"وساطة تركية".. لماذا تصالح الحلبوسي والخنجر قبل الانتخابات بالعراق؟

الطرفان اتفقا على طي أي خلافات جانبية وتوحيد المواقف قبل الانتخابات
على بعد أقل من شهرين على إجراء الانتخابات البرلمانية في العراق، أنهى اثنان من أبرز القيادات السياسية السنية خلافهما، عقب لقاء جمعهما في 11 سبتمبر/ أيلول 2025.
اللقاء عقد بين زعيم تحالف "السيادة" خميس الخنجر، ورئيس حزب "تقدم" محمد الحلبوسي؛ وذلك بعد عامين من انهيار تحالف نيابي جمعهما وتشكل برعاية تركية.
ومن المقرر أن يشهد العراق انتخابات برلمانية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، وسط غياب لأي إطار سياسي يجمع القوى السياسية السنية، وذلك على عكس الأحزاب الشيعية التي تشارك بقوائم منفردة لكن معظمها ينضوي ضمن الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم.

"توحيد المواقف"
السياسي السني، مشعان الجبوري، الذي حضر اللقاء المذكور، أكد عبر تدوينة على "إكس" في 11 سبتمبر، الاتفاق على "طي الخلافات".
وقال الجبوري: إنه أجرى مع الحلبوسي زيارة إلى الخنجر، وعقدوا اجتماعا مطولا استمر ساعات اتفق فيه على "طي أي خلافات جانبية إن وجدت، وتوحيد المواقف والمتبنيات والعمل معا في المرحلة المقبلة بما يخدم العراق وشعبه والناس الذين نمثلهم".
من جهته، أفاد تحالف "السيادة" خلال بيان في 11 سبتمبر، أن المجتمعين بحثوا الوضع في المحافظات الشمالية والغربية للعراق، فيما أكدوا على "إدامة التواصل" بين قوى المكون السني.
وأضاف البيان، "بحث اللقاء بين الخنجر، وأخويه الرئيس الحلبوسي والجبوري، عددا من الملفات المهمة المتعلقة بالدرجة الأولى بمواطني وأهالي محافظات شمال وغربي العراق، على رأسها الملف الحقوقي والإنساني وسبل تحقيق تطلعاتهم".
وثمّن الخنجر "جميع الجهود المبذولة في الفترة الماضية من مختلف القوى السياسية، لتعزيز الاستقرار والسلم". مؤكدا "أهمية تعزيز العلاقات وإدامة التواصل بين مختلف القوى وممثلي المكون السني، بما يخدم جهود تحصيل الحقوق ورفع الظلم ووقف كل أشكال الانتهاكات".
على الصعيد ذاته، قال بيان صادر عن حزب "تقدم": إن اجتماع زعيمه محمد الحلبوسي مع رئيس تحالف "السيادة" خميس الخنجر، بحث الأوضاع السياسية والاستحقاقات الانتخابية، وعددا من الملفَّات المهمَّة، من دون ذكر تفاصيل أخرى.
وفي 5 أبريل/ نيسان 2024، كشف الأمين العام لحزب "الوطن" العراقي، يزن مشعان الجبوري (نجل السياسي السني)، أنه نجح بالعمل على انفصال الخنجر عن الحلبوسي.
وقال الجبوري خلال مقابلة تلفزيونية: "أنا الذي أقنع الخنجر بالانفصال (سابقا) عن الحلبوسي والتوجه إلى رئيس تحالف العزم (السني) مثنى السامرائي". مؤكدا أنه "أسهم في تفكيك العديد من التحالفات داخل البيت السني وتشكيل تحالفات أخرى".
ولفت إلى أن "الاتفاق السياسي الذي جرى بين الخنجر والسامرائي وقع في بيتي". مبينا أنه كان مفاوضا لهما في تشكيل تحالف السيادة وعمل بعدها على إنهاء التحالف وتوجيه الأول للتحالف مع السامرائي.
وتشكل تحالف "السيادة" في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، برئاسة خميس الخنجر متكوّنا من حزب "تقدم" الذي يرأسه محمد الحلبوسي.
وأيضا من تحالف "عزم" الذي كان يرأسه الخنجر سابقا، ليضم 63 مقعدا في مجلس النواب، مما أفضى إلى ترشيح الحلبوسي لتولي رئاسة البرلمان لولاية ثانية.

وساطة تركية
وعن كواليس الجمع بين الحلبوسي والخنجر قبل الانتخابات البرلمانية، كشف عضو "تحالف الأنبار المتحد" (سني)، أحمد علي الدليمي، أن "وساطة تركية أفضت إلى تقريب وجهات النظر بينهما بعد قطيعة استمرت نحو عام".
ونقلت وكالة "المعلومة" في 12 سبتمبر، عن الدليمي قوله: إن "محادثات سرية جرت بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكل من الحلبوسي والخنجر، وأسفرت عن عقد اجتماع في منزل الأخير وسط بغداد، بحضور النائب السابق مشعان الجبوري".
ولفت إلى أن “اللقاء أثمر عن تفاهمات لتقاسم السلطة بين الطرفين، بعيدا عن التصريحات المتشنجة، وبالتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية”. مبينا أن "الوساطة ساعدت على إذابة الخلافات العالقة، والعمل المشترك على لملمة المكون السني تحت الرعاية التركية".
وأكد الدليمي أن تدخل أنقرة جاء بدافع الحفاظ على مصالحها في العراق، وأن نجاح هذه الوساطة جرى بتنسيق مع شخصيات مقربة من الرئيس أردوغان داخل البلاد.
من جهته، قال الكاتب العراقي، أحمد الجبوري: إن "اللقاء بين الخنجر والحلبوسي، لم يكن عاديا في توقيته ولا في دلالاته، بل حمل إشارات عميقة على أن مرحلة جديدة من التفاهمات قد بدأت تتشكل، بما يفتح الباب أمام إعادة ترتيب البيت السني على أسس أكثر واقعية وإنتاجية".
وأوضح خلال مقال نشره بوكالة "الراصد نيوز" العراقية في 12 سبتمبر، أن “أهمية هذا اللقاء تتجلى بأن كلا الزعيمين يمتلك جهدا سياسيا واجتماعيا ملموسا جعلهما الأقرب إلى جمهورهما والأقدر على مخاطبة شرائحه بخطاب يتسم بالنقاء والوضوح”.
هو ما يمنح القاعدة الشعبية ثقة مضاعفة ويجعل من هذا التفاهم عنوانا لمرحلة سياسية جديدة. وفق تقديره.
وفسر الجبوري هذا اللقاء- قبل أشهر قليلة من الانتخابات- على أنه يمنح الوحدة زخما إضافيا؛ إذ يتيح لها التبلور في مشروع سياسي متكامل ويحولها إلى قوة سياسية قادرة على خوض الاستحقاقات من موقع متماسك.
وهو توقيت يبعث برسالة إلى الداخل والخارج مفادها بأن السنة ذاهبون إلى الانتخابات بروح تنافسية منتجة وبرؤية مشتركة ترفض التشرذم والانقسام. وفق قوله.
وبحسب الكاتب، فإن “هذا يعكس حقيقة أن الجمهور السني بات يبحث عن مشروع كبير وواضح لا عن تكتلات صغيرة لا تحمل أي رؤية أو قدرة على الإنجاز”.
وأردف أنه: "رغم انزعاج بعض الأحزاب والشخصيات السنية الأخرى التي تفتقد إلى نهج عملي ورؤية واضحة، فإنّ ذلك لا يقلل من أهمية هذا اللقاء، بل يمثل دعوة لهم للاقتداء بالخنجر في منهجه السليم القائم على الترفع عن المصالح الشخصية الضيقة والعمل من أجل المصلحة الوطنية العليا".

"إطار سني"
وفي المقابل، قال مصدر سياسي عراقي لـ"الاستقلال"، طالبا عدم الكشف عن هويته: إن "اللقاء كان برغبة وترتيب من الحلبوسي، وربما يكون مشعان الجبوري هو الوسيط فيها، كونه يمتلك علاقة بين الطرفين، وسبق أن تحدث بأنه يسعى للجمع بينهما".
وأوضح المصدر أن الحلبوسي قاتل من أجل تحقيق لقاء مع الخنجر، مبينا أن هذه المرة الثانية التي يطلب فيها زعيم حزب تقدم لقاء رئيس تحالف السيادة، بعد رفض الأخير اللقاء معه في المرة السابقة، لكن وافق أخيرا، ويبدو بالفعل ثمة تدخل خارجي في القصة. وفق قوله.
وأشار إلى أن "البعض يتحدث عن احتمالية التحاق زعيم تحالف العزم مثنى السامرائي بهما قريبا، من أجل جمع القوى السنية تحت عنوان موحد كما هو الحال في الإطار التنسيقي الشيعي".
ولم يستبعد المصدر أن تكون تركيا وراء الدفع باتجاه هذا التقارب بين زعماء القوى السياسية السنية، خصوصا أنها كانت هي من جمعت بين الخنجر والحلبوسي عام 2022 رغم خلافاتهما الكبيرة، وضغطت باتجاه تولي الأخير رئاسة البرلمان لولاية ثانية.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "العالم الجديد" العراقية في 11 سبتمبر، فإن المكون السني أمام تحدٍّ سياسي بارز مع قرب الانتخابات البرلمانية يتمثل في غياب إطار جامع يوحد قواه، على غرار الإطار التنسيقي الذي يضمّ غالبية القوى السياسية الشيعية.
وأشارت إلى أنّ "هذا الغياب يهدد بتشتت الأصوات وفقدان مقاعد مؤثرة في الدورة الجديدة، وسط تنافس محموم بين الكتل السنية وتباين رؤاها بشأن شكل التحالفات المقبلة، ما قد يضعف من ثقلها في المشهد السياسي المقبل".
وبحسب مصادر نقلت عنها الصحيفة (لم تسمها)، فإن "رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي يعتزم لملمة البيت السني لكسب أصوات ومقاعد برلمانية أكثر في الانتخابات التشريعية المقبلة".
وأضافت المصادر، أن "الحلبوسي يطمح لتشكيل إطار سني على غرار الإطار الشيعي". لافتة إلى أنه "يحاول كسب الأصوات السنية المعارضة له لتحقيق ذلك".
ومطلع أبريل 2023، قاد الحلبوسي حراكا سياسيا لتشكيل "إطار تنسيقي سني" مماثلا للشيعي، والذي يضم كل القوى الشيعية باستثناء التيار الصدري، بقيادة مقتدى الصدر.
وفي الوقت الذي تحدث فيه البعض حينها عن سعي الحلبوسي لمواجهة القوى الشيعية والدفع باتجاه تحقيق مطالب السنة التي لم تلزم الحكومة بتنفيذها، فإنّ مناوئيه يرون أنه حاول إيجاد طوق نجاة بعد تصاعد الدعوات لإقالته من منصب رئاسة البرلمان.
وقالت وكالة "شفق نيوز" المحلية: إنّ "الحلبوسي وجه دعوة للقيادات السياسية السنية السابقة والحالية وعلى رأسها سليم الجبوري، أسامة النجيفي، صالح المطلك، خميس الخنجر، رافع العيساوي، جمال الكربولي، مثنى السامرائي، محمود المشهداني، وغيرهم لاجتماع في مقر إقامته ببغداد".
ولفتت في 10 أبريل 2023 إلى أنّ "الهدف من دعوة الحلبوسي، كان بحث إمكانية تشكيل إطار تنسيقي سني يكون قادرا على مواجهة نظيره الشيعي سياسيا وفرض تطبيق شروط ومطالب القوى السياسية للمكوّن، بعد توحيد بيت السنة تحت سقف واحد، كما عمل على ذلك الشيعة".
وأشارت الوكالة إلى أنّ "غالبية القيادات السنية البارزة رفضت فكرة تشكيل الإطار التنسيقي السني وأبلغت الحلبوسي بذلك، وأغلبها قاطع الاجتماع، مع استمرار الأخير بإقناع أكبر عدد ممكن من القيادات لتلبية دعوته".
وجاءت مساعي تشكيل "الإطار التنسيقي السني" بقيادة الحلبوسي، في محاولة من الأخير لتشكيل قوة ضغط سياسية تدعمه للبقاء في منصبه رئيسا للبرلمان بعد أن تحدثت جهات سنية عدة وكتل شيعية ونواب مستقلون عن التوجه لإقالته وقتها من منصبه. وفقا للوكالة.
وفي 14 نوفمبر 2023، أقيل الحلبوسي بالفعل من رئاسة البرلمان بقرار من المحكمة الاتحادية العليا، على خلفية دعوى قضائية رفعها ضده النائب السابق ليث الدليمي، اتهم فيها الأخير بتحرير طلب استقالة مزور يحمل اسمه، استند إليه باتخاذ قرار بإقالته من عضوية البرلمان.
المصادر
- لقاء الحلبوسي والخنجر … نحو تفاهمات سياسية جديدة وأمل كبير
- بعد فترة من القطيعة وتبادل الاتهامات.. لقاء في بغداد بين خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي بحضور مشعان الجبوري
- بيان لمكتبه: الخنجر التقى بأخويه الحلبوسي ومشعان الجبوري في بغداد
- وساطة تركية تنهي قطيعة بين الحلبوسي والخنجر باجتماع في بغداد
- "آخرها انشقاق الخنجر عن الحلبوسي".. يزن الجبوري: ساهمت بتفكيك العديد من تحالفات البيت السني
- الحلبوسي يستعير تجربة الشيعة: إطار سني على أعتاب الانتخابات
- على غرار الإطار الشيعي.. ما إمكانية نجاح ائتلاف السنة الجديد بالعراق؟