ترامب يصعد ضد بريكس والبرازيل تبلغه "العالم لا يحتاج إمبراطورا".. ما القصة؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رفضت الدول المشاركة في قمة بريكس في 7 يوليو/ تموز 2025، مزاعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن أن التكتل "معاد لأميركا".

وفي نهاية قمة بريكس في ريو دي جانيرو، أجاب الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا عندما سئل عن تهديد ترامب بمزيد من التعريفات الجمركية بالقول: "لقد تغير العالم. لا نريد إمبراطورا، نحن مجموعة من البلدان التي تريد إيجاد طرق أخرى لتنظيم العالم من منظور اقتصادي، وهذا هو السبب في أن بعض الناس غير مرتاحين".

وفي السياق، نشر مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية “سيتا” التركي مقالاً للكاتب "تونتش دميرتاش"، ذكر فيه أنّ العالم اليوم يشهد مرحلة غير مسبوقة من التحولات الجيوسياسية والأزمات المركبة.

حيث تتصاعد مظاهر عدم اليقين وتبرز تحديات تتجاوز التهديدات التقليدية لتشمل تصدعات بنيوية يصعب التنبؤ بها. 

توسع مقلق

وفي خضم هذا الواقع، تتقدم مجموعة بريكس كمبادرة دولية تحمل طموحاً ببناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، يمثل مصالح الدول النامية، ويشكل تحدياً للنظام القائم بقيادة الغرب.

وتضم مجموعة بريكس اليوم كلا من البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا، مصر، إثيوبيا، إندونيسيا، إيران، والإمارات. 

وهذا التوسّع العضوي لا يعكس فقط تنوعاً جغرافياً وسياسياً، بل يؤكد أيضاً سعي المجموعة إلى تمثيل أوسع للجنوب العالمي في إدارة شؤون العالم. 

وعلى الرغم من اختلاف نماذج الحكم وتوجهات السياسة الخارجية داخل المجموعة، إلا أن ما يوحّد أعضاءها هو الطموح في تقليل الاعتماد على المنظومات الغربية في السياسة، والاقتصاد، والحَوكَمَة الرقمية.

في هذا الإطار، تأتي هذه الدراسة التي أُعدت بمناسبة القمة السابعة عشرة لقادة بريكس، والتي انعقدت في ريو دي جانيرو يومي 6-7 يوليو، لتقيّم موقع دول بريكس في الأزمات العالمية والإقليمية، من خلال تحليل التوتر القائم بين الطروحات المعيارية والحقائق الجيوسياسية. 

ويقوم خبراء هذه الدراسة بتحليل كيفية تبلور هذه المجموعة كفاعل يحمل تصورا بديلا للنظام الدولي.

ووفقا للخبير "يحيى أمير" فإن أحد المحاور الرئيسة لصعود بريكس تتمثل في محاولتها بناء بنية مالية بديلة، بحيث تقلل من هيمنة الدولار ونظام "سويفت" الذي يشكل أداة سياسية للضغط على الدول النامية. 

ومن خلال تشجيع التجارة بالعملات المحلية وتأسيس البنك الجديد للتنمية، تسعى المجموعة لتوفير تمويل مستدام لمشروعات البنية التحتية، وتعزيز استقلال القرار المالي للدول الأعضاء.

ورغم التحديات المرتبطة بتفاوت البنى الاقتصادية بين الدول الأعضاء، إلا أن السير في اتجاه حلول لا مركزية قد يفتح المجال أمام استقلال أكبر عن المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي.

تحول محوري

وبحسب الخبير مصطفى جينير فإن انضمام إيران إلى بريكس في 2024 يندرج في إطار سعيها لكسر العزلة الغربية، وتعزيز مكانتها الدولية عبر تحالفات غير غربية. 

حيث تبدو طهران حريصة على استثمار علاقاتها مع الصين ضمن هذا الإطار، سواء في مجالات الطاقة، أو البنية التحتية، أو كوسيلة لمواجهة العقوبات الأميركية. 

ومع أن الموقف الرسمي الإيراني يُظهر انسجاماً مع توجهات بريكس متعددة الأقطاب، إلا أن مدى عد هذه الخطوة تحولا استراتيجياً أو مجرد ورقة ضغط يبقى محل جدل.

وقد برز هذا الأمر خلال قمة ريو دي جانيرو في يوليو 2025، والتي تزامنت مع نهاية مواجهة عسكرية بين إيران وإسرائيل. 

حيث دافعت طهران عن شرعيتها أمام قادة المجموعة، وأدانت الوثيقة الختامية الهجمات ضدها، ما أضفى غطاءً معنوياً على موقفها، رغم عدم تسمية الجهة المعتدية على إيران (إسرائيل).

وذكر الخبير "أرمان أكيلّي" أن بريكس + وضعت ملف التكنولوجيا في صميم رؤيتها الإستراتيجية، لا سيما في ظل تنامي الفجوة الرقمية العالمية. 

فقد وصف البيان الختامي لقمة 2025 الذكاء الاصطناعي بأنه منعطف حاسم في مسار التنمية، مشدداً على أهمية أن تسهم حوكمة الذكاء الاصطناعي عالمياً في تقليل المخاطر المحتملة، وأن تأخذ في الحسبان احتياجات جميع الدول، وخصوصاً دول الجنوب العالمي.

هذا التأكيد يعكس طموح بريكس في تأسيس نموذج حوكمة بديل للمعايير الغربية، وفي الوقت نفسه يعبر عن الحاجة الملحّة لمنع تهميش الدول النامية في سباق التكنولوجيا المتسارع.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هذا التركيز يعكس إدراك دول بريكس لحقيقة أن السباق التكنولوجي القادم لا يقل أهمية عن أي تنافس جيوسياسي، وأن التفوق فيه يتطلب إستراتيجيات حوكمة مستقلة لا تخضع للمعايير الغربية فقط.

فرص وتحديات

ورغم الطابع الانتقادي الذي تتبناه بريكس تجاه النظام الغربي، فإن طبيعة أعضائها المختلفة من حيث نموذج الحكم والانتماءات الإيديولوجية تجعل من الصعب الحديث عن بديل قيمي موحد، بحسب الكاتب التركي.

فالمجموعة تضم دولاً ديمقراطية، وملكية، وثيوقراطية، ما يجعل القاسم المشترك بينها أقرب إلى التعاون الإستراتيجي منه إلى التحالف الإيديولوجي.

فبريكس بدأت تأخذ طابعاً هجيناً، فهي ليست مجرد تكتل أيديولوجي مناهض للغرب، بل تتطور إلى منصة للتعاون الإستراتيجي تستند إلى تعددية قطبية وظيفية، وتجمع بين الأبعاد البراغماتية وبعض الطروحات المعيارية حسب الحاجة والمصالح.

وبناء على ذلك، يمكن القول إن بريكس في مرحلتها الراهنة لا تطرح بديلاً إيجابياً ومتكاملاً لمنظومة القيم التي أسسها الغرب، بل تُشكل تكتلاً واقعياً يسعى إلى تحقيق توازن معها، وذلك بناءً على تقاطعات المصالح. 

ومع ذلك، فإن تعمق أزمة الشرعية التي تعاني منها الحوكمة العالمية الحالية قد يدفع بريكس في المستقبل إلى الانتقال من موقع الاعتراض إلى موقع الإنتاج الفعلي لبدائل معيارية وقيمية جديدة.

فمنذ تأسيسها عام 2009، طرحت بريكس نفسها كتحالف يسعى لتجاوز هيمنة الغرب على النظام الدولي. 

لكن رغم هذه الطموحات، تواجه بريكس عقبات هيكلية جوهرية، من أبرزها اختزال خطاب العدالة العالمية في معاداة الولايات المتحدة، وهو ما يُضعف من مصداقيتها كمشروع دولي جامع. 

ويرتبط ذلك بدور الصين وروسيا المهيمن داخل المجموعة، ما قد يعطي الانطباع بأن بريكس ليست سوى أداة جيواستراتيجية في مواجهة الغرب.

إلى جانب ذلك، تعاني المجموعة من خلافات داخلية حادة، كما هو ظاهر في العلاقات المتوترة بين الهند والصين. 

وهذا التباين في المصالح والسياسات بين الأعضاء يجعل من الصعب تحقيق تنسيق فعّال أو بلورة مواقف موحدة، وهو ما يُضعف قدرتها على تقديم بديل حقيقي ومستقر للنظام العالمي الحالي.

ورغم كلّ هذه التباينات، تُظهر بعض القضايا مثل العدوان الإسرائيلي على إيران أو الحرب في غزة وجود تقارب نسبي في مواقف أعضاء بريكس، ما يعكس إمكانية تشكّل أرضية لتعاون أمني أو دبلوماسي بين بعض الدول الأعضاء. 

وهذا البعد، وإن كان غير مؤسسي بعد، يُعد مؤشراً على تطور محتمل في وظيفة المجموعة بحيث يتجاوز الأبعاد الاقتصادية.

تركيا وبريكس

في ضوء هذا المشهد المتغير، تبرز تساؤلات حول الموقف الذي ينبغي أن تتبناه تركيا إزاء هذه التكتلات الدولية الناشئة. 

وبصفتها دولة ذات موقع جيوسياسي محوري، فإن من مصلحة أنقرة أن تحافظ على توازن إستراتيجي مدروس، بحيث تظل منفتحة على فرص التعاون مع بريكس، دون أن تتورط في محاور سياسية قد تتعارض مع مصالحها الإقليمية والدولية، بحسب الكاتب التركي

وبهذا يمكن لتركيا أن تلعب دوراً فاعلاً في إعادة تشكيل النظام العالمي من موقع مستقل ومرن، بحيث يراعي توازن القوى ويستثمر في تعددية الشراكات.

وختم الكاتب التركي مقاله قائلاً: تمثل بريكس اليوم أكثر من مجرد تحالف اقتصادي أو جغرافي. فهي محاولة – وإن كانت غير مكتملة – لإعادة تشكيل النظام العالمي من خارج الدائرة الغربية. 

ورغم التحديات البنيوية والتباينات بين أعضائها، فإنها تعبّر عن تحوّل حقيقي في موازين القوة والنفوذ العالمي، وتضع أمام النظام الدولي القائم تحديات تتطلب مراجعة وتحديثا شاملا في قواعد اللعب.