مصير الصحراء.. ماذا تريد الجزائر من عرض الوساطة بين المغرب والبوليساريو؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

أمام التطور الإيجابي لصالح المغرب المدعوم من قبل الإدارة الأميركية، أعلنت الجزائر استعدادها للوساطة بين الرباط وجبهة البوليساريو، فما مضمون الخطوة وما أهدافها السياسية وكيف تفاعل معها الجانب المغربي؟

الإعلان الجزائري جاء على لسان وزير الخارجية أحمد عطاف، والذي أكد أن بلاده لن تبخل بتقديم دعمها لأي مبادرة للوساطة بين المغرب وجبهة البوليساريو.

وشدد عطاف في ندوة صحفية عقدها يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، أن "ملف الصحراء لم يطو وما زال مطروحا أمام مختلف الهيئات الأممية".

وأبرز عطاف في كلمته أن "مسار الحل السياسي لقضية الصحراء يظل تحت رعاية ومتابعة الأمم المتحدة، ولا يخرج عن هذا الإطار الأممي مثلما ينص على ذلك القرار في أغلب فقراته التمهيدية منها والعاملة".

كما أشار وزير الخارجية إلى "ضرورة توافق المغرب والبوليساريو حول الصيغة النهائية للحل، على أن يفضي الحل النهائي إلى حتمية تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير".

وربط عطاف "حرص الجزائر على المساهمة في حل النزاع القائم في الصحراء بحرصها الدائم على أمن واستقرار جوارها، وهو الحرص الذي يقوم على قناعتها الراسخة بأن أمنها واستقرارها هما جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار جوارها ومحيطها وكل فضاءات انتمائها".

وفي أولى التفاعلات على تصريح عطاف، أشاد مسؤول خارجية جبهة البوليساريو محمد يسلم بيسط، بالمبادرة الجزائرية.

وأكد بيسط في افتتاح ملتقى داعم للجبهة، أن الدعوة تعكس إرادة للحل وتستجيب لما وصفه بـ"متطلبات التسوية العادلة والدائمة".

وأشار إلى أن "قبول الجبهة بأي وساطة يظل رهينا بموقعها داخل الإطار الأممي وارتكازها على قرارات مجلس الأمن ذات الصلة".

وفي 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، أعلن عاهل المغرب، عزم بلاده تحديث مبادرة الحكم الذاتي وتقديمها للأمم المتحدة لتشكل "الأساس الوحيد للتفاوض" بصفتها الحل الوحيد لقضية إقليم الصحراء، وذلك عقب تصويت مجلس الأمن لصالح قرار يدعم المبادرة.

ونهاية أكتوبر، قرر مجلس الأمن تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية "مينورسو" حتى 31 أكتوبر 2026، وفق نص القرار الذي صاغته الولايات المتحدة.

وصوت 11 بلدا لفائدة القرار الذي أكّد دعمه "مبادرة المغرب للحكم الذاتي في الصحراء"، فيما امتنعت روسيا والصين وباكستان، ولم تشارك الجزائر في التصويت، والتي تدعم طرح استفتاء لتقرير المصير.

وفي عام 2007 اقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادته، بينما تدعو "جبهة البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر.

لا شروط مسبقة

تفاعلا مع التطورات، أكد الأكاديمي الجزائري، أستاذ التاريخ لزهر بديدة، أن "مقترح الخارجية الجزائرية جيد، وهو يقول للمغاربة: إن الجزائر بعكس ما تدعون قد تشكل جزءا من الحل وليست جزءا من المشكل".

وأضاف بديدة لـ"الاستقلال" أن "مشكل النزاع هو في الأصل مشكل تصفية استعمار ومطروح على طاولة الأمم المتحدة". وفق تعبيره.

واسترسل، كما أن المقترح الجزائري يضع المملكة أمام الأمر الواقع إذا كانت لديها النية الحسنة في حل هذا المشكل، خاصة أن المقترح لا يحمل شروطا مسبقة وكل شيء متروك لطرفي النزاع.

وفي جوابه عن سؤال يتعلق بتصوره لرد المغرب من الناحية الرسمية، فذكر بديدة أنه لا يعتقد أن المغرب والدول الداعمة له لهم النية الصادقة لحل هذه القضية انطلاقا من كونها قضية تصفية استعمار.

وأردف الأكاديمي الجزائري: "ولذلك ما يزال المغرب يتصرف مع النزاع كشأن داخلي محض، وما على جبهة البوليساريو إلا القبول بما يأتي منه ويمن به عليها".

غالي.jpg

تشكيك مغربي

في الجانب المغربي، قال أستاذ تسوية الصراعات الدولية بجامعة جورج ميسن بالولايات المتحدة، محمد الشرقاوي: إنه ليس هناك في التاريخ الحديث منذ عام 1974 ما يدعم فكرة "الوساطة" التي ألمح إليها الوزير عطاف.

وأضاف الشرقاوي في تدوينة عبر فيسبوك بتاريخ 21 نوفمبر، "سواء اعتمد المرء تصور الإيثار والمثالية السياسية أو تصور المصلحة والواقعية السياسية في تفسير خطاب دبلوماسي ناعم وغير شفاف".

واسترسل: "لا يمكن أن تتناقض الجزائر مع ذاتها، قبل واقع الإقليم المغاربي وإدراك المجتمع الدولي، في أن تكون طرفا مباشرا وصاحبة مصلحة، وفي الوقت ذاته، تقدم مبادرة وساطة دبلوماسية".

واعتبر الأستاذ الجامعي أن "غياب الشفافية في خطاب الوزير عطاف لا يذوّب الواقع على الأرض، ولا يلغي تعهد الراحل الهواري بومدين بتسليح البوليساريو وقطع الطريق على طموحات معمر القذافي عام 1974".

وشدد الشرقاوي أنه "لا يستقيم معنى الوساطة مع الاستثمار لواحد وخمسين عاما في شد عضد البوليساريو، مقابل تضييق الخناق على مصلحة المغرب".

بدوره، أكد الكاتب الزيوت عبد الناصر، أن "تصريح عطاف يوحي وكأن الطرف المقابل في النزاع، أي الجزائر، قد نسي موقعه الحقيقي وقرر فجأة أن يرتدي عباءة الحكم".

وأردف الزيوت في تدوينة عبر فيسبوك، 18 نوفمبر، "الجزائر ليست مراقبا محايدا ولا قوة بعيدة عن ميدان الخلاف؛ بل هي الطرف الثاني في المعادلة، بحضورها السياسي والعسكري والدبلوماسي الذي شكّل بنية هذا النزاع منذ نشأته".

وعليه، يقول الكاتب: "ما دامت اليد التي تدّعي الوساطة هي نفسها اليد التي صنعت الاصطفاف، ورعته، وأمدّته بأسباب البقاء، فإن الادعاء ليس سوى التفاف لغوي على حقيقة ثابتة، وهي أنه لا يمكن للخصم أن يقدّم نفسه قاضيا".

وفي تحليل للصحفي عبد العزيز الخبشي نشره موقع "كفى بريس" بتاريخ 18 نوفمبر، أكد أن تصريح عطاف لا يخلو من ارتباك سياسي، ويكشف عن مفارقة بين دعم الجزائر للبوليساريو والتقدم بفكرة الوساطة.

وذكر الخبشي أن النظام الجزائري "لا يعترف بوجود المغرب الشقيق كجار طبيعي، وقطع العلاقات الدبلوماسية معه، ولذلك لا يمكن أن يقفز فجأة إلى منصة "الوساطة" وكأنه دولة نرويجية في شمال أوروبا".

ورأى أن "منطق الأمور– قبل التحليل السياسي– يقتضي أن الوساطة لا يمكن أن تتم بين أطراف منقطعة العلاقات، متنافرة المواقع، ولا يوجد بينها أدنى حد من التواصل الدبلوماسي".

واسترسل: “فمن سيستقبل وفد الجزائر المفترضة وسيطة وهي التي أغلقت سفارتها وسحبت سفراءها وأغلقت الأجواء وقطعت الحبال كلها؟ كيف تكون وسيطا وأنت أول من يجب أن يضع على الطاولة ملف عودة العلاقات، وإعادة السفراء، وتطبيع التواصل؟”

وقال الخبشي: إن القراءة الأعمق لتصريح عطاف، تكشف أن الأمر ليس مجرد زلة خطابية، بل محاولة مدروسة من النظام الجزائري لإعداد الرأي العام الداخلي لمرحلة جديدة تفرضها خريطة القوة الدولية حول قضية الصحراء المغربية.

وشدد أنه "منذ صدور القرار الأممي لمجلس الأمن رقم 2797، أصبح واضحا أن اتجاه المجتمع الدولي يميل بشكل حاسم نحو تثبيت مقترح الحكم الذاتي كحل وحيد واقعي وعملي وذي مصداقية، وهو ما يعني عمليا سقوط أسطورة "تقرير المصير" بالمفهوم الذي تتلاعب به الجزائر، وانتهاء وهم "الاستفتاء" الذي ظلت تلوح به الدبلوماسية الجزائرية رغم استحالة تطبيقه".

ونبَّه الكاتب الصحفي إلى أن عطاف لم يقدم أي تصور واقعي للوساطة، ولم يحدد آليات، ولا إطارا زمنيا، ولا حتى اعترافا ضمنيا بأن الجزائر طرف في النزاع، بل اكتفى بعبارات فضفاضة تصلح للاستهلاك الداخلي.

“كعب أخيل”

تفاعلا مع تصريح وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، قال الباحث في التاريخ المعاصر والحديث دداي بيبوط: إن هذه الدعوة لا تعدو كونها حالة قلق جزائري يفرضها السياق الدولي الراهن الداعم للحلول الواقعية المستندة إلى قواعد القانون الدولي.

وأوضح بيبوط لـ "الاستقلال" أن "دعم وحدة المغرب مسنود بتأييد دولي واسع وشرعية شعبية راسخة لدى ساكنة الصحراء بمختلف قبائلها ومكوناتها السياسية والمدنية، التي لم تفقد إيمانها بوحدة الوطن رغم محاولات زعزعة الأمن والاستقرار".

ونبَّه إلى أن "القرار الأممي رقم 2797 الذي عدّ مبادرة الحكم الذاتي المغربية أرضية أساسية لأي حل سياسي عادل وجدي ومتفاوض بشأنه، يرد التقدير للسلم والأمن الدوليين ويستجيب لتطلعات سكان الصحراء المغربية، بمن فيهم أولئك المجبرون على البقاء في مخيمات تندوف لخمسين سنة".

وشدد المتحدث ذاته أن الأمر لا يتعلق بحسد حكام المرادية على قدرتهم على ابتكار أفكار يصعب تصديق نوايا أصحابها، بل بدعوة إلى العقل والضمير لتفكيك أسس تلك الطروحات واختبار قابليتها للتصديق بعد تاريخ طويل من المناورات والإساءة للجار المغربي الذي ظلّ متمسكا بأخلاق الجوار وقيم الإنسانية والدبلوماسية الرفيعة، متجنبا توجيه الضربات السياسية تحت الحزام.

وأكّد الفاعل السياسي بمنطقة الصحراء، أن التسليم بجعل دولة الجزائر وسيطا في ملف جعلت منه "كعب أخيل" لسياستها الخارجية منذ منتصف السبعينيات، بعدما موّلت مليشيات مسلحة وخصّصت جزءا مهما من اقتصادها لدعم حرب بالوكالة ضد المغرب، أمر يناقض المنطق.

ولفت بيبوط الانتباه إلى أن دعوة الجزائر الأمم المتحدة إلى تقسيم إقليم الصحراء لا تعكس نضجا دبلوماسيا ولا وعيا بآليات حل النزاعات سلميا، بل تكشف سعيا محموما لتحقيق مكاسب جيو-إستراتيجية، أقلها وضع اليد على جهة الداخلة وادي الذهب لتصريف أزماتها الداخلية، والخروج بصورة المنتصر من حرب لم تكن معركتها، والدليل، بحسبه، يتجلى في "محاولات التغلغل في الساحل والصحراء إرضاء لسادية العسكر".

وأورد المتحدث ذاته أن رفض الجزائر مبادرة المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة في أكتوبر 2025، وامتناعها عن التصويت على قرار مجلس الأمن، والتصعيد تجاه فرنسا وإسبانيا خلال العامين الأخيرين، لا يساعدها على طلب ود المنتظم الدولي أو الظهور بهيئة الوسيط المحايد.

وتابع، خاصة أن الجزائر لم تبادل خطابات الملك محمد السادس الودية بردّ يطوي الخلاف وينتصر للوحدة وبناء مغرب عربي قوي، بل ظلت متمسكة بأسطوانة تسوية قديمة في ملف البوليساريو، قبل أن تقطع شعرة معاوية مع المغرب.

وأكد بيبوط أن ما يثير الحيرة أكثر هو استمرار تبعية البوليساريو المتوارثة لصانع القرار الجزائري، في غياب أي يقظة تجمع شمل الصحراويين على أرضهم وتنهي المأساة الممتدة؛ لأن فرصة المصالحة المتاحة اليوم في ظل قرار مجلس الأمن 2797 لن تتكرر.

وشدَّد أن أي محاولة لعرقلتها تعني حكما بإجهاض مستقبل المغرب العربي وتطلعات شعوبه، وإطالة أمد الاستبداد داخل الجزائر، ووأد حلم الصحراويين بالعودة بكرامة إلى وطنهم داخل حضن سياسي واجتماعي ثري بتعدده وقادر على مواجهة التحديات بعزم وإصرار.

Capture d’écran 2025-11-23 152206.png

قراءة موريتانية

من الأصوات المغاربية التي دعت إلى استثمار هذه اللحظة، ما جاء على لسان وزير الخارجية الموريتاني الأسبق أحمدو ولد عبد الله، ويرى أن مقترح الوساطة "يشكل خطوة إلى الأمام من أجل السلام وحسن الجوار وحل المشاكل بما فيها قضية الصحراء".

وأضاف ولد عبد الله الذي يرأس المركز الإستراتيجي للأمن في الساحل والصحراء، لموقع "الأخبار" الموريتاني المحلي بتاريخ 22 نوفمبر 2025، أن "الإعلان الجزائري يعد بداية للحوار مع المغرب، وأتمنى أن يرد المغرب بنفس الطريقة".

وأكد أن هذا الإعلان "خطوة أولى نحو فتح الحوار بين المغرب والجزائر، وفتح الحدود والاقتصاد، في عالم يبحث فيه الجميع عن القدرة التنافسية الاقتصادية".

ورأى أن تمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية" (المينورسو) لمدة عام، "يجب استغلاله من أجل أن يضع البلدان الشقيقان والجاران حدا لهذه الأزمة".

وشدد الدبلوماسي الموريتاني على ضرورة أن "تتحدث الرباط والجزائر لغة الواقعية وأن تجدا بالإضافة إلى البوليساريو طبعا حلا لقضية الصحراء".

وأشار ولد عبد الله إلى أن قرار مجلس الأمن الدولي الأخير بشأن الصحراء "واضح للغاية، فهو يعتمد مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب".

في السياق ذاته، قال المحامي والناشط السياسي الموريتاني محمد أمين: إنه "سجل بارتياح كبير تعبير وزير الخارجية الجزائري عن استعداده للوساطة بين المغرب والجزائر لتشكيل قوة دافعة من أجل تسهيل حل نزاع الصحراء".

وأضاف أمين لـ "الاستقلال"، "الواضح من هذا التصريح أن هناك تطورا إيجابيا في موقف الجزائر، وهو موقف يتقصد التعبير عن نوع جديد ومفتعل من النأي بالنفس عن مباشرة الصراع".

واسترسل، كما أنه تصريح يوحي بوجود ابتعاد ملحوظ عن الانحياز الكامل والمكتمل الذي عودتنا عليه الجزائر لجبهة البوليساريو.

وأردف: "إذا أخذنا في الحسبان مساعي الجزائر في تخفيف التوتر مع أوروبا وأميركا سنفهم أن هناك مراجعة قوية للموقف الجزائري".

ورأى أمين أن "الكرة الآن في مرامي قيادات البوليساريو للتفاعل مع هذه التطورات، خاصة أن هامش المناورة لدى الجزائر بات متقلصا ومنحسرا". 

وأوضح، لأن روسيا والصين لن تقفا حجر عثرة في وجه العنفوان الأميركي، والدعم المطلق من الرئيس دونالد ترامب لسيادة المغرب على الصحراء.

 واقترح الناشط السياسي أن تعمل حكومة بلاده على عرض وساطتها في هذا الملف، وأن تشكل قوة دفع إيجابية من أجل عودة السلام للمنطقة وإنهاء هذا الصراع المعقد.