إرسال قوات حفظ سلام إلى غزة.. إلى أي مدى يمكن تنفيذ مقترح ماكرون؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في خضمّ انتقاده لخطط إسرائيل لاحتلال قطاع غزة، اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 11 أغسطس/ آب 2025 تشكيل قوة حفظ سلام دولية تحت مظلة مجلس الأمن بهدف تهدئة الأوضاع بالقطاع وحماية المدنيين.

وحذر ماكرون من أن خطوة احتلال القطاع ستفضي إلى "كارثة" وتزج به في "حرب دائمة"، مشددا على ضرورة أن تضع الحكومة الإسرائيلية حدا فوريا لهذه الحرب، لافتا إلى أن استمرارها لن يؤدي إلا إلى تفاقم معاناة المدنيين وتعقيد آفاق إحلال السلام في المنطقة.

في هذا السياق، قدم موقع "سوهو" الصيني  قراءة تحليلية للمبادرة الفرنسية بشأن تشكيل قوة حفظ سلام متعددة الأطراف في غزة، موضحا مدى إمكانية تنفيذها على أرض الواقع.

خاصة أن ماكرون أعرب أيضا عن دعمه لإنشاء نظام إدارة محلي تقوده السلطة الفلسطينية في القطاع، مؤكدا أن فرنسا ستباشر فورا مشاورات مع شركائها الدوليين بهذا الخصوص.

وأضاف أنه يتعين على مجلس الأمن الدولي العمل على إنشاء البعثة، مشيرا إلى أنه "طلب من فريقه العمل على ذلك مع شركاء فرنسا دون تأخير".

عقبات عديدة 

وأشار لي زيكسين الباحث المساعد في معهد الصين للدراسات الدولية، خلال مقابلة مع قناة "سي جي تي إن" التابعة للتلفزيون المركزي الصيني، أن المقترح الفرنسي يواجه جملة من العقبات.

فعلى الصعيد الدبلوماسي، رجح الباحث أن "تعارض إسرائيل هذا الاقتراح بشدة، كما أن الدول العربية قد تجد صعوبة في قبوله".

وعزا ذلك إلى أن "إسرائيل شددت مرارا في الفترة الأخيرة على أنها لا تقبل سوى نشر قوات خارجية تتوافق تماما مع احتياجاتها الأمنية في قطاع غزة، الأمر الذي يجعلها ترفض وجود أي قوات دولية لحفظ السلام تدعم الحكم الذاتي الفلسطيني".

من جانبها، أوضحت دول مثل السعودية ومصر والأردن أنها لن تشارك في أي عملية حفظ سلام في غزة ما لم تكن تهدف بوضوح إلى تنفيذ حل الدولتين، وهو ما ترفضه إسرائيل في الوقت الحالي.

وأوضح لي زيكسين أن "هناك تحديات، على الصعيد الدولي، تتعلق بآلية تفعيل هذه العملية الدولية لحفظ السلام، مثل كيفية البدء بها وما إذا كانت ستخضع لقيادة الأمم المتحدة أم لا، مما يصعب تحويل المبادرة إلى واقع في المدى القريب".

ومن الناحية العسكرية، يعتقد أنه "مع استمرار الصراع بوتيرة مرتفعة في غزة، ستواجه قوات حفظ السلام صعوبات كبيرة في أداء دورها أو تنفيذ مهام محددة".

وأضاف لي زيكسين: "في هذا السياق الحساس، تثير مسألة تكوين هذه القوات من جنسيات مختلفة جدلا كبيرا".

فإذا شاركت دول غربية في إرسال قوات، قد تُتهم بالتحيز لصالح إسرائيل، بينما إذا شاركت دول عربية، قد تُعد وكيلة لأطراف أخرى.

عناصر مبتكرة 

في غضون ذلك، قدمت مصر وقطر، بدعم تركيا، في 11 أغسطس مقترحا جديدا لوقف إطلاق النار في غزة.

يتضمن المقترح إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية، وتعديل إسرائيل لانتشارها العسكري في غزة.

وأيضا تجميد حركة المقاومة الإسلامية حماس لجميع أنشطتها العسكرية خلال مرحلة انتقالية، بهدف التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار عبر المفاوضات.

وحول مدى قابلية هذا المقترح للتنفيذ، يرى لي زيكسين أنه "يحمل أهمية مبتكرة ويستجيب للاهتمامات الرئيسة للأطراف المعنية، لكنه لا يلبي الطموحات الأساسية لكل من إسرائيل وحماس".

وقال: "فقد أكدت إسرائيل مرارا أنها لن تقبل أي اتفاق لوقف إطلاق النار لا يضمن القضاء على حماس أو نزع سلاحها". 

وبحسب وجهة نظره، قد ترى إسرائيل أن "المقترح المصري القطري هو مجرد تكتيك لكسب الوقت، مما يسمح لحماس بالحصول على فرصة لالتقاط الأنفاس".

من ناحية أخرى، يعتقد الباحث الصيني أن "المقترح كونه لا يتضمن التزاما واضحا بانسحاب القوات الإسرائيلية من النقاط الرئيسة في غزة، أو ضمانات واضحة لعدم احتلال القطاع، فمن المرجح أن يجد الجناح المتشدد في حماس صعوبة في تقديم تنازلات".

ومع ذلك، يرى أن هذا المقترح "يعكس الجهود الكبيرة والنوايا الصادقة التي تبذلها مصر وقطر كوسيطين عربيين لتسوية الأزمة الحالية".

كما أنه "قد يوفر أساسا لإعادة فتح قنوات الحوار والمفاوضات بين حماس وإسرائيل، ومن هذه الزاوية، يحمل المقترح أهمية إيجابية كبيرة". وفق تقديره.

ردع صيني

في سياق متصل يرى الموقع الصيني أن "جوهر الحل للأزمة في غزة يكمن في تحويل الوجود العسكري بحد ذاته إلى قوة رادعة". ولفت إلى أن فكرة نشر قوات حفظ السلام ليست مجرد خطة نظرية أو فكرة قيد التخطيط.

فقد نُشرت بالفعل هذه القوات على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل وتحديدا على ما يُعرف بـ"الخط الأزرق"  أحد أخطر المناطق في الشرق الأوسط.

وأشار تحديدا إلى خمس فرق صينية ضمن بعثة قوة الأمم المتحدة "اليونيفيل"، قائلا: إنها "أدت خلال 300 يوم من الوجود الميداني مهمات بطولية وسط ظروف قاسية".

وتابع: "فقد عمل المهندسون العسكريون تحت وابل الشظايا لفتح ممرات إنسانية، وتولت الفرق الطبية إنقاذ الأرواح وسط صفارات الإنذار من الغارات الجوية، بينما واصلت فرق البناء تعزيز الملاجئ رغم تهديدات الطائرات المسيرة".

وأردف: "الانفجارات التي تقع على بُعد 800 متر فقط من وجود القوات، ومساهمتهم في نقل أكثر من 600 طن من المواد الإغاثية؛ تجسّد واقع هذه الفرق التي تخوض سباقا مع الموت لإنقاذ الأرواح".

واستدرك الموقع: "لكن قيمة هذه القوات تتجاوز مجرد نقل مواد الإغاثة، فالأهمية الإستراتيجية الحقيقية تكمن في كونها جزءا من عملية مرخصة من مجلس الأمن الدولي، تشارك فيها الصين بشكل مباشر ضمن بعثة دولية واسعة النطاق".

وهذه القوات "تشكل أساسا متينا لقوة دولية محترفة ومجربة ميدانيا، يمكنها أن تدخل غزة لتحل محل القوات الإسرائيلية".

واستطرد: "بالنسبة لإسرائيل، فإن أكثر ما تخشاه حكومة بنيامين نتنياهو هو تحول التلويح بفكرة دخول قوات دولية إلى حقيقة قائمة على الأرض".

ويعتقد الموقع الصيني أنه "في هذه الحالة، فإن وجود هذه القوات الصينية المتمركزة على الخط الأزرق، بخبرتها القتالية، يشكل أقوى ردع لمحاولات إسرائيل فرض سيطرة نهائية على غزة، كما يمثّل استعدادا تكتيكيا لأي تطورات محتملة".

وهكذا استنتج أن “القوات الصينية لحفظ السلام تواصل أداء مهامها في قلب خطوط المواجهة، ليس فقط لإنقاذ الأرواح، بل لتمهيد الطريق نحو كسر الجمود السياسي في غزة”، وفق قوله.

فالصين "لا تكتفي بالوجود العسكري، بل تطرح خطة استراتيجية أوسع نطاقا، تقوم على تشكيل جبهة دولية موحدة تنطلق من هذه القوة الميدانية".

انهيار حتمي 

وهنا يأتي دور باريس والرياض كما أوضح الموقع قائلا: "خطة حل الدولتين لا تعتمد على بكين وحدها، بل تستند إلى مبادرة ثلاثية من الصين والسعودية وفرنسا، على أن تنضم مصر والإمارات لاحقا، ليشكلوا الهيكل السياسي المتعدد الأطراف لعملية حفظ السلام المقترحة".

ويعتقد أن "نشر قوات حفظ سلام دولية في غزة خطة تستهدف نقطة الضعف الأبرز في السياسة الإسرائيلية: الخوف العميق من دخول قوات دولية بشكل رسمي إلى الأراضي الفلسطينية".

ويرى أنه "رغم الضغوط الأخلاقية الدولية الهائلة، لا تزال إسرائيل قادرة على الصمود سياسيا بفضل الحماية الأميركية المنفردة داخل مجلس الأمن، والتي تتيح لها مواصلة السيطرة الفعلية على الأراضي الفلسطينية دون الحاجة إلى الاعتراف القانوني بالاحتلال".

في المقابل، يقدر أنه "إذا ما تم تفويض قوة دولية متعددة الجنسيات من مجلس الأمن، بدعم فعلي من دول كبرى مثل الصين وفرنسا، إلى جانب دول إقليمية مؤثرة مثل السعودية ومصر والإمارات، فإنّ شرعية إسرائيل السياسية في تنفيذ عمليات أحادية ستواجه انهيارا حتميا".

وأوضح أن "التحالف الصيني-الفرنسي-السعودي لا يهدف فقط إلى تشكيل قوة حفظ سلام، بل يسعى لتفكيك المظلة الأميركية التي تحمي إسرائيل دبلوماسيا، وعزلها سياسيا إلى أقصى حد ممكن".

وأضاف: "هذه الجبهة الموحدة تمهد الطريق لتدخل فعلي يوقف الاحتلال الكامل، ويمنع إسرائيل من فرض واقع دائم على الأرض".

ونوه إلى أنه "لكي تتمكن القوات الدولية من الانتشار الفعلي في غزة، فإن الشرط الأساسي هو أن يصمد سكان القطاع أمام الهجوم الإسرائيلي المدمر والحصار الخانق".

وأضاف أن "ترميم الممرات تحت وابل النيران على أيدي خمسة ألوية من قوات حفظ السلام، وإيصال 600 طن من الإمدادات بنجاح، كلها محاولات لإبقاء غزة نابضة".

واختتم قائلا: "المقترح الصيني، في جوهره، يسعى قبل اكتمال الاحتلال إلى رسم خطوط حمراء عبر خطوات عملية: وجود قوات حفظ السلام كعائق ميداني، تصريحات دبلوماسية تؤكد السيادة الفلسطينية، وتحالف دولي يزعزع شرعية الاحتلال".