سمير حليلة.. ثري فلسطيني يطرح نفسه لحكم غزة عبر استجلاب قوات عربية

خالد كريزم | منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

في ظل الجمود المستمر بمفاوضات وقف إطلاق النار وعدم وجود إستراتيجية إسرائيلية لما يسمى "اليوم التالي" للحرب بغزة، ظهر اسم شخصية جديدة على السطح لتنصيبه حاكما للقطاع.

وبدأت وسائل إعلام عبرية في 12 أغسطس/آب 2025، بالحديث فجأة عما أسمته "جهود خفية وراء الكواليس" تجرى منذ أشهر لتنصيب رجل الأعمال الفلسطيني البارز سمير حليلة حاكما مُحتملا لغزة.

مبادرة جديدة

وكشفت صحيفة يديعوت أحرونوت عما قالت إنها "مبادرة" تشمل وثائق قُدّمت إلى وزارة العدل الأميركية تتناول خطة لتعيين شخصية تعمل تحت رعاية جامعة الدول العربية.

وتحدثت عن ترشيح سمير حليلة كشخصية يمكن أن تكون مقبولة لدى كل من إسرائيل والولايات المتحدة، وتتمثل مهمته في تمهيد الطريق لغزة بعد الحرب.

واستندت الصحيفة في هذا الكشف إلى محادثات أجرتها منظمة “شومريم” الإسرائيلية غير الحكومية التي تعمل على "تعزيز الديمقراطية" في تل أبيب - مع أشخاص مُشاركين في المبادرة، بالإضافة إلى الوثائق المذكورة المقدمة إلى واشنطن.

وقالت: "يُروّج جزئيًا لترشيح حليلة من قِبل آري بن مناشيه، وهو إسرائيلي يقيم الآن في كندا، ويعدّ من رجال الضغط السياسيين المثيرين للجدل".

وبن مناشيه ضابط مخابرات إسرائيلي سابق من أصل إيراني له تاريخ طويل ومثير للجدل؛ إذ يُزعم تورطه في قضية إيران كونترا في أوائل الثمانينيات، وحوكم في الولايات المتحدة، وجرت تبرئته.

و"إيران كونترا" أو "إيران غيت" صفقة سرية باعت فيها إدارة الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان لطهران أسلحة بوساطة إسرائيلية، على الرغم من قرار الحظر وتصنيفها "عدوة لأميركا" و"راعية للإرهاب".

وفي المقابل، استخدمت واشنطن أموال الصفقة وأرباحها في تمويل سري لحركة معارضة الثورة المعروفة بـ"الكونترا" التي كانت تحارب للإطاحة بالحكومة اليسارية في نيكاراغوا، وحظي بدعم من كوبا والاتحاد السوفيتي سابقا.

وبعد هجرة بن مناشيه إلى أستراليا ثم إلى كندا، ادعى أنه عمل مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" ورئيس الوزراء الأسبق إسحاق شامير، وهي مزاعم نفتها إسرائيل.

يقول بن مناشيه: إن مبادرته اكتسبت زخمًا في الأسابيع الأخيرة عقب اجتماعات عُقدت في الولايات المتحدة واتصالات يجريها حليلة مع مصر.

وفقًا لملفات لدى وزارة العدل الأميركية، سجّل بن مناشيه نفسه كجماعة ضغط لصالح حليلة قبل عدة أشهر، بهدف معلن هو إقناع صانعي السياسات الأميركيين بالترويج لترشيحه لمنصب حاكم غزة.

يستند هذا القرار إلى أن جميع الأطراف تفضل أن تُدار غزة من قِبل شخصية فلسطينية تعمل تحت حماية الولايات المتحدة وجامعة الدول العربية، وفق الصحيفة العبرية.

وبدأت المبادرة في أواخر عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، لكنها تسارعت بعد عودة الرئيس الحالي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. 

وتُظهر وثائق إضافية قُدّمت مطلع أغسطس 2025 أن بن مناشيه ناقش الأمر مع مسؤولين في قطر والمملكة العربية السعودية ومصر.

ومنذ تسجيله كرجل يعمل في مجموعة ضغط بالولايات المتحدة، مثّل بن مناشيه عملاء، منهم رئيس زيمبابوي الراحل روبرت موغابي، والمجلس العسكري في ميانمار، وآخرون. 

وتشير التقارير إلى أن قائمته الحالية تضم قيرغيزستان، والكونغو، وفانواتو، ورئيس بوركينا فاسو، والحكام العسكريين في السودان.

في مقابلة مع شومريم، أكد بن مناشيه دوره في الترويج لحليلة، وقال: إن هذا الجهد كان مهمًا له شخصيًا، مبينا أنه "أمر جيد لليهود".

وأضاف أن الخطة قيد التطوير مع كبار المسؤولين الأميركيين، متوقعا أن يعمل حليلة تحت رعاية جامعة الدول العربية، خاصة مصر والسعودية.

وجادل بأن هذا من شأنه تجنب المعارضة الإسرائيلية لوضع غزة رسميًا تحت سيطرة السلطة الفلسطينية. 

وتتضمن مبادرات بن مناشيه مقترحات أوسع نطاقًا على غرار نشر قوات أميركية وعربية في غزة، وضمان اعتراف الأمم المتحدة بوضع خاص للمنطقة.

وكذلك استئجار أرض من مصر لإنشاء مطار وميناء بحري في سيناء، والحصول على حقوق حفر الغاز قبالة سواحل القطاع وأكثر من ذلك.

سمير حليلة

سمير حليلة من مواليد الكويت عام 1957، رجل أعمال فلسطيني بارز مقيم في رام الله ويشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة فلسطين للتنمية والاستثمار (باديكو)، أكبر شركة قابضة في البلاد.

ويشغل عضوية مجالس إدارة العديد من الشركات التابعة، بما في ذلك المجموعة الإعلامية الفلسطينية وسوق الأوراق المالية المحلية. 

شغل حليلة في السابق مناصب قيادية في السلطة الفلسطينية، منها الأمين العام للحكومة (2005 - 2006) ثم نائب وزير الاقتصاد والتجارة.

وقبلها عين بمنصب وكيل وزارة الاقتصاد والتجارة المساعد (1994-1997)، إضافة إلى ترؤسه مجلس إدارة مركز التجارة الفلسطيني (2004 - 2005).

وهو حاصل على درجة الماجستير في الاقتصاد من الجامعة الأميركية في بيروت (1983)، ويُعرف بجهوده في تعزيز النمو الاقتصادي الفلسطيني.

يمثل الشركات التابعة لـ"باديكو" القابضة، بما في ذلك: بالتل؛ شركة فلسطين للاستثمار العقاري. 

كما أنه رئيس مجلس إدارة شركة بوابة أريحا للاستثمار العقاري، ورئيس مجلسي الأعمال الفلسطيني البريطاني والفلسطيني الروسي.

حليلة عضو مجلس إدارة معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني؛ المؤسسة المصرفية الفلسطينية. 

وعضو مجلس أمناء: مدارس الفرندز (الأصدقاء) في رام الله؛ غرفة التجارة الدولية، ورئيس جمعية خريجي جامعة بيرزيت.

وإضافة إلى ذلك، يعد حليلة خبيرا اقتصاديا ومدربا وله روابط سياسية وتجارية مع السلطة الفلسطينية وفي الخارج.

كما يعد مقربًا من الملياردير الفلسطيني الأميركي بشار المصري، مُطوِّر مدينة روابي في الضفة الغربية، والمعروف بعلاقاته مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وارتبط اسم المصري أخيرا بـ “آدم بوهلر” مبعوث الرئيس الأميركي لشؤون الرهائن، وشارك في جهود تحرير الأسرى المتبقين لدى المقاومة الإسلامية حماس في غزة.

وقالت يديعوت أحرونوت في وقت سابق: إن المصري "يعمل مستشارا سريا لإدارة ترامب، ويبرز كشخصية ظل لآدم بوهلر، الذي لفت اسمه الأنظار أخيرا بعد الكشف عن مشاركته في محادثات مباشرة مع كبار مسؤولي حماس".

وينظر إلى المصري على أنه أحد الأشخاص الذين يمكن أن يلعبوا دورا في إعادة إعمار غزة، فهو مطور عقاري معروف في الشرق الأوسط، ما يعطي أهمية أكبر للمبادرة المقترحة لتعيين حليلة.

وقد أكد حليلة ما جاء في وسائل الإعلام العبرية، قائلا: إن مقترح تعيينه حاكما لقطاع غزة مطروح منذ عام ونصف العام، موضحاً أنه عرضه على الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الحكومة (محمد مصطفى)، وجرت مناقشته داخل أروقة القيادة الفلسطينية.

وأضاف لوكالة معا المحلية أن “المقترح يتضمن أن تكون إدارة غزة تحت إشراف اللجنة السداسية بالجامعة العربية والتي تشمل مصر والسعودية والأردن والإمارات وقطر والسلطة الفلسطينية، لإدارة الشؤون المدنية في القطاع وضبط الأمن”، زاعما أن حركة حماس موافقة على المقترح.

وتابع قائلا: “في حال حدوث ذلك، ستفرض إسرائيل عقوبات على غزة من ضمنها إغلاق المعابر، وتعطيل إعادة الإعمار”. وكشف حليلة أن المقترح المقدم يتضمن دخول قوات عربية إلى القطاع فور انسحاب الجيش الإسرائيلي.

وهي قوات مصرية ومن دول عربية أخرى تحت إشراف أميركي، لحفظ النظام والأمن وتدريب الشرطة الفلسطينية لحفظ الأمن لاحقا، وفق قوله.

ولكن نفت الرئاسة الفلسطينية، ما ذكرته بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية عن تعيين “شخصية فلسطينية لإدارة قطاع غزة بعلم القيادة".

وقال مصدر مسؤول لوكالة وفا الرسمية: إن الجهة الوحيدة المخولة بإدارة غزة هي دولة فلسطين ممثلة بالحكومة أو لجنتها الإدارية المتفق عليها.

وشدد المصدر الرئاسي على أن أي تعاطٍ مع غير ذلك يعد خروجا عن الخط الوطني، ويتساوق مع ما يريده الاحتلال الذي يريد فصل غزة عن الضفة، وتهجير سكانها، مؤكدا أن القطاع جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية.

تصريحاته ومواقفه 

وعن مبادرة بن مناشيه، قال حليلة: إنه أكثر حذرًا بعض الشيء، مبينا أن الفكرة مصدرها الإسرائيلي المذكور وإنه جاء من كندا لمقابلته وشرحها.

وعندما سُئل عن الجهة التي تُموّل جهود الضغط، قال حليلة: "لم يكن المال يومًا مشكلة"، مضيفًا أنه دفع لـ “بن مناشيه” حتى الآن 130 ألف دولار من أصل عقد بقيمة 300 ألف.

يرى حليلة أن الخطوة الأساسية هي وقف إطلاق نار دائم، و"عندها فقط يُمكننا الحديث عن غزة ما بعد الحرب"، وفق ما نقلت يديعوت أحرونوت.

ويتصور حليلة نفسه "مدير مشروع" لإعادة إعمار غزة، ليُدخل "ما لا يقل عن 600 إلى 1000 شاحنة مساعدات يوميًا" ويفتح أربعة إلى خمسة معابر تجارية.

ويرى أنه يجب استعادة القانون والنظام، بحيث تكون غزة غير تابعة للسلطة الفلسطينية ولا لحماس ولكن محترمة من قِبل السكان، وفق وصفه.

وأكد رجل الأعمال الفلسطيني أن القطاع لا يمكن أن يظل غارقًا في أسلحة “بقايا حماس أو الجهاد الإسلامي”. بحسب تعبيره.

ويقدر أن إعادة تأهيل غزة يتطلب استثمارات بـ 53 مليار دولار، مع استعداد دول الخليج للمساهمة والتزامات كبيرة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وأكد أنه لن يتحقق أي تقدم حتى تنتهي الحرب، مع أنه أشار إلى بوادر تفاؤل. وقال: إنه في الأيام الأخيرة، بدت إسرائيل لأول مرة مستعدة لمناقشة إنهائها، وليس مجرد وقف إطلاق نار مؤقت، بالتنسيق مع الولايات المتحدة.

واستشهد بتصريحات المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي قال أخيرا لعائلات الأسرى الإسرائيليين بغزة: “الخطة هي إنهاء الحرب، وليس تمديدها”.

وأردف ويتكوف: "المفاوضات يجب أن تتحول إلى خيار الكل أو لا شيء - إنهاء الحرب وإعادة جميع الرهائن إلى ديارهم في آن واحد. بهذه الطريقة فقط".

ومنذ ذلك الحين، صوّت مجلس الوزراء الأمني المصغر “الكابنيت” ضد موقف الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية من خطة للسيطرة الكاملة على غزة، ونقل سكانها إلى مناطق آمنة. 

ويقول حليلة: “يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه خطةً عملياتية أم مجرد ضغط على حماس، لكن من الواضح أن الاستعدادات جارية - لا سيما في واشنطن - لمرحلة ما بعد الحرب في غزة”.

وعن السلطة الفلسطينية، حذر حليلة أخيرا من تفاقم الأزمة المالية لديها، وعزا ذلك بشكل كبير إلى استمرار الاحتلال الإسرائيلي، داعيا إلى إصلاحات داخلية عاجلة، خاصة في خفض نفقات الرواتب الحكومية التي تشكل نصف الموازنة العامة.

وتواجه سلطة محمود عباس أسوأ أزمة مالية منذ تأسيسها عام 1994، نتيجة تأخر المساعدات المالية الخارجية، وعدم إفراج إسرائيل عن أموال ضرائب الواردات إلى السوق الفلسطيني والتي تجبيها تل أبيب في المنافذ التي تسيطر عليها.

وهو ما دفع السلطة لاتخاذ إجراءات غير عادية تمثلت في تقليص عدد أيام دوام الموظفين العموميين والتأخر في صرف رواتبهم.

وخلال مقال نشره في يوليو/تموز 2025، تطرق حليلة إلى الأزمة، مؤكدا أن الأمر لا يخلو من سوء إدارة الأموال العامة.

وقال: إن السلطة استطاعت عبر حكوماتها المتتابعة أن ترفع وتحسن إيراداتها بشكل كبير ولكن دون تمكنها من تغطية العجز السنوي المتراكم، ولذلك لجأت للاقتراض من مصادر محلية كالبنوك وهيئة التقاعد والقطاع الخاص.

وألمح إلى مشاركة السلطة نفسها في الأزمة، مبينا أن معدل رواتب موظفيها يتراوح حول 14 بالمئة؜ من الناتج المحلي بينما تتراوح معدلات دول المنطقة حول 11 بالمئة.

واستدرك أن النقطة الأكثر أهمية في تكلفة الرواتب لم تكن زيادة عدد الموظفين، بل الزيادة الهائلة المستمرة في العلاوات والإضافات على الرواتب التي يتلقونها دون ربطها بأداء مهني أو دور وظيفي، حيث لا تنعكس الزيادات على الأداء الحكومي المتراجع.

ولفت حليلة إلى أن نفقات السلطة الكبيرة لم تستطع خلق نمو مستدام أو استثمارات وفرص عمل جديدة.

ورأى أن معالجة كل ما ذكره لن يحل الأزمة بالكامل، و"لكنها خطوات إصلاحية متوسطة المدى تمنع وقوعنا في هاوية سحيقة إذا استمرت الحكومة في تسيير أعمالها بالدفع الذاتي".

وأثار مقال حليلة غضبا في أروقة السلطة الفلسطينية، ودفع بسام زكارنة رئيس نقابة العاملين في الوظيفة العمومية وعضو المجلس الثوري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” إلى الرد ونفي ما أورده رجل الأعمال المعروف.