“نووي تركيا” بعد إيران.. لماذا يثير قلق اليمين المتطرف في إسرائيل؟

"إذا استمر الرئيس أردوغان في الدعوة لشن هجمات على إسرائيل، فلن يكون أمامها خيار سوى الرد"
رغم أن تركيا ليس دولة نووية، ولا تملك سوى مفاعل نووي واحد طور التشييد لإنتاج الكهرباء، وموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، بدأ اليمين المتطرف الإسرائيلي حملة مشاغبة مبكرة ضدها.
فبعد العدوان على طهران بحجة تحييد البرنامج النووي الإيراني، بدأت أصوات في الكيان الإسرائيلي تُحذر من أن تركيا قد تتحول إلى “إيران جديدة” تهدد أمن الكيان، ملحمة لنيتها اقتناء سلاح نووي عبر برنامجها المدني مثل إيران، ومحذرة من أنها لن تسمح بذلك.
وتسرع أنقرة تنفيذ مشروعها النووي في محطة “آق قويو” لإنتاج الكهرباء، وتُصر على تخصيب اليورانيوم بشكل مستقل، وفق "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" FDD" الأميركية، في 5 فبراير/ شباط 2025.
وهو ما تعده تقديرات إسرائيلية حديثة "تخطيطا تركيا لامتلاك سلاح نووي".
و“آق قويو” مشروع مشترك بين روسيا وتركيا بتكلفة 20 مليار دولار، وتنفذها شركة روساتوم الحكومية الروسية. وفي 27 أبريل/نيسان 2023، جرى تدشين المحطة الواقعة بولاية مرسين جنوب شرقي تركيا.
ومنذ العدوان الإسرائيلي على إيران، يتصاعد التحريض من قبل مسؤولين إسرائيليين ضد تركيا، وزاد القلق الإسرائيلي بعد تصريحات أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 9 يوليو/تموز 2025، قال فيها: "لا أقبل أن تكون إسرائيل الدولة الوحيدة التي تملك السلاح النووي في المنطقة".
وسبق أن انتقد، أردوغان، في 5 سبتمبر/ أيلول 2019، "الضغوط التي تتعرض لها بلاده لعدم حيازة السلاح النووي"، مشيرا إلى امتلاك إسرائيل صواريخ ذات رؤوس نووية "لكن ممنوع عليّ (تركيا) أن تحصل عليها"، قائلا: "أنا لا أقبل ذلك".

سر القلق الصهيوني
عقب العدوان على إيران، أصدر أردوغان في 18 يونيو/ حزيران 2025، قرارا بتوسيع إنتاج الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى.
قال: “نخطط حالياً لإنتاج الصواريخ بما يرفع مخزوناتنا من الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى إلى مستوى يشكل ردعا حقيقيا، وسنبلغ قريباً قدرة دفاعية لا يتجرأ أحد على تحديها”.
من جانبها، أبدت صحف إسرائيلية خشيتها أن تكون تركيا تركز على إنتاج صواريخ بعيدة المدي، لتحميلها لاحقا برؤوس نووية، بالنظر لما قاله أردوغان في 5 سبتمبر/أيلول 2019، عن امتلاك إسرائيل صواريخ ذات رؤوس نووية ومنع بلاده من ذلك.
المحلل الإسرائيلي "شاي غال" حذر في صحيفة “إسرائيل اليوم” في 7 يوليو/تموز 2025، مما سماه "النووي التركي الذي قد لا يقل خطورة على إسرائيل من التهديد الإيراني"، وفق زعمه.
قال: "مع امتلاكها عقيدة عسكرية اسمها "الوطن الأزرق" وامتلاكها تحالفات مع دول نووية مثل باكستان، تسير تركيا في طريق إيران، لكن من داخل الناتو حيث تستغل تركيا عضويتها كحصانة وتحظى بحماية لم تنعم بها إيران".
وكشف أن "إسرائيل بالفعل تعزز تحالفها مع اليونان وقبرص ومصر والإمارات لأنها ترى أن التهديد التركي قد يتجاوز التهديد الإيراني".
وأشار إلى مخاوف إسرائيلية أن "تعيد تركيا السيناريو الإيراني الذي يتحول فيه برنامج نووي مدني إلى عسكري، وأن تستخدم لهذا الغرض شبكة دولية مثل باكستان التي قد تورد لها مواد خام نووية والصومال، حيث تقيم أنقرة قواعد خفية بعيداً عن عيون الغرب".
وكانت تقديرات غربية أشارت إلى أنه لو نجحت إسرائيل في تعجيز إيران بالتعاون مع أميركا، ستواجه تركيا وأنظمة أخرى في الشرق الأوسط "تحديات صعبة"، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، في 17 يونيو 2025.
وذلك “بسبب مطامع النخبة الحاكمة ذات التوجهات الدينية التوراتية التوسعية في تركيا وغيرها وحديث نتنياهو عن عدم عودة الإمبراطورية العثمانية”.
وفي 8 سبتمبر/أيلول 2024، كتب "خير الدين كرمان"، أحد مستشاري أردوغان مقالا في صحيفة "يني شفق"، قال فيه إن "تركيا يجب أن تسعى للحصول على قدرات نووية لمواجهة إسرائيل وإرساء الردع ضد خصومها".

خطوات هادئة
وقد زعم تقرير نشرته "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" FDD الأميركية، في 5 فبراير 2025، أن "أنقرة تتخذ خطوات هادئة ومدروسة نحو إنتاج وقود اليورانيوم المخصب الذي يُستخدم لأغراض مزدوجة، وهي تزويد المفاعلات النووية بالوقود والأسلحة النووية".
ففي أكتوبر/تشرين الأول 2024، زار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ورئيس المخابرات إبراهيم كالين النيجر، وتوصلا إلى اتفاقية تعدين مؤقتة مع المجلس العسكري الحاكم في البلاد.
وهو ما فسره محللو "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" بـ "نية تركيا تأمين الوصول إلى اليورانيوم، مما قد يُمهد الطريق لتطوير دورة الوقود لإنتاج اليورانيوم المخصب".
خاصة أن تركيا لطالما اقترحت أن تحتفظ جميع الدول "بحق تخصيب" اليورانيوم، وفق التقرير الأميركي.
وكان تقرير لموقع "مراجعة الشؤون الدولية" IAR الموالي لإسرائيل، زعم في سبتمبر 2024 أيضا أن "خطة أردوغان النووية تشكل تهديدًا للاستقرار الإقليمي".
ذكر أن "من شأن "تركيا النووية" أن تُسهم في تحقيق أحلام أردوغان في إقامة إمبراطورية تركية شاملة، وإعادة تركيا إلى مجدها العثماني، لذا لا يُمكن تجاهل التهديد الذي يُمثله امتلاك تركيا لقدرات نووية"، وفق التقرير.
وفي 16 ديسمبر/كانون الأول 2024، كتب الباحث في معهد أميركان إنتربرايز، "مايكل روبين"، مقالا في موقع "معهد المشاريع الأميركية" يتساءل فيه: “هل ينبغي لإسرائيل مهاجمة المحطة النووية التركية (أق أقيو)، لأنها ستبدأ التشغيل التجريبي عام 2025؟”.
زعم أن "محطة أقويو تشكل خطرا داهما على أوروبا بأكملها لأنها مبنية في منطقة زلازل، لكن "الخطر الأكبر هو احتمال استخدام تركيا محطتها النووية للحصول على مواد انشطارية لصنع سلاح نووي".
وشبه المحطة التركية، بالمفاعل النووي المدني الإيراني في بوشهر، الذي تم استخدامه "كغطاء للحصول على مواد وتحويلها إلى برنامج سري"، وفق زعمه.
وحرض الباحث، الموالي لإسرائيل ضد المحطة النووية في تركيا، قائلا: "ستغير ديناميكيات المنطقة إلى الأبد؛ لأنها دولة قوية وتُخالف علنا اتفاقيات عمرها قرن تُحدد حدودها، وراعية للإرهاب لأنها تدعم حماس".
وأضاف: إذا حصلت تركيا على سلاح نووي، فقد لا تُنفذ تهديداتها ضد دول المنطقة الأخرى فحسب، بل قد تشعر أيضًا بحصانة كبيرة بفضل رادعها النووي، ما يعكس هذا القلق السياسي ما تنظر به العديد من الدول الغربية إلى إمكانية امتلاك إيران أسلحة نووية.
وتابع: "إذا استمر الرئيس أردوغان في الدعوة لشن هجمات على إسرائيل، فلن يكون أمامها خيار سوى الرد".
وزعم أنه “قد يكون هجوم إسرائيل على المفاعل النووي التركي أسهل لأنها تمتلك طائرات إف-35، ولا تحتاج إلى التحليق فوق دول وسيطة لضرب الأراضي التركية، كما قد تلجأ لأسلوب الهجمات الإلكترونية”.
وقال: إن إسرائيل ليست الدولة الوحيدة التي يقلقها النووي التركي، فدول أخرى في حلف شمال الأطلسي “ناتو”، بما فيها الولايات المتحدة، لديها أيضا أسباب وجيهة للخوف من البرنامج النووي التركي.

“احذروا النووي التركي”
ومن اللافت للانتباه، أن مراكز أبحاث غربية عزفت على النغمة الإسرائيلية، مع أن تركيا لا تمتلك حاليًا أي منشآت تشغيلية لتخصيب اليورانيوم.
ففي 15 فبراير/شباط 2012، نشر معهد "كارنيجي"، تقريرا يؤكد أن "احتمال امتلاك تركيا سلاحا نوويا ضعيف لكن غير مستبعد".
وزعمت صحيفة "نيويورك تايمز"، في 19 أكتوبر 2019، أن هدف حكومة أردوغان هو إنتاج سلاح نووي، وتركيا بدأت في هذا المشروع منذ زمن.
وفي 2014 نشرت صحيفة Die Welt الألمانية، مقالا لـ "هانز روهلا"، الذي كان يشغل منصبا في وزارة الدفاع الألمانية، برر فيه فضيحة التصنت على تركيا من قبل المخابرات الألمانية بأن هدفهم كان "التصنت على مشروع تركيا النووي".
قال: "لدى استخبارات ألمانيا قناعة أن تركيا تملك مشروع سلاح نووي بالفعل"، وأن جهاز الاستخبارات الألمانية توصل بعد بحث طويل إلى أن للشركات التركية يدا كبرى أيضا في مساعدة باكستان في مشروعها النووي.
حيث كانت شركات تركيا تستورد المواد اللازمة لباكستان وتسلمها لها لتصنع بها أجزاء من أجهزة الطرد وتوصلها لباكستان.
أيضا زعم "معهد لندن الإستراتيجي"، في وقت مبكر عام 2007 في كتاب نشره بعنوان: "الأسواق السوداء النووية: باكستان، عبد القدير خان، وصعود شبكات الانتشار" أن شحنة نووية "وصلت ليد تركيا عام 2003".
وزعم المعهد أن "لدى تركيا عددا كبيرا من أجهزة الطرد المركزي، وتملك خبرة كافيه لإقامة مشروع نووي في القريب العاجل".
المصادر
- Turkey is the new Iran
- FAQ: Is Turkey the Next Nuclear Proliferant State?
- Turkey and the Bomb
- Should Israel Attack Turkey’s Nuclear Plant?
- Erdogan says Israel-Iran war near ‘point of no return,’ vows to boost missile production
- Erdogan’s Ambitions Go Beyond Syria. He Says He Wants nuclear weapons.
- A Look Upon Turkey’s Future Nuclear Weapons Policy
- Erdogan’s Nuclear Itch: Why Turkey’s Nuclear Program is a Threat to Regional Stability and the International Nonproliferation Regime
- أردوغان: تركيا تتعرض لضغوط بشأن السلاح النووي