هجوم صيني على طائرة استطلاع ألمانية في البحر الأحمر.. آفاق التوتر وحدود النزاع

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

أعلنت برلين أن طائرة استطلاع تابعة للجيش الألماني تعرضت لهجوم بالليزر من قبل سفينة حربية صينية في البحر الأحمر، وفيما استدعت ألمانيا السفير الصيني للاحتجاج رسميا، سارعت بكين إلى نفي الحادثة.

ويرى موقع "تيليبوليس" الألماني أن “الحادث لا يثير الجدل الدبلوماسي فحسب، بل يطرح أيضا تساؤلا تقنيا بالغ الحساسية: ما مدى اقتراب الطائرة الألمانية من السفينة الصينية حتى يمكن أن يقع الهجوم من الأساس؟”

طفرة تكنولوجية

استهل الموقع تقريره مشيرا إلى الطفرة التكنولوجية العسكرية قائلا: "ما كان يبدو سابقا ضربا من الخيال العلمي، أصبح اليوم واقعا عسكريا ملموسا".

وأضاف: "أصبح هناك بالفعل أسلحة ليزر تُستخدم لشل قدرات الطيارين وإرباك أجهزة الاستشعار".

وأشار إلى أنه "في حين اختبرت الهند أخيرا نظام ليزر بقوة 30 كيلواط وبمدى يصل إلى خمس كيلومترات، تعمل الصين على تطوير أنظمة ليزر محمولة بقوة 2.47 كيلواط، يمكن استخدامها من أجهزة بحجم حقيبة سفر".

واستدرك: "لكن هذه الأنظمة، رغم طابعها المستقبلي، تبقى أسلحة قصيرة المدى بقدرات محدودة".

ويعتقد أن "هذه المحدودية التقنية كان لها دور محوري في حادث وقع في 2 يوليو/ تموز 2025 بالبحر الأحمر".

وذكر أن "برلين اتهمت سفينة حربية صينية باستهداف طائرة استطلاع ألمانية بأشعة ليزر، مما أثار توترا دبلوماسيا بين ألمانيا والصين، استدعت برلين على أثره السفير الصيني للاحتجاج، بينما نفت بكين حصول الواقعة".

وأشارت التقارير إلى أن الطائرة التي تعرضت للهجوم كانت من طراز "بيتش كرافت كينغ إير 350"، وتتبع شركة "أطلس إير سيرفيسز" الألمانية، وكانت تُشغل لصالح الجيش الألماني (البوندسفير).

ووفقا لموقع "ذا وور زون" الأميركي المتخصص في الشؤون العسكرية والدفاعية، كان على متن الطائرة طاقم من الطيارين المدنيين إلى جانب أربعة جنود ألمان؛ حيث كانوا يؤدون مهام استطلاعية ضمن عملية "أسبيدس" الأوروبية.

و"أسبيدس"، هي مهمة عسكرية تهدف إلى حماية حركة الملاحة المدنية في البحر الأحمر وخليج عدن من هجمات الحوثيين في اليمن.

أما الجانب الصيني، فيرجح بحسب معلومات نشرها موقع "ذا ماريتايم إكزيكيوتيف"، أن الفرقة البحرية الـ47 التابعة للبحرية الصينية هي التي أطلقت الليزر على الطائرة الألمانية.

وبحسب الموقع المتخصص في الشؤون البحرية، تضم هذه الفرقة المدمّرة "باوتو" والفرقاطة "هونغه" وسفينة الإمداد "غاويوهو". 

وأوضح أن هذه المجموعة البحرية الصينية "تقترب من إنهاء مهمتها المستمرة منذ ستة أشهر؛ حيث تعمل انطلاقا من القاعدة البحرية الصينية في جيبوتي".

وحسب التقرير، من المفترض عادة أن تقتصر مهام هذه السفن الصينية مرافقة السفن التجارية الصينية، ولا تشارك في عمليات الحماية الدولية.

وسرد الموقع تفاصيل الهجوم قائلا: "وقع الحادث في المياه الدولية قبالة ساحل اليمن، عندما اقتربت الطائرة الألمانية من فرقاطة صينية".

واستطرد: "بحسب الرواية الألمانية، استُهدفت الطائرة فجأة بأشعة ليزر، دون أي تحذير أو اتصال مسبق".

استعراض صيني 

ورأى الموقع أن “السؤال الحاسم في هذا الحادث يتعلق بالجانب التقني؛ حيث تساءل التقرير عن نوع أشعة الليزر المستخدمة، وماذا يعني ذلك بالنسبة للمسافة بين الطائرة والسفينة؟”

وأشار إلى أن "تحليلات المعلومات المتاحة ترجح أن السلاح المستخدم كان سلاحا قصير المدى".

ولفت إلى أنه "بحسب المعطيات، فإن أيا من السفن التابعة للمجموعة البحرية الـ47 الصينية لا يمتلك برج ليزر مثبت بشكل دائم".

وأردف: "رغم أن الصين تختبر بالفعل هذه الأبراج على مركبات مثل (سيمينغشان) من نوع 071 البرمائية، إلا أن المرجح في هذه الحادثة هو استخدام نظام ليزر محمول، وتشير التطورات الأخيرة إلى امتلاك الصين أسلحة ليزر محمولة متطورة".

وكشفت صحيفة "ساستينابيليتي تايمز"، أن "الجامعة الوطنية الصينية لتكنولوجيا الدفاع" طورت ليزرا بقدرة 2.47 كيلوواط بحجم حقيبة سفر، يبلغ مداه نحو كيلومتر واحد.

ومع ذلك، يعتقد الموقع أن "الليزر المستخدم في هذا الحادث البحري كان أضعف وأكثر ملاءمة للإبهار لا للتدمير".

ونقل "تيليبوليس"  عن تقارير تقنية "تقديرها أن الطائرة الألمانية اقتربت لمسافة تتراوح بين كيلومتر إلى كيلومترين من السفينة الصينية، كي يكون الهجوم بالليزر ممكنا من الناحية التقنية".

ولفت إلى أنه "وفقا للمعايير الدولية لرحلات المراقبة الجوية، يعد الاقتراب إلى هذا الحد استفزازيا".

وأضاف: "فبينما تعد مسافات تتراوح بين ثلاثة وخمسة كيلومترات آمنة، تُعد مسافة كيلومتر واحد إلى كيلومترين (قريبة جدا) بالفعل، وهي وإن كانت مسافة مقبولة، إلا إنها مقلقة وتكون أكثر خطورة".

وذكر الموقع سبب وجود الطائرة الألمانية في هذا الموقع، مشيرا إلى أنها "كانت تعمل انطلاقا من جيبوتي، والتي تُعد الموقع الوحيد عالميا الذي يضم قاعدة أميركية وأخرى صينية على مقربة جغرافية مباشرة".

وبحسبه، "فإن هذه القرب الجغرافي يجعل المنطقة واحدة من أكثر المناطق حساسية جيوسياسيا على الإطلاق".

وأشار الموقع الألماني إلى أن "هذه المنطقة سبق أن شهدت حوادث مشابهة؛ فقد قامت قوات صينية في أبريل/ نيسان 2018 باستهداف طائرات أميركية عدة بأشعة ليزر أثناء تنفيذها مهاما منطلقة من جيبوتي".

وأضاف: "ووفق وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، أصيب اثنان من طياري طائرة نقل من طراز C-130 بجروح طفيفة، جراء استخدام ليزر عسكري صيني، ما دفع واشنطن إلى تقديم احتجاج دبلوماسي رسمي إلى بكين".

سؤال محرج

في هذا السياق، ذكر الموقع أنه "منذ عام 2008، تحافظ الصين على وجود بحري دائم في خليج عدن عبر قاعدتها في جيبوتي".

كما توصلت -بحسبه- إلى "اتفاق مع الحوثيين يسمح لسفنها التجارية بعبور البحر الأحمر دون التعرض لهجمات".

في ظل هذه المعطيات التقنية، طرح الموقع سؤالا وصفه بـ"المحرج"، حيث تساءل عن سبب اقتراب الطائرة الألمانية إلى هذا الحد من السفن الحربية الصينية.

وتابع: "فوفقا لوزارة الدفاع الألمانية، سبق للسفينة الصينية أن رُصدت في المنطقة عدة مرات، ما يعني أن الجانب الألماني كان على علم بوجودها".

وقال مستنكرا: "رغم ذلك، اختار طاقم الطائرة الاقتراب إلى المسافة الحرجة من كيلومتر إلى كيلومترين، وهي المسافة التي جعلت الهجوم بالليزر ممكنا من الناحية الفنية".

وهو قرار يُعد -بحسب الموقع- "موضع تساؤل شديد، خاصة في بيئة جيوسياسية حساسة كمنطقة جيبوتي".

وفصل الأسباب المحتملة لهذا الاقتراب قائلا: "قد يكون الجانب الألماني قلل من شأن استعداد الصين للتصعيد، أو أساء تقدير قدرات أنظمة الليزر المحمولة".

"ومن الممكن أيضا أن يكون هناك شعور بالتفوق، بناء على كون المهمة تابعة للاتحاد الأوروبي، مما قد يوحي بأحقية التصرف بحرية"، وفقا لـ"تيليبوليس".

ولم يستبعد احتمالية أن "يكون الاقتراب محاولة مقصودة لاستفزاز الصين واختبار رد فعلها".

واختتم الموقع تقريره منتقدا برلين قائلا: "بغض النظر عن الدافع، يبقى من الواضح أن ألمانيا خاطرت بحادث دولي في إحدى أكثر مناطق العالم توترا جيوسياسيا".

واستطرد: "ولا يزال من غير الواضح ما هو المكسب الإستراتيجي الذي حققته هذه المخاطرة".