توصيات بعدم التصعيد.. هل تخسر إسرائيل علاقاتها مع العرب وتمنح حماس مكاسب مجانية؟

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بعد اعتراف دول بدولة فلسطينية وتسارع خطوات دول أخرى لذلك، تتزايد التساؤلات في إسرائيل حول تداعيات هذا الاعتراف على الصعيدين السياسي والأمني.

وفي مقال نشره معهد "دراسات الأمن القومي الإسرائيلي"، قال العميد احتياط في جيش الاحتلال، أودي ديكال، إن "تداعيات تسونامي الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية تعتمد بشكل كبير على كيفية رد حكومة بنيامين نتنياهو".

وقد شغل ديكال العديد من المناصب المهمة في جيش الاحتلال، حيث ترأس قسم التخطيط الإستراتيجي في القيادة العامة.

وقبل ذلك كان رئيسا لشعبة العلاقات الخارجية وقائدا لوحدة الاتصال بالأجانب في جناح العمليات، ورئيسا لقسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات بالقوات الجوية. 

كما ترأس فريق التفاوض مع الجانب الفلسطيني، حينما كان إيهود أولمرت رئيسا للوزراء، خلال "مؤتمر أنابوليس" 2007-2008.

فرنسية سعودية

وقال ديكال: إن "معظم العواقب السلبية لهذه الموجة المتصاعدة من الاعتراف بالدولة الفلسطينية قائمة بالفعل، لكن الاعتراف الواسع قد يزيدها حدة".

فإذا اختارت حكومة نتنياهو مسارا انتقاميا متشددا، مثل احتلال قطاع غزة، أو الترويج لفكرة "الهجرة الطوعية" لسكانه، أو فرض السيادة على مناطق في الضفة الغربية ومحيط غزة، فإنها ستواجه على الأرجح عواقب وخيمة، وفق ديكال.

وتشمل هذه النتائج، العزلة الدولية، وتجميد اتفاقيات السلام واتفاقيات أبراهام، وزيادة المسؤولية عن إعالة السكان الفلسطينيين، وفرض عقوبات، وتفاقم التهديدات الأمنية على عدة جبهات.

ومع ذلك، أشار ديكال إلى أن "هناك مسارا بديلا يقوم على ضبط النفس لا المواجهة، يمكن أن يُخفف من التداعيات السياسية والأمنية المحتملة".

وفي ظل ما يبدو أنه طريق مسدود بعد ما يقارب العامين من الحرب والدمار الهائل والمعاناة الإنسانية، بدأ المجتمع الدولي يتبنى قناعة مفادها أن كلا من إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" يجب أن يُجرَّدا من حق النقض "الفيتو" على مسار إنهاء الصراع.

ويتجلى هذا التوجه في المبادرة المشتركة بين فرنسا والسعودية خلال مؤتمر الأمم المتحدة الذي عُقد بين 28 و30 يوليو/تموز 2025، والرامية إلى دفع حل الدولتين قدما.

الإعلان الختامي، الذي حظي بدعم واسع، تضمّن بنودا مؤيدة لإسرائيل، مثل “رفض تمكين حماس من السيطرة على غزة ونزع سلاحها، وتحجيم نواياها المعلنة لتدمير إسرائيل”.

لكن في المقابل، بدأ المجتمع الدولي يأخذ على محمل الجد تصريحات وزراء إسرائيليين يرى أنها يجب أن تُجهض في مهدها، بما في ذلك ضمّ أراضٍ في الضفة الغربية وقطاع غزة، والدفع بفكرة "الهجرة الطوعية" للفلسطينيين من هذه المناطق.

وهي خطوات تُعد، من وجهة نظر المجتمع الدولي، وصفة لإدارة الصراع إلى أجل غير مسمى، لا لحلّه، بحسب التقرير.

ومن هذا المنطلق، لم تعد هناك، بنظر المجتمع الدولي، سوى طريق واحدة ممكنة، وهي العودة إلى طاولة المفاوضات للوصول إلى اتفاق على أسس حل الدولتين.

وقد رسم الإعلان الفرنسي-السعودي خطة مرحلية لإنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني والعدوان الجاري على غزة، ترتكز على إقامة دولة فلسطينية مستقلة ومنزوعة السلاح تتعايش بسلام إلى جانب إسرائيل. 

وتضمّن الإعلان إدانة لـ"عملية 7 أكتوبر"، في سابقة للدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، يقول ديكال.

في المقابل، شدّد على أن إنهاء العدوان على غزة يجب أن يترافق مع تخلي حماس عن الحكم ونزع سلاحها، ونقل السلطة إلى السلطة الفلسطينية بدعم وإشراف دوليين.

كما أدان الإعلان الهجمات الإسرائيلية على المدنيين والبنية التحتية المدنية في غزة، والحصار المتواصل، واستخدام أساليب التجويع، التي تسببت في كارثة إنسانية حادة.

عملية مدروسة

وقال ديكال: "من حيث المبدأ، وكجزء من عملية صنع قرار مدروسة، يُمكن لإسرائيل الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير، شريطة استيفاء قائمة طويلة من الشروط".

وقد ذُكرت بعض هذه الشروط في الإعلان الفرنسي-السعودي، وهي تعكس مواقف عربية ودولية، مثل ضرورة أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وألا تُشكّل أي تهديد لإسرائيل.

وأضاف: "في المقابل، إذا اختارت حكومة إسرائيل اتخاذ خطوات انتقامية كضم أراضٍ في الضفة الغربية وغزة، أو تشجيع الهجرة الفلسطينية من المنطقة (ج) في الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد تواجه عقوبات دولية وتدهورا في علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع كل من الدول العربية والغربية".

ولفت ديكال إلى أن "جهود التطبيع الإقليمي، بما في ذلك اتفاقيات أبراهام، ستُجمّد حتى تُغيّر إسرائيل مسارها وتُبدي استعدادها لمناقشة تسوية سياسية قائمة على حل الدولتين لشعبين".

علاوة على ذلك، قد تُعيق المعارضة الإسرائيلية للاعتراف بدولة فلسطينية مبادرات واستعداد الدول العربية والمجتمع الدولي لتحقيق الاستقرار وإعادة إعمار غزة دون سيطرة حماس، وتهيئة الظروف لسلطة فلسطينية "متجددة" لتولي زمام الأمور.

هذا يعني، وفق ديكال، أن عبء إدارة غزة المدمرة بالكامل، والتي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة، سيقع بالكامل على عاتق إسرائيل.

واستطرد: "قد تدفع الخطوات الإسرائيلية الانتقامية التهديدات الأوروبية بالمقاطعة وفرض العقوبات إلى أن تصبح واقعا موجَّها إلى إسرائيل (ذا السيادة) نفسها، وليس فقط إلى المستوطنات في (الضفة الغربية)".

ومن بين الإجراءات المطروحة على الطاولة، تعليق اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، واستبعادها من برنامج "هورايزن" للتمويل العلمي، وفرض حظر على تصدير الأسلحة إليها، والإضرار باتفاقات التجارة القائمة.

وتابع: "بالإضافة إلى ذلك، قد يُعزز الاعتراف الدولي بفلسطين التصور الإسرائيلي بأن (العالم أجمع ضدنا) ويزيد من تطرف المواقف تجاه الصراع".

ومن النتائج المحتملة لذلك “تصاعد الإرهاب اليهودي؛ إذ ستنظر العناصر اليهودية المتطرفة إلى الاعتراف بفلسطين على أنه تهديد لرؤية إسرائيل الكبرى والوصية التوراتية باستيطان الأرض”، وفق تعبير ديكال.

في هذا السياق، قد يتزايد دافع مهاجمة الفلسطينيين وطردهم والاستيلاء على قمم التلال، كما أن أعمال العنف التي يرتكبها المتطرفون اليهود، إلى جانب ضعف إنفاذ القانون، والتحركات التي تُفاقم عزلة إسرائيل الدولية، قد تزيد من التوترات الداخلية وتُعمّق الانقسامات المجتمعية داخليا، وفق المقال.

وقال: "من المتوقع أن تواصل إدارة دونالد ترامب دعم إسرائيل واستخدام حق الفيتو ضد أي قرار في مجلس الأمن الدولي يعترف بدولة فلسطينية".

واستدرك: "مع ذلك، سيكون من الصعب عليها دعم إسرائيل إلى أجل غير مسمى في مواجهة غالبية المجتمع الدولي، خاصة إذا ردت إسرائيل بإجراءات متطرفة مثل دفع السلطة الفلسطينية إلى حالة من الانهيار الاقتصادي والضم".

مناورات حذرة

وأكَّد ديكال أن "قضية السلطة الفلسطينية تُعدّ قضية حاسمة، فالحكومة الإسرائيلية تمنع تعزيز السلطة الفلسطينية وعودتها للسيطرة على غزة، إذ تُعد منبرا لإقامة دولة فلسطينية".

"إلا أن الاعتراف الدولي سيعزز المكانة الدبلوماسية للسلطة الفلسطينية، ويمنحها وصولا أكبر إلى الهيئات والمحاكم الدولية، وكلما زادت السلطة من تحديها ومواجهتها لإسرائيل في المحاكم الدولية، ازداد دافع الحكومة الإسرائيلية للتسبب في انهيارها اقتصاديا ووظيفيا".

ويعني انهيار السلطة الفلسطينية أن “عبء الحياة اليومية للفلسطينيين في الضفة الغربية سيقع على عاتق إسرائيل”، وفق ديكال.

وأشار إلى أن "من المشكوك فيه أن حماس كانت تهدف من خلال هجوم السابع من أكتوبر إلى تعزيز فكرة حل الدولتين، لكنها قد تستغل الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية كإنجاز سياسي، وتوظّفه في ترسيخ روايتها بأن المقاومة المسلحة وحدها هي التي تُحقق نتائج دبلوماسية وتقود لتحرير فلسطين".

وقال: إن "الصور المروعة من غزة، ورفض حكومة نتنياهو للمبادرات الدبلوماسية، وتصريحاتها بضم أراضٍ في الضفة الغربية وغزة وطرد الفلسطينيين من أراضيهم ومنازلهم، هذه هي العوامل التي تُسهم في موجة الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية".

فقد وُلدت هذه الموجة من إدراك عالمي متزايد بأن “حل الدولتين هو السبيل الوحيد لحل الصراع الدامي المستمر”، بحسب المقال.

ويرى ديكال أنه "رغم أن التداعيات العملية للاعتراف الدولي بدولة فلسطينية تبقى محدودة، فإن ردود الفعل عليه، والإجراءات التي قد تُفسَّر على أنها دليل على أن إسرائيل لا تنوي السعي نحو تسوية الصراع مع الفلسطينيين، مرشحة لتسريع وتعميق هذا التسونامي السياسي، بما يحمله من تهديدات أمنية واقتصادية".

وتابع: “في المقابل، إذا اختارت الحكومة الإسرائيلية إدانة المبادرة الدولية الأحادية دون اتخاذ خطوات انتقامية متحدّية، فستكون قادرة على إدارة التصعيد الدبلوماسي والأمني، والمناورة بحذر ضمن علاقات دولية شديدة التعقيد”.