من عداوة طويلة إلى طلب صفحة جديدة.. “حزب الله” اللبناني والسعودية إلى أين؟

"حزب الله يدرك مدى قدرة السعودية على ممارسة الضغط على أي طرف داخلي أو خارجي"
في وقت تتزايد فيه الضغوط الداخلية والخارجية على “حزب الله” اللبناني، فجّر زعيم الحزب نعيم قاسم مفاجأة بدعوته السعودية لفتح صفحة جديدة، عنوانها اعتبار الكيان الإسرائيلي عدوا مشتركا.
وقال زعيم حزب الله في كلمة متلفزة، في 20 سبتمبر/ أيلول 2025: "أدعو السعودية إلى فتح صفحة جديدة مع المقاومة ضمن الأسس الآتية؛ أولا: حوار يعالج الإشكالات ويجيب عن المخاوف ويؤمّن المصالح".
وأضاف قاسم "ثانيا حوار مبني على أن إسرائيل هي العدو وليست المقاومة. وثالثا حوار يجمد الخلافات التي مرّت في الماضي، على الأقل في هذه المرحلة، من أجل التوجه للجم إسرائيل".
وأشار قاسم (72 عاما) إلى أن الوضع في المنطقة أصبح بعد الهجوم الإسرائيلي على قطر "مختلفا عما قبله".
وفي كلمته، شدد قاسم على أن أهداف إسرائيل في المنطقة "تمتد لفلسطين ولبنان والأردن ومصر وسورية والعراق والسعودية واليمن وإيران".
وأكد أن سلاح "حزب الله" موجه "نحو العدو الإسرائيلي فقط، لا نحو السعودية ولا نحو أي جهة في العالم، وأن هذا النهج سيستمر".
ولم يصدر على الفور تعليق سعودي على دعوة “حزب الله”.

حزب الله والسعودية
غير أن الدعوة تأتي في ظل دخول الحزب في مناكفة سياسية مع الحكومة اللبنانية التي طلبت في أغسطس/ آب 2025 من الجيش اللبناني إعداد خطة لتجريد الحزب من سلاحه وتطبيقها بحلول نهاية العام المذكور.
وقد عرض قائد الجيش رودولف هيكل عرضا على مجلس الوزراء مطلع سبتمبر 2025 خطة من خمس مراحل لحصر السلاح بيد الأجهزة الرسمية.
تمتدّ الأولى منها على "ثلاثة أشهر ينتهي حصر السلاح نهائيا خلالها في منطقة جنوب الليطاني بالكامل" على بُعد نحو 30 كلم من الحدود مع إسرائيل، ثم بعد ذلك تشمل خطة حصر السلاح بالمناطق اللبنانية الأخرى وصولا إلى بيروت والبقاع لكن بدون مُهَل زمنية.
كذلك، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلية، تنفيذ عمليات اغتيال لعناصر حزب الله عبر استهدافات بطائرات مسيرة.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شنّت إسرائيل عدوانا على لبنان حولته في سبتمبر 2024 إلى حرب شاملة قتلت خلالها أكثر من 4 آلاف شخص وأصابت نحو 17 ألفا آخرين.
ورغم التوصل في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين "حزب الله" وإسرائيل، فإن الأخيرة خرقته أكثر من 4 آلاف و500 مرة، ما أسفر عما لا يقل عن 273 قتيلا و622 جريحا. وفق بيانات رسمية.
وفي تحدٍ للاتفاق تحتل إسرائيل 5 تلال لبنانية سيطرت عليها في الحرب الأخيرة، إضافة إلى مناطق أخرى تحتلها منذ عقود.
وأنفقت السعودية من قبل المليارات على لبنان، وأودعت أموالا في البنك المركزي وساعدت في إعادة إعمار الجنوب بعد حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل، لكن نفوذ حزب الله ازداد في لبنان والمنطقة بمساعدة من إيران.
ونأت السعودية بنفسها عن لبنان لسنوات بسبب نفوذ حزب الله في مؤسسات الدولة.
وتوترت العلاقات بشدة في عام 2021 حينما طردت السعودية السفير اللبناني واستدعت مبعوثها وحظرت الواردات اللبنانية. وذكر بيان في وسائل الإعلام السعودية حينئذٍ أن جماعة حزب الله تسيطر على عمليات اتخاذ القرار في الدولة اللبنانية.
وقال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان آل سعود، لقناة فرانس 24 التلفزيونية، في مقابلة أُذِيعت في 14 نوفمبر 2021، إن بلاده لا ترى "أي فائدة من التواصل مع الحكومة اللبنانية في هذه المرحلة الزمنية".
وأضاف الوزير حينها "نعتقد أن الطبقة السياسية في حاجة للنهوض واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحرير لبنان من هيمنة حزب الله ومن التبعية لإيران من خلاله".

"مرحلة عداء"
وقد تلاحق التراشق الكلامي والتصريحات التصعيدية بين حزب الله والسعودية.
لدرجة أن زعيم حزب الله السابق حسن نصر الله الذي (قُتِل بغارة إسرائيلية على بيروت في 27 سبتمبر 2024)، وصف ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان بأنه "إرهابي"، ودأب على انتقاد دور السعودية في اليمن.
وكثيرا ما اتهمت السعودية حزب الله بإرسال مقاتلين إلى اليمن حيث يحارب تحالف بقيادة الرياض الحوثيين المدعومين من إيران.
في نهاية أكتوبر 2021 ذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية أن المملكة، ممثلة في رئاسة أمن الدولة صنفت جمعية "القرض الحسن" الكائنة في لبنان "كيانا إرهابيا"، معللة ذلك بصلات للجمعية بأنشطة تدعم "حزب الله".
وتعد مؤسسة القرض الحسن إحدى أهم المؤسسات المالية الاقتصادية لحزب الله ولا تخضع لقانون النقد والتسليف اللبناني، افتتحت في ثمانينيات القرن العشرين بصفة جمعية خيرية.
إلا أن مصرف لبنان المركزي أعلن في منتصف يوليو 2025 "حظرا على المصارف والمؤسسات المالية أن تتعامل بشكل مباشر أو غير مباشر، كليا أو جزئيا، مع مؤسسات الصرافة غير المرخص لها أو الجمعيات والهيئات غير المرخصة ومن بين المؤسسات والجمعيات غير المرخصة جمعية القرض الحسن".
اللافت أنه قبل تغير الطبقة الحاكمة في لبنان وتولي جوزيف عون رئاسة لبنان مطلع عام 2025 وتكليف نواف سلام برئاسة الحكومة، كان نفوذ حزب الله مؤثرا بشكل كبير على الحكومة ووزرائها.
لدرجة أن انتقاد السعودية من وزراء في الحكومة اللبنانية أصبح مساندة لسياسات حزب الله في لبنان وفي دول المنطقة.
فقد بدأت أزمة دبلوماسية بين الرياض وبيروت على خلفية تصريحات سابقة لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، قبل توزيره، وبثّت أواخر شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وقال فيها: إن الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن "يدافعون عن أنفسهم" في وجه "اعتداء خارجي" من السعودية والإمارات.
كذلك دخل وزير الخارجية اللبناني السابق عبد الله بوحبيب، على الخط عندما سربت له صحيفة "عكاظ" السعودية في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 تسجيلات استنكر فيها جهود دول الخليج والسعودية في دعم لبنان، وأطلق اتهامات صريحة تجاه خطط المملكة المتعلقة بلبنان.
وسبق تسريب "عكاظ" بيوم إعلان عبد الله بو حبيب أن المملكة العربية السعودية تملي شروطا مستحيلة من خلال مطالبة الحكومة بالحد من دور حزب الله في لبنان.
وقال عبد الله بو حبيب في مقابلة مع وكالة رويترز "نحن أمام مشكلة كبيرة، إذا كانوا يريدون فقط رأس حزب الله، فنحن لا نستطيع أن نعطيهم إياه، نحن كلبنان".
وفي يناير 2022 اضطر رئيس الحكومة اللبنانية حينئذ نجيب ميقاتي، لرفض تصريحات زعيم حزب الله حسن نصر الله، التي هاجم فيها السعودية، مشددا على دعوة لبنان لاعتماد سياسة النأي بالنفس عن الخلافات العربية.
وحينها قال نصر الله، في خطاب متلفز: إن "مشكلة السعودية في لبنان هي مع الذين هزموا مشروعها في المنطقة، ومنعوا تحويل لبنان إلى إمارة سعودية". متهما الرياض بـ"الوقوف خلف داعش والتكفيريين".
إلا أن السعودية بعد أكثر من 5 أشهر على اندلاع الأزمة التي تسبَّبت بها تصريحات جورج قرداحي، أعلنت الرياض في 7 أبريل 2022 عودة سفيرها إلى بيروت مبررة ذلك بضرورة عودة لبنان إلى عمقه العربي.
وصنّفت دول مجلس التعاون الخليجي يوم 2 مارس 2016 حزب الله اللبناني منظمة إرهابية، وانتقدت ممارسات الحزب التي "تشكل تهديدا للأمن القومي العربي".
إلا أن السعودية أعلنت قبل قرار دول مجلس التعاون الخليجي تصنيف حزب الله منظمة إرهابية، تعليق مساعدات عسكرية كانت مقررة للجيش اللبناني بسبب مواقف لبنانية مناهضة لها بدافع من تأثير حزب الله على القرار السياسي في لبنان.
وسبق أن فرضت السعودية في نوفمبر 2015 عقوبات على عدد من الشخصيات والشركات المحسوبة على حزب الله اللبناني نالت 12 شخصية ومؤسسة جرى تجميد أصولها في المملكة.

"مطالب أساسية"
وأمام هذا يبقى السؤال الأبرز، يتمحور مدى استجابة السعودية لفتح صفحة جديدة مع حزب الله اللبناني في هذه المرحلة الحساسة والتي تراجع فيها نفوذ الحزب أصلا دخل لبنان.
وضمن هذا السياق قال الباحث في الشأن الإيراني عمار جلو لـ "الاستقلال": إن "السعودية غير مستعدة لفتح علاقة مع حزب الله اللبناني لكون سياسة المملكة تتمحور حول التعامل مع الحكومات فقط".
وأضاف جلو قائلا: "بالنسبة للسعودية في أي ملف يخص حزب الله اللبناني تفضل التفاهم مع إيران، خاصة بعد عودة علاقة الرياض وطهران منذ عام 2023 وحصول توافقات بوساطة صينية".
ولفت جلو إلى أن "الأوضاع الإقليمية الحالية بشكل عام هي متوترة ومستفزة وحزب الله اللبناني هو تنظيم مشارك في حالة عدم الاستقرار في المنطقة منذ تدخله عسكريا بسوريا ثم مع جماعة الحوثي في اليمن عبر التدريب والاستشارة للعناصر الحوثية وتصنيع الأسلحة الأساسي والذي ما يزال وهذا ما يستفز السعودية أكثر ويشكل خطرا على الأمن القومي للمملكة وغيرها من دول الخليج، إضافة إلى ما سمي بمعركة الإسناد لغزة".
وكانت السعودية واليمن اتهمتا في 25 فبراير 2016 حزب الله اللبناني بالضلوع مباشرة في تدريب الحوثيين والتخطيط لعمليات إرهابية في الأراضي السعودية، وأكّدت الدولتان على وجود أدلة ووثائق سيتم تقديمها إلى مجلس الأمن وجامعة الدول العربية.
وقالت الحكومة اليمنية حينها: إن لديها وثائق وأدلة مادية على حجم انخراط الحزب اللبناني إلى جانب المليشيات الحوثية.
ورأى جلو أن "دعوة حزب الله اللبناني لفتح صفحة جديدة مع السعودية هي تقرأ في سياق محاولة استجرار دعم سياسي للحزب الذي يعاني من ضغوطات داخلية تتعلق بتراجع نفوذه السياسي على حساب باقي الأحزاب اللبنانية التي تجمعها علاقة طيبة مع المملكة وعلى رأسهم حزب القوات اللبنانية خصم حزب الله الأول في لبنان والذي دار الحديث عام 2024 أنه أصبح تحت العباءة السعودية، لا سيما بعد تقديم سفير الرياض في بيروت عباءة سعودية مطرزة كهدية إلى رئيس حزب القوات سمير جعجع".
واستدرك "والتي جاءت في توقيت حساس حينما كان حزب الله يعرقل انتخاب رئيس لا يكون مطمئنا للمقاومة قبل أن تنقلب المعادلات الميدانية سريعا في لبنان بعد مواجهة حزب الله مع إسرائيل التي أضعفت الحزب وقتلت قادته الكبار وعلى رأسهم حسن نصر الله ليتراجع نفوذ الحزب".
وأردف "وقد أثبت ذلك انتخاب الرئيس جوزيف عون رئيسا للبنان وتكليف نواف سلام رئيسا للحكومة وهما ليسا على هوى حزب الله السياسي بل أُقِرّ في عهدهما خطة حكومية غير مسبوقة تتمثل بنزع سلاح حزب الله الأمر الذي يربك حسابات الحزب السياسي ويدفعه إلى محاولة كسر حالة الجمود الداخلية".
وكذلك "الخارجية المتمثلة في انحسار حالة التحالفات لحزب الله سواء عقب سقوط نظام بشار الأسد أو حتى لإيران التي خرجت من سوريا وتعاني اليوم من ضغوط كبيرة أميركية وإسرائيلية وحتى من الاتحاد الأوروبي الذي يهدد بفرض عقوبات على إيران ما لم تنصع إلى الاتفاقات الدولية والأممية بشأن برنامجها النووي". وفق جلو.
وراح يقول: "حزب الله يدرك مدى قدرة السعودية على ممارسة الضغط على أي طرف داخلي أو خارجي من الإقليمية وغير الإقليمية لهذا يحاول الآن مد اليد لها على الرغم من التاريخ الطويل الاستفزازي للحزب على الخليج بشكل عام".
وذهب جلو للقول: "أمام حزب الله مطالب أساسية هي من تحدد تعامل السعودية مع الحزب كأي حزب لبناني والتي تتلخص باحترام حزب الله لسيادة الحكومة اللبنانية ومساهمة حزب الله في الاستقرار الداخلي والإقليمي في المنطقة ومنها الجدية في نزع سلاحه ضمن الخطة الحكومية المقرّة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وخاصة في اليمن فضلا عن النقطة المهمة المتمثلة بوضع حاجز في العلاقة بين حزب الله وإيران".