حادثة الروشة.. كيف أظهرت قدرة "حزب الله" على الحشد ضد الحكومة؟

"حزب الله لا يرى نفسه ملزما بأي عهد أو تفاهم إلا بقدر ما يخدم أهدافه"
بعد عام على تلقيه أقسى ضربة منذ عقود، أظهر حزب الله اللبناني أنّ قاعدته الشعبية ما زالت متماسكة وقادرة على تحدي قرارات الحكومة، بل وتحويل الضغوط السياسية إلى فرصة لاستعراض النفوذ والتأثير في الشارع.
فقد شارك الآلاف من مناصري الحزب في تجمّع أمام صخرة الروشة ببيروت في 25 سبتمبر/تشرين الأول 2025 لإحياء الذكرى السنوية الأولى لمقتل الأمين العام السابق له حسن نصرالله وقادة آخرين بغارات إسرائيلية، في خطوة أغضبت الحكومة.
وتخلّل الفعالية إضاءة الصخرة الأيقونية بصورة نصر الله وخلفه في المنصب الراحل أيضا هاشم صفي الدين وبثّت مقتطفات من كلمات سابقة للأول.

شعبية حزب الله
وشكلت هذه الخطوة إشارة إلى أن حضور الحزب يتجاوز كونه قوة عسكرية إلى لاعب رئيس بالمعادلة الداخلية، وجاءت على الرغم من رفض السلطات لها.
وقتل نصرالله عن 64 عاما بضربة إسرائيلية استخدمت فيها أطنان من المتفجرات على مقرّه الواقع تحت الأرض في منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل الحزب، في 27 سبتمبر 2024، كما قتل خلفه هاشم صفي الدين بضربة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية أيضا بعد أيام.
وقُتِل في المواجهة الأخيرة مع إسرائيل قرابة 80 بالمئة من قيادات حزب الله عبر عمليات اغتيال مباشرة من قبل إسرائيل في أماكن وجودهم بلبنان.
وندّد رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، بإضاءة الصخرة، ويرى أن ذلك "يشكل مخالفة صريحة لمضمون الموافقة المعطاة من قبل محافظ مدينة بيروت لمنظّمي التحرك الذي على أساسه صدر الإذن بالتجمع".
وقال: إن الموافقة نصّت "بوضوح على عدم إنارة صخرة الروشة مطلقا لا من البر ولا من البحر أو من الجو وعدم بث أي صور ضوئية عليها".
وعدّ سلام أن ما حصل "يشكل انقلابا على الالتزامات الصريحة للجهة المنظمة وداعميها وسقطة جديدة لها تنعكس سلبًا على مصداقيتها في التعاطي مع منطق الدولة ومؤسساتها".
وطلب من وزراء الدفاع والداخلية والعدل "اتخاذ الإجراءات المناسبة بما فيه توقيف الفاعلين وإحالتهم على التحقيق لينالوا جزاءهم إنفاذا للقوانين".
وكان سلام أصدر تعميمًا طلب فيه من الإدارات العامة التشدد بمنع استعمال الأملاك العامة والأثرية "قبل الاستحصال على التراخيص والأذونات اللازمة".
وشكل توافد الآلاف من أنصار الحزب رافعين أعلامه وصور نصرالله وصفي الدين، على وقع أناشيد حزبية، دلالة كبيرة على عدم استجابته لقرارات الحكومة.
لا سيما أن بعض المشاركين وصلوا من البحر على متن مراكب صغيرة رفعت عليها أعلام حزب الله. كذلك ظهر مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا بعد طول احتجاب، في الروشة.
إذ تولّى الإعلان عن تحدي قرار الدولة القاضي بمنع إضاءة صخرة الروشة بصورتي الأمينين العامين السابقين لحزب الله حسن نصر الله وهاشم صفي الدين.
وجاءت مناكفة الحزب للحكومة في وقت وضع فيه الجيش اللبناني مطلع سبتمبر 2025 خطة لسحب سلاح الأول تتكون من خمس مراحل.
إلا أن الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم كرر في أكثر من موقف رفضه التخلي عن السلاح ولو اضطر الحزب لما سماه "مواجهة كربلائية".
كما رأى حزب الله أن الحكومة ارتكبت "خطيئة كبرى باتخاذ قرار يجرد لبنان من سلاح مقاومة" إسرائيل، مؤكدا أنه سيتعامل مع القرار وكأنه غير موجود.

"رهان خاسر"
وأمام ذلك، لم يقف حزب الله مكتوف الأيدي بانتظار بدء تطبيق الخطة الحكومية بسحب سلاحه.
إذ يؤكد المراقبون أنه بدأ تحركات استباقية عبر أساليب الضغط الشعبية من أنصاره، وكل ذلك بهدف إسقاط القرار الحكومي بسحب سلاحه.
إذ يعد لجوء حزب الله إلى التظاهر والعصيان المدني وقطع الطرقات من الخيارات الميدانية المتوقعة التي يتخوف منها الجيش اللبناني.
ولهذا فإن حادثة صخرة الروشة شكلت استفزازا لشريحة واسعة من اللبنانيين، كما كشفت مدى قدرة حزب الله على تحريك أنصاره خدمة لأجنداته السياسية.
وضمن هذا السياق يشير الكاتب والباحث السياسي اللبناني أسعد بشارة لـ"الاستقلال" إلى أن "إضاءة صخرة الروشة بصورة نصرالله يعد ضربة للدولة اللبنانية داخليا وخارجيا".
وأضاف أن "خطوة الحزب تشير إلى عدم وجود دولة في لبنان وأن فائض القوة يمارس في البلاد من قبله بالطريقة التي كان يمارسها في السابق".
ولفت بشارة إلى أن "خرق حزب الله لقوانين الحكومة يعني أنه يريد أن يقول: إن الفضاء العام في لبنان ملك له، خاصة أنه تقصد الاحتفال في بيئة غير مؤيدة للحزب".
واستدرك: “كيف للدولة أن تنفذ قرار حصر السلاح بيدها إذا كانت غير قادة على منع استخدام صخرة الروشة في مناسبة حزبية.. هذا ما يحاول أن يظهره الحزب؟”
وذهب بشارة للقول "ما جرى عند صخرة الروشة أثبت مجددا أن أي رهان على التزام حزب الله باتفاقات مع الدولة هو خاسر، فالحزب لا يرى نفسه ملزما بأي عهد أو تفاهم إلا بقدر ما يخدم أهدافه".

"سردية حزب الله"
ووصفت وسائل إعلام لبنانية فعالية حزب الله عند صخرة روشة بأنها “ضرب لصورة الدولة اللبنانية أمام المجتمع الدولي”.
فقد جاءت في وقت كان فيه رئيس الجمهورية جوزيف عون يحاول تسويق صورة بلد ينهض من أزماته، ويلتزم بالشرعية والقرارات الدولية، لا سيما قرار 1701 (قرار أممي اعتمد بالإجماع عام 2006 بهدف وقف القتال بين حزب الله وإسرائيل) واتفاق وقف إطلاق النار.
إذ لم تكن إضاءة صخرة الروشة مجرّد مبادرة رمزية، وإنما تحولت سريعا إلى ساحة اختبار لمدى قدرة الدولة على فرض هيبتها في مواجهة نفوذ حزب الله الذي قيل إنه تراجع عقب المواجهة الأخيرة مع إسرائيل.
لكن في الداخل كان الأمر إشارة “لتقزيم هيبة مؤسسات الدولة، واختبار سافر لقدرتها على تنفيذ أي التزام دولي”، وفق ما يقول الكاتب اللبناني طوني عطية.
وأضاف عطية في مقال رأي له قائلا: "بهذا السلوك الاستفزازي، صدّق وفيق صفا على كلام المبعوث الأميركي إلى سوريا توم براك، عندما قال: إن كل ما يفعله لبنان هو الكلام ولم يحدث أي عمل فعلي، وأنه يخشى نزع سلاح حزب الله لوجود اعتقاد بأن ذلك سيؤدي إلى حرب أهلية".
وراح يقول: “من جهة أخرى، بات واضحا أن القوى الشرعية ترتبك أمام سردية حزب الله حول السلم الأهلي، التي يشهرها كذريعة تحمي سلاحه الذي لم يحمِه في وجه إسرائيل، ملوحا بالانفجار الداخلي لإسكات الدولة”.
وأردف أن “فعالية الروشة لم تكن مجرّد عرض ضوئي، بل استعراض فجّ لانهيار الدولة، وعجزها عن تنفيذ قرار إداري بسيط. فكيف ستتجرّأ على القرار الكبير: نزع السلاح؟”
وحزب الله اللبناني له تاريخ طويل في رمي قرارات الدولة خلف ظهره، أو الانقلاب عليها.
ففي عهد الرئيس ميشال سليمان (2008–2014) وفي فترة الحوار معه، توصل حزب الله وفي ظل قيادة حسن نصرالله إلى تفاهم حول حيادية لبنان سُمي حينها النأي بالنفس عما كان يدور في سوريا عقب اندلاع الثورة عام 2011.
فوافق الرئيس ووقع على التفاهم، وبعد فترة قليلة خرج رئيس كتلة حزب الله محمد رعد ليقول "بلّوا واشربوا ميّته"؛ حيث تدخل الحزب عسكريا إلى جانب قوات رئيس النظام السوري البائد بشار الأسد والمليشيات الإيرانية آنذاك.
كذلك في فترة حرب العام 2006، وفي ظل مشاركته بحكومة فؤاد السنيورة، وافق الحزب وبقوة على القرار 1701، وبعد أن استرد عافيته انقلب على القرار وعاد للعمل داخل مناطق الجنوب حتى بالقرب من الحدود الدولية.
وبدأ وقتها حفر الأنفاق والمواقع القريبة من الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين المحتلة، وبذلك انقلب على القرار الأممي المذكور.