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القوية لحل الدولتين مع الفلسطينيين، ووعده باستهداف قادة حماس أينما كانوا".
بل إن المعهد يرى أنه "حتى إذا أصبحت المعاهدة ممكنة، فهي لن تضمن الحماية الأميركية بشكل قاطع".
وأضاف "فحتى مع وجود المادة الخامسة من ميثاق الناتو، فإن الولايات المتحدة أو أي عضو آخر في الحلف غير مُلزم بالدفاع تلقائيا عن الطرف المُعتدى عليه، حيث يمكن لكل عضو تقييم الوضع والتشاور، وإذا شعر بأن التدخل العسكري يتعارض مع مصالحه الأمنية، فيمكنه التراجع".
في هذه الحالة "ستكون هناك بالتأكيد تكاليف سياسية وأخرى تتعلق بالسمعة، ولكنها على الأرجح ستكون أقل وطأة من التورط في حرب مع المعتدي".
علاوة على هذا، فإن "اتفاقية الدفاع المشترك مع باكستان المسلحة نوويا، التي وقّعها القادة السعوديون والباكستانيون أخيرا، لا تُقدّم ضمانة دفاعية قاطعة". وفق التقرير.
"فالهند تُمثّل الأولوية القصوى لباكستان، وتُخصّص جميع مواردها العسكرية -المحدودة بطبيعتها- لمواجهة هذا التحدي التاريخي. وهذا لا يعني التقليل من الأهمية الإستراتيجية لاتفاقية الدفاع السعودية-الباكستانية، بل للتأكيد على وجود بديل أفضل، أقرب إلى الديار".
التكامل الدفاعي
وقال: "في الواقع، يكمن الحل لتعزيز أمن الخليج في الداخل، فلطالما كان هذا الحل قائما، ويرتكز على التكامل الدفاعي، أو على الأقل تحسين التعاون الدفاعي بشكل كبير بين دول مجلس التعاون الخليجي الست".
واتفقت دول مجلس التعاون الخليجي على إنشاء "قوات درع الجزيرة" عام 1984، بهدف تأسيس قوة عسكرية مشتركة. وقد نوقشت مسألة التكامل الدفاعي في عدة قمم لاحقة، ووُقعت اتفاقية دفاع مشترك عام 2000.
ولكن حتى عام 2025، اقتصر دور قوات درع الجزيرة على الاستشارات، باستثناء التدخل العسكري عام 2011 في المنامة، للمساعدة في قمع انتفاضة شعبية ضد النظام الملكي البحريني.
وبحسب تقييم المعهد، فلا يزال الوصول إلى قيادة عسكرية متكاملة بالفعل بعيد المنال، ولم تسع دول الخليج إلى التكامل الدفاعي الكامل، وهذا في جزء منه بسبب فقدانها للثقة المتبادلة وتباين مواقفها في السياسة الخارجية.
وقبل بضع سنوات فقط، فرضت السعودية والإمارات والبحرين حصارا على قطر بعد اتهامها بالتدخل في شؤونها الداخلية إلى جانب اتهامات أخرى.
فيما بعد، تحسنت العلاقات بشكل ملحوظ؛ حيث أعربت الرياض وأبو ظبي والمنامة عن تضامنها مع الدوحة بعد الهجوم الإسرائيلي، ومع ذلك، ما زالت العلاقات بين دول الخليج تتسم بمزيج من التنافس والتنسيق. بحسب التقرير.
وقال: إن "الهجوم على الدوحة في حد ذاته يوضح أهمية إعطاء الأولوية لتعزيز الأمن الخليجي على حساب المنافسة والخلافات السياسية البينية.. فكتلة قوية مثل مجلس التعاون الخليجي ينبغي أن تكون قادرة على توظيف إمكاناتها المالية والعسكرية الضخمة بشكل إستراتيجي لتعزيز الأمن الجماعي".
وعقب القمة الطارئة التي انعقدت في الدوحة ردا على الهجوم، تعهدت دول مجلس التعاون بـ"تفعيل آليات الدفاع المشترك"، إلا أن التفاصيل حول ما يعنيه ذلك عمليا ما زالت محدودة، وما إذا كان الأمر يتجاوز مجرد إعلان تضامن.
ولا يشترط أن يكون التكامل الدفاعي في صورة "ناتو خليجي" منذ البداية، بل يمكن أن يتم بشكل تدريجي.
وبحسب التقرير، هناك خمسة مجالات على الأقل يمكن من خلالها تعزيز التعاون وتوحيد الموارد بما يؤدي إلى تكامل يحقق مكاسب إستراتيجية فورية: سلاسل الإمداد واللوجستيات، والابتكار التكنولوجي، وإدارة وإنتاج الصناعات الدفاعية؛ وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والدفاع الجوي والصاروخي.
وأوضح أنه "لا يتعارض أيّ من ذلك مع الاستمرار في تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة أو باكستان، بل إن وجود تكتل دفاعي خليجي أكثر توحدا ينسجم تماما مع المقاربة الأمنية الأميركية في المنطقة، والتي تشجع على مزيد من التعاون والتكامل الإقليمي، مع قيام الولايات المتحدة بدور الميسر والمنسق".
وأردف: "لقد ظل المسؤولون الأميركيون يدفعون بهذا المفهوم في الخليج لعقود، ويحتاج مجلس التعاون الخليجي إلى الولايات المتحدة لتنفيذ التكامل الإقليمي؛ لأنها توفر التنظيم والتكنولوجيا والتدريب".
ورأى المعهد أن “الفكرة تقوم على المزج بين القدرات التكنولوجية والتنظيمية الأميركية، والقدرات المالية والصناعية المدعومة سياديا في الخليج”.
وقال: "إنها بالفعل لحظة تحول في الخليج، لحظة للاعتراف أخيرا بأن الاعتماد على شريك أمني خارجي، مهما كان قريبا وقويا، قد لا يكون فعالا بنفس فعالية تحصين الجبهة الداخلية الجماعية".
وختم المعهد بأن "الأمر قد لا يكون مثاليا، لكن السبيل الوحيد لجني ثماره هو خوض تجربته بالكامل".