اتفاق تركيا وليبيا.. "حق سيادي" ينذر ببدء معركة في المتوسط

قسم الترجمة - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

أجمع عدد من الكتاب الأتراك على أهمية الاتفاق الأخير بين أنقرة وطرابلس، إذ جرى توقيع مذكرتي تفاهم، إحداهما عن التعاون الأمني، والثانية في المجال البحري، وذلك بعد لقاء جمع رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في أنقرة في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وتثير الخطوة التركية الجديدة، بعد إعلان الرئيس التركي، في إبريل/ نيسان الماضي، دعمه لحكومة الوفاق ووصفه لعدوان حفتر بـ"غير الشرعي"، أسئلة عن الدور التركي المرتقب في ليبيا وتأثيره بتغيير موازين الميدان جنوب العاصمة طرابلس.

ووقع أردوغان والسراج مذكرة تفاهم بشأن الحدود البحرية، بعد لقاء جمع الطرفين في قصر دولما بهتشة في إسطنبول، إذ تعمل هذه المذكرة على تحديد الحدود البحرية بين تركيا وليبيا وحماية حقوق البلدين في البحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي يعمل على إفساد الألاعيب التي كان تحيكها كل من اليونان وجنوب قبرص ومصر وإسرائيل وكذلك فرنسا.

وقال أردوغان، 3 ديسمبر/كانون الأول: إن "مجريات الأحداث شرقي المتوسط واتفاقنا مع ليبيا ربما يشكلان إزعاجا حقيقيا لفرنسا، لكننا نؤكد أن الاتفاق المبرم حق سيادي لتركيا وليبيا، ولن نناقش هذا الحق مع أحد".

وأضاف: "في حال أعربت فرنسا عن استيائها من الاتفاق التركي الليبي، فإننا سنقول لهم بوضوح أننا لن نناقش هذا الحق السيادي معكم، ولن نتفاوض معكم حول هذا الحق".  وأكد أن معارضة اليونان ومصر وقبرص الرومية للاتفاق التركي الليبي، لن تؤثر أبدا على الاتفاق التركي الليبي. 

وأردف: "اليونان ستقدم على خطوات ضد الاتفاق التركي الليبي، ونحن نحتفظ بحقنا في الإقدام على خطوات أخرى، وسنقوم بما يلزم في حال استحضرت اليونان هذا الاتفاق لأجندة قمة زعماء الناتو".

اتفاق تاريخي

الكاتب إسماعيل ياشا أكد في مقالة نشرتها صحيفة "ديرليش بوستاسي" التركية، أن الاتفاق تاريخي يحمي حقوق البلدين في البحر المتوسط، حيث هذا يظهر هذا الاتفاق للعالم بسفنه التي تبحث عن النفط والغاز والقوات البحرية والجوية.

ليس هذا فحسب، الكاتب أكد أن الاتفاق يأتي في وقت تشهد في طرابلس هجوما شرسا تنظمه قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، بدعم سعودي وإماراتي، للسيطرة على العاصمة الليبية واحتلالها، لكنه لم ينجح في ذلك بل على العكس فقد بعض المناطق التي كان يسيطر عليها وذلك على الرغم من المرتزقة الذين أحضرهم من تشاد والسودان وحتى روسيا بمساعدة تنظيم الدولة وأنصار نظام القذافي المخلوع.

وشدد على أن جزءا أساسيا من هذا التطور في الميدان ضد حفتر يأتي ضمن الدعم الذي تقدمه أنقرة للحكومة الشرعية المعترف بها دوليا في طرابلس، بل رأى الكاتب أنه ومن أجل أن تحمي تركيا حقوقها المشروعة في شرق المتوسط عليها أن تفعل ذلك أي أن تدعم حكومة الوفاق وذلك لأن الدول المتصارعة في المتوسط على النفط والغاز ترى في حكومة الوفاق الحلقة الأضعف.

وأردف: "ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن الدول التي تدعم حفتر لها علاقات جيدة مع إسرائيل، وهي من بين الدول التي عارضت اتفاقية دولما باهتشة".

ولفت الكاتب إلى أن تركيا قد تمضي في اتفاقيات مشابهة تتعلق بالبحر الأحمر مع دول أخرى ومن أهمها لبنان، التي تم اغتصاب حقوقها في البحر المتوسط من قبل إسرائيل غير أن الجوقة الحاكمة حاليا والتي ترى في أنقرة عدوا مثل حزب الله وميشيل عون ولربما الظروف المتقلبة في بيروت حاليا حالت دون الإقدام على ذلك.

قوضت النهب

وجهة النظر هذه تتطابق مع ما بينه ياسين أقطاي في مقاله بصحيفة "يني شفق" التركية، حيث قال: "من الواضح أن الاتفاقية المبرمة مع ليبيا قوضت جميع خطط المشاركة في النهب في شرق البحر المتوسط لمدة عشر سنوات" مبينا أنه وفي النهاية أعلنت تركيا أنها لن تعطي الإذن لمن يرى أنه لا يوجد حقوق لتركيا في المتوسط أن يغتصب حقوقها".

وعن تأثير هذه الاتفاقية بشكل أوسع، تحدث الكاتب سلجوق ترك يلماز عن ذلك بقوله: إنه وبهذه الاتفاقية باتت ليبيا متحكمة بجزء كبير من خطوط البحر المتوسط حيث باتت تحكم في خط ليبيا – تركيا وقبلها ليبيا – إيطاليا وبالتالي لديها التأثير على البحر المتوسط بالكامل.

وبيّن الكاتب أن أهمية هذه المنطقة المائية من العالم لا يمكن حصرها فقط بالثروات النفطية المكتنزة داخلها، غير أنه ليس من الصحيح كذلك التخفيف من قيمتها، غير أن القول إن تركيا وليبيا بهذه الاتفاقية باتتا مركزا للطاقة أمر حقيقي وسليم.

وأوضح أن كلا الطرفين سيستفيدان من هذه الاتفاقية، شريطة القضاء على الاضطرابات الناشبة الآن في ليبيا كما تقدم لكن ومن خلال هذه الاتفاقية، يمكننا أن نستنتج أن حكومة السراج أحرزت تقدما في إرساء سيادة في ليبيا.

ولفت الكاتب إلى أن الاتفاق أيضا قد يكون  فيه شيء من الدعم المعنوي وأن لهذه الحكومة قرارا على الأرض وقدرة على عقد الاتفاقيات الإستراتيجية التحولية، وهنا لن يكون مستغربا كثيرا التراجع لقوات حفتر من الأراضي التي تقدم بها أو حتى التي كان يسيطر عليها. 

وشدد على أنه لولا هذه النجاحات بالفعل لما رأت هذه الاتفاقية النور، خاصة مع سيل من الاتفاقيات تعقدها الأطراف الأخرى المتشاركة في البحر المتوسط ومن أهمها مصر واليونان بدعم أوروبي وعلى رأسه فرنسي.

معركة أكبر

وفي الأثناء ذكر الكاتب زكريا كورشون، أن وزير الخارجية اليوناني استدعى السفير التركي في أثينا للحضور من أجل الاستفسار عن الاتفاقية مع ليبيا، وماهية وبنود ومحتويات هذه الاتفاقية. وفي حقيقة الأمر فإن هذه الدعوى من خلفها ليست أثينا فحسب بل الاتحاد الأوروبي.

وبحسب قوله: فإنه من خلال الاتفاق المبرم بين اليونان وجنوب قبرص بدعم من الاتحاد الأوروبي، فإن خط الطاقة الكهربائية المزمع إنشاؤه بالإضافة إلى مشاريع خط أنابيب الغاز الطبيعي في شرق البحر والتي تم اعتمادها كممر للطاقة في أوروبا هي أهم العوامل وراء الأزمة الحالية وهذا المشروع إن نفذ سيكون فيه تعد على سيادة الجرف القاري التركي التابع لجمهورية شمال قبرص التركية.

وأردف: انخراط كل من إسرائيل ومصر في القضية يجعل هذه المعركة أكبر. وتعد هذه الخطوة تحولا كبيرا منذ العام 2013 حيث النقاش الدائر حول أنشطة التنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط والمفاوضات الدائرة بين أنقرة والأمم المتحدة المتعلقة بهذه القضية.

وتابع الكاتب: إعلان المنطقة الاقتصادية الخاصة الليبية أنها ذات اتفاقية مع تركيا يجعلها تتواجه مع المنطقة التابعة لليونان، ولذلك فهذه الاتفاقية ستعمل على تغيير التوازنات في المنطقة ويجبر اليونان ومن ورائه الاتحاد الأوروبي أن يغير طريقة تعامله مع تركيا، وبحسب كوروشون فهذه النتيجة لن تكون سهلة، أمام تركيا الكثير من التضحيات حتى تصل لها.

ورأى كوروشون أنه ثمة سبب آخر يضيف أهمية لهذه الاتفاقية، مؤكدا أن الصراع على الغاز في البحر لم يكن الأول في البحر المتوسط حيث شهدت مياهه العديد من الحوادث المشابهة في زمن الدولة العثمانية، ووقتها كانت طرابلس جزءا من هذه الدولة الكبيرة، وعندما كانت ليبيا كانت تحت السيادة العثمانية جعلت من السهل التغلب على المشاكل في البحر المتوسط. لكنها اليوم دولة مستقلة ذات سيادة، وهي جزء أصيل من القارة الإفريقية التي تمثل تركيا عمق تاريخ لها.

حوادث تاريخية

وذكر الكاتب بعضا من هذه الحوادث التاريخية، حيث قال: بتشجيع من بعض القوات الدولية في جزيرة كريت في ستينيات القرن التاسع عشر، سرعان ما تحولت المجازر التي شنها الإغريق ضد المسلمين إلى صراعات متبادلة، و كان على الإمبراطورية العثمانية أن ترسل وزير الخارجية علي باشا إلى الجزيرة واتخاذ ترتيبات جديدة لمنع الدول الأوروبية من التدخل وكانت هذه هي الطريقة الوحيدة لوقف المذبحة الدموية، ومع بعض أوجه القصور في هذا النظام؛ كان الأهم من ذلك هو أن عدم الملاحقة القضائية تسبب في ازدياد المشكلة بعد مرور أكثر من 20 عاما.

وتابع: "بدأ التمرد اليوناني الذي بدأه القبارصة اليونانيون في عام 1896 في موجة كبيرة من الهجرة في البحر الأبيض المتوسط في عام 1897، واضطر الآلاف من الأتراك المسلمين من جزيرة كريت، الذين تعرضوا للسرقة والنهب والاغتصاب، إلى الفرار إلى الأناضول وليبيا".

وزاد الكاتب: "هذه الموجة العظيمة من الهجرة، ستضطر إلى الحكم في المرحلة الأولى؛ ولكن في النهاية سوف تجد مساكن جديدة للمسلمين الفارين من جزيرة كريت من خلال مشاريع إعادة التوطين العادية وواحدة من هذه المواطن كانت ليبيا، ووجه الآلاف من الأتراك المسلمين حول مدينة بنغازي في ليبيا واستقروا في القرى والبلدات الواقعة بين بنغازي ودرن".

وبيّن: "اليوم، أحفاد هؤلاء المهاجرين هم من عائلة "جريت" الليبية. ناهيك عن أولئك الذين استقروا في إزمير بعد غزو طرابلس من قبل الإيطاليين والليبيين الذين رشحوا للدفاع عن الوطن في تشاناكالي".

وخلص الكاتب إلى أن العلاقات بين ليبيا وتركيا تختلف عن العلاقات مع العديد من البلدان في المنطقة، ويعكس الاتفاق الأخير هذا الاختلاف، وعليه سوف تحرك تركيا لتعزيز وجودها في منطقة البحر الأبيض المتوسط مع ليبيا وتسفح المجال للتوازن الإقليمي التوسع مرة أخرى ويمكن القول هنا: إن المعركة الحقيقة للتو بدأت.