"لنغلق كل شيء".. حركة احتجاجية تشل فرنسا وتستحضر "السترات الصفراء"

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

شهدت فرنسا في 10 سبتمبر/ أيلول 2025 موجة احتجاجات واسعة اجتاحت أنحاء البلاد، قادتها حركة جديدة تُعرف باسم “بلوكوون توت” التي تعني بالعربية: (لنغلق كل شيء).

فقد قام المتظاهرون بإغلاق طرق ومحاور نقل حيوية ومواقع رمزية، في خطوة أعادت إلى الأذهان مشاهد حركة "السترات الصفراء" التي سبق وأن قادت مظاهرات جماهيرية في عام 2019 ضد سياسات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

ولمواجهة هذه الاحتجاجات، دفعت وزارة الداخلية الفرنسية بأكثر من 80 ألف شرطي، بينهم ستة آلاف في باريس وحدها.

وجاءت هذه المظاهرات احتجاجا على مشروع الميزانية الذي اقترحه رئيس الوزراء السابق فرانسوا بايرو، والذي يشمل تقليص نفقات تصل إلى 43.8 مليار يورو بهدف الحد من العجز المتنامي.

ورغم أن حكومة فرنسوا بايرو قد سقطت في 8 سبتمبر 2025، بعد سحب البرلمان الثقة عنها، إلا أن منظمي المظاهرات أصروا على المضي قدما في تنظيم الاحتجاجات، مؤكدين أن المطالب تتجاوز الأشخاص لتطرح مطالب أوسع ذات طابع اجتماعي واقتصادي.

في هذا السياق، تناول موقع "تيليبوليس" الألماني سياق نشأة وتكوين هذه الحركة الاحتجاجية الجديدة، مبرزا أهم ما يميزها عن حركة السترات الصفراء.

لا قائد أو قيود

استهل الموقع الألماني تقريره محذرا من أن "فرنسا تستعد لخريف سياسي بالغ التوتر، مع ظهور حركة احتجاجية راديكالية جديدة تطلق دعوة صريحة لـ (غلق كل شيء)".

ووصف الموقع حركة "لنغلق كل شيء" بأنها "ليست منظمة تقليدية"، مشيرا إلى أن أجهزة الاستخبارات تصفها بأنها "حركة أفقية بلا قائد؛ حيث يفعل الجميع ما يحلو لهم". 

وأوضح أن "هذه الحركة نشأت عقب دعوة أُطلقت على شبكات التواصل الاجتماعي بعد خطاب الموازنة الذي ألقاه بايرو منتصف يوليو/ تموز 2025".

وأردف: "منذ ذلك الحين، تشكلت جمعيات عامة محلية في ما لا يقل عن 60 إقليما فرنسيا، سواء في القرى الصغيرة أو المدن الكبرى".

وتابع: "وفقا لتقارير داخلية، فإن الهدف المعلن لتلك التجمعات هو (شل الاقتصاد)، من خلال تعطيل منشآت حيوية مثل محطات النفط ومراكز الخدمات اللوجستية وشركات الطاقة والصناعات العسكرية".

وحول أبرز الفئات التي تشكل الحركة الجديدة، أوضح الموقع الألماني أنه "على خلاف حركة (السترات الصفراء) التي ظهرت في عامي 2018 و2019 وجذبت فئات غير سياسية وكبار السن، تتكون (لنغلق كل شيء) من قاعدة شبابية يسارية ذات طابع سياسي واضح".

واستند الموقع إلى "تحليل أنطوان بريستيل، مدير مرصد الرأي في مؤسسة جان جوريس الذي خلص إلى أن جمهور حركة (لنغلق كل شيء) يختلفون جذريا عن جمهور (السترات الصفراء)"

من أبرز مظاهر هذا الاختلاف، بحسب الموقع، أنه "بينما كان يفتخر أنصار (السترات الصفراء) بطابعهم غير السياسي؛ فإن المشاركين في مجموعات (تلغرام) التابعة لحركة (لنغلق كل شيء) يُظهرون اهتماما سياسيا كبيرا"؛ إذ أفاد 71 بالمئة من المستطلعين بأنهم "مهتمون جدا بالسياسة"، مقارنة بـ 19 بالمئة فقط من عموم الفرنسيين.

في المقابل، لم تتجاوز نسبة غير المهتمين بالسياسة بين أنصار الحركة 8 بالمئة، مقابل 44 بالمئة على المستوى الوطني.

عودة اليسار

ولفت الموقع الألماني إلى أن "هذا الاهتمام السياسي يميل بشكل واضح نحو اليسار".

واستشهد بالإحصائيات التي أشارت إلى أن 69 بالمئة من أنصار الحركة صوتوا في 2022 للمرشح اليساري جان-لوك ميلانشون، مقابل 2 بالمئة فقط لماكرون.

وتابع: "كما أن أكثر من نصف المشاركين يعرّفون أنفسهم بأنهم من أقصى اليسار".

مضيفا: "وإذا وُسّع التصنيف، فإن 86 بالمئة من المشاركين يعدون أنفسهم جزءا من (اليسار الراديكالي)، بحسب الدراسة الفرنسية".

وأشار الموقع إلى أن "هذا التحليل تؤكده مذكرة صادرة عن جهاز الاستخبارات الإقليمية ومديرية الاستخبارات التابعة لشرطة باريس، نُشرت في الأول من سبتمبر/ أيلول 2025، وكشفت عنها صحيفة (لو باريزيان) في الثالث من سبتمبر/ أيلول".

وجاء في المذكرة: "تستند الحركة الحالية بشكل رئيس إلى نشطاء مجتمعيين وسياسيين من الحركة اليسارية المتطرفة، وبعض الفصائل النقابية".

من جانب آخر، تشير الدراسة إلى أنه "على عكس حركة (السترات الصفراء) التي ضمّت نسبة كبيرة من المتقاعدين، فإن (لنغلق كل شيء) تتكون أساسا من فئات شبابية".

حيث إن 26 بالمئة من المشاركين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عاما، مقابل نسبة هؤلاء الشباب تقدر بـ 15 بالمئة من عموم السكان، بينما يمثل المتقاعدون الذين تجاوزوا السبعين نسبة 4 بالمئة فقط.

وعقب الموقع: "تشير هذه البيانات إلى أن (لنغلق كل شيء) هي حركة يقودها جيل شاب، والتي غالبا ما تشكل قلب التيار الاجتماعي اليساري، بينما يغيب المتقاعدون الذين لعبوا دورا بارزا في حركة (السترات الصفراء)".

طيف واسع

بالإضافة إلى ذلك، "يعد المستوى الأكاديمي سمة بارزة لأنصار الحركة؛ حيث إن 25 بالمئة يحملون شهادة جامعية (ليسانس أو ما يعادلها)، و27 بالمئة يمتلكون شهادة عليا (ماجستير فأكثر)، أي أن الأغلبية من ذوي التعليم العالي، مقابل 24 بالمئة فقط في عموم الفرنسيين".

وأردف الموقع الألماني: "كما أن الطلاب والتلاميذ، وغير النشطين يشكلون قلب الحركة بنسبة 22 بالمئة مقابل 12 بالمئة من السكان)".

واستطرد: "المديرون التنفيذيون أيضا ممثلون بنسبة أعلى؛ إذ يشكلون 16 بالمئة مقابل 11 بالمئة".

على النقيض، أوضح الموقع أن "طبقة العمال تشكل 6 بالمئة فقط من الحركة، مقابل نسبة 13 بالمئة من عموم السكان، كما يشكل المتقاعدون 10 بالمئة من الحركة، مقارنة بـ 28 بالمئة من عموم الفرنسيين".

بناء على هذه الدراسة، قدر الموقع أن "حركة (لنغلق كل شيء) تجذب طيفا واسعا من المجموعات المتنوعة، بدءا من اليسار الراديكالي، مرورا بنقابات مثل (النقابة العامة للشغل) و(اتحاد النقابات التضامنية)، وصولا إلى مبادرات نسوية ومؤيدة لفلسطين".

مضيفا: "أما شعارات الحركة الأساسية فتدور حول مكافحة عدم المساواة الاجتماعية، والدفاع عن البيئة، وانتقاد الهياكل النخبوية".

في المحصلة، يرى الموقع الألماني أن "الحركتين تشتركان في رفضهما العميق للرئيس ماكرون، ومطالبتهما بمزيد من الديمقراطية المباشرة".

واستدرك: "لكن بينما حظيت (السترات الصفراء) بدعم شعبي واسع، لا تزال (لنغلق كل شيء) حتى الآن محصورة في أوساط النشطاء السياسيين".