توتر أمني وسياسي يسبق انتخابات العراق 2025.. ماذا سيفعل الإطار الشيعي؟

"انتخابات نوفمبر 2025 تمثل مفصلاً حاسماً في تاريخ العراق الحديث"
يشهد حراك انتخابات العراق المقررة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، تفاعلات واسعة على المستوى السياسي والأمني، وسط مخاوف من تعثر المشهد بسبب تحديات الداخل وضغوط الخارج.
وفي السياق، نشر مركز “سيتا” التركي، مقالا للكاتب التركي "بيلجاي دومان"، ذكر فيه أن العراق يعيش مرحلة حساسة تتسم بتصاعد مقلق في التوترات الأمنية قبل أشهر من الانتخابات.
فرغم التحسن النسبي في الوضع الأمني خلال السنوات الأخيرة، إلا أن تطورات الأشهر الأخيرة تنذر بإمكانية تراجع هذا الاستقرار بشكل سريع. ومن بين أبرز هذه التهديدات تأتي الهجمات المتكررة بالطائرات المسيّرة، والتي لم تعد مجرد حوادث معزولة بل تحوّلت إلى عامل مهدِّد مباشر للأمن الوطني والسيادة العراقية.
تهديدات الطائرات المسيّرة
وفي يوليو/ تموز 2025، وبعد أسابيع قليلة من انتهاء "حرب الأيام الـ12" بين إسرائيل وإيران، تعرّض العراق لسلسلة من الهجمات بطائرات مسيّرة بلغ عددها نحو 25.
ما يلفت الانتباه في هذه الهجمات هو تركّزها في المناطق الشمالية من البلاد، وتحديدا في مواقع البنية التحتية النفطية التي تديرها شركات دولية. كما شملت الهجمات مناطق مأهولة، الأمر الذي زاد من خطورتها وتداعياتها الإنسانية.
وأشار إعلام حكومة إقليم كردستان إلى أن الطائرات المسيّرة المستخدمة في هذه الهجمات إيرانية الصنع، إلا أن الجدل لا يزال قائماً حول ما إذا كانت تنتمي مباشرة لإيران، أم تم تشغيلها عبر جماعات شيعية عراقية موالية لها.
في كلتا الحالتين، فإن المؤشر الأخطر هو أن أغلب الهجمات استهدفت مناطق تخضع لسيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني، المعروف بعلاقاته الجيدة مع كل من الولايات المتحدة وتركيا، والمتهم من قبل طهران منذ سنوات بالتعاون مع إسرائيل.
وأشار الكاتب إلى أنه من الواضح أن هذه الهجمات لا تأتي في سياق عسكري فحسب، بل تحمل في طيّاتها رسائل سياسية وأمنية متعددة. فإيران التي تتهم الحزب الديمقراطي الكردستاني بفتح المجال أمام الاستخبارات الإسرائيلية في الإقليم، يبدو أنها تسعى من خلال هذه العمليات إلى إيصال رسالة مفادها أن دعم إسرائيل سيكلّف غالياً.
كذلك فإن استهداف منشآت نفطية يديرها مستثمرون أجانب قد يهدف إلى التشويش على صورة الاستقرار الذي يحاول العراق الترويج له، وإظهار أن طهران لا تزال قادرة على فرض أوراق ضغطها في المنطقة.
من زاوية أخرى، تمثل هذه الهجمات وسيلة ضغط سياسية على الحزب الديمقراطي الكردستاني في وقت يعاني فيه من أزمة مالية حادة مع الحكومة الاتحادية في بغداد.
حيث يتأخر صرف الرواتب، وتتواصل الخلافات بشأن حصة الإقليم من الموازنة العامة. وبما أن المصدر الرئيس لإيرادات حكومة الإقليم هو النفط، فإن أي استهداف لهذا القطاع يُعدّ ضربة مزدوجة: أمنية واقتصادية.
ولفت الكاتب التركي إلى أنّ هذه الهجمات لا يمكن فهمها بمعزل عن التوتر الإقليمي بين إيران وتركيا، خصوصاً في ظل تنامي نفوذ أنقرة داخل شمال العراق من خلال علاقاتها مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، واستثماراتها ومصالحها الأمنية.
بالتالي، فإن الطائرات المسيّرة قد تحمل أيضاً رسائل تحذيرية غير مباشرة إلى تركيا، مفادها أن طهران قادرة على ضرب مصالح حلفائها في أي وقت، وأن أي تصعيد في التنافس الإقليمي سيقابل برد ميداني.
وأضاف أن الهجمات بالطائرات المسيّرة ليست سوى أحد مظاهر أزمة أكثر عمقاً يعيشها العراق في هذه المرحلة، والتي تتقاطع فيها الخلافات الداخلية مع التوترات الإقليمية.
ففي الوقت الذي تستعد فيه البلاد لانتخابات جديدة، تتشابك التحديات الأمنية مع الانقسامات السياسية، لا سيما في ظل استمرار الصراع بين الحزبين الكرديين الكبيرين، وتفاقم الجدل حول قانون الحشد الشعبي ودوره في المشهد الأمني، فضلا عن محاولات أطراف خارجية كإيران والولايات المتحدة ترسيخ نفوذها من خلال أدوات محلية.

التنافس الكردي
كذلك يقترب العراق من موعد الانتخابات وسط مشهد سياسي وأمني يعكس عمق الأزمات المتراكمة التي تواجه الدولة.
فمن التنافس الكردي الداخلي إلى قانون الحشد الشعبي، ومن الانقسام السني-الشيعي إلى التدخلات الخارجية، يجد العراق نفسه أمام مفترق طرق يحدد مستقبله السياسي ومتانة مؤسساته.
ولم تُشكَّل حكومة جديدة داخل إقليم كردستان حتى الآن رغم مرور أشهر على الانتخابات التي جرت في نوفمبر 2024، ويبدو أن الصراع بين الحزبين الرئيسين – الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني– يلعب دوراً محورياً في هذا التأخير.
فالاتحاد الوطني، الذي لم يتمكن من تحقيق التفوق الانتخابي المرجو، يسعى من خلال وسائل غير مباشرة إلى تقويض مكانة الحزب الديمقراطي ودفعه لقبول شروطه في مفاوضات تشكيل الحكومة.
كما يستفيد الاتحاد الوطني الكردستاني من الأزمات التي تضعف الحزب الديمقراطي الكردستاني، لا سيما في ما يتعلق بتراجع شعبية الأخير وصعوبة تأثيره على بغداد، فضلا عن التأخير في دفع الرواتب داخل الإقليم بسبب عجز في الميزانية.
وتابع: إن التوترات بين الحزبين الكرديين لم تعد مقتصرة على الإقليم، بل امتدّت لتؤثر في معادلات بغداد السياسية أيضاً، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات البرلمانية العامة.
وتابع: إن احتمال عزوف جمهور الحزب الديمقراطي عن التصويت نتيجة هذه الأوضاع يصب في مصلحة الاتحاد الوطني، الذي يسعى لترسيخ نفوذه من خلال التقارب مع بغداد وتقديم نفسه كبديل سياسي أكثر واقعية.
من جهة أخرى، يشكل قانون الحشد الشعبي أحد أبرز الملفات المثيرة للجدل في العراق. فرغم اعتراضات كتل سنية وكردية، مر القانون بالقراءة الأولى في البرلمان، ويُتوقع تمريره في صيغته الحالية.
ويمنح هذا القانون الحشد وضعاً مؤسّسيّاً مستقلاً تابعاً مباشرة لرئيس الوزراء، ويُضفي عليه طابعا شبيها بجيش مستقل يملك بنيته الإدارية و التسليحية الخاصة.
وهذه الخطوة تثير قلقاً واسعاً في الداخل والخارج. فبدلاً من تعزيز سلطة الدولة، هناك قلق من أن يؤدي القانون إلى خلق "جيش موازٍ" على غرار الحرس الثوري الإيراني، خاصة أن الحشد يتألف من فصائل شيعية مقربة من طهران.
وتُعد الولايات المتحدة أبرز المعترضين على القانون، حيث ترى فيه تهديداً لاستقرار العراق و توازناته الداخلية. وقد يدفع تمرير هذا القانون واشنطن إلى اتخاذ إجراءات أكثر حدة، يمكن أن تتراوح بين الضغوط السياسية والعقوبات الاقتصادية.
وبذلك قد يزيد هذا الأمر من تعقيد المشهد السياسي والأمني في البلاد.

سيناريوهات ما بعد الانتخابات
ولا شك أن ما ينتظر العراق مع اقتراب موعد الانتخابات هو تصاعد التنافس بين القوى السياسية واشتداد التوترات، ما قد ينعكس سلباً على الأوضاع الأمنية، بحسب الكاتب التركي.
وقد أثبتت التجارب السابقة أن التوترات السياسية في العراق لا تلبث أن تتحول إلى صدامات ميدانية وفوضى أمنية، مما يهدد بنسف العملية الانتخابية برمتها.
ورغم هذا المشهد المتأزم، يبرز اسم رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني كعامل استقرار نسبي.
إذ استطاع السوداني، منذ توليه المنصب عام 2022، أن يدير الأزمات بكفاءة نسبية مقارنة بـ سابقيه. وإذا واصل هذا النهج، فقد يُمَهَّد الطريقُ أمامه لولاية ثانية.
لكنّ النجاحات التي حققها السوداني لا تستند إلى توازنات راسخة، بل إلى تفاهمات سياسية هشة بين أطراف متناقضة. ولضمان استدامة هذا التوازن، لا بد من معالجة ثلاث قضايا أساسية:
1. إخضاع الحشد الشعبي بالكامل لسلطة الدولة، ما يعزز احتكار السلاح ويعيد الهيبة للمؤسسات الرسمية.
2. تسوية الصراع بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني بشكل توافقي، مع إيجاد حلول دستورية للخلافات بين أربيل وبغداد حول الميزانية والموارد الطبيعية.
3. الحفاظ على التوازن الدقيق في العلاقات الخارجية، خاصة مع الولايات المتحدة وإيران، لمنع تحول العراق إلى ساحة صراع إقليمي.
وختم الكاتب مقاله قائلاً: إن انتخابات نوفمبر 2025 تمثل مفصلاً حاسماً في تاريخ العراق الحديث. فإما أن تشكل فرصة لإعادة بناء الدولة على أسس توافقية ومستقرة، أو تكون مدخلاً لمزيد من الانقسامات والتدخلات الخارجية.
في كلتا الحالتين سيكون للمؤسسات العراقية، ولرئيس الوزراء السوداني شخصيا، دور محوري في تحديد المسار الذي سيسلكه العراق في السنوات القادمة. وقد حان الوقت لأن يتحول الاقتراع إلى أداة للإصلاح، لا إلى ساحة صراع جديدة.