"ناصر الجن".. كيف هرب رئيس المخابرات الجزائرية السابق إلى إسبانيا؟

“رغم مراقبته من قبل الشرطة العسكرية تمكن الجنرال من الفرار”
بين تشكيك وتأكيد، تحدث إعلام إسباني عن تمكن المدير السابق لجهاز الأمن الداخلي الجزائري (المخابرات)، عبد القادر حداد من “الاستهزاء بحرّاسه”، ووصوله إلى السواحل الإسبانية "كأي مهاجر آخر”.
وسلطت صحيفة “الكونفدنسيال” الإسبانية الضوء على حادثة هروب حداد بالقول: إنها “تصفية حسابات وتنافس” في أروقة القيادة العسكرية للجيش الجزائري.
وقالت الصحيفة: إن “أحد أقوى الشخصيات العسكرية الجزائرية وصل إلى السواحل الإسبانية على متن زورق سريع في ساعات الصباح الباكر من أحد أيام سبتمبر/ أيلول 2025”.
وأوضحت أن “هذه الحادثة بين 18 و19 سبتمبر، حيث عبر الجنرال حداد، المعروف بلقب ناصر الجن، البحر الأبيض المتوسط، هاربا من بلاده، شأنه شأن العديد من المهاجرين الجزائريين”.
وقد كانت وجهته كوستا بلانكا في مدينة أليكانتي الإسبانية، وفقا لما أكده مغتربون جزائريون ومصادر من المندوبية الحكومية الفرعية في منطقة أليكانتي لصحيفة "الكونفيدنسيال".
الوجهة أليكانتي
واستدركت الصحيفة بالقول: “لكن، يختلف حداد في مسيرته الشخصية عن أولئك الذين شارك معهم قوارب الهجرة غير النظامية نحو إسبانيا”.
وأوضحت أنه “لمدة سنة، ترأس الجنرال المديرية العامة للأمن الداخلي، أقوى أجهزة المخابرات الجزائرية”.
وذكرت أنه "قبل أربعة أشهر (في 22 مايو/ أيار 2025)، أُقيل من منصبه لأسباب غير محددة، وأُرسل إلى سجنين عسكريين، أولهما في البليدة، ثم في بشار، قبل أن يُوضع قيد الإقامة الجبرية في إقامة بحي دالي إبراهيم الراقي بالجزائر العاصمة".
وكان من المقرر محاكمته قريبا، "رغم أنه لا يعرف ماهية الجرائم التي نسبت إليه".
ولفتت الصحيفة إلى أنه “رغم مراقبته من قبل الشرطة العسكرية، تمكن الجنرال من الفرار”.
ولدى وصوله إلى أليكانتي، صرّح بأنه “اتخذ هذا القرار لعلمه بأنه سيُقتل قبل مثوله أمام القاضي”. وفق الصحيفة.
وأضاف أن "وفاته كانت ستُعد انتحارا".
ونقلت الصحيفة أن “حداد يعرف إسبانيا جيدا، حيث توجد ممتلكات باسمه، ولجأ إلى أليكانتي نهاية العقد الماضي هربا من عمليات التطهير التي نفذها رئيس الأركان، الفريق أحمد قايد صالح، بعد الإطاحة بالفريق محمد مدين عام 2015 وتفكيك جهازه القوي، دائرة الاستعلام والأمن”.
ورأت أن “هذا المشهد برُمّته يعد ذا أهمية خاصة، حيث كانت المرة الأولى التي تطفو فيها الخلافات داخل الجيش الجزائري على السطح”.
وأشارت الصحيفة إلى أن “إسبانيا هي المكان الذي اختاره عدد كبير من العسكريين والسياسيين الجزائريين لشراء منازل، وفي الأوقات الصعبة، للبحث عن ملاذ”.
واستقر الجنرال خالد نزّار، الذي كان رئيسا للأركان ثم وزيرا للدفاع، في برشلونة عام 2019، قبل أن يُحكم عليه بالسجن 20 سنة بتهمة "التآمر على الدولة"، وعاد قبل وفاته بفترة وجيزة في ديسمبر/ كانون الأول 2023.
تصفية الجنرالات
ولقي منفيون جزائريون آخرون حتفهم بشكل أسوأ، مثل العقيد عمر بن شايد وابنه، اللذين توفيا عام 2001 بعد أن دهسهما قطار في أليكانتي، وهي وفاة أثارت فضول الشرطة.
ونوَّهت الصحيفة إلى أن “قائمة تصفية جنرالات الجزائر طويلة؛ حيث توفي قايد صالح، الجنرال الذي دبر عمليات التطهير، فجأة في ديسمبر 2019”.
وأشارت إلى أن “هذه الحادثة قد جدت بعد وقت قصير من إنهاء الجنرال حداد منفاه الأولي. بعد عودته إلى الجزائر، عُيّن أولا مديرا للمركز العملياتي الرئيس، وهو ثكنة في الجزائر العاصمة يُؤخذ إليها المعتقلون للاستجواب”.
ثم رقّاه الرئيس عبد المجيد تبون، في يونيو/ حزيران 2024، وعيّنه على رأس المديرية العامة للأمن الداخلي، وفي هذا المنصب، دعم بهدوء إعادة انتخاب تبون رئيسا في سبتمبر من العام نفسه.
ويُفسَّر تراجع مكانته، بحسب الصحفي الجزائري، فريد عليلات، بأنه "بدأ تحقيقات في فساد ومعاملات مشبوهة تورط فيها مقربون منه ومتعاونون مع رئيس الدولة".
وتساءل الصحفي في الأسبوعية الفرنسية "لو بوان": “هل هددت هذه التحقيقات حياة ومصالح أصحاب النفوذ؟”
ونقلت الصحيفة أن “هروب حداد أثار صدمة بين كبار المسؤولين الجزائريين؛ حيث يحمل الهارب معه أسرارا كثيرة عن النخبة في البلاد”.
وفي محاولة للقبض عليه، نشرت الشرطة والدرك كل قوتهما في الجزائر العاصمة، وحلقت المروحيات فوق الشوارع، ونفذت عمليات تفتيش في الشوارع والمنازل في جميع أنحاء المدينة، كما عُززت المراقبة على طول الحدود مع تونس.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، خيّم على العاصمة نبض أعاد إلى الأذهان "العشرية السوداء" في التسعينيات، عندما قاتل الجيش بشراسة الجماعات الإسلامية.
وفي خضم زحمة مرورية خانقة، عجز سكان العاصمة عن فهم سبب هذا التحرّك المفاجئ للشرطة.
من جانبها، لم تُقدّم الصحافة الجزائرية أيّ معلومات، واكتفت منصات التواصل الاجتماعي بنشر خبر هروب الجنرال حداد.
وأعلنت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية عن اجتماع في 18 سبتمبر، للمجلس الأعلى للأمن، وهو هيئةٌ يرأسها رئيس الجمهورية، وتضمّ رئيس الأركان، الفريق سعيد الشنقريحة، وأعضاء من جهاز المخابرات، فيما لم تُقدّم الوكالة سببا للاجتماع.
ذو خبرة
ونوهت الصحيفة إلى أن عملية "القفص" الضخمة باءت بالفشل.
وأفادت بأن “اللواء حداد يعدّ رجلا ذا خبرة ميدانية، نصب الكمائن خلال الحرب الأهلية ضد الإسلاميين، ونجح في زرع رجاله بين صفوفهم، مع أنه متهم أيضا بارتكاب فظائع، ولعل هذه الخبرة هي ما مكّنته من مراوغة قوات الأمن بنجاح”.
وأشارت الصحيفة إلى أن فرار الجنرال حداد خلف وراءه العديد من الضحايا، وكان أول من أُقيل هو الجنرال محرز جريبي، رئيس مديرية الأمن المركزي للجيش، وهي الشرطة العسكرية المكلفة بحراسة السجين.
وبشكل عام، أزاح هروب الجنرال حداد، ووصوله السواحل الإسبانية كأي مهاجر غير نظامي آخر، الستار عن حرب العشائر، المستمرة منذ حوالي عقد من الزمن، داخل أروقة القيادة العسكرية الجزائرية.
وعلى ضوء هذه الأحداث، قد ينتهي المطاف بالجنرالات، الذين يبدو أنهم الأكثر نفوذا، خلف القضبان بين عشية وضحاها.
ووفقا لصحيفة "لوموند"، يقبع حاليا نحو 200 ضابط كبير، من بينهم حوالي 30 جنرالا، في السجون الجزائرية.
وتجدر الإشارة إلى أن إسبانيا لم تُسلّم أبدا عناصر من الجيش الجزائري من ذوي الرتب المرموقة إلى المحاكم الجزائرية قط. وهذا لا ينطبق على الضباط ذوي الرتب الأدنى.
ففي سنة 2022، أعاد وزير الداخلية فرناندو غراندي مارلاسكا، الدركي السابق محمد بن حليمة إلى الجزائر.
وكان ابن حليمة قد ندد بالفساد في الجيش الجزائري على منصة "يوتيوب"، وحُكم عليه بالإعدام من قبل محكمة عسكرية في البليدة، مع أن الحكم “لن يُنفّذ”.
وقبل ستة أشهر، رحّلت وزارة الداخلية أيضا دركيا سابقا آخر، محمد عبد الله، إلى الجزائر، مع أنها سمحت لزوجته وطفليه بالبقاء في إقليم الباسك حيث كانت العائلة تعيش. ويقضي كلاهما أحكاما بالسجن لفترات طويلة في وطنهما.