الممر الإسرائيلي الاحتلالي إلى السويداء.. هدف حقيقي أم ورقة ضغط؟

مصعب المجبل | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في وقت تجتهد فيه الدولة السورية الجديدة لاستعادة النظام في السويداء ذات الغالبية الدرزية، كشف الكيان الإسرائيلي عن عزمه فتح ممر إلى هذه المحافظة الواقعة جنوب سوريا؛ إذ جدد وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، مزاعم الاحتلال بحماية أبناء الطائفة الدرزية في سوريا، ودعا إلى فتح ممر بين المناطق السورية التي تحتلها إسرائيل ومحافظة السويداء.

ولا توجد أي حدود برية مشتركة بين الكيان الإسرائيلي والسويداء، التي تفصلها عن مرتفعات الجولان السورية المحتلة محافظة كاملة هي درعا.

ممر إلى السويداء

وقال سموتريتش: إنه زار في 31 يوليو 2025 برفقة الرئيس الروحي لطائفة الموحّدين الدروز في فلسطين، الشيخ موفق طريف، ورئيس منتدى السلطات الدرزية، ياسر غضبان، غرفة العمليات التي أنشأتها الطائفة في قرية جولس (في منطقة الجليل الغربي شمالي فلسطين)، "لمتابعة أوضاع إخوانهم الدروز في السويداء والتواصل معهم".

وزعم سموتريتش أن الوضع في السويداء "صعب للغاية"، وأن وقف إطلاق النار الحالي هو "نوع من الهدوء المخادع"، يُنفذ خلاله "حصار على الدروز"، و"تخريب لبعض قراهم"، و"التسبب في أزمة إنسانية خطيرة".

وأضاف: "في المقابل، تبرز الشراكة المتينة بين إسرائيل والطائفة الدرزية، والتزام إسرائيل بحياة وأمن الدروز في سوريا.. هذا فعل إنساني وأخلاقي ضروري، كما أنه مصلحة أمنية إسرائيلية".

ومضى يقول: "يجب أن نطالب ونحصل فورا على ممر إنساني يتيح إدخال المساعدات الغذائية والطبية والمعدات الأساسية إلى الدروز المحاصرين، كما يجب أن نستعد عسكريا للدفاع عنهم، ولفرض ثمن باهظ على النظام السوري، وخلق ردع قوي يمنع تكرار الهجوم".

وأشار سموتريتش إلى أنه أبلغ وجهاء الطائفة الدرزية بأن وزارة المالية الإسرائيلية "ستخصص أي ميزانية مطلوبة لهذا الغرض".

وشكَّل استنجاد شيخ العقل الدرزي الانفصالي حكمت الهجري بإسرائيل لمنع محاولات الدولة السورية من نشر مؤسساتها في المحافظة، ذريعة كبيرة لإسرائيل لتمرير مشاريع إمبريالية جديدة في المنطقة.

وضمن محاولة الهجري خلق واقع جديد في سوريا يقود لعزل السويداء، وجعلها بعيدة عن سلطة دمشق المركزية، أقدم الهجري خلال بيان في 16 يوليو 2025 على الطلب من رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "إنقاذ السويداء"، في استقواء علني بعدو السوريين ومن يحتلّ أرضهم.

كما رفض الهجري بسط الدولة الجديدة سيطرتها على المؤسسات الأمنية والحكومية في السويداء، لا سيما بعد تقدّم قوات الأمن نحو المحافظة في 13 يوليو 2025 لإعادة الاستقرار إليها، على إثر اشتباكات بين عشائر بدوية وفصائل محلية درزية بريفها.

وقد كان لافتا أن إسرائيل استجابت لدعوات الهجري؛ إذ شنّ الجيش الإسرائيلي عدوانا كبيرا على سوريا، في 16 يوليو شمل غارات على أكثر من 160 هدفا في 4 محافظات هي السويداء ودرعا المتجاورتين، وريف دمشق ودمشق، التي قصف فيها مقر هيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي بالعاصمة.

وأكَّد قائد الأمن الداخلي السوري في محافظة السويداء، العميد أحمد الدالاتي، أن أكثر من 200 عنصر من وزارتي الدفاع والداخلية قتلوا نتيجة للقصف الإسرائيلي في اليوم الأول فقط من المواجهات بمدينة السويداء وريفها مع مليشيا الهجري، في حين أُصيب أكثر من 400 آخرين.

 حالة من الغموض

أمام ذلك، أدت الهجمات الإسرائيلية المكثفة الأخيرة، لا سيما في منطقة جنوب السويداء، إلى تصعيد التوترات بين الدروز وحكومة دمشق الساعية لإدخال مؤسساتها إلى السويداء بينما يرفض الهجري ذلك متهما القيادة السورية الحالية بأنها "تكفيرية".

إلا أن وقفا لإطلاق النار في السويداء سرى منذ 19 يوليو 2025، وحينها قال السفير الأميركي لدى تركيا، المبعوث الخاص إلى سوريا، توم باراك: إن سوريا وإسرائيل اتفقتا على وقف إطلاق النار.

وأضاف باراك في تصريحات صحفية: إن "الاتفاق حَظِي بقبول تركيا والأردن ودول مجاورة أخرى".

وإلى الآن مدينة السويداء محاصرة من قبل وزارة الداخلية السورية؛ حيث تسمح الأخيرة بدخول المساعدات الدولية إليها، بينما تواصل إسرائيل إرسال مساعدات إلى المدينة عبر الطيران المروحي.

ومع منع الهجري ومليشياته دخول مؤسسات الدولة السورية إلى السويداء، يبقى الاستعصاء يثير حالة من الغموض حول مصير المحافظة التي شهدت أعنف صدام مسلح منذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر 2024.

ولا يمثل ​​الهجري بالضرورة الأغلبية الدرزية في سوريا، في ظلّ وجود مرجعيات روحية أخرى أمثال داخل السويداء رافضة للتدخل الإسرائيلي، بالإضافة إلى الشيخ ليث البلعوس، القيادي في تجمع رجال الكرامة، الذي يقف ضد الهجري ويتمسك بوحدة الدولة السورية.

ومع "عمالة" الهجري لإسرائيل العلنية، تعمل قوات الاحتلال الإسرائيلي على شنّ هجمات وتنفيذ توغلات في محافظة درعا التي تقع بين السويداء والجولان المحتل منذ عام 1967.

وإذ ما أرادت إسرائيل الوصول برا إلى السويداء فإن ذلك يتطلب احتلال قرى في القنيطرة ودرعا.

وهنا يقول رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد عبدالله الأسعد لـ "الاستقلال": إن "فتح إسرائيل ممر إلى السويداء هو حلم قديم وتسعى تلّ أبيب لتحقيقه، خاصة أن إسرائيل وجدت في ورقة حكمت الهجري فرصة لخلق واقع جديد في الجنوب السوري". 

وأضاف الأسعد أن "إسرائيل يبدو أنها تسعى إلى تأجيج الموقف في السويداء خدمة لمشروعها وإجبار الولايات المتحدة على إجراء ترتيبات أمنية جديدة في الجنوب السوري".

وراح الأسعد "كل ما تخطط له إسرائيل في الجنوب السوري يتوقف على قدرة الدولة السورية الجديدة في العمل على فتح ممر من الكيان الصهيوني إلى السويداء".

"تلميع الصورة"

وهناك إستراتيجية إسرائيلية طرحت باسم عوديد ينون وهو موظف في الخارجية الإسرائيلية، ونشرت في مجلة "كيفونيم" (اتجاهات) الصادرة عن المنظمة الصهيونية العالمية في فبراير/شباط 1982. 

ودعت تلك الخطة إلى "تفكيك سوريا... إلى مناطق أقليات عرقية ودينية... بصفتها هدف إسرائيل الرئيس على الجبهة الشرقية على المدى البعيد".

وتسعى تلك الإستراتيجية الإسرائيلية، إلى "تفكيك سوريا إلى عدة دول على أساس بنيتها العرقية والدينية".

وزعمت خطة ينون أن أمن إسرائيل وهيمنتها يعتمدان على تفكيك الدول العربية إلى كيانات طائفية وإثنية أصغر، بما في ذلك الدروز والعلويين والأكراد والموارنة والأقباط وغيرهم.

وكان الهدف هو استبدال الدول العربية القوية المركزية بدويلات ضعيفة ومقسمة إلى أجزاء لا تشكل أي تهديد لإسرائيل ويمكن أن تصبح حليفة أو وكيلة تحت الحماية الإسرائيلية. 

وضمن هذا السياق قال الباحث السوري عمار جلو لـ "الاستقلال": إن "إسرائيل تسعى للضغط على الدولة السورية الجديدة لتنفيذ الشروط الإسرائيلية بأن يكون الجنوب السوري منزوع السلاح".

وأضاف جلو أن "إسرائيل جادة في فتح ممر إلى السويداء نظرا لتأثير الدروز في الداخل الإسرائيلي خاصة على الائتلاف الحكومي الإسرائيلي ضمن ما يسمى اتفاق الدم بين الطرفين بالإضافة إلى العامل الخفي المتمثل في تلميع صورة إسرائيل في القضايا الإنسانية وحماية الأقليات وإنسانية إسرائيل التي تحطمت في غزة".

وأردف جلو "إن محاولة إسرائيل فتح ممر إلى السويداء في ظل محاصرتها الآن من قبل حكومة دمشق، يعطي تل أبيب كل الذرائع ويلمع صورتها دوليا عبر السعي لرسم صورة على أنها تساعد المدنيين في السويداء وتقديم المساعدات والحماية لهم بعد اهتزاز صورة إسرائيل في غزة".

ورأى جلو أن "فتح ممر من إسرائيل إلى السويداء تهدف من خلفه تل أبيب إلى زيادة الصلة بين دروز سوريا بدروز إسرائيل وكذلك جعل وجهة سكان السويداء نحو الجنوب بمعنى لمن يقدم لهم الحماية والمساعدة ويهتم بقضاياهم بعد الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة السورية الجديدة في معالجة ملف السويداء رغم أن هذا استثمار إسرائيلي واضح بأهالي السويداء".

ونوَّه جلو "إلى أن الحكومة السورية الجديدة ضمن اتفاق وقف الاقتتال في السويداء وافقت على أن يكون الجنوب منزوع السلاح وهذا بمثابة جريمة سياسة بسبب إدخال فاعل إقليمي عدو وهو إسرائيل في مشاكل سوريا الداخلية وطرح اتفاقات لحل ملف السويداء تكون إسرائيل طرفا فيه".

واستدرك قائلا: "خاصة أن الموافقة على أن تكون إسرائيل طرفا في قضية داخلية؛ يعني فتح حكومة دمشق الباب لأطراف خارجية؛ لأن تكون طرفا لحل مشكلة داخلية مثل ملف قوات سوريا الديمقراطية".