"أبو شباب" في الواجهة.. كيف تسعى إسرائيل لتثبيت خلايا عميلة شرق القطاع؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تساقط خسائر الاحتلال بشريا وعسكريا بشكل متصاعد، أفزع قادة الاحتلال بمستوييه العسكري والسياسي، وبشكل أكبر أحدث زلزالا شعبيا في المجتمع الصهيوني الذي بات مطلبه الأول إنهاء العدوان على غزة التي تعيد الجنود يوميا بأكياس الموتى أو إعاقات دائمة أو إصابات بالغة.

وأدّت هذه الوقائع الميدانية الصعبة بفعل ما يلاقيه الاحتلال من مقاومة على الأرض إلى زيادة اعتماد جيشه على ما بات يعرف بـ"الأدوات الرخيصة" وهي العملاء. 

ويشكّل العملاء رأس حربة لجيش الاحتلال في خاصرة شعبهم، تخوض بها إسرائيل حرب الإبادة من الظل، في محاولة لإنقاذ جنودها من القتل وعمليات الأسر.

الأداة الأرخص

وتعد عصابة "أبو شباب" –التي شكلها الاحتلال منذ مايو / أيار 2024- على رأس هذه الأدوات. 

فبعد أن أحكم الاحتلال سيطرته على مدينة رفح وسوّى منازلها بالأرض، بدأ في إنشاء حزام أمني في المناطق الشرقية للمدينة، واتخذ العميل ياسر أبو شباب وعصاباته المكونة من عملاء ولصوص وتجار مخدرات، هذه المنطقة كنقطة تمركز له. 

وأقام فيها مخيما ليكون بداية لمخطط “المدينة الإنسانية” والذي يعد بوابة مخطط التهجير الذي أطلقه وزير المالية في حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريش.

وفي السادس من يوليو/تموز 2025، خرج أبو شباب على إذاعة "مكان" العبرية ليتفاخر علنا بتحالفه مع جيش الاحتلال، معلنا أن مجموعته المسلحة ستستمر في قتال المقاومة، حتى وإن تم التوصل إلى تهدئة. 

وقال بفجاجة: إن مشروعه بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي يهدف إلى "استئصال حماس"، مدّعيا أن الحركة "تلفظ أنفاسها الأخيرة".

ولم تكتفِ عصابة "أبو شباب" بمجرد إعلان الولاء، بل تحوّلت إلى ذراع أمني مباشر للاحتلال داخل القطاع. 

وتتولى تأمين المناطق التي يستعد جيش الاحتلال لاجتياحها، وتفتّش المنازل، وتجمع معلومات استخباراتية عن المقاومين، بل وتخطف الفلسطينيين من أماكن النزوح، لتسلمهم للاحتلال.

ومن المهام التي تُسند إليها، تنفيذ عمليات اغتيال نيابة عن وحدات إسرائيلية خاصة، والمساهمة في تعميق المجاعة الجماعية من خلال سرقة المساعدات الإنسانية وحرمان سكان القطاع منها.

ورغم أن العصابة بدأت في رفح، إلا أنها باتت تسعى لتمدد شمالا؛ حيث تحاول خلال الأشهر الأخيرة إيجاد ساحة عمل لها في مدينة خان يونس، وتستغل اجتياح الاحتلال مناطق المدينة كافة، باستثناء منطقة المواصي غربا، كما بدأت في تحركات أقل كثافة شرق دير البلح وسط القطاع.

الاحتلال من جهته، يدفع بهذه العصابة نحو المناطق الشرقية جنوب ووسط القطاع تحديدا بسبب قربها من الحدود، وإطلاقها على مستوطناته، وعدها مناطق ذات أهمية إستراتيجية كبرى بالنسبة للمقاومة، وميدان مهم في المعركة.

وفي هذا السياق، تؤكد مصادر أمنية مطلعة لـ"الاستقلال" أن الاحتلال لا يقتصر على دعم هذه العصابة لوجستيا فحسب، بل يشرف على تدريب أفرادها في معسكرات شرق رفح، ويوجههم لأداء مهام محددة وفق الحاجة الميدانية.

التحرك شمالا

وفي تطور لافت، كشفت مصادر أمنية لـ"الاستقلال" عن تحركات مشبوهة تم رصدها خلال الأسابيع الأخيرة في المناطق الحدودية شرق خان يونس والمنطقة الوسطى. 

وتؤكد المعلومات أن هذه التحركات مرتبطة بمحاولات عصابة "أبو شباب" تأسيس خلايا جديدة في هذه المناطق، التي لم تكن جزءا من نشاطها سابقا.

الضابط الأمني "م.س"، والذي فضّل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، قال: إن الجهود الكبرى لعصابة أبو شباب "تتركز حاليا على التمدد في خان يونس، وإنهم يسعون إلى اختراق المنطقة، لكنهم يواجهون فشلا واضحا".

وأكّد أنهم “تلقوا ضربات موجعة أخيرا، أسفرت عن مقتل واعتقال عدد من عناصرهم، إضافة إلى تنفيذ أحكام إعدام بعد التحقيق معهم”.

ويتابع الضابط: " يكثّف الاحتلال من الاعتماد على هذه العصابات لتنفيذ مهام أمنية واستخباراتية فقط، حتى سرقة المساعدات أصبحت تُسند إلى عصابات أخرى، الهدف الأبرز هو إحكام السيطرة على كل المناطق الشرقية للقطاع بنفس الأسلوب الذي طُبق شرق رفح".

وأوضح أن من أبرز محاولات التمدد التي تقودها عصابة "أبو شباب" في خان يونس، عملية خطف استهدفت مسؤول المستشفيات الميدانية، مراون الهمص، في 21 يوليو 2025، وتسليمه للاحتلال، وفي ذات الهجوم الذي نفذ بمنطقة المواصي، قُتِل اثنان من الموجودين بينهم صحفي.

وكشف أن العصابة حاولت نصب حواجز مسلحة في نقاط حساسة ككراج رفح وشارع خمسة، إضافة إلى استكشاف منازل شرق خان يونس بهدف تسهيل اقتحامها لاحقا من قبل قوات الاحتلال.

كما أفاد الضابط أن العصابة نشرت أجهزة تجسس وكاميرات مراقبة في مناطق متفرقة من المدينة، في محاولة لفرض رقابة خفية على تحركات عناصر المقاومة، وتوجيه الجيش الإسرائيلي في اقتحاماته القادمة.

وأضاف: “ تكشف التحقيقات عن دور محوري للعميل أبو شباب في توسيع هذه الأنشطة، مستعينا بأفراد من السكان المحليين في شرق خان يونس ووسط القطاع، بهدف إنشاء بيئة متعاطفة أو على الأقل غير معادية، عبر استغلال الروابط العائلية والمساعدات المالية وحتى المخدرات”.

ولفت إلى أنه "يركز على تجنيد أفراد ينتمون إلى قبائل بدوية، خصوصا من قبيلة الترابين، والتي تمتد عائليا في مناطق شرق خان يونس ووسط القطاع، ومن بين أبرز العائلات التي حاول تجنيد أفراد منها عائلة العمور شرق خانيونس، وعائلة أبو مغاصيب شرق دير البلح".

مساندة الاحتلال

وقال الضابط: إن كثيرا من المنضمين لهذه العصابة هم من أصحاب السوابق، كاللصوص وتجار ومروجي المخدرات، لكن اللافت أن العصابة استقطبت أيضا عناصر سابقة في تنظيم الدولة".

من بين هؤلاء، العميل المتطرف عصام النباهين، من سكان النصيرات، والذي ظهر سابقا في صفوف تنظيم الدولة في سيناء، وكان قد أُدين قبل الحرب بقتل شرطي فلسطيني.

وخلال العدوان على غزة، قاد النباهين هجوما على عقدة قتالية لكتائب القسام شمال النصيرات، حيث قتل عددا من المقاومين، واستولى على عتادهم. 

وتؤكد المعلومات أن مجموعته تلقت دعما كبيرا من أجهزة استخباراتية عربية، شمل مركبات دفع رباعي، وأجهزة رؤية ليلية، ومعدات ملاحة متقدمة، إلى جانب تمويل مالي مستمر وتطبيقات اتصال مشفرة، حسب ما كشفته “منصة الحارس” التابعة لوزارة الداخلية في غزة.

ورغم الجهود الحثيثة لعصابة أبو شباب، إلا أن مشروعها يواجه جدارا صلبا من الرفض، حتى بعض اللصوص وتُجّار السوق السوداء رفضوا الانخراط في هذه الخيانة. 

ويقول ماجد عطا، أحد الشبان العاملين في تأمين المساعدات: “كان أحد مسؤولي عصابة لسرقة المساعدات في منطقة أبو العجين شرق دير البلح، يقود مجموعة من 30 إلى 40 شخصا، عرض عليه أبو شباب الانضمام، مقابل المال والتسهيلات في تجارة المخدرات”.

"لكنه رفض، وقال : (أنا حرامي بعترف، بس مش عميل.. ومستحيل أصير خاين). وبعد شهر فقط، قُتل ذلك الشخص على يد جهة مجهولة".

وبحسب ما روى عطا، فإن طريق العمالة غالبا يبدأ بسرقة المساعدات، ثم الانزلاق إلى تجارة المخدرات، قبل السقوط الكامل في وحل الخيانة. 

وأكد أن بعض العائلات تتعرض للوصمة الجماعية بسبب أفراد قلة، وهذا من أكثر الأضرار الاجتماعية ألما، خاصة أن كثيرا من هذه العائلات قدمت شهداء في صفوف المقاومة.

حملات أمنية

وفي السياق ذاته، كشف مصدر أمني وسط القطاع لـ"الاستقلال" عن تنفيذ حملة أمنية مكثفة خلال الشهرين الأخيرين، استهدفت عصابة أبو شباب والعصابات المرتبطة بها شرق شارع صلاح الدين، في مناطق مثل دير البلح، والمصدر، ومخيمي البريج والمغازي.

وأسفرت هذه الحملة عن تصفية عدد من عناصر العصابة واعتقال آخرين، وأوضحت التحقيقات أن غالبية العناصر التي تم استهدافها هم من المتورطين سابقًا في جرائم سرقة أو تجارة المخدرات أو الانتماء لتنظيمات متطرفة.

وقال المصدر: "الفئة الأخطر ضمن هذه العصابة هي العناصر الداعشية، وتحديدًا بعد انضمام عصام النباهين الذي لعب دورًا مركزيًا في تجنيد شبان صغار في السن، بعد إغراقهم في دوامة المخدرات التي باتت وسيلة الاحتلال المفضلة لإسقاطهم".

وأكد أن “هؤلاء لا يستطيعون التحرك إلا في المناطق التي يسيطر عليها جيش الاحتلال بشكل مباشر، حيث توفر لهم الحماية”.

واستطرد: "أما في المناطق السكانية والمجتمعية، فلا مكان لهم… هؤلاء منبوذون من المجتمع الفلسطيني، الذي يغفر كل شيء إلا العمالة.. حتى في الأوساط البدوية، نجد العائلات تتبرأ منهم، وتدعو إلى تصفيتهم علنا".

وفي مواجهة هذه الظاهرة، صعدت “القسام” عملياتها الأمنية؛ حيث تولت بشكل مباشر مهمة مطاردة عصابة "أبو شباب" والعصابات المماثلة لها.

وحسب جهاز أمن المقاومة فإن القسام قد تولى منذ يونيو/ حزيران 2025، مهمة مواجهة هذه العصابات، ونفذ عمليات اغتيال دقيقة استهدفت قادة المجموعات العميلة.

ونفذت وحدة "رادع" التابعة لأمن المقاومة في 28 يوليو 2025 عملية أمنية معقدة في خان يونس، أسفرت عن تصفية ستة أشخاص متورطين في التعاون مع المخابرات الإسرائيلية، جميعهم كانوا ضمن خلايا بقيادة أبو شباب.

وشملت عمليات الاغتيال السابقة قادة بارزين في المجموعات، من بينهم بلال أبو تيلخ، موسى أبو معمر، محمد أبو صيبان، ويوسف أبو صهيبان، ما شكّل ضربة قاصمة لعصابة أبو شباب وأذرعها في غزة.

تهديد حقيقي

ويرى المصدر الأمني أنه "في الوقت الراهن، يشكّل هؤلاء العملاء تهديدا حقيقيا للجبهة الداخلية، ويستخدمهم الاحتلال كأدوات للسيطرة والسياسة الأمنية، لكن على المدى البعيد فإنه مشروع عصابة أبو شباب ومثيلاتها سيمنى  بفشل ذريع ومحكوم عليه بالفناء".

 "رغم الدعم الكبير من الاحتلال من خلال التمويل والتدريب والتسليح، حيث إن هؤلاء العملاء لن يكون لهم مستقبل بعد انتهاء الحرب، فمصيرهم المحتوم يشبه مصير (جيش لحد) في لبنان، جيش الخيانة الذي انتهى إلى الإبادة والنبذ.".

ولا يقتصر تمدد العصابات لخان يونس ووسط القطاع، بل شكل الاحتلال عصابات من عائلات أخرى، شمال القطاع، ونفذت عمليات بتوجيه من الاحتلال، خاصة في منطقة القرية البدوية وبيت حانون، التي كانت حتى وقت قريب بعيدة عن نشاطات جيش الاحتلال المباشرة.

وكشفت القناة 12 العبرية في 26 يوليو 2025، عن تعاون عشيرة محلية في بيت حانون مع الاحتلال؛ حيث نفذت عمليات تخريب ضد بُنى تحتية تابعة لكتائب القسام، وأطلقت النار على مسلحين حاولوا نصب كمين لقوات الاحتلال. 

وتأتي هذه التحركات في إطار سياسة الاحتلال في استخدام العشائر المحلية كورقة للسيطرة وإضعاف المقاومة.

كما أكَّد جهاز أمن المقاومة الفلسطينية في 27 يوليو 2025  تشكيل هذه العصابات الجديدة الموالية للاحتلال، وتكليفها بمهام أمنية استخباراتية، مع وجود تواصل واضح مع جهات أمنية في رام الله، يقودها الضابط بهاء بعلوشة، المسؤول عن التنسيق الاستخباري بين هذه الخلايا والاحتلال.

وكشف الجهاز أن "عددهم لا يتجاوز عشرة أفراد، وتوجد لدى المقاومة أسماؤهم وأدلة تثبت تلقيهم تعليمات مباشرة من ضباط في جيش الاحتلال المتمركز في المنطقة".