بعمليات نوعية.. المقاومة في الضفة تعود بعد أشهر من محاولات الاقتلاع

خالد كريزم | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

على نحو غير متوقع، عادت العمليات العسكرية في الضفة الغربية إلى الواجهة من جديد بعد شهور من الهدوء النسبي وتصاعد العدوان الإسرائيلي على المدن والقرى والمخيمات.

وتميزت عودة المقاومة في الضفة هذه المرة بتفجير عبوات ناسفة ومحاولات تصنيع صواريخ محلية وإطلاقها، بعد شهور من تقديرات محلية وإسرائيلية بتحييد قوة الفصائل أو القضاء على كتائبها المختلفة.

تطور نوعي

ولأول مرة منذ سنوات، شهدت الضفة الغربية تصعيدا نوعيا تمثل في إطلاق صاروخ محلي الصنع من طراز "قسام" من قرية كفر نعمة غرب رام الله (شمال) قبل منتصف سبتمبر/أيلول 2025.

وبحسب وسائل إعلام عبرية من بينها القناة "آي 24"، قطع الصاروخ مسافة تقدر بنحو 10 كم قبل أن يتفكك ويسقط، ما يجعله سابقة من حيث التقنية ومستوى التصنيع داخل الضفة.

ولا يزال حجم الرأس الحربي للصاروخ قيد الفحص من قبل الجهات الأمنية الإسرائيلية، لكن التقديرات تشير إلى أنه يحتوي على رأس حربي “صغير نسبياً”.

وذكرت القناة أن الصاروخ أطلق قرب قرية كفر نِعْمة (على بُعد نحو 4 كم من مستوطنة موديعين عيلييت)، حيث عثرت أجهزة الأمن الإسرائيلية على منصة الإطلاق.

بعد أيام من إطلاق الصاروخ، أعلن الجيش الإسرائيلي، اعتقال 3 فلسطينيين وسط الضفة الغربية المحتلة، بزعم محاولتهم تصنيع قذائف صاروخية.

وذكر خلال بيان في 19 سبتمبر، أن "قوات الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك) ووحدة اليمام الخاصة اعتقلت في عملية استخبارية موجهة، أعضاء خلية يُشتبه بمحاولتهم إطلاق قذيفة صاروخية من بلدة كفر نعمة".

وبحسب الجيش، عثرت القوات داخل المبنى على "عشرات القذائف الصاروخية والعبوات الناسفة والمواد المتفجرة، إلى جانب أدلة مرتبطة بمحاولة تصنيع وإطلاق قذائف صاروخية"، فضلا عن ضبط "مخرطة لإنتاج القذائف".

وبعدها بأيام، أعلن الجيش في 24 سبتمبر مرة أخرى العثور على صاروخ آخر في طولكرم، قائلا: إن قواته تمشط المنطقة وأن الحدث قيد التحقيق.

وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي: إن “الصواريخ التي عثرنا عليها (في 23 سبتمبر) في طولكرم بدائية لكننا نأخذ الأمر بجدية”.

وأوضح موقع القناة “آي 24” أنه خلافا لما ادعته جهات أمنية، فإن الصاروخ كان يحتوي على محرك، ما قد يشير إلى محاولة لتجهيزه وإطلاقه.

وعلى عكس ما وجد قرب رام الله فإن الصاروخ الجديد لم يُطلق ولم يكن لديه رأس حربي، بل جرى استبداله بثقل آخر، وفق القناة.

ويقدّر مسؤولون أمنيون أن هذا صاروخ تجريبي بهدف تحسين القدرات والتكنولوجيا في تصنيع الصواريخ في الضفة الغربية. 

كذلك، تحدثت القناة عن محاولة لإنشاء صناعة مستقلة وليس فقط تهريب قطع عبر الحدود الشرقية مع الأردن.

وهذه ليست المرة الأولى التي يجرى فيها العثور على صواريخ في الضفة الغربية، إذ تحاول المقاومة منذ سنوات استنساخ تجربة قطاع غزة في إدخال هذا النوع من السلاح.

تزامنا مع ذلك، أعلنت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي عن سلسلة عمليات نفذتها كتيبتا جنين وطولكرم التابعتان لها استهدفتا قوات الاحتلال شمال الضفة.

وذكرت في 26 سبتمبر أن من بين الهجمات، تفجير عبوة ناسفة بجرافة عسكرية إسرائيلية في مخيم نور شمس في طولكرم نفسها، “وتحقيق إصابات مؤكدة”.

وأيضا “إيقاع قوة مشاة إسرائيلية من 5 جنود بكمين مركب (إطلاق نار وتفجير عبوة ناسفة)، أثناء اقتحام قوات الاحتلال بلدة اليامون شمال غربي مدينة جنين”.

كما فجر المقاومون -في الكمين نفسه- عددا من العبوات الناسفة الأرضية المعدة مسبقا، مما أدى لإعطاب آلية عسكرية إسرائيلية من نوع نمر. وأيضا شهدت مدينة طوباس أحداثا مماثلة خلال سبتمبر.

استنساخ الأساليب

ويخشى مسؤولون أمنيون إسرائيليون من أن تكون التجربة الصاروخية الأخيرة إشارة إلى بداية مسار جديد للمقاومين في الضفة، يهدف إلى محاكاة تجربة قطاع غزة في تطوير ترسانة صاروخية محلية، حتى وإن كانت في مراحلها الأولية.

ونقلت القناة 15 الإسرائيلية عن مصدر أمني في 20 سبتمبر قوله: “رصدنا محاولة إطلاق صواريخ وتثبيت عبوات ناسفة على مركبات عسكرية بالضفة”.

وأردف: “رصدنا أخرا انتشار ظاهرة محاكاة للحرب في قطاع غزة بالضفة الغربية”، مضيفا: “المسلحون يتابعون طرق استهداف قواتنا في القطاع ويسعون إلى نسخها”.

وكان لافتا أن عودة المقاومة لتنفيذ العمليات جاءت بعد نحو 250 يوما من بدء الاحتلال عدوانا عسكريا للقضاء لاقتلاعها والقضاء عليها في مخيمات الضفة.

فقد حول الاحتلال مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس شمال الضفة الغربية والتي تتمركز فيها المقاومة، إلى ما يشبه "مدن الأشباح" جراء العدوان العسكري الذي بدأه عليها في يناير/كانون الثاني 2025.

وأحدث جيش الاحتلال تدميرا واسعا للبنية التحتية في المخيمات وشق طرق جديدة على حساب منازل الفلسطينيين، ونفذ عمليات قتل واعتقال نالت عناصر من الفصائل كافة.

ويعتزم الجيش مواصلة انتشاره في المخيمات حتى نهاية العام على الأقل، وفق ما أعلن وزير الجيش يسرائيل كاتس منتصف أغسطس/آب 2025.

وأصبح هذا الاجتياح، الأكبر منذ الانتفاضة الثانية (2000-2005) عندما نفذت قوات الاحتلال عملية الدرع الواقي عام 2002 والتي أسفرت عن عشرات الضحايا، وخلفت دمارا هائلا في البيوت والبنية التحتية.

وبعد نحو 3 شهور على بدء عملية تدمير المخيمات، قال الصحفي عميد شحادة الذي يغطي الأحداث في تلك المنطقة: إن “حالة المقاومة اليوم في جنين وطولكرم والقرى المحيطة بها منعدمة ولا توجد أي اشتباكات مسلحة”.

ونفى شحادة لـ"الاستقلال" وقتها وجود أي أهداف عسكرية من السيطرة على المخيم لأن المقاومة في حالة اختفاء ولا يوجد لديها أنفاق أو معسكرات، مبينا أن ما يجرى عقاب جماعي للمنطقة؛ لأنه كان فيها عدد من المقاومين.

لكن عمليات الفصائل الأخيرة تشير إلى فشل الاحتلال في القضاء عليها، على الرغم من تدمير مخيمات اللاجئين التي لطالما عدها مصدر قلق ورمزا للمقاومة.

ولطالما وصفت الصحف العبرية مخيمات اللاجئين بأنها "قنبلة موقوتة" و"غزة جديدة"، بعد أن فهم المقاومون فيها آليات العمل الإسرائيلية واستنسخوا تجارب القطاع المحاصر.

وغردت الصحفية مايا رحال على إكس بالقول: “إن العمل الفدائي في الضفة يتصاعد مع تخوف الاحتلال من محاكاة عمليات المقاومة بغزة ونقل عدواها وهذا بالتحديد ما يخشاه”.

وقال صحفي من طولكرم لـ"الاستقلال": إن “العودة غير المتوقعة لعمليات المقاومة تؤكد فشل دعاية الاحتلال بربطها الدائم بالمخيمات”.

وأوضح الصحفي الذي رفض الكشف عن اسمه خوفا من الملاحقة الأمنية: “أعمل على تغطية العدوان في مخيمي طولكرم ونور شمس منذ بدايته، لقد انتهت حالة المقاومة هناك بالكامل منذ شهور طويلة”.

وعن تفسيره لعودتها، قال: “القصة بسيطة، تمكن الكثير من المقاومين من الانسحاب والانتشار خارج المخيمات وأعادوا تجميع قواهم وبدأوا تنفيذ عمليات فردية جديدة”.

وأردف: “صحيح أنه كانت هناك اغتيالات واعتقالات واستطاع الاحتلال الوصول لمقاومين مطاردين ومعروفين بالاسم، لكن هذا لم ينه حالة المقاومة".

وذكر أنه "على العكس، فإن انتشار المقاومين في أماكن عديدة خارج المخيمات ربما يصعب الأمر على الجيش الذي لن يعرف مصدر ومكان الخطر القادم”.

الزمن والتكتيك

ويرى الخبير العسكري الإستراتيجي، نضال أبو زيد أن المقاومة وعبر تصعيد حدة العمليات العسكرية حاولت تعويض فارق العتاد بالمقارنة مع قطاع غزة بفارق التكتيك، من خلال التركيز على مثلث جغرافي محدد.

وبين خلال مقابلة متلفزة في 28 سبتمبر، أن هذا المثلث يتمثل في مخيمات جنين وطولكرم والفارعة في طوباس، متوقعا أن تزداد حدة العمليات حتى خارج الضفة الغربية بالانتقال إلى داخل الأراضي المحتلة عام 1948، كما حدث مؤخرا.

وتحدث أيضا عن أهمية العامل الزمني، إذ جاءت العمليات تزامنا مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نهاية سبتمبر أنه “لن يسمح” لإسرائيل بضم الضفة الغربية.

ولفت إلى أن المقاومة تحاول أن ترسل إشارات بأنها ما زالت موجودة وترغم الدول الغربية على المضي قدما في عملية الاعتراف بدولة فلسطين وتحبط مخططات الاحتلال فيما يتعلق بعملية الضم.

وخلال سبتمبر، أعلنت 11 دولة منها بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وكندا ومالطا وأستراليا والبرتغال اعترافها بدولة فلسطين خلال اجتماعات الأمم المتحدة في سبتمبر، ليرتفع بذلك عدد المعترفين إلى 159 من أصل 193 دولة عضو بالأمم المتحدة.

وجاء ذلك في ظل تسارع خطط إسرائيل لضم الضفة عبر إقامة المستوطنات وإنشاء بوابات وحواجز عسكرية جديدة وعزل القرى والمدن الفلسطينية وتقطيع أواصرها.

وبدوره، قال الباحث المتخصص في الشأن العسكري والأمني رامي أبو زبيدة: إن الأحداث الأخيرة تكشف عن تطور نوعي وكمّي في الأداء المقاوم بالضفة الغربية.

ورصد خلال تحليل نشره على قناته في تلغرام عدة شواهد تؤكد ذلك، منها تنوع ساحات العمليات؛ حيث شملت امتدادًا جغرافيًا واسعًا تضمن جنين وطوباس وطولكرم ورام الله (جميعها شمال الضفة الغربية)، ما يدل على انتشار الخلايا النشطة واتساع نطاق الاشتباك.

كما تحدث أبو زبيدة عن الانتقال من الاشتباك المحدود إلى العمليات المركّبة؛ إذ نفذت المقاومة كمائن راجلة ضد قوات مشاة إسرائيلية كما حدث في كمين اليامون ضد قوة من 5 جنود، وأيضا تفجير عبوات موجهة ضد آليات مدرعة (نمر) وجرافات عسكرية.

وأشار الخبير العسكري إلى استخدام المقاومة أيضا تكتيك الكمائن المركّبة والذي يتلخص في استدراج القوة ثم تفجير عبوة مضادة للأفراد بهم.

ورصد أيضا ارتفاع وتيرة العمليات وعدد المحاور، مبينا أنه “خلال عشرة أيام نُفذت أكثر من 15 عملية متنوعة (إطلاق نار كثيف، تفجير عبوات سجيل 2 وشجاع 1، استهداف نقاط عسكرية وحواجز)، بواقع معدل عملية أو أكثر يوميًا في محاور متعددة”.

كما تطرق إلى تطور القدرات الهندسية والتفجيرية، عبر الاستخدام المتكرر لعبوات سجيل 2 الموجّهة والمعدة مسبقًا ضد ناقلات وجرافات الاحتلال ما يُظهر كفاءة هندسية ميدانية عالية واستثمارًا للخبرة القتالية السابقة.

وأخيرا تحدث أبو زبيدة عن عامل الاستمرارية والقدرة على الصمود؛ إذ استمرت الاشتباكات لساعات وأيام في بعض المحاور (اليامون - جنين، طمون - طوباس)، مع تأكيد سرايا القدس على التصدي المستمر وفق ظروف الميدان.

وأكد أن كل هذه المعطيات تعكس قدرة المقاومة في الضفة على إدارة المعركة بالرغم من الحصار والملاحقة الأمنية الإسرائيلية المكثفة.