كسر التجبر.. مقاومة غزة تقتل 5 جنود إسرائيليين وتصيب 14 في كمين محكم

توعدت كتائب القسام الاحتلال بالقول: "سندكّ هيبة جيشكم"
في وقت شديد الحساسية، عادت فيه مباحثات وقف إطلاق النار إلى الواجهة، نفذت المقاومة الفلسطينية كمينا مركبا في بيت حانون شمالي قطاع غزة، أدى لمقتل 5 جنود إسرائيليين وإصابة 14 آخرين.
ففي عملية كبيرة نفذتها كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، في 7 يوليو/تموز 2025، فجّر مقاتلوها عبوة ناسفة في مدرعة كانت تقلّ جنودا، ثم استهدفوا روبوتا محملا بالذخيرة بقذيفة مضادة للدروع، خلال تجهيزه.
كما استهدفوا قوة الإنقاذ الإسرائيلية التي هرعت لمكان الحادث، وأسفر الكمين عن قتل 5 جنود إسرائيليين وإصابة 14 آخرين على الأقل -بحسب بيان أصدره جيش الاحتلال غداة العملية اعترف خلاله بخسائره.
وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد أكدت أن هناك مزيدا من الجنود بعضهم محترق في شمالي القطاع، وأن المشهد يذكّر بعملية سابقة وقعت في خان يونس جنوبي قطاع غزة احترق فيها الجنود.
ونشرت كتائب القسام في 5 يوليو، مشاهد مصورة تظهر إلقاء أحد مقاوميها في خان يونس عبوة متفجرة داخل دبابة إسرائيلية ما أدى إلى احتراقها ومقتل من فيها.
وبعد عملية بيت حانون الأخيرة، ارتفعت حصيلة قتلى الجيش منذ بدئه حرب الإبادة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 888 عسكريا، بينهم 444 قُتلوا منذ بدء الاجتياح البري للقطاع في 27 من الشهر ذاته.
بينما ارتفع عدد المصابين من الضباط والجنود منذ بداية الحرب إلى 6073 عسكريا بينهم 2780 منذ بدء الاجتياح البري، وفق بيانات الجيش الإسرائيلي المنشورة على موقعه.
وأظهر تحقيق إسرائيلي أولي أن هجوم بيت حانون وقع أثناء تحرك كتيبتين لتطهير المنطقة، موضحا أن قوة من كتيبة 97 "نتساح يهودا" التابعة للواء "كفير" عبرت الطريق سيرا على الأقدام وتمَّ تفجير لغمين فيها عن بُعْد.
وأوضح التحقيق أنه خلال عملية إخلاء المصابين من منطقة الألغام أطلق المقاتلون النار على فرق الإنقاذ فتعرضت القوة المساندة لإصابات إضافية، مما أدى إلى تعقيد عملية الإخلاء، وأرسلت المزيد من فرق الإنقاذ لإجلاء المصابين، ومن بينهم ضابط كبير.
فيما بيّن تحقيق لاحق أن الهجوم استمر ساعة ونصف الساعة، فجّر خلاله المهاجمون 3 عبوات ناسفة، وأطلقوا النيران من أسلحة رشاشة، موضحا أن الفرقة 99 بالجيش بدأت عملية عسكرية في بيت حانون قبل 4 أيام بهدف "القضاء على المسلحين المتبقين في المدينة".
وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي يقدّر أن "هناك عشرات المسلحين في بيت حانون، ومعظمهم يتحصنون في الأنفاق، لكنهم يخرجون منها أحيانا"، موضحا أن المنطقة التي تعرض فيها جنود الجيش للكمين، استُهدفت في الأيام التي سبقتها بعشرات الذخائر من الجو وبالمدفعية.
وعقب العملية توعدت كتائب القسام، الاحتلال بالقول: "سندكّ هيبة جيشكم"، و"جنائز وجثث جيش العدو ستصبح حدثا مستمرا طالما استمر العدوان".
وغداة كمين بيت حانون، أعلن جيش الاحتلال محاصرة المدينة من الجهات كافة، وزعم أن عشرات المسلحين (المقاتلين الفلسطينيين) يوجدون فيها.
وادعى وجود أنفاق عليهم تدميرها في المنطقة، وأنهم سيواصلون الهجوم، قائلا: إن الجيش الإسرائيلي "يسيطر حاليا على 65 بالمئة من مساحة القطاع" البالغة 365 كيلومترا مربعا.
وتجدر الإشارة إلى أن عملية بيت حانون جاءت في نفس يوم وصول رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفقة زوجته سارة إلى الولايات المتحدة الأميركية، للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، للحديث حول غزة.
وكان نتنياهو قد صرح قبيل إقلاعه من مطار بن غوريون في تل أبيب، قائلا: إن اجتماعه مع الرئيس الأميركي قد يسفر عن إنجاز صفقة تبادل للأسرى والمحتجزين في قطاع غزة، مضيفا "مصرون على إعادة جميع المحتجزين".
وجدد نتنياهو في كلمة متلفزة، عبر حسابه بمنصة إكس، أهداف الحرب في “إطلاق سراح جميع مختطفينا (الأسرى)، والقضاء على القدرات العسكرية والسلطوية لحماس، وضمان أن غزة لن تشكل تهديدا بعد الآن لإسرائيل”.
وتحدث عن العملية التي نفذتها كتائب القسام في بيت حانون، ووصف ذلك بـ"اليوم العصيب على شعب إسرائيل".
وبدورها، قالت حركة حماس: إن تصريحات نتنياهو تعكس أوهام الهزيمة النفسية لا حقائق الميدان، وأبدت تمسكها بمطالبها معلنة أن غزة لن تستسلم وأن المقاومة هي التي ستفرض الشروط كما فرضت المعادلات.
وقال القيادي في الحركة عزت الرشق: "بعد إقرار قادة العدو بفشلهم الذريع في استعادة أسراهم بالعملية العسكرية؛ بات واضحا أن لا سبيل لإطلاق سراحهم إلا عبر صفقة جادة مع المقاومة".
وبموازاة لقاء ترامب ونتنياهو في واشنطن، تجرى مفاوضات غير مباشرة في العاصمة القطرية الدوحة في محاولة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، ودخول المساعدات إلى القطاع المحاصر.
وأشاد ناشطون على منصات التواصل بعملية بيت حانون، وأثنوا على منفذيها وعلى إدارة قيادات القسام للمعركة بحنكة ودهاء، معربين عن فخرهم بقدراتها على نسف سرديات الاحتلال بالتفوق الميداني والعسكري.
وعبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي “إكس” و"فيسبوك"، ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #بيت_حانون، #غزة، #كتائب_القسام، #نتنياهو، #ترامب، وغيرها، تحدثوا عن الأبعاد السياسية والميدانية لكمين بيت حانون ووقعه على القيادة السياسية الإسرائيلية وتأثيره على المفاوضات الجارية لوقف الحرب.
ورأى ناشطون أن نتنياهو ينتكس ويخيط رايات الحداد لجنوده، وكلما أراد إنهاء الحرب بصورة نصر تباغته المقاومة بكمين وترد بالإستراتيجية ذاتها التي يتبعها مع كل مفاوضات وتضغط عسكريا بالميدان لتعزيز موقفها التفاوضي، وتحسين الشروط، وتسريع وتيرة القبول بالصفقة.
وأكَّدوا أن كمين بيت حانون صفعة قوية جاءت في توقيت سيئ لنتنياهو وفريقه التفاوضي أربكت حساباته وكسرت غطرسته وخلخلت قراره السياسي، وفضحت هشاشة المنظومة الأمنية الإسرائيلية وعرّت فشل الاحتلال الإسرائيلي ميدانيا وعسكريا استخباراتيا.
إشادة وثناء
وإشادة بعملية بيت حانون وثناء على منفذيها، قال الصحفي أحمد عنتر: إن المقاومة الفلسطينية بخطواتها المدروسة نفذت كمينا من 4 مراحل ضد قوة خاصة إسرائيلية، عملت تفجيرا، وبعدين ضربت صاروخا على روبوت إنقاذ، وضربت كمان فريق الدعم، وبعدين نفذت بكفاءة هجوم أرضي مباشر.
وأضاف أن ما حدث جعل الاحتلال يعترف بأن عملية بيت حانون من أقوى الضربات منذ أول الحرب.
وقال القيادي في حماس عبدالرحمن شديد: "مجاهدونا في بيت حانون وخان يونس وكل بقاع غزة يواصلون تسديد الضربات الموجعة لهذا العدو النازي المجرم الذي ولغ في دماء شعبنا وارتكب أبشع الجرائم في العصر الحديث".
وأكد أن العدو لن يجد على أرض غزة إلا مصائد الموت ولن يجد من فرسانها إلا الإصرار على كسر هيبته وتحطيم أسطورته الموهومة.
وأضاف شديد: "يلتقي إصرار المجاهدين في الميدان مع إصرار وفدنا المفاوض وقيادتنا السياسية على حماية حقوق شعبنا بالنار والثبات على الموقف".
وشدد على أن "طريق المقاومة هو طريق الشرف المتعين لتحرير أرضنا ومقدساتنا ودحر هذا الاحتلال المجرم، والبديل عنه هو طريق الذل والاستسلام والاستكانة للأعداء".
ولفت شديد إلى أن أبطال غزة ومجاهديها ينهضون من بين الركام والأشلاء وقلة الزاد والعتاد ليتحدوا هذا العدو ويسددوا له الضربات الموجعة، مؤكدا أن في ذلك أعظم رسالة لكل أجزاء الوطن ولشباب الضفة تحديدا، أنه لا عجز مع صدق الإرادة ومضاء العزيمة.
وأثنى يحيى المجد على العملية النوعية الكبيرة للمقاومة في بيت حانون، قائلا: إن غزة تتحول إلى مقبرة لجنود الاحتلال.
وعرضت صفاء عادل مقطع فيديو لتشييع جثامين جنود الاحتلال الإسرائيلي، قائلة: "حفل شواء حصل في بيت حانون.. رجع الخنازير فحمة عشرين مع بعض معرفوش يفصلوهم.. حيا الله رجال المقاومة الفلسطينية.. رجال الأمة الإسلامية".
وقال الباحث محمد يوسف: يدخل الاحتلال الميدان التفاوضي بمنطق "أنتم انتهيتم"، فتردّ المقاومة من بيت حانون وخان يونس بضربة مضاعفة، مؤكدة أن المعركة هي صراع إرادات وحق، لا يُحسم بالقوة وحدها، بل بثبات العقيدة، وصلابة القرار، وعزم صاحب الأرض.
وأكد أن العمل الميداني يُسجّل كمعجزة مكتملة، وأداء المقاومة يحطم آمال الاحتلال في الحسم ومواصلة الجرائم، ويحول المطالب الفلسطينية إلى حقوق نابعة من إرادة حقيقية وقوة فاعلة.
وأشار يوسف إلى أن الغياب العربي والإسلامي والإنساني -الحد الأدنى- عن الفعل الحقيقي، أطلق يد آلة الاحتلال الإجرامية، وشجع داعميها، ومنحهم الطمأنينة للمضي في جرائمهم.
دليل فشل
وتحت عنوان "بيت حانون.. حيث انكسرت هيبة الاحتلال"، قال الأكاديمي زكريا بلبيسي: إنها لم تكن مجرد مدينة بل كانت بركان غضب تحت أقدام الغزاة، وهي التي أذاقتهم كأس المنون، وسقطت عند أسوارها أوهام التفوق.
وأشار إلى أن بيت حانون فيها وقع الكمين الأخير الذي دوى في قلب جيشهم كالصاعقة، ويقيت رغم الدمار، والحصار، شوكة لا تقتلع وراية لا تنحني.
ورأى الصحفي أحمد وائل حمدان، أن عملية بيت حانون ليست حدثا عابرا، بل هي رسالة إستراتيجية قاسية تؤكد فشل سياسة الحسم العسكري، وتعكس قدرة المقاومة على إدارة معركة استنزاف ذكية، تربك الاحتلال في التوقيت والميدان والتفاوض.
وقال حسن عبدالله، إن عملية بيت حانون الجريئة والشجاعة أثبتت أن العدو الصهيوني فشل في إنهاء المقاومة وعمَّق مأزق الاحتلال، ما أدى إلى تزايد الضغوط على المسار السياسي للمفاوضات.
وأشار إلى أن هذا ما عبر عنه عضو الكنيست رام بن براك بأن كل يوم إضافي في غزة يؤدي الى تآكل الإنجاز، وبالنهاية سيمسح بالكامل.
وبيَّن أن الكيان الصهيوني الغاصب يعاني هذه الأيام من مأزق يجب العمل على تعميقه حتى زواله.
وأشار نزار الزوي إلى أن بيت حانون شهدت شهورا من القصف الهمجي والعنيف بالطائرات والمدفعية، أغرقتها أطنان القنابل، واكتسحتها يوميا عشرات الدبابات والمدرعات، نسج الاحتلال فيها شبكة تجسس وعمل استخباراتي لأكثر من عام.
وقال: "في النهاية تأتي عملية أسطورية، تحرق جنود الاحتلال وتكسر هيبة كل تلك الإمكانيات والقوة العسكرية".
ورأت الإعلامية مايا رحال، أن الكمين المركب الذي يعد الحدث الأمني الأكبر منذ حرب غزة يثبت أن جيش الاحتلال الذي يدعى أنه لا يقهر فاشل في قتال الشوارع والمدن ويفتقد للمهارة والكفاءة العسكرية.
وأكدت أن هذه العملية النوعية البطولية كسرت هيبة الدولة النووية ونتنياهو الذي يضحي بجنوده وأسراه لدي حماس بغزة.
وأشارت الصحفية ديما الحلواني إلى أن سؤال القرن الذي يسأله الجميع في "إسرائيل" هو كيف ظهرت خلية مقاومة وزرعت عبوات تحت أنوفنا، في منطقة نُقسم ليل نهار أننا نسيطر عليها منذ عام ونصف العام؟!
ورأت أن الأجمل في الكمين أنه وقع في منطقة لم تكن منسية أو مهجورة، بل على بعد كيلو واحد فقط من السياج، متسائلة: “كيف زُرعت العبوات وكيف فُجّرت؟”
نتائج متوقعة
وعن النتائج المتوقعة للقاء ترامب ونتنياهو، توقع الباحث في الشأن السياسي مأمون أبو عامر، أن تحسم نقاط الخلاف للانتقال للنقاش ولتنبيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن يضع في حسابه أن المفاوضات للمرحلة القادمة يجب أن تنهي الحرب وليس 60 يوما فقط لوقف إطلاق النار.
وقال: "بتقديري هناك تصور لدى الإدارة الأميركية من خلال تواصلها مع إسرائيل والوسطاء حول طبيعة الاتفاق الذي يجب أن تنتهي عليه الحرب".
في المقابل، أعرب المحلل السياسي ياسين عز الدين، عن عدم قناعته بما يقال بأن ترامب يجتمع مع نتنياهو لكي يضغط عليه من أجل الموافقة على الصفقة.
وقال: إنه لو أراد ترامب الضغط فتكفي مكالمة تليفونية، لينفذ نتنياهو ما يطلبه "كما حصل في الصفقة (المؤقتة لشهرين) بداية هذا العام".
وتوقع أن ترامب ونتنياهو يحيكان المكائد ويخططان للخطوة التالية، قائلا: "أتكلم عن المنطقة كلها وليس فقط غزة وفلسطين".
وأشار الصحفي فايد أبو شمالة إلى أن هناك مائدتين للتفاوض حاليا واحدة في البيت الأبيض والأخرى في الدوحة، موضحا أن المائدة الأخيرة بدأت مداولاتها منذ ثلاثة أيام لكنها تراوح مكانها وتبحث في اتفاق الإطار بدلا من الدخول في التفاصيل التنفيذية لاتفاق الإطار.
وبيّن أن السبب في ذلك يعود إلى أن الوفد الصهيوني الموجود في الدوحة ليس بمستوى سياسي قادر على اتخاذ القرارات وإنما هو فني بحت.
ولفت إلى أن حماس وضعت ملاحظاتها على اتفاق الإطار والاحتلال على لسان مكتب نتنياهو رفضها، لكنه لم يعلن وقف المفاوضات بل أرسل وفدا فنيا لبحث الجوانب التنفيذية.
وأرجع أبو شمالة، ما فعله نتنياهو لاحتمالين أولهما أنه وترامب أرادا أن يرسلوا من لقائهما في واشنطن رسائل إيجابية بأن هدف اللقاءات دعم المفاوضات الجارية فعلا في الدوحة، وبالتالي تكون المفاوضات غطاء إيجابيا للقائهما الذي سيركز على المؤامرات على غزة والشرق الأوسط برمته.
وتوقع أن الاحتمال الثاني أن ترامب ونتنياهو متفقان على وقف إطلاق النار ويريدان الإعلان عن ذلك من واشنطن، وبالتالي تركا طاولة مفاوضات الدوحة مفتوحة إلى حين إعطاء الضوء الأخضر من واشنطن.
وتعجب أبو شمالة من قول ترامب إن مباحثاته مع نتنياهو ستكون بمجملها عن غزة، متسائلا: “هل يعني ذلك وقف إطلاق النار أم خطط مستقبلها؟”