رفض ترامب محاولات نتنياهو لضم الضفة.. مناورة إعلامية أم عودة للتطبيع؟

إسماعيل يوسف | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رغم تأكيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال لقائه 7 من القادة والمسؤولين العرب والمسلمين، يوم 23 سبتمبر/ أيلول 2025 أنه لن يسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية، إلا أن الواقع يقول عكس ذلك.

فخطة الضم التي قال ترامب: إنها لن تحدث، وذكر مسؤولون عرب أنهم أقنعوا ترامب بعدم قبولها، جارٍ تنفيذها بالفعل على أرض الواقع بلا توقف.

فالحكومة الإسرائيلية الحالية، رفعت منذ اللحظة الأولى لتشكيلها شعارًا واحدًا ينسجم مع أطياف وتنويعات أقصى اليمين المتطرّف، وهو "الاستيطان بلا توقف والسيطرة بلا رقابة".

ووضعت هدفا إستراتيجيا يجرى العمل على تحقيقه من خلال الاستيطان والسيطرة على الأرض، والتمزيق التام للجغرافيا الفلسطينية، وفصل محاورها الأساسية بشكل لا رجعة عنه.

ففي الأسابيع الأخيرة، وافق برلمان الكيان الإسرائيلي وحكومته على الخطة (E1) التي تقسم الضفة نصفين وتبني في وسطها مستوطنات وتعزلها عن القدس.

فهل رفض ترامب الضم محاولة لإنقاذ إسرائيل من نفسها، وانتشال اتفاقات التطبيع، التي يعدها أهم إنجاز له، من الغرق؟

أم أن الأمر مجرد إعلان شكلي، بينما يتغاضى في الواقع عن التهويد والضم الفعلي، خاصة أنه هو من نقل السفارة الأميركية للقدس، وعدها عاصمة لإسرائيل، وهي ضمن الضفة؟

كيف يتم الضم بهدوء؟

تعني خطط ضم الضفة الغربية تطبيق قوانين وسيادة "دولة إسرائيل" فعليا على أجزاء من الأراضي الفلسطينية رغم أنها "محتلة"، وهناك نوعان من الضم:

(الأول)، ضم قانوني (تشريعي)، عبر إصدار قوانين أو قرارات في الكنيست بفرض السيادة الإسرائيلية رسميا على مناطق من الضفة، وهذه الخطوة نفذتها إسرائيل بالفعل عبر سلسلة تشريعات، دون إعلان رسمي بالضم.

و(الثاني)، ضم واقعي أو فعلي، أي تدابير عملية تجعل إسرائيل تسيطر أمنيا وإداريا واقتصاديا على الضفة، وتوسيع المستوطنات، ونقل السيطرة من الجيش إلى وزارات إسرائيلية، وربط بين المستوطنات مثل مشروع "E1"، وهو ما يحدث.

وقالت صحيفة "واشنطن بوست"، في 28 سبتمبر 2025: إن عام 2025 شهد تسارُعا في الضم الواقعي، في صورة: الموافقة على عشرات المستوطنات الجديدة (22 مستوطنة)، وتنفيذ مشاريع ربط (مثل مشروع E1 حول القدس).

وهذه الخطوات تُعد "ضمًّا عمليًا وفعليا" حتى لو لم يتم إعلان الضم الرسمي والتشريعي الكامل.

وقد بدأت تسارع الضم الفعلي في مايو/أيار 2025، وبالتزامن مع مرور 77 عاما على نكبة فلسطين، عبر خطة إسرائيلية مُتدرجة لضم أغلب الضفة الغربية للدولة العبرية، وضعتها حكومة بنيامين نتنياهو التي يهيمن عليها التيار الديني اليهودي المتطرف.

وهدف الخطة المُعلن، وفق صحف إسرائيل، هو فرض السيادة على 60 بالمئة من أراضٍ مُحتلة منذ عام 1967.

ولبدء الضم رسميا، أصدر مجلس الحرب الإسرائيلي في 11 مايو 2025، قرارا يسمح للمستوطنين بتسجيل "حقوق ملكية أراض" في المناطق C (ج) بالضفة الغربية، لأول مرة منذ احتلالها عام 1967، وهي منطقة تُشكل 60 بالمئة من حجم الضفة.

وشرح وزير المالية والأمن المتطرف "بتسلئيل سموتريتش" قرار الكابينت بأنه "مخطط عملي لضم الضفة، في إطار ثورة التطبيع والسيادة الفعلية التي نقودها في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)". وفق قوله.

وجاء التطور الأخطر في عملية الضم، في أغسطس/آب 2025، حين أعلن سموتريتش، التصديق على مخطط استيطاني في منطقة E1 لفصل القدس عن الضفة الغربية، وجعل قيام دولة فلسطينية مستحيلا.

إذ إن مشروع " E1"، هو مخطط استيطاني يهدف إلى ربط القدس بعدد من المستوطنات الإسرائيلية شرقها، مثل معاليه أدوميم، من خلال مصادرة أراضٍ فلسطينية في المنطقة وإنشاء مستوطنات جديدة.

ويتضمن وصل مستوطنة "معاليه أدوميم"، الواقعة بين القدس وأريحا بـ 3401 وحدة استيطانية جديدة ستؤدي لقطع التواصل الجغرافي الفلسطيني، بين رام الله وبيت لحم.

وقد أقرت حكومة إسرائيل بشكل نهائي، يوم 20 أغسطس، الخطة التي تشمل بناء 3412 وحدة سكنية استيطانية في المنطقة E1، وبناء هذا الفاصل بين شمال وجنوب الضفة، بما يُمكنها، من وأد أي خطط لدولة فلسطينية، وفق صحيفة هآرتس.

وقد وقع نتنياهو، في 11 سبتمبر، على الخطة الاستيطانية "E1"، وتعمد توقيعها في مستوطنة "معاليه أدوميم" ليعلن أنها "ضربة قاضية لفكرة قيام الدولة الفلسطينية".

وبحسب تقرير نشرته منظمتا "كيريم نافوت" و"السلام الآن"، تسيطر البؤر الاستيطانية حتى الآن على ما يقرب من 786 ألف دونم، وهو ما يعادل نحو 14 بالمئة من مساحة الضفة الغربية.

وبموجب مشروع E1 سيضع الاحتلال يده فعليا على 60 بالمئة من أراضي الضفة، حال اكتمال المشروع. 

وتقع منطقة E1 على مساحة 12 كيلومترا مربعا وتتبع إداريا لمستوطنة "معاليه أدوميم"، وتمتد شمالها وغربها، ورغم أن خطط البناء فيها مطروحة منذ حكومة رابين، فإن تنفيذها تأجل مرارا لأسباب سياسية منذ عام 2005.

وتنفيذها عبر بناء فاصل استيطاني، يخلق تواصلا استيطانيا يمتد من وسط الضفة الغربية، وصولا إلى القدس المحتلة، سوف يعني عزل القدس والمسجد الأقصى، وإلغاء أي احتمال لجعل القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية.

وحتى مايو 2025، بلغ عدد المستوطنات والبؤر والقواعد العسكرية في الضفة 551 موقعًا، يعيش فيها أكثر من 770 ألف مستوطن، نصفهم تقريبا في محافظة القدس. وفق "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني".

وعود بلا طحن

ويوم 23 سبتمبر، وعد الرئيس ترامب الزعماء العرب والمسلمين خلال اجتماعه بهم بأنه لن يسمح لنتنياهو بضم الضفة الغربية، وكان حازما في هذا الموضوع، بحسب 6 مصادر.

المصادر الستة التي تحدثت لموقع "بوليتيكو" الأميركي، أكدت، في 24 سبتمبر، أن ترامب وعد بأن "إسرائيل لن يُسمح لها بالاستيلاء على الضفة الغربية التي تحكمها السلطة الفلسطينية وليس حماس".

ثم أكد ترامب للصحفيين في البيت الأبيض، 25 سبتمبر 2025: "لن أسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية، لن أسمح بذلك، لن يحدث ذلك".

وأكد أنه تحدث مع نتنياهو بشأن هذا الموضوع، "لكنني لن أسمح بذلك، سواء تحدثت معه نتنياهو، أم لا".

وجاء هذا بعدما سعى القادة العرب إلى إقناع الرئيس الأميركي بأن أي توغل إسرائيلي في الضفة الغربية سيؤدي إلى انهيار اتفاقيات إبراهيم، وفق الموقع.

ويشير تحليل لصحيفة "الغارديان" البريطانية، في 26 سبتمبر، إلى أن قبول ترامب فكرة رفض ضم الضفة لإسرائيل راجع لسعيه لتقديم خطة "سلام" شاملة للمنطقة لإنهاء الإبادة المستمرة منذ عامين في غزة.

وأنه أجهض بذلك نية نتنياهو الرد على اعتراف 5 دول غربية بفلسطين كدولة بخطة الضم الرسمية، وذلك رغم أن المستوطنات الإسرائيلية آخذه في التوسع، ما يهدد إمكانية إقامة دولة فلسطينية ويثير مخاوف دولية واسعة.

وقال مسؤول إسرائيلي كبير لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، 26 سبتمبر 2025: إن إدارة ترامب حذرت إسرائيل بشكل خاص من ضم الضفة الغربية ردًا على القرارات الأخيرة التي اتخذتها الدول الغربية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.

مع هذا أكد "مصدر سياسي إسرائيلي كبير"، لوسائل الإعلام الأميركية، 27 سبتمبر 2025، أن نتنياهو ينوي إثارة قضية السيادة على الضفة الغربية مع الرئيس ترامب، على الرغم من معارضة الأخير المعلنة لهذه الخطوة، وفق صحيفة "جيروزاليم بوست".

وانتقد محللون أميركيون موقف ترامب المتقلب بين دعم تقليدي لإسرائيل وسياسات ناعمة لدرء أزمة إقليمية، مشيرين إلى أنه يتحدث ضد الضم علنا خوفًا من ردود الفعل العربية والأوروبية.

لكن عمليًا هو لا يمنع "الضم الواقعي" الذي تُنفذه الحكومة الإسرائيلية عبر الممارسات الإدارية والاستيطان.

وبرغم أن ترامب هو من أوقف الضم، وفق إعلانه، فقد سعت الإمارات لتبرير حضورها خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة، ثم لقاء وزير خارجيته عبد الله بن زايد له في نيويورك بأنه لـ "إسقاط" ضم الضفة الغربية.

وزعم أنور قرقاش مستشار رئيس الإمارات أن "موضوع ضم الضفة تم إسقاطه" عقب اللقاء الذي تم بين نتنياهو ووزير خارجية الإمارات في نيويورك.

أما سبب إقناع القادة العرب لترامب، أو إقناع "ابن زايد" لنتنياهو، فهو، في الحالتين، التهديد بانهيار اتفاقيات أبراهام لو ضمت إسرائيل الضفة الغربية.

لكن المشكلة ليست في إعلان وقف الضم رسميا، بينما إسرائيل، "بالأفعال لا الأقوال"، كما قال وزير المالية سموتريتش، تفصل شمال الضفة المحتلة عن جنوبها، وتقضي بالتالي على أي احتمال لإقامة دولة فلسطينية مستقبلية.

ويقلل المحلل الإسرائيلي، في صحيفة "إسرائيل هيوم" اليمينية المتطرفة، في 27 سبتمبر، " إيال زيسر"، من أهمية ما قاله ترامب عن رفض ضم الضفة، مشيرا لأن إسرائيل ضمت القدس ونقلت عاصمتها لها ولم يحدث شيء.

وأوضح أن الدولة الفلسطينية لم تقم، رغم اعتراف 147 دولة بها (أصبحوا 152 من 193 دولة)، ليس فقط لأن إسرائيل تسيطر فعلياً على الأرض، بل أيضاً بسبب الفشل المستمر للسلطة الفلسطينية في إقامة مؤسسات حُكم فعالة.

وكانت صحيفة “معاريف”، أكدت في أغسطس إصدار نتنياهو تعليمات لوزرائه بعدم التحدث عن سعي تل أبيب لفرض السيادة على الضفة الغربية، و"التكتم" على الأمر، خشية إحراج ترامب مع العرب وتراجعه عن دعم هذه الخطوة.

إحراج الأنظمة العربية

أيضا نقل موقع "أكسيوس"، في أغسطس، عن المبعوث الأميركي ويتكوف تحذيره من أن ضم الضفة سيعرقل أمرين:

(الأول): تعاون العرب مع إسرائيل وواشنطن، ويعرقل اتفاقيات أبراهام ويحرج القادة العرب المطبعين أمام شعوبهم 

(الثاني) أن ضم الضفة الغربية لإسرائيل سيعيق قدرة واشنطن على العمل مع الدول العربية بشأن خطة ما بعد الإبادة الجماعية الإسرائيلية في  غزة.

فبحسب ثلاث منظمات إسرائيلية رافضة للمخطط، هي "سلام الآن"، و"عير عاميم"، و"الجمعية من أجل العدالة البيئية"، تعد منطقة E1، بمثابة احتياطي الأرض الوحيد للفلسطينيين الواقع في قلب ثلاث مدن رئيسة في الضفة الغربية، هي رام الله، والقدس الشرقية، وبيت لحم، والتي يعيش فيها نحو مليون فلسطيني.

وبحسب الخارجية الفلسطينية، سيؤدي ذلك إلى عزل القدس تماما من الجهات الأربع عن محيطها الفلسطيني، وإغراقها في تجمعات ومدن استيطانية ضخمة ترتبط بالعمق الإسرائيلي.

ويحذر الباحث "أمير داوود"، من هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، من "التحولات في المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية بعد 7 أكتوبر 2023، ودورها في خلق واقع جديد يسرع عملية الضم الزاحف، وفرض السيادة الإسرائيلية.

تناول في دراسة بمجلة "دراسات فلسطينية"، خريف 2025، كيفية استغلال دولة الاحتلال لستار الحرب وغبار الإبادة الجماعية في قطاع غزة واستعمال الحرب كآلية لتسريع وتائر مخططات كانت مقررة ومخبأة في الجوارير، للضفة.

أمير داوود أوضح أن ماكينة الاستيطان الاستعماري اخترعت وسرعت إجراءات موازية تم اتخاذها بحجة الحرب والإجراءات الأمنية، من أجل فرض أمر واقع، وإحداث جملة من التغييرات الجيوسياسية العميقة على الأرض الفلسطينية.

قال: إن أولى هذه التحولات الجذرية، التي سرعت الضم، بعد تشكيل حكومة نتنياهو، هي إزاحة وزارة الجيش عن موضوع التخطيط ومنحه بشكل كامل لسموتريتش كوزير مسؤول عن إدارة الاستيطان في وزارة الجيش".

وقام هذا الأخير، بتحولات وتغييرات على المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية مهد لضمها، وتسارعت بعد طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر؛ إذ أصبح هو المسؤول الأول عن الإدارة المدنية في الضفة، ولم تعد إجراءات الضم تتطلب موافقة الحكومة ووزير الجيش، وبمجرد أن يقرر سموتريتش خطط البناء في مستعمرات الضفة الغربية، تذهب الخطط للتنفيذ.

وضمن هذه الإجراءات تمت محاصرة النمو الطبيعي وتفريغ الجغرافيا من البناء الفلسطيني بحجج عدم الترخيص والحفاظ على بناء المستوطنين، وتحديدًا البؤر الاستيطانية المنشأة.

ويشير الباحث الفلسطيني "داوود" إلى أن مجموعة القوانين التي قُدمت للكنيست بهذا الخصوص تستهدف تمكين الاستيطان والضم.

مثل مشروع قانون "تمكين المستوطنين من شراء الأراضي والعقارات في الضفة الغربية"، وقانون "استبدال تسمية الضفة الغربية بيهودا والسامرة"، وقانون "توسيع سلطة الجليل والنقب لتشمل مستوطنات جنوب الضفة الغربية"، وكلها تهدف إلى إحداث تغيير جوهري في وضعية الضفة الغربية.