معهد هندي يدق ناقوس الخطر بشأن مراكز الفكر الصينية في إفريقيا.. لماذا؟

منذ ١١ ساعة

12

طباعة

مشاركة

مع تعميق الصين لدبلوماسيتها عبر مراكز الأبحاث في إفريقيا، تتزايد مخاوف بعض الأطراف من أحاديتها في الخطاب، ومن تأثير قوتها الناعمة، ومن الترويج الجريء لقيمها ومفاهيمها الخاصة.

وسلطت مؤسسة أوبزرفر للأبحاث في الهند (ORF)، في تقرير لها، الضوء على ما وصفته بـ "دبلوماسية مراكز الفكر الصينية في إفريقيا".

وفي التقرير الذي جاء بقلم الباحث المتخصص في الشأن الإفريقي، سمير بهاتاشاريا، أوضحت المؤسسة الهندية أن الصين تسعى إلى ترسيخ مكانتها كقائدة للجنوب العالمي، خاصة في عالم يتجه نحو التعددية القطبية.

وترى المؤسسة أن بكين تدرك أن القوة العسكرية والدبلوماسية الاقتصادية وحدهما غير كافيتين، إذ إن كسب العقول والقلوب يتطلب مزجا إستراتيجيا بين الدبلوماسية التقليدية وأدوات القوة الناعمة.

وفي إطار سعيها لصياغة الخطاب العالمي بما يخدم مصالحها وتعزيز نفوذها، كثّفت بكين من دبلوماسيتها عبر مراكز الأبحاث، بما يشمل تأسيس وترويج "مراكز أبحاث جديدة بخصائص صينية" في دول الجنوب العالمي، مع تركيز خاص على القارة الإفريقية.

ويشير مصطلح "دبلوماسية مراكز الفكر" إلى الاستثمار الإستراتيجي للصين في مؤسساتها البحثية ومنتدياتها السياسية في تعزيز نفوذها في العلاقات الخارجية.

ففي عام 2022، أكد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، صراحةً على ضرورة تطوير "أنظمة تخصصية وأكاديمية وخطابية" متجذرة في الحضارة والتقاليد الصينية.

وبحسب التقرير، يتجاوز هدف هذه المبادرة مجرد تجميل صورة الصين الدولية، بل يهدف إلى خلق منصات لعرض رؤية الصين للعالم ونموذج الحوكمة ونماذج التنمية، كبدائل موثوقة وجذابة للمعايير الليبرالية الغربية السائدة.

مبادرة إستراتيجية

وأطلقت الصين رسميا "منتدى مراكز الفكر الصينية-الإفريقية" (CATTF) في أكتوبر/تشرين الأول 2011، حيث ضمّ مندوبين من 27 دولة إفريقية.

ويُعدّ المنتدى منصة دائمة للحوار والتبادل بين مراكز الفكر الصينية والإفريقية، وتشمل أهدافه، نظريا، تعزيز التفاهم المتبادل، وتشجيع المشاركة المدنية والحوار الحر، وتقديم توصيات سياسية لتطوير آليات التعاون الصيني-الإفريقي.

ومن خلال التركيز على مجالات حيوية مثل السلام والأمن، والتمويل والاستثمار، والتبادل الثقافي، يسعى المنتدى إلى تعميق التعاون الأكاديمي، ودعم التنمية المستدامة، وتعزيز الشراكة طويلة الأمد بين الجانبين.

ومنذ توليه الحكم في عام 2013، دفع الرئيس، شي جين بينغ، باتجاه توسيع هذه المبادرات بشكل ملحوظ. فإلى جانب "منتدى مراكز الفكر الصينية-الإفريقية"، أنشأت الصين عدة شبكات من مراكز الفكر، من أبرزها مبادرة الحزام والطريق (BRI) ومبادرة "مجتمع مصير مشترك للبشرية".

وتُنسق هذه الشبكات أساسا من خلال مؤسسات تابعة للدولة تُعد بمثابة أذرع تنفيذية للحزب الشيوعي الصيني، مثل "الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية"، وصحيفة الشعب اليومية، وقناة (CGTN)، ووكالة أنباء شينخوا، وذلك بالتعاون مع شركاء دوليين.

ولتحقيق هذا الهدف، استضافت الصين المنتدى الرابع عشر لمراكز الفكر الصينية-الإفريقية في كونمينغ بالصين، في 20 مايو/أيار 2025.

وحضر المنتدى أكثر من 100 مندوب من الصين وإفريقيا، ونُظم تحت شعار "تجربة الحوكمة والتبادلات الصينية-الإفريقية والتحديث الصيني".

وأيد المشاركون في المنتدى ما بات يُعرف بـ "توافق كونمينغ"، حيث اتفقوا على تعميق التعاون في مجالي الحوكمة والتنمية، وتعزيز التآزر بين مسار التحديث الصيني وإستراتيجيات التنمية المستقلة في إفريقيا.

وعقب المنتدى، شارك الوفد الإفريقي في زيارة ميدانية استمرت ثلاثة أيام في مقاطعة يونّان، بهدف الاطلاع على أوجه التحديث المتعددة في الصين، بما في ذلك تنشيط الريف، والاستدامة البيئية، والنمو القائم على الابتكار، وإدارة المجتمعات المحلية.

وبحسب التقرير، اكتسبت الدورة الرابعة عشرة لمنتدى مراكز الفكر الصينية-الإفريقية (CATTF) أهمية خاصة، كونها جاءت امتدادا مباشرا لقمة منتدى التعاون الصيني-الإفريقي (FOCAC) التي عقدت في بكين عام 2024، وهو أبرز منصة متعددة الأطراف تجمع الصين وإفريقيا.

وخلال القمة، عرض الرئيس شي ستة مرتكزات أساسية لشراكة التحديث بين الصين وإفريقيا، وقدم خارطة طريق شاملة لبناء مجتمع صيني-إفريقي "يتمتع بشراكة دائمة ومصير مشترك".

في المقابل، تتوقع الصين من الدول الإفريقية تقديم الدعم الدبلوماسي لها في الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية.

ويُلاحَظ أن برنامج العمل يعطي أولوية واضحة لتنفيذ ثلاث من أبرز المبادرات العالمية التي أطلقها شي جين بينغ، وهي: مبادرة التنمية العالمية (GDI)، ومبادرة الأمن العالمي (GSI)، ومبادرة الحضارة العالمية (GCI).

وهي ثلاثية تشكل معا الركيزة الأساسية لرؤية الصين لنظام عالمي بديل ونماذج حوكمة جديدة، بحسب التقرير.

تلقين أحادي الاتجاه

ويشكل التفاعل مع مراكز الأبحاث الإعلامية والمؤسسات الأكاديمية والقطاع الاقتصادي عنصرا أساسيا في السياسة الخارجية الصينية.

ومن خلال "المسار الثاني" أي تبادل الزيارات غير الرسمية بين الشعوب، تسعى بكين إلى توسيع حضورها الدولي، وتعزيز مكانتها في الرأي العام العالمي، وتقديم نفسها كمدافع دائم عن التعددية والتجارة الحرة.

"ورغم أن دبلوماسية مراكز الأبحاث الصينية توفر للدول الإفريقية نماذج تنموية بديلة واستثمارات كبيرة في التعاون البحثي، إلا أنها تثير أيضا تساؤلات جوهرية"، وفق المؤسسة الهندية.

وأضافت أن "مسار التنمية في أي بلد يجب أن يتشكل وفقا لسياقاته التاريخية وواقعه الاجتماعي والاقتصادي".

"وبالتالي، فإن تركيز الصين على الترويج لـ "الحل الصيني" كإطار توجيهي لتنمية إفريقيا يُثير تساؤلات حول جدوى هذه النماذج في سياقات إفريقية مُتنوعة، وما يترتب على ذلك من مصالح صينية"، وفق التقرير.

وتابع: "رغم الخطاب الذي يروّج لفكرة "التعلّم المتبادل"، فإن أغلب هذه المنتديات تُدار بعناية من قبل الأجهزة الرسمية الصينية، مما يترك مساحة ضيقة للنقاش المفتوح أو التقييم النقدي للنموذج التنموي الصيني".

وهذا التبادل غير المتكافئ في الأفكار يهدد بخنق الحوار الفكري الحقيقي، ويحدّ من نطاق الابتكار في السياسات، بحسب المؤسسة البحثية الهندية.

لذا، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة والاستثمارات الضخمة، غالبا ما تفشل هذه المنتديات في تعزيز حوار مفتوح أو تبادل مستقل بين مختلف القطاعات، وفق التقرير.

"وبدلا من ذلك، تميل إلى الترويج لصورة مثالية للثقافة الصينية، وتحديدا لعرض نموذج الحكم ذي الحزب الواحد كبديل تنموي قابل للتطبيق، كما ظهر بوضوح في إعلان المنتدى".

وقالت المؤسسة: "لذلك، لا يكمن التحدي الرئيس الذي تواجهه إفريقيا في تجاهل التعاون مع الصين، بل في التعامل مع هذا المشهد المتطور بفطنة وبصيرة إستراتيجية".

وختمت قائلة: "لن تنبع التنمية المستدامة لإفريقيا من التبني الشامل لأي نموذج خارجي، سواءً أكان غربيا أم صينيا، بل من صياغة حلول بقيادة إفريقية، راسخة الجذور في التجارب التاريخية المتنوعة للقارة، وسياقاتها الثقافية، وتطلعاتها الجماعية".