الأولى من نوعها.. ماذا تعني زيارة رأس الدبلوماسية السورية إلى روسيا؟

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بدأت روسيا وسوريا مراجعة شاملة للاتفاقات الثنائية التي وقعت خلال السنوات الماضية، وذلك في أعقاب مباحثات رسمية جرت في 31 يوليو/ تموز 2025 بالعاصمة موسكو بين وزيري خارجية البلدين، سيرغي لافروف وأسعد الشيباني. 

وتعد هذه الزيارة الأولى من نوعها على هذا المستوى بعد التغيير السياسي في دمشق ورحيل بشار الأسد عن السلطة.

وتناولت المحادثات بشكل رئيسي قضايا التعاون التجاري والاقتصادي، ودعم الاستقرار الإقليمي، واستشراف مستقبل العلاقات الثنائية في ظل التطورات الجديدة.

وركز الجانبان خلال المحادثات على تقييم الاتفاقيات الموقعة سابقا بين البلدين، إلى جانب مناقشة الأوضاع في محافظة السويداء وجهود تحقيق الاستقرار فيها. 

كما تواصلت المشاورات حول مستقبل القواعد العسكرية الروسية في سوريا، في إطار الحفاظ على أمن المواطنين الروس داخل الأراضي السورية.

في هذا السياق، أشارت صحيفة "إزفيستيا" الروسية إلى أن مراجعة هذه الاتفاقيات تمثل مرحلة جديدة في العلاقات بين موسكو ودمشق، خاصة في ظل التغيرات الإقليمية الراهنة.

إعادة تموضع 

وقد ضم الوفد الروسي إلى جانب الدبلوماسيين، الفريق أول ألكسندر زورين، النائب الأول لرئيس إدارة المعلومات في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية.

وهو مفاوض مخضرم شارك خلال سنوات الحرب الأهلية السورية في تنظيم عمليات إجلاء المسلحين عبر (الحافلات الخضراء)، وأسهم في التوصل إلى اتفاقات هدنة محلية بين الأطراف المتنازعة، فضلا عن دوره في توقيع اتفاقات وقف إطلاق النار.

من الجانب السوري، شارك في المحادثات ماهر الشرع، الأمين العام لديوان الرئاسة السورية، وهو شقيق الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع.

ولفتت الصحيفة إلى أن "ماهر الشرع يعرف بفهمه العميق للواقع الروسي، إذ تخرج في الأكاديمية الطبية في مدينة فورونيج الروسية".

ووفقا للصحيفة، تركزت المحادثات بشكل أساسي على إعادة تقييم الاتفاقات التي وقعت بين البلدين في السنوات الماضية.

في هذه الإطار، أكد الوزير لافروف أن العديد من هذه العقود والمذكرات أُبرمت في سياقات سياسية واقتصادية مغايرة تماما للواقع الراهن، مما يجعل من الضروري مراجعتها بما يتماشى مع مصالح الشعب السوري الحالية.

وقال: "ندرك تماما أن السلطات الجديدة في دمشق تسعى إلى مواءمة الإطار القانوني لعلاقاتها الخارجية بما يخدم مصالح الشعب السوري، وقد اتفقنا على إجراء جرد شامل لجميع الاتفاقيات المبرمة سابقا".

وأضاف: "هذه المسألة طرحت من قبل، وكانت هناك اتصالات متفرقة بهذا الشأن، لكننا قررنا اليوم أن نجعل هذا المسار منتظما ومنهجيا".

وأشارت الصحيفة إلى أن "أول مثال علني على مراجعة هذه الاتفاقيات هو إلغاء الحكومة السورية لاتفاقية الاستثمار الخاصة بإدارة ميناء طرطوس، والتي كانت موقعة مع شركة (إس تي جي إنجينيرينغ) الروسية عام 2019، قبل أن تنتقل إدارة الميناء لاحقا إلى شركة (دي بي وورلد) الإماراتية".

من جانبه، أكد الشيباني، خلال لقائه مع لافروف، أن "الجانبين اتفقا على مراجعة الاتفاقيات السابقة وتكييفها مع الواقع الجديد".

معربا عن أمله في أن "تلعب روسيا دورا نشطا في إعادة إعمار الاقتصاد السوري، بما يتماشى مع القانون الدولي ومصالح المجتمع السوري".

وفي السياق ذاته، ناقش الجانبان تفعيل عمل اللجنة الحكومية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي، حيث أعلن لافروف أن روسيا سمت بالفعل رئيسا مشاركا من جانبها. 

وقال: "بمجرد تشكيل الجانب السوري من هذه الآلية، سنطلب من اللجنة أن تبدأ في مراجعة جميع الاتفاقات والعقود القائمة بهدف الوصول إلى صيغ مشتركة ومقبولة للطرفين تسهل مساهمة روسيا في إعادة إعمار الاقتصاد السوري".

أهمية شخصية

وفي تعليق لـ"إزفيستيا"، قال الباحث في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية فلاديمير أحمدوف: "تحمل هذه الزيارة أهمية كبيرة أولا بالنسبة لسوريا، وثانيا بالنسبة للشرع شخصيا من حيث تعزيز موقعه في السلطة وتحسين صورته في الملف الاقتصادي".

وأضاف: "كما أنها ضرورية لمعالجة القضايا الاقتصادية التي ترتبط مباشرة باستقرار الحكم والدولة، وضمان الأمن السياسي والعسكري".

ويرى أحمدوف أن "مراجعة الاتفاقيات الاقتصادية بين روسيا وسوريا خطوة ضرورية"، مشيرا إلى أن "العلاقات الاقتصادية والعسكرية التقنية تشكل أساس التعاون الثنائي"، وأن "المشاريع الاقتصادية لن تنجح دون تحديث الاتفاقيات القديمة".

وحذر أحمدوف من أن "التهديد الأكبر لبقاء الدولة السورية يتمثل في الوضع الاقتصادي الكارثي"، موضحا أن "الدول الغربية لا تبدي استعدادا جديا للمساهمة في إعادة الإعمار، بينما لا تستطيع روسيا وحدها تحمل هذا العبء".

مؤكدا أن "إنعاش الاقتصاد السوري لن يكون ممكنا إلا من خلال إشراك أطراف دولية أخرى ضمن النظام متعدد الأقطاب الذي يتشكل حاليا في منطقة الشرق الأوسط".

وفي تقييمه لأفق التعاون الاقتصادي بين موسكو ودمشق، أوضح الباحث في معهد الإدارة التابع لأكاديمية العلوم الروسية، يوري مافاشيف، أن "ملامح هذا التعاون تتبلور من خلال طبيعة الاقتصاد السوري".

الذي يرى أنه "يرتكز في القطاع الصناعي على الصناعات النفطية والنسيجية والغذائية، إلى جانب إنتاج المشروبات والتبغ واستخراج الفوسفات".

وأضاف: "أما في القطاع الزراعي، فتعتمد البلاد على إنتاج القمح والشعير والقطن وقصب السكر، إلى جانب تربية المواشي وإنتاج الألبان والدواجن".

من جهة أخرى، وصل كذلك وزير الدفاع في الحكومة الانتقالية السورية، مرهف أبو قصرة، إلى موسكو، بالتزامن مع زيارة الشيباني.

وأفادت الصحيفة الروسية بأن روسيا تمتلك قاعدتين عسكريتين في سوريا؛ هما مركز الدعم اللوجستي للبحرية الروسية في ميناء طرطوس، الذي يعمل منذ عام 1971، وقاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، التي نُشرت القوات الجوية الروسية فيها عام 2015 لدعم العمليات ضد تنظيم "داعش".

في هذا الصدد، صرح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين بأن "الاتصالات مع دمشق بشأن مستقبل القواعد مستمرة، وأنها تهدف، من بين أمور أخرى، إلى ضمان أمن المواطنين الروس في سوريا".

يُذكر أن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد اقترح في ديسمبر/ كانون الأول 2024 استخدام هذه القواعد لتقديم المساعدات الإنسانية".

أحداث السويداء 

في سياق متصل، ذكرت الصحيفة الروسية أن "وزيرا الخارجية الروسي والسوري خصصا جانبا مهما من محادثاتهما لمناقشة الوضع المتأزم في محافظة السويداء جنوب سوريا، والتي شهدت خلال الأسابيع الأخيرة تصعيدا حادا في أعمال العنف".

وأشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أن "الأحداث الأخيرة في السويداء وعلى الساحل السوري أظهرت بوضوح حجم التحديات التي لا يزال يواجهها المجتمع السوري في ظل المرحلة الانتقالية".

وكانت المواجهات قد اندلعت في 13 يوليو/ تموز 2025 بين من وصفتهم الصحيفة بـ "قوات الدفاع الذاتي الدرزية" و "مليشيات من القبائل العربية" قبل أن تتدخل وحدات من وزارتي الداخلية والدفاع السوريتين، في 15 يوليو/ تموز، لبدء عمليات "تطهير أمني" في المنطقة.

وفي 19 يوليو/ تموز، أعلن الرئيس المؤقت أحمد الشرع التوصل إلى اتفاق هدنة بوساطة دولية.

ووفقا لمصدر من الطائفة الدرزية تحدث لصحيفة "إزفستيا"، فقد "أُسر خلال النزاع حوالي 100 امرأة و200 رجل وطفل".

بدورها، أكدت روسيا دعمها لـ "جهود المنظمات الإنسانية الدولية الرامية إلى تهدئة الوضع في السويداء".

وقال لافروف: "نرحب بمبادرة اللجنة الدولية للصليب الأحمر للتوصل إلى اتفاق مع السلطات السورية بشأن نشر أفرادها في السويداء".

مضيفا: "هذه الخطوة ستسهم بلا شك في استقرار الأوضاع ومنع اندلاع موجات جديدة من العنف".

من جانبه، نفى الشيباني الاتهامات الدولية التي تحدثت عن وجود تمييز ضد الطائفة الدرزية في السويداء، مؤكدا أنه "لا وجود لأي خطة أو نية لدى الحكومة المركزية لقمع هذه الطائفة"، معتبرا أنها "تستخدم من قبل قوى خارجية بهدف تقسيم البلاد"

كما اتهم "إسرائيل بتنفيذ ضربات ممنهجة على مناطق مأهولة في السويداء، بهدف تأجيج التوتر ودفعه نحو اندلاع حرب أهلية جديدة".

وفي هذا الإطار، أشاد الشيباني بموقف روسيا الرافض للغارات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية، قائلا: "هذه الضربات تنتهك القانون الدولي وتعرقل جهود إعادة إعمار بلادنا. وروسيا تعارض بشدة استمرارها".

وتقدر الصحيفة الروسية أن "هذه المحادثات تشكل بداية رمزية لمرحلة جديدة في العلاقات الروسية السورية".

ونقلت عن لافروف تقديره لـ "جهود السلطات السورية الجديدة في ضمان أمن المواطنين الروس والمنشآت الروسية في سوريا".

من جهته، شكر أسعد الشيباني الجانب الروسي على الدعوة، معتبرا أن الزيارة "جسدت الرغبة المشتركة في فتح صفحة جديدة من التعاون".