خيانة أميركا لقطر.. إلى أي مدى عجلت بالدفاع المشترك بين السعودية وباكستان؟

يوسف العلي | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

وقعت السعودية وباكستان اتفاقية إستراتيجية للدفاع المشترك، أخيرا، وذلك بعد تقلبات كبيرة شهدتها العلاقة بين البلدين خلال العقد الأخير، ما أثار تساؤلات عن أسباب اختيار الرياض لإسلام آباد، وإلى أي مدى أسهم العدوان الإسرائيلي ضد قطر في التعجيل بإبرام الاتفاق.

وفي عام 2015 برز توتر بين البلدين نتيجة رفض باكستان طلبا سعوديا بالمشاركة في المعارك باليمن، وطالبتها بسداد مليار دولار من قرض ميسر في عام 2018 قبل موعده، ورفضت دعم باكستان بملف كشمير، بعد إلغاء الهند للوضع الخاص لشطر الإقليم في 2019. 

وبعد سنوات من التوتر، أعادت السعودية دعمها الاقتصادي لباكستان وقررت عام 2021 إيداع 3 مليارات في بنكها المركزي، مع منتجات بترولية مكررة بقيمة 1.2 مليار، وبعدها بعام مدد الصندوق السعودي للتنمية أجل الوديعة السعودية بثلاثة مليارات لصالح البنك نفسه.

"دفاع مشترك" 

في خطوة تعزز الشراكة الأمنية مع تنامي التوتر بالمنطقة، وقعت السعودية وباكستان اتفاقية دفاع مشترك في 17 سبتمبر/ أيلول 2025، وذلك بعد أسبوع من ضربات إسرائيلية على العاصمة القطرية الدوحة قلبت الحسابات الدبلوماسية بالشرق الأوسط رأسا على عقب.

ففي 9 سبتمبر، أعلن الكيان الإسرائيلي مسؤوليته عن هجوم جوي استهدف مقر قادة "حماس" في الدوحة، وذلك في ظل علم مسبق من الولايات المتحدة، رغم زعم رئيسها دونالد ترامب لاحقا بأن رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو وحده اتخذ قرار قصف قطر.

وجاء توقيع اتفاقية الدفاع المشترك، في أعقاب جلسة مباحثات عقدها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، شملت بحث تعزيز أوجه الشراكة الإستراتيجية بين البلدين في مختلف المجالات، إلى جانب مناقشة تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية.

وتنص الاتفاقية على أن "أي اعتداء على أحد البلدين هو اعتداء على كليهما"، وذلك في إطار سعي البلدين لتعزيز أمنهما وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم.

وتهدف الاتفاقية، وفق بيان مشترك، "إلى تطوير جوانب التعاون الدفاعي بين البلدين، وتعزيز الردع المشترك ضد أي اعتداء".

وعرض التلفزيون الباكستاني لقطات لشريف وابن سلمان وهما يتعانقان بعد توقيع الاتفاقية، بحضور قائد الجيش الباكستاني عاصم منير، الذي يعد أقوى شخصية في باكستان، وسبق أن طالب جميع الدول الإسلامية إلى التوحد لمواجهة العدوان الإسرائيلي.

وقال منير خلال كلمة له في جلسة للجمعية في 14 يونيو 2025: إن "إسرائيل تستهدف اليمن وإيران وفلسطين، لذا فإن وحدة العالم الإسلامي أصبحت ضرورة حتمية لمواجهة إسرائيل. إذا بقينا صامتين ومنقسمين اليوم، فسيتم استهداف الجميع في النهاية"

وجاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الباكستاني: "تهدف هذه الاتفاقية، التي تعكس الالتزام المشترك لكلا البلدين بتعزيز أمنهما وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم، إلى تطوير جوانب التعاون الدفاعي بين البلدين وتعزيز الردع المشترك ضد أي عدوان… وتنص الاتفاقية على أن أي عدوان على أي من البلدين يعد عدوانا على كليهما".

ورغم التوترات التي شهدتها العلاقة بين البلدين، لكن ثمة تحالفا قائما بين إسلام آباد والرياض منذ عقود، وأن للأولى جنودا في المملكة يقدر عددهم بنحو ألفي جندي يقدمون تدريبا فنيا وميدانيا للجيش السعودي، ويتضمن ذلك مساعدة القوات الجوية والبرية السعودية.

وعندما سُئل مسؤول سعودي كبير عما إذا كانت باكستان ستكون ملزمة بتزويد الرياض بمظلة نووية بموجب الاتفاقية، أجاب لوكالة "رويترز" في 18 سبتمبر، أن "هذه اتفاقية دفاعية شاملة تشمل جميع الوسائل العسكرية".

ونقلت "رويترز" عن المسؤول السعودي الكبير (لم تسمه) جوابه على سؤال عن توقيت الاتفاقية مع باكستان: "أنها تتويج لمناقشات استمرت سنوات. ليست ردا على دول أو أحداث محددة، إنما هي إضفاء طابع مؤسسي على تعاون طويل الأمد وعميق بين بلدينا".

"توازن الردع"

وبخصوص أسباب توجه السعودية نحو باكستان وتوقيع اتفاقية دفاع مشترك في الوقت الحالي، رأى رئيس مركز "رصد" للدراسات الإستراتيجية العميد السوري المتقاعد عبدالله الأسعد، أن "الرياض تريد أن ترسل رسالة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، بأن لديها خيارات أخرى غير الخيار الأميركي".

وقال الأسعد لـ"الاستقلال": إن "السعودية وجدت بأن الغطاء الأميركي لا يحمي دول الخليج كما حصل مع قطر، خصوصا أن إدارة ترامب ترى البلدان الخليجية عبارة عن بقرة حلوب لنهب أموالها، وأن إسرائيل هي فتاها المدلل الذي يضرب من يريد في أي وقت وطريقة كانت".

وأكد الخبير العسكري أن "ما أقدمت عليه السعودية من توقيع اتفاقية مع باكستان هي خطوة بالاتجاه الصحيح، وحتى تقول لإسرائيل أيضا إنه ليس فقط العالم العربي معني بالتضامن والتآزر، وإنما العالم الإسلامي هو معني بذلك، وهذه رسالة قوية جدا من الرياض".

وشدد الأسعد أن "تنفيذ إسرائيل ضربة جوية على دولة قطر وتغاضي الولايات المتحدة عنها، وكذلك أخذ الرئيس ترامب وضعية الصمت كان يدل على خيانة، ويبدو أن السعودية استشعرت خطر ذلك، وهذا جعلها تعجل في الذهاب باتجاه باكستان".

ما دفع السعودية للذهاب باتجاه باكستان دون غيرها، وفقا للخبير العسكري، هو أن "الأخيرة دولة قوية وتمتلك القنبلة النووية ولديها حضور كبير جدا ضمن العالم الإسلامي وهي أيضا ذات قرار سيادي، وهذا كان واضحا في الأزمة التي حصلت مع الهند".

وأوضح الأسعد أن "باكستان كانت على أهبة الاستعداد في الرد العسكري على الهند النووية، ولم ترضخ حينها أبدا لأي ضغوط من الخارج، وإنما اتخذت قرارها بنفسها الذي حمى أرضها".

وتصاعد التوتر بين الهند وباكستان في 22 أبريل/ نيسان 2025، عقب إطلاق مسلحين النار على سائحين في بلدة باهالغام بإقليم "جامو وكشمير" الخاضع للإدارة الهندية، ما أسفر عن مقتل 26 شخصا وإصابة آخرين.

وفي 6 مايو/أيار نفذ الجيش الهندي هجمات صاروخية على أراضٍي باكستانية، شملت منطقة "آزاد كشمير" (كشمير الحرة) الواقعة تحت سيطرة باكستان، وذلك بدعوى الرد على هجوم بلدة باهالغام.

وردت باكستان بحزم شديد ووجهت ضربات إلى مقرات القيادة الهندية على طول الحدود، ونفّذت هجمات صاروخية، وأسقطت 5 من أصل 10 طائرات حربية هندية في الأجواء، ليتوصل الطرفان بعدها إلى وقف شامل لإطلاق النار بينها في 10 مايو.

وتُعد باكستان هي الدولة الوحيدة المسلحة نوويا من بين دول العالم ذات الأغلبية المسلمة ولديها أيضا أكبر جيش في العالم الإسلامي، وتؤكد إسلام آباد مرارا أن قوتها العسكرية تركز على مواجهة الهند النووية.

استثمار بالنووي

منذ أكثر من عقد من الزمن، كشفت تقارير غربية عن استثمار سعودي في مشروعات الأسلحة النووية الباكستانية.

وفي منتصف سبتمبر/ أيلول 2018، نشرت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية،  معلومات قالت حينها: إنها حصلت عليها من مصادر رسمية أميركية (لم تسمها)، عن نية السعودية شراء أسلحة نووية من باكستان، ما ينذر بحسب وصفها بإطلاق "سباق تسلح".

وأوضحت الصحيفة البريطانية أن "هذه الخطوة من جانب السعودية التي مولت جانبا كبيرا من البرنامج النووي لإسلام آباد على مدار العقود الثلاثة الماضية تأتي وسط حالة من الغضب المتزايد بين الدول العربية الخليجية بسبب اتفاق يدعمه الرئيس الأميركي (الأسبق) باراك أوباما وتخشى هذه الدول من أن يتيح لعدوها اللدود، إيران، تطوير قنبلة نووية".

ولفتت إلى أن "مثل هذه الخطوة سوف تفتح الباب لدول أخرى من أجل الحصول على أسلحة نووية كمصر وتركيا".

وقبل ذلك بخمسة أعوام، كشفت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" وتحديدا في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 عن استثمار السعودية في مشروعات الأسلحة النووية الباكستانية، معتقدة أن بإمكانها الحصول على الأسلحة الذرية في الوقت الذي تشاء.

وبالرغم من أن سعي السعودية للحصول على أسلحة نووية غالبا ما يندرج في إطار المنافسة التي يثيرها البرنامج النووي الإيراني، فإن بإمكانها الآن نشر هذه الأسلحة بأسرع من إيران.

وكان مسؤول في حلف شمال الأطلسي (الناتو) قال في وقت سابق من عام 2013: إنه اطلع على تقارير استخبارية تفيد بأن الأسلحة النووية المصنعة في باكستان نيابة عن السعودية أصبحت الآن جاهزة للتسليم.

وفي السياق ذاته، قال أموس يالدين، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، لمؤتمر في السويد إنه إذا نجحت إيران في صنع قنبلة نووية، فإن" السعوديين لن ينتظروا شهرا واحدا. لقد دفعوا مسبقا ثمن القنبلة، سيذهبون إلى باكستان ويحضرون ما يحتاجون إليه".

ومنذ عام 2009، عندما حذر العاهل السعودي الراحل، عبد الله، المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، دينيس روس، قائلا: إننا "سنحصل على الأسلحة النووية"، دأبت الرياض على إرسال عدة إشارات إلى الولايات المتحدة بشأن نواياها المستقبلية.

وبحسب "بي بي سي"، فإن السعودية بدأت في عام 2003 تفكيرا إستراتيجيا جديا بسبب البيئة الأمنية المتغيرة في المنطقة واحتمالات الانتشار النووي فيها.

وتحدثت عن وثيقة سربها مسؤولون سعوديون في السنة ذاتها، تفيد بأن السعودية رسمت ثلاثة سيناريوهات للتعامل مع هذا الأمر: الأول، اقتناء الأسلحة النووية التي تحتاجها، والثاني، الاتفاق مع قوة نووية أخرى لحمايتها، والثالث، الاعتماد على إمكانية خلو الشرق الأوسط من الأسلحة النووية.

وفي 21 سبتمبر/ أيلول 2023، قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية: إن "بلاده ستحصل على سلاح نووي إذا تمكنت إيران من الحصول عليه أولا".

ولدى سؤاله عما سيحدث إذا حصلت إيران بالفعل على قنبلة نووية قال ابن سلمان: "إذا حصلوا على واحدة فلا بد أن نحصل عليها بالمثل، لأسباب أمنية ومن أجل توازن القوى في الشرق الأوسط. لكننا لا نريد أن نرى ذلك".