المغرب يدعو لانفراجة والبوليساريو مستعدة للتفاوض.. ما فرص حل نزاع الصحراء؟

"أطروحة النظام المغربي المتمثلة في الحكم الذاتي للصحراء الغربية غير قانونية"
في خطوة لافتة، أعلن المغرب عن مد يده للجزائر وجبهة البوليساريو من أجل الوصول إلى حل للنزاع بشأن قضية الصحراء، وهو ما دفع بالجبهة إلى إعلان استعدادها للتفاوض المباشر مع الرباط.
الدعوة الملكية جاءت على لسان العاهل المغربي محمد السادس بمناسبة عيد العرش، في 29 يوليو/تموز 2025، فيما ردت عليه الجبهة عبر القيادي بشرايا حمودي بيون، في 3 أغسطس/ آب 2025.
وعبر حمودي بيون خلال افتتاح أشغال الجامعة الصيفية للأطر الصحراوية في طبعتها الـ13 التي انعقدت بمدينة بومرداس الجزائرية، عن استعداد الطرف الصحراوي "الدخول مع المغرب في مفاوضات مباشرة ترعاها الأمم المتحدة، جدية وذات مصداقية".
وأضاف، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الصحراوية، وذلك "بلا إملاءات ولا شروط مسبقة، للتوصل للحل العادل الذي يحترم مقتضيات الشرعية الدولية والطبيعة القانونية لقضية الصحراء الغربية بصفتها قضية تصفية استعمار".
وشدد على أن "هذا الحل هو الذي يفتح آفاق السلام والاندماج والرفاهية لكل شعوب المنطقة دون استثناء، في كنف الحق والعدالة والتكامل والتضامن المغاربي".
وذكر القيادي في الجبهة أن “الحل الوحيد الذي يحفظ ماء وجه الجميع والذي لا غالب فيه ولا مغلوب، هو الحل الديمقراطي المطابق للشرعية الدولية التي تعترف للشعب الصحراوي بالحق في تقرير المصير والاستقلال، ولا تعترف للمغرب بأية سيادة على الصحراء الغربية”. وفق تعبيره.
رسالة الرباط
بدا كلام القيادي في جبهة "البوليساريو" موجها للردّ على خطاب الملك محمد السادس، والذي ضمّن دعوته للحوار عبارات "حل يحفظ ماء وجه الجميع" و"لا غالب ولا مغلوب".
وكان كلام العاهل المغربي موجها في الأصل للجزائر، في وقت ترفض السلطات الجزائرية مخاطبتها كطرف في القضية التي تعدها مسألة "تصفية استعمار".
وأعرب الملك محمد السادس عن استعداد بلاده لـ "حوار صريح وأخوي" مع الجزائر بشأن "القضايا العالقة" بينهما.
وقال ملك المغرب: "موقفي واضح وثابت، وهو أن الشعب الجزائري شعب شقيق، وتجمعه بالشعب المغربي علاقات إنسانية وتاريخية عريقة، وتربطهما أواصر اللغة والدين والجغرافيا والمصير المشترك".
وتابع: "لذلك، حرصت دوما على مد اليد لأشقائنا في الجزائر، وعبرت عن استعداد المغرب لحوار صريح ومسؤول، حوار أخوي وصادق، حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين".
كما جدّد تمسك بلاده بالاتحاد المغاربي "الذي لن يكون إلا بانخراط المغرب والجزائر مع باقي الدول الشقيقة".
في تحليله للمشهد، يرى الخبير في العلاقات الدولية أحمد نور الدين، أن "دعوة البوليساريو للعودة للمفاوضات المباشرة تحت الرعاية الأممية، هو تصريح وإعلان وإقرار بهزيمة الجبهة ومشروعها الانفصالي".
وتابع نور الدين لـ "الاستقلال": "لأن الجبهة أعلنت في بيان عدم اعترافها بمسلسل التسوية الأممي منذ تطهير المغرب لمعبر الكركرات الحدودي مع موريتانيا من العناصر الانفصالية يوم 13 نوفمبر/تشرين ثاني 2020".
واسترسل: "ولذلك نهنئ الزعيم الانفصالي على رفعه الراية البيضاء، وإعلانه الهزيمة؛ لأنه وجبهته أدركوا أن خيار رفع السلاح خيار ميت، ومهما حاولوا نفخ الروح في هذا المسار فلن يجدوا إلا الطائرات المسيرة في وجههم".
ثانيا، يردف نور الدين "يتحدث حمودي بيون عن الشرعية الدولية والمفاوضات، رغم أن الجبهة الانفصالية أعلنت تنصلها من اتفاق وقف إطلاق النار، وبالتالي فهي التي تخالف الشرعية الدولية".
وتابع، إن كانت من مفاوضات فيجب أن تكون على أرضية وشروط جديدة، غير تلك التي كانت سنة 1991، خاصة أن المغرب لن يقبل أي تفاوض خارج مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
وعليه، يتابع الخبير في العلاقات الدولية، فإن قبول الجبهة الانفصالية للتفاوض والجلوس على طاولة واحدة مع المغرب، معناه الجلوس للتفاوض وفق الشروط المغربية وتحت سقفها.
وأضاف: الأمر الثالث أن حل لا غالب ولا مغلوب الذي قال به العاهل المغربي، هو خطاب موجه للجزائر، بتقدير أن الصراع والأزمة هي معها أساسا وليس مع الجبهة الانفصالية.
وأوضح، ولذلك رأينا الجزائر تسحب سفراءها من الدول التي اعترفت بمغربية الصحراء، في أوروبا وإفريقيا، كفرنسا وإسبانيا بسبب قضية الصحراء، مما يعني أن الجزائر هي خصم المغرب في هذا النزاع.
وقال نور الدين: إن الملاحظة الرابعة تتمثل في أن الشرعية الدولية التي يتحدث عنها القيادي بالجبهة، إن كان المقصود بها هو استفتاء تقرير المصير، فيجب العلم أن الذي فجره وأوقفه هي البوليساريو والجزائر.
وزاد، ذلك أن الجبهة انسحبت من لجان تحديد الهوية سنة 1992، ثم رجعت مرة أخرى وانسحبت بأوامر جزائرية سنة 1994، مشددا على أنه لا يمكن القيام بالاستفتاء دون لوائح وقوائم الناخبين.
وأضاف المتحدث ذاته، ولذلك فإن الجبهة هي التي قتلت هذا المسار بعد انسحابها منه؛ لأنها تدرك أن نتائج الاستفتاء ستكون لصالح مغربية الصحراء.
ونبّه إلى أنه وبعد هذا التاريخ بعشر سنوات، أي في 2004، أعلنت الأمم المتحدة استحالة تنظيم الاستفتاء، مشيرا إلى أن ما يتم الحديث عنه بعد ذلك هو مقترح الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب.
وشدد نور الدين على أن انسحاب الجبهة من المسار الأممي ووقف إطلاق النار، ليس لعبة وإنما يتم بشكل نهائي.
وخلص إلى أن التنصل من الاتفاقات أو الالتزامات له تبعات، ولذلك على الجبهة أن تتحمل مسؤوليتها في هذا الانسحاب، مما يعني أن أي استئناف للمفاوضات يجب أن يكون وفق الشروط والسقف الذي حدده المغرب في ظل السيادة الوطنية للبلاد.

جمود وغموض
تفاعلا مع الحدث، قال موقع "الزنقة20" المغربي: إن تصريح البوليساريو بشأن التفاوض مع المغرب، يأتي في وقت يشهد فيه ملف الصحراء جمودا واضحا على مستوى العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة.
وأضاف الموقع في تحليل نشره بتاريخ 04 أغسطس 2025، وذلك "رغم الدعوات المتكررة من المنظمة الدولية إلى استئناف المفاوضات بين الأطراف المعنية بروح من الواقعية والتوافق".
ورأى المصدر ذاته، أن موقف الجبهة يُنظر إليه كمحاولة لإعادة تموقع سياسي بعد سنوات من الجمود، خاصة في ظل تزايد الدعم الدولي للمقترح المغربي القائم على الحكم الذاتي، والذي وصفته عدة عواصم دولية كبرى بأنه جدي وذو مصداقية.
وزاد: "وهو التعبير ذاته الذي استعمله بيان البوليساريو، فيما يبدو أنه مؤشر على تحوّل نسبي في خطابها، أو في أدنى التقديرات، تراجع تكتيكي تحت وطأة المتغيرات الدولية والإقليمية".
من جانبه، رأى موقع "مغرب تايمز"، أن الإعلان يأتي في سياق الجهود الأممية المستمرة لإيجاد حل سياسي للنزاع، خاصة بعد تعثر المسار التفاوضي في السنوات الأخيرة.
ورأى المصدر في مقال بتاريخ 05 أغسطس 2025، أن "تصريحات بيون تظهر انفتاحا ظاهريا من جانب البوليساريو، لكنها تترك التساؤلات قائمة حول مدى مرونة الطرفين في المفاوضات المحتملة".
وذكرت أن الموقف المغربي يظل متمسكا بمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل وحيد للنزاع، بينما تطالب البوليساريو بتنظيم استفتاء لتقرير المصير.
ونبَّهت إلى أن "الفجوة بين الرؤيتين ما تزال واسعة، مما يضع الأمم المتحدة أمام تحدٍ كبير في حالة انطلاق مفاوضات جديدة".
ورأى الموقع أن "المشهد الإقليمي الحالي، بما فيه من تحولات جيوسياسية وتوترات بين الجزائر والمغرب، يزيد من تعقيد أي مسار تفاوضي".
واسترسلت: “السؤال الآن هو هل ستحظى هذه الدعوة بترحيب من الرباط، أم أنها ستعد مجرد خطاب دعائي في غياب نوايا حقيقية للتنازل؟”
وخلصت إلى أن هذا التصريح قد يمهد لتحركات دبلوماسية جديدة، خاصة مع اقتراب موعد الجولة المقبلة لمجلس الأمن حول الصحراء، مشددة أن "نجاح أي مفاوضات مرهون بمدى استعداد الأطراف لتقديم تنازلات عملية، وليس مجرد خطابات إعلامية".
في السياق نفسه، يرى الناشط السياسي الجزائري يوسف أوراسي، أن بلاده ستتخلى عن ملف الصحراء الغربية بالنظر إلى التحولات الإقليمية والدولية الجارية.
وأضاف أوراسي في تدوينة عبر فيسبوك، 03 أغسطس 2025، "أعتقد أنه في الأيام القادمة سوف تنضم حملة داخلية لإقناع الرأي العام الجزائري بالتخلي عن قضية الصحراء الغربية، بزعم أنها جلبت لنا المشاكل وتسبّبت لنا في أزمات وخسائر كبيرة، وأن أميركا والكثير من الدول اعترفت باحتلال المغرب للصحراء الغربية".
وخلص الناشط السياسي للقول: "إذا تنازلنا عن قضية الصحراء الغربية، فنستعد للتفاوض حول جزائرية تندوف ويشار وتلمسان وغيرهم".
أطروحة غير قانونية
خلال تدخلهم في أشغال الجامعة الصيفية لجبهة البوليساريو، عبّر سياسيون جزائريون عن دعمهم لحل يقوم على إجراء استفتاء لتقرير المصير ونيل الاستقلال، دون أي حديث عن الوساطة أو التفاوض لحل توافقي.
وفي هذا الصدد، ذكر الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري، صويلح بوجمعة، أن أطروحة النظام المغربي المتمثلة في الحكم الذاتي للصحراء الغربية "غير قانونية وغير مطروحة في أروقة الأمم المتحدة".
وأضاف أن "منظمة الأمم مع الطرح الصحراوي المتمثل في الاستفتاء لنيل الاستقلال".
كما أكّد رئيس جبهة الجزائر الجديدة أحمد بن عبد السلام، أن جبهة البوليساريو "تخوض معركة وجود"، وفق تعبيره، داعيا من وصفه بـ "الشعب الصحراوي" إلى "تمتين الحاضنة الشعبية للكفاح الصحراوي ووحدة القيادة والتمسك بحق الاستقلال وتجاوز كل محاولات تفكيك وحدة الشعب الصحراوي".
رسميا، ترى الجزائر في وثيقة سبق أن سلمتها لمجلس الأمن سنة 2022، أن "منح أي مصداقية للقوة القائمة بالاحتلال ولما يسمى مقترح الحكم الذاتي سيعني، وللمرة الأولى منذ إنشاء الأمم المتحدة، إضفاء الشرعية من قبل المجتمع الدولي على احتلال وضم إقليم والسيطرة على شعبه بالقوة".
وأبرزت أن فكرة إعطاء هذا المقترح أي تقدير "قد ترقى إلى محاولة مسايرة خطة رجعية تتعارض مع عقيدة تصفية الاستعمار الراسخة والمعروفة لدى الأمم المتحدة".
وكانت الجزائر في 24 أغسطس 2021 قد أعلنت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب بسبب ما وصفته بسياسات جارتها العدائية.
وتحدث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نهاية سنة 2022 لصحيفة لوفيغارو الفرنسية، أن هذا القرار كان "بديلا لنشوب حرب بين الدولتين".
ورأى أن قطع العلاقات كان "نتيجة تراكمات منذ العام 1963"، في إشارة إلى السنة التي نشبت فيها "حرب الرمال" بين البلدين.
وقبل قطع العلاقات، بقيت الحدود بين البلدين مغلقة منذ سنة 1994 بقرار من السلطات الجزائرية ردا على قرار المغرب فرض التأشيرة على الجزائريين.
تفاؤل حذر
يرى الباحث في التاريخ المعاصر والناشط السياسي الدكتور دداي بيبوك، أن دعوة الملك محمد السادس للحوار والوصول إلى حل لنزاع الصحراء يعد "خطوة مهمة في سبيل تذليل الهوة بين المغرب والجزائر".
وأردف بيبوط لـ "الاستقلال"، ذلك أن البلدين الجارين تجمعهما روابط الدم والتاريخ واللغة والجغرافيا، فضلا عن التحديات الجهوية والإقليمية المشتركة.
وبالمناسبة، دعا الباحث المغربي "السلطات الجزائرية إلى الاستجابة السريعة لنداء العاهل المغربي، والدخول في حوار جاد ومسؤول، يرأب الصدع ويستجيب لكل انتظارات الشعبين الشقيقين".
واسترسل "وذلك بما يحقق الاندماج الإقليمي وتحقيق التنمية الشاملة، بما يجعل من منطقتنا المغاربية قطبا اقتصاديا محوريا في غرب إفريقيا وحوض البحر المتوسط".
وأردف بيبوط، "معلوم أن قضية الصحراء التي لطالما كانت مشجبا للقيادة الجزائرية تعلق فيه كل إخفاقاتها، تشهد اليوم تطورات مهمة، تتمثل في توالي الاعترافات من قوى عالمية مؤثرة، ومن آخرها المملكة المتحدة والبرتغال، والتي تؤكد رجاحة خطة الحكم الذاتي كحل وحيد ومعقول لهذه القضية المفتعلة".
وفي هذا الصدد، دعا بيبوط الحكومة المغربية إلى الإسراع في تنزيل مقتضيات الحكم الذاتي والجهوية الموسعة كرد فعل لهذه الدينامية، من أجل تحقيق التنمية الشاملة، ولَمِّ شمل العائلات الصحراوية في وطنها الأم المغرب.

يرى وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني السابق بالمغرب، مصطفى الخلفي، أن توالي الاعتراف الدولي بمقترح الحكم الذاتي، جعل 2025 سنة صعبة على الطرح الانفصالي.
وأبرز الخلفي في مقال رأي مُعَنون بـ "سنة على نزاع الصحراء ورهان المنعطف الجديد.. تفاؤل حذر وسط تحديات"، نشره موقع "العدالة والتنمية"، 04 أغسطس، ومن ذلك تَقلُص القبول بالطرح الانفصالي من 84 دولة إلى أقل من 25 دولة ضمنها 15 في القارة الإفريقية.
لكن، يضيف الخلفي، الأكثر أهمية الآن هو تكريس حالة الانحسار بفعل الفشل العسكري الجلي طيلة حوالي خمس سنوات بإعلان إنهاء احترام وقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين ثاني 2020، وتحول ذلك من مغامرة إلى استنزاف جعل من انهيار هذا المشروع مسألة وقت، ودليلا يخدم السعي لتصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية.
وكانت الجبهة قد أعلنت في التاريخ المذكور عن عودتها إلى السلاح لتحرير الصحراء، وحاولت السيطرة على ممر الكركرات الحدودي مع موريتانيا، وهو ما ردت عليه الرباط بعملية عسكرية دفعت عناصر البوليساريو إلى الانسحاب، مع استمرار بعض المناوشات في بعض المناطق.
واسترسل الخفي، القضية الآن مرتبطة بالصراعات المحتدمة والمتسارعة في الساحة الدولية والإقليمية، وهو ما نلاحظه من خلال المنطق الأميركي الذي برز في الموقف من "قسد" الكردية بسوريا، وإقرار أولوية مبدأ الوحدة الترابية، وقبلها مع حزب العمال الكردستاني في تركيا، وإنهاء عقود من حرب الانفصال.
وأردف، "فضلا عن القبول بواقع اجتزاء قطع من أوكرانيا وضمها لروسيا، تحت مبدأ الحدود التاريخية ورفض الانفصال القسري الذي فرض قبل حوالي ثلاثين سنة ونصف السنة، دون تجاهل فشل المشروع الانفصالي للسويداء والذي قامر البعض علية لكنه ارتد خائبا".
وتابع الخلفي، أي أننا "إزاء تحول في السياسة الدولية يناهض حلول الانفصال للنزاعات والتوترات الإقليمية"، مستدركا، "وهذا بالرغم من صعوبات المقارنة، بفعل وجود القضية كمنطقة متنازع عليها في أجندة مجلس الأمن على خلاف القضايا السابقة".