صحيفة برتغالية: عصر تقليص الترسانات النووية انتهى والقادم أسوأ

"بلغ العدد الإجمالي التقديري للرؤوس النووية، في يناير/ كانون الثاني 2025، نحو 12,241 رأسا"
حذر التقرير السنوي لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) لعام 2025 من نهاية عصر تقليص الأسلحة النووية وبداية سباق تسلح جديد، مع توسع الترسانات النووية وتحديثها لدى معظم الدول المالكة لها، خصوصا الصين وروسيا والولايات المتحدة.
واستعرضت صحيفة " دياريو دي نوتيسياس" البرتغالية، نتائج التقرير السنوي للمعهد، مشيرة إلى تصاعد المخاطر نتيجة دخول تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والفضاء والدفاع الكمي في مجال التسلح، مما يزيد احتمالات التصعيد وسوء الفهم.
كما تطرقت في تقريرها إلى تحولات في سياسات المشاركة النووية داخل حلف شمال الأطلسي “ناتو”، وتسارع البرنامج النووي الكوري الشمالي، وتجدد التوترات بين الهند وباكستان. في ظل غياب اتفاقات دولية جديدة، يواجه العالم مرحلة غير مسبوقة من الغموض والتهديد النووي.

يشارف على النهاية
وفي البداية، أشار التقرير إلى أن "البرنامج النووي الإيراني لا يزال يحتل مساحة في التغطية الإخبارية، بعد قرار طهران تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رغم تأكيدها التزامها بمعاهدة عدم الانتشار النووي".
من جهتها، بررت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل الهجمات التي نفذتاها خلال شهر يونيو/ حزيران 2025 بما وصفوه باقتراب إيران من حيازة سلاح نووي، وهي مزاعم يصفها التقرير بأنها "لم يُتحقق منها بشكل مستقل".
وأشار التقرير، الذي يتناول التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي، إلى وجود مؤشرات أخرى مثيرة للقلق.
موضحا أن جميع الدول التسع التي تمتلك أسلحة نووية -وهي الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل- واصلت في عام 2024 تنفيذ برامج مكثفة لتحديث ترساناتها النووية، سواء عبر تطوير الأسلحة الموجودة أو إنتاج نسخ أحدث منها.
فقد بلغ العدد الإجمالي التقديري للرؤوس النووية، في يناير/ كانون الثاني 2025، نحو 12,241 رأسا، منها 9,614 رأسا مخزنة ضمن ترسانات عسكرية قابلة للاستخدام، في حين نُشر حوالي 3,912 رأسا على صواريخ وطائرات، بينما وضعت البقية في مخازن مركزية.
وأوضح التقرير أن نحو 2,100 من هذه الرؤوس الموضوعة في حالة انتشار، أبقيت في حالة تأهب عملياتي قصوى على صواريخ باليستية.
كما أفاد التقرير بأن "معظم هذه الرؤوس تعود إلى روسيا والولايات المتحدة، إلا أن الصين قد بات بإمكانها هي الأخرى الاحتفاظ ببعض الرؤوس النووية على صواريخها، حتى في أوقات السلم".
وفي هذا السياق، صرح هانز كريستنسن، الباحث في برنامج أسلحة الدمار الشامل في معهد ستوكهولم، ومدير مشروع المعلومات النووية في اتحاد العلماء الأميركيين (FAS)، قائلا: "إن عصر تقليص عدد الأسلحة النووية الذي بدأ منذ نهاية الحرب الباردة، يقترب من نهايته".
مضيفا: "بدلا من ذلك، نلاحظ بوضوح توجها نحو زيادة الترسانات النووية، وتصاعدا في الخطاب النووي، وتراجعا في الالتزام باتفاقات ضبط التسلح".
وأشار التقرير إلى أن "روسيا والولايات المتحدة معا تمتلكان حوالي 90 بالمئة من إجمالي الأسلحة النووية في العالم"، مؤكدا أن "حجم ترساناتهما العسكرية القابلة للاستخدام ظل مستقرا نسبيا خلال عام 2024"، وفقا للبيانات الواردة في التقرير.
إلا أن التقرير لفت إلى أن "الدولتين تطبقان برامج تحديث واسعة النطاق، من المرجح أن تؤدي إلى زيادة حجم وتنوع ترساناتهما مستقبلا".
وفي هذا الصدد، حذر محللو معهد ستوكهولم من أنه "ما لم يُتوصل إلى اتفاق جديد للحد من هذه الترسانات، فمن المحتمل أن يرتفع عدد الرؤوس النووية المستخدمة في الصواريخ الإستراتيجية بعد انتهاء معاهدة (ستارت الجديدة) الثنائية لعام 2010 بشأن تقليص وتقييد الأسلحة الهجومية الإستراتيجية، والمقرر أن تنتهي في فبراير/ شباط 2026".
أما بشأن الصين، فقدر التقرير أنها "تمتلك حاليا ما لا يقل عن 600 رأس نووي"، مشيرا إلى أن "ترسانتها تنمو بوتيرة أسرع من أي دولة أخرى، بمعدل يبلغ نحو 100 رأس نووي سنويا منذ عام 2023".
كما لفت التقرير إلى أن "الصين كانت قد أنجزت، أو أوشكت على إنجاز، حوالي 350 صومعة جديدة لصواريخ باليستية عابرة للقارات (ICBM) في ثلاث مناطق صحراوية رئيسة شمال البلاد، وثلاث مناطق جبلية في شرقها، بحلول يناير/ كانون الثاني 2025".
وأكد التقرير أنه "اعتمادا على كيفية هيكلة الصين لقواتها، قد يصبح لديها عدد من صواريخ ICBM يماثل ما تملكه روسيا أو الولايات المتحدة بحلول نهاية العقد".
لكنه أوضح في المقابل، أنه "حتى لو وصلت الصين إلى الحد الأقصى المتوقع البالغ 1,500 رأس نووي بحلول عام 2035، فإن ذلك سيظل يعادل فقط نحو ثلث المخزون النووي الحالي لكل من روسيا والولايات المتحدة"، وفقا لما ورد في التقرير السنوي لمعهد ستوكهولم لعام 2025.

إسرائيل تحدث ترسانتها
وأضاف تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن "إسرائيل، رغم عدم إعلانها رسميا امتلاك أسلحة نووية، تواصل تحديث ترسانتها النووية".
وأشار إلى أن "تل أبيب أجرت خلال عام 2024 تجربة على نظام دفع صاروخي يعتقد أنه مرتبط بسلسلة صواريخ (أريحا) الباليستية ذات القدرة على حمل رؤوس نووية".
وأضاف: "كما يبدو أنها تعمل على تحديث مفاعل إنتاج البلوتونيوم في مدينة ديمونة، الواقعة في صحراء النقب جنوب البلاد".
أما على مستوى الدول الأوروبية المالكة للأسلحة النووية، فأوضح التقرير أن "المملكة المتحدة، وهي إحدى القوتين النوويتين الأوروبيتين، لم تظهر مؤشرات على زيادة ترسانتها النووية خلال عام 2024".
واستدرك: "ومع ذلك، يتوقع أن يشهد مخزونها من الرؤوس النووية زيادة مستقبلا، في ضوء تحديث (المراجعة المتكاملة لعام 2023)، التي أكدت التوجه نحو رفع الحد الأقصى لعدد الرؤوس النووية".
وفي السياق ذاته، أشار التقرير إلى أن "حزب العمال البريطاني، بقيادة كير ستارمر، عبر خلال حملته الانتخابية عن التزامه بمواصلة بناء أربع غواصات صواريخ باليستية جديدة تعمل بالطاقة النووية".
إلا أن الحكومة البريطانية، بحسب التقرير، تواجه في الوقت الراهن تحديات تشغيلية ومالية كبيرة تعيق تنفيذ هذه المشاريع.
أما فرنسا، فقد واصلت خلال عام 2024 برامج تطوير غواصة صواريخ باليستية من الجيل الثالث، بالإضافة إلى صاروخ كروز جديد يطلق من الجو.
وأضاف التقرير: "كما شملت هذه الجهود تجديد وتحديث الأنظمة القائمة، بما في ذلك تطوير صاروخ باليستي محسن مع تعديل جديد للرأس الحربي".
ومن جهة أخرى، شهد مطلع العام تصاعدا في التوترات بين الهند وباكستان، وهما دولتان نوويتان، تطور لفترة وجيزة إلى صدام مسلح.
وفي هذا الصدد، حذر مات كوردا، الباحث البارز في برنامج أسلحة الدمار الشامل بمعهد ستوكهولوم، والمدير المشارك في مشروع المعلومات النووية في اتحاد العلماء الأمريكيين، من أن "الهجمات التي استهدفت البنى التحتية العسكرية المرتبطة بالطاقة النووية، بالإضافة إلى حملات التضليل التي شنها أطراف ثالثة، كانت تهدد بتحويل الصراع التقليدي إلى أزمة نووية".
وأضاف كوردا: "يجب أن يشكل هذا الأمر تحذيرا بالغ الخطورة للدول التي تسعى إلى تعزيز اعتمادها على الأسلحة النووية".
وأشار التقرير إلى أن "الهند وسعت ترسانتها النووية بشكل طفيف خلال عام 2024، وواصلت تطوير أنظمة إطلاق نووية جديدة".
وأردف: "كما أن باكستان بدورها راكمت مواد انشطارية تشير إلى احتمال توسيع ترسانتها النووية خلال العقد المقبل".
وفيما يتعلق بكوريا الشمالية، أكد التقرير أن "بيونغ يانغ لا تزال تعطي الأولوية لبرنامجها النووي العسكري، باعتباره ركيزة أساسية في إستراتيجيتها للأمن القومي".
وقدر معهد ستوكهولم أن "كوريا الشمالية قامت بتركيب نحو 50 رأسا نوويا حتى الآن، وتمتلك كمية من المواد الانشطارية تتيح لها إنتاج ما يصل إلى 40 رأسا إضافيا، كما تسرع حاليا من وتيرة إنتاج هذه المواد".
وأشار التقرير إلى أنه "قبل عام، كانت سيول قد حذرت من أن بيونغ يانغ باتت في المراحل النهائية من تطوير سلاح نووي تكتيكي".
وتابع: "وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، دعا الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، إلى توسيع (غير محدود) للبرنامج النووي في بلاده".

مزيد من البلدان داخل اللعبة
وحسب التقرير، شهد عام 2024 توسعا في اتفاقات "المشاركة النووية"، بدءا من تأكيد روسيا وبيلاروسيا مجددا مزاعمهما بأن موسكو نشرت أسلحة نووية على الأراضي البيلاروسية.
وفي داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أعرب عدد من الأعضاء الأوروبيين، خصوصا بولندا، عن استعدادهم لاستضافة أسلحة نووية أميركية على أراضيهم.
وأظهرت البيانات الأحدث المتاحة أن 5 دول من أعضاء الحلف تستضيف حاليا ترسانة نووية أمريكية، وهي: ألمانيا وبلجيكا وإيطاليا وهولندا وتركيا.
وفي خطوة لافتة، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عشية انعقاد المجلس الأوروبي في مارس/ آذار 2025، عزمه طرح مسألة فتح "المظلة النووية الفرنسية" أمام بقية شركاء الاتحاد الأوروبي، وهو موقف أعاد التأكيد عليه بعد شهرين.
من جانبه، شدد المستشار الألماني فريدريش ميرتس على أن "النقاشات حول المشاركة النووية يجب أن تتم مع فرنسا والمملكة المتحدة".
مؤكدا في الوقت نفسه أنها "لا يمكن أن تكون سوى مكمل للاتفاق الأميركي القائم".
وأشار التقرير إلى أن كلا من بولندا والدنمارك وليتوانيا أبدت انفتاحها على مناقشة الطرح الفرنسي.
وحذر مات كوردا، الباحث البارز في برنامج أسلحة الدمار الشامل، من المبالغة في الاعتماد على السلاح النووي، مؤكدا أن "الأسلحة النووية لا تضمن الأمن".
وأضاف: "كما أثبت التصعيد الأخير بين الهند وباكستان، فإن الأسلحة النووية لا تمنع نشوب النزاعات، بل تنطوي على مخاطر هائلة من حيث التصعيد والأخطاء الكارثية في التقدير، خاصة في ظل انتشار المعلومات المضللة، وقد تفضي في النهاية إلى جعل الشعوب أقل أمانا، بدلا من العكس".
وفي سياق متصل، حذّر مدير المعهد دان سميث من التحديات المتزايدة أمام جهود ضبط التسلح النووي، مشيرا إلى أن "نظام الرقابة الثنائية على الأسلحة النووية بين روسيا والولايات المتحدة يمر بأزمة منذ سنوات، وهو الآن على وشك الانهيار الكامل".
وأضاف سميث أن معاهدة "ستارت الجديدة"، وهي آخر اتفاقية قائمة تحد من القدرات النووية الاستراتيجية بين البلدين، لا تزال سارية حتى مطلع عام 2026، لكن لا توجد أي مؤشرات على نية أي طرف تجديدها أو التفاوض حول بديل لها.
وأشار إلى أن "الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي كان قد شدد خلال ولايته الأولى، ويكرر الآن، على ضرورة شمول الترسانة النووية الصينية في أي اتفاق مستقبلي، وهو ما يزيد تعقيد المفاوضات التي هي بالأصل معقدة".
وقال سميث: إن "المؤشرات تدل على أننا على أعتاب سباق تسلح نووي جديد، سيكون أكثر خطورة وغموضا من السباق السابق".
وأوضح التقرير أن "دخول عدد من التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي، والقدرات الفضائية، والدفاع الكمي، يعيد تعريف مفاهيم القدرة النووية والردع والدفاع، مما يخلق مصادر جديدة لعدم الاستقرار".
ولفت التقرير إلى أن "إدماج الذكاء الاصطناعي في قرارات إدارة الأزمات يزيد من خطر اندلاع صراع نووي نتيجة سوء فهم أو خلل تقني أو إخفاق في التواصل".
وختم دان سميث بقوله: "فكرة التفوق في سباق التسلح ستكون أكثر ضبابية مما كانت عليه سابقا".
وتابع: "وفي هذا السياق، لم تعد المعادلات الكلاسيكية للرقابة على التسلح، التي كانت تقوم إلى حد كبير على الأرقام، كافية أو ملائمة".