بعد الاعتراف بها.. لماذا تخشى طالبان من انتشار جواسيس روس بأفغانستان؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

يحمل اعتراف روسيا بحكومة طالبان في أفغانستان بين سطوره ما يتجاوز المجاملة الدبلوماسية؛ إذ لا يقتصر على كونه اختراقا سياسيا لواحدة من أكثر الحكومات عزلة في العالم، بل يفتح أيضًا بوابة لأبعاد أمنية شديدة التعقيد.

فقد ترافقت الخطوة مع شكوك أفغانية وحسابات استخباراتية دقيقة وحالة استنفار داخل أجهزة الأمن التابعة لحكومة طالبان، وفق ما كشفت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية.

إذ تتوقع الحكومة الأفغانية التي تديرها حركة طالبان تدفقا لما وصفته الصحيفة بـ "الجواسيس الروس" تحت غطاء السياحة أو الأنشطة الثقافية والإعلامية. 

جواسيس محتملون

وبحسب وثائق أمنية سرية حصلت عليها، فإن جهاز مكافحة التجسس التابع لطالبان حذّر من نشاط استخباراتي روسي محتمل في البلاد، ووجه أوامر بتشديد الرقابة على الزوار الروس. 

في موازاة ذلك، طالبت وزارة الدفاع في حكومة طالبان -في خطوة وصفت بأنها اختبار للنيات الروسية- بفتح باب التعاون العسكري وشراء معدات وأسلحة روسية، مشيرة إلى أن المرحلة المقبلة يجب أن تبنى على "التفاهم العملي" لا التصريحات السياسية. 

وأبرزت الصحيفة أن الاعتراف الروسي لم يقابل بترحيب أمني داخل طالبان، بل أثار قلقا حول دوافع موسكو، كما يؤكد أن الحكومة تسعى لاستغلال هذا الاعتراف في تعزيز قدراتها العسكرية. 

ويرى مراقبون أن كابول تحاول اختبار مدى جدية الكرملين بإقامة شراكة حقيقية، في وقت تواجه فيه روسيا تحديات عسكرية على جبهة أوكرانيا.

وكشفت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية، أن أجهزة الاستخبارات التابعة لحركة طالبان تتوقع "تدفقا للجواسيس الروس" إلى أفغانستان في أعقاب اعتراف موسكو الرسمي بحكم "الملالي المتشددين".

وأوضحت استنادا إلى ما ورد في تقرير صادر عن جهاز مكافحة التجسس التابع لطالبان، أن هذا السيناريو يعد من أبرز النتائج المترتبة على الاعتراف الروسي بالحكومة الأفغانية.

وأضافت أن "وزارة الدفاع التابعة لطالبان اقترحت من جهتها اختبار نوايا روسيا الحقيقية من خلال تقديم طلب رسمي لشراء أسلحة روسية".

وأعلنت روسيا في 4 يوليو/تموز 2025، قبولها أوراق اعتماد سفير جديد لأفغانستان، لتصبح بذلك أول دولة تعترف بحكومة "طالبان" في ذلك البلد.

ولم تعترف أي دولة أخرى رسميا بحكومة طالبان التي صعدت إلى السلطة في أغسطس/آب 2021، في الوقت الذي نفذت فيه القوات التي تقودها الولايات المتحدة انسحابا من أفغانستان بعد حرب على مدى 20 عاما.

وتمثل الخطوة الروسية إنجازا كبيرا لإدارة طالبان في سعيها لتخفيف عزلتها الدولية.

في الأثناء، لا تزال حركة طالبان مصنفة منظمة إرهابية في روسيا رغم تعليق الحظر على أنشطتها بقرار من المحكمة العليا في 17 أبريل/ نيسان 2025.

وثيقتان داخليتان

وأكدت الصحيفة أنها "حصلت على وثيقتين أعدتهما الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة طالبان في كابول، تعكسان بوضوح موقف الحركة الحقيقي من اعتراف موسكو بها، وتكشفان عن مستوى الحذر والشك السائد داخل هذه الأجهزة تجاه النوايا الروسية".

الوثيقة الأولى أعدتها مديرية 0376 (المعنية بمكافحة التجسس) ضمن الإدارة العامة للاستخبارات التابعة لطالبان في 7 يوليو/ تموز 2025 -أي بعد أربعة أيام فقط من الاعتراف الروسي- وتحمل عنوان "جمع المعلومات الاستخبارية من قبل السياح الروس في أفغانستان".

وتوضح الوثيقة، أن هناك مؤشرات على نشاط متزايد للاستخبارات الروسية في البلاد. وجاء فيها أنه "بعدما اعتُرف أخيرا بالإمارة الإسلامية من قبل روسيا، لوحظ ارتفاع في عدد المواطنين الروس الذين يزورون البلاد".

وأشارت إلى أن "هذه المجموعات تدخل البلاد تحت غطاء السياحة أو بعثات ثقافية أو صحفية، بينما تسعى في الواقع لتحقيق أهداف استخباراتية". 

وأضافت: "وقد زار بعض هؤلاء أخيرا مواقع أثرية وتاريخية، وتعد تحركاتهم محل شبهات". 

وأكدت على ضرورة "مراقبة تحركات هؤلاء الأفراد بدقة من قبل أجهزة الاستخبارات ومكافحة التجسس، وإجراء تقييم شامل لنشاطاتهم".

ووفقا لما ذكرته الصحيفة الروسية، أرسل جهاز مكافحة التجسس في طالبان الوثيقة إلى القسم 061 المعني بالتحليل الاستخباراتي داخل الإدارة العامة للاستخبارات، مؤكدا أن "هذه المسألة محالة إلى هيئتكم الموقرة لمزيد من الدراسة والتنسيق".

وطلب الجهاز من محللين في جهاز الأمن والمخابرات التابع لطالبان مشاركة هذه المعلومات والتقييمات مع أجهزة مكافحة التجسس في البلاد.

وبحسب الصحيفة، تظهر الوثيقة أن "الاعتراف الروسي بحكومة طالبان لم يقابل برد فعل إيجابي داخل دوائر استخباراتها، بل بالعكس، ينظر إليه بصفته عامل تهديد محتملا". 

وعلقت بأن "هذا الأمر يجب أن يُؤخذ في الحسبان من قبل المواطنين الروس الراغبين في زيارة أفغانستان؛ إذ قد لا ينظر إليهم كضيوف مرحب بهم".

اختبار نيات

وتحدثت عن وثيقة ثانية "مثيرة للاهتمام"، جاءت بعنوان: “شراء معدات عسكرية وتقنيات وأسلحة لتلبية احتياجات وزارة الدفاع”.

وجهت الوثيقة من وزارة الدفاع في حكومة طالبان إلى وزارة الخارجية، ووقعها وزير الدفاع الملا محمد يعقوب.

وجاء في الوثيقة: "نظرا للاعتراف الأخير من روسيا بالإمارة الإسلامية، فإننا على أعتاب مرحلة جديدة من التعاون". 

وأردفت: “تعد المعدات العسكرية الروسية، بما تتمتع به من جودة ووفرة، ضرورية لأقسام وزارة الدفاع الوطنية كافة”. 

وأضافت: "بناء عليه، نخطط لشراء هذه المعدات من روسيا على أساس من التفاهم المتبادل، في ضوء التعاون السابق في بعض المجالات".

وطلب الملا يعقوب من وزارة الخارجية اتخاذ الخطوات اللازمة لتوفير الأرضية القانونية والمؤسسية لهذا التعاون العسكري.

ونقلت الصحيفة الروسية عن مصدر أفغاني -زودها بالوثيقة- اعتقاده بأن "المبادرة السريعة لوزارة الدفاع بشأن شراء الأسلحة الروسية تهدف بالدرجة الأولى إلى اختبار صدق نوايا موسكو".

وأضاف المصدر أن "طالبان تريد من روسيا أن تثبت بالعمل، وليس فقط بالتصريحات، استعدادها لتعزيز التعاون الأمني". 

وتابع: "لهذا، سيطلبون من الكرملين تسليم شحنات كبيرة من المعدات العسكرية والأسلحة والذخائر في أقصر وقت ممكن، دون مراعاة حاجة الجيش الروسي ذاته للسلاح على جبهة أوكرانيا".

وختم المصدر حديثه بالقول: "رغبة طالبان في إخضاع روسيا لاختبار مصداقية من خلال عقود التسلح تؤكد أنهم لا يثقون بالنوايا السياسية الروسية المعلنة". بحسب ما أوردته الصحيفة.