ميشيل عيسى.. سفير أميركا في لبنان لصناعة التسويات الصعبة بين واشنطن وحزب الله

"جاء تعيين عيسى بدفع مباشر من الرئيس الأميركي ترامب"
يعود ميشيل عيسى إلى لبنان بعد غربة طويلة، لكن هذه المرة بصفته السفير الجديد للولايات المتحدة في بيروت خلفا لليزا جونسون.
وعلى الرغم من أنه لا يستخدم اللغة العربية في المناسبات الرسمية، فإن ميشيل، البالغ من العمر سبعين عاما، يتحدثها بطلاقة إلى جانب إتقانه اللغة الفرنسية، الأمر الذي يعزّز قدرته على التواصل مع مختلف الجهات اللبنانية والأوروبية.
وفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر منصّة "تروث سوشيال" أنه وقّع سلسلة قرارات، من بينها تعيين سفير أميركي جديد لدى لبنان خلفا للسفيرة ليز جونسون، مقدّما ميشيل عيسى بوصفه "رجل أعمال بارزًا وخبيرًا ماليًا وقائدًا يتمتّع بمسيرة مهنية متميّزة في مجال الخدمات المصرفية وريادة الأعمال والتجارة الدولية".
وذكرت وسائل إعلام لبنانية أن السفير الأميركي الجديد ميشيل عيسى سيصل إلى بيروت في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، على أن يلتقي الرؤساء الثلاثة (رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب) في السابع عشر من الشهر ذاته.

النشأة والتكوين
وُلد ميشيل عيسى في بلدة بسوس (قضاء بعبدا) عام 1950، قبل أن ينتقل إلى باريس لدراسة الاقتصاد، ثم إلى الولايات المتحدة؛ حيث بنى مسيرة مهنية طويلة في القطاع المصرفي وريادة الأعمال.
وبحسب سيرته المهنية المنشورة على منصة "لينكد إن"، فإن عيسى، المقيم في نيويورك، درس الاقتصاد في جامعة باريس العاشرة، ثم عمل في اتحاد البنوك العربية والفرنسية، وبنك "تشيس مانهاتن"، و"إندوسويس"، و"كريدي أغريكول". وهو متزوج من لبنانية وأب لولدين، ويعود اليوم إلى بلده الأم في واحدة من أكثر المراحل حساسية في تاريخه.
شغل عيسى خلال مسيرته مناصب قيادية بارزة، من بينها الرئيس التنفيذي لمجموعة "نيوتن للاستثمار" (2011 – حتى الآن)، ونائب الرئيس ونائب أمين الصندوق في "كريدي أغريكول إندوسويز" (1985 – 1997)، ومتداول للعملات الأجنبية وسوق المال بين عامي (1978– 1982). وقد أكسبته هذه الخبرات سمعة قوية في إدارة الأزمات وإعادة هيكلة المؤسسات المالية.
وفي عام 1999، اتجه نحو قطاع السيارات، فاستحوذ على وكالات "بورشه" و"أودي" و"فولكسفاغن" في الولايات المتحدة، ليصبح لاحقا أحد أبرز المتخصصين في إعادة الهيكلة وإدارة الديون بمليارات الدولارات. وبلغت مبيعات مجموعته حدّ 35 مليون دولار سنويا، قبل أن يُقسم الوكالات إلى ثلاثة كيانات مستقلة ويبيعها عام 2010.
يحمل عيسى أيضا صفة محاسب قانوني معتمد ووصي إفلاس، ودرّس في عدد من كليات إدارة الأعمال.
وتخلى السفير الجديد أخيرا عن جنسيته اللبنانية التزامًا بالأصول الدبلوماسية الأميركية التي تشترط ولاء السفير الكامل للدولة الموفِدة، وتجنبا لأي تضارب محتمل في المصالح.
وكانت سفيرة الولايات المتحدة السابقة في بيروت، ليزا جونسون، قد عُيّنت بقرار من مجلس الشيوخ الأميركي في 14 ديسمبر/كانون الأول 2023، وتولت مهامها مطلع 2024 خلفا لدوروثي شيا.
اليوم، يعود ميشيل عيسى من التقاعد ليتولى منصبه سفيرا لواشنطن في بيروت، في توقيت سياسي دقيق يتصدره ملف سلاح حزب الله ومستقبل المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل. ويرى مراقبون أن واشنطن تراهن على خبرته المالية وقدرته على إدارة التوازنات المعقدة في لبنان.
وتشير مصادر سياسية في بيروت إلى أن رئيس الجمهورية اللبناني، جوزيف عون، يعوّل على دور عيسى في الوساطات الدولية، خصوصًا المتصلة بترتيبات الحدود الجنوبية والضمانات الأمنية التي تبحثها واشنطن مع إسرائيل وحزب الله.
وبدخوله إلى المشهد اللبناني، يُتوقع أن يعيد السفير الجديد خلط الأوراق داخليا وخارجيا، في ظل التوترات الإقليمية وتداخل الملفات المالية والسياسية والأمنية التي طالما جعلت من لبنان أحد أعقد مسارح الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط.

إلى قلب الدبلوماسية
جاء تعيين ميشيل عيسى سفيرا للولايات المتحدة في لبنان بقرار مباشر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي رأى فيه نموذجًا قياديًا ناجحًا، خصوصًا أنه يجمعه به شغف مشترك بلعبة الغولف إلى جانب علاقات مهنية ومالية ممتدة.
ونال عيسى ثقة مجلس الشيوخ الأميركي بعد مواقف واضحة رأى فيها أن نزع سلاح حزب الله "ضرورة لا خيارًا" لحماية الاستقرار في لبنان، وهو خطاب يتقاطع مع السياسة الأميركية المعلنة تجاه بيروت في السنوات الأخيرة.
وفي تصريحات أدلى بها في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، قال السفير الأميركي المعيّن: إن توليه المنصب يمثّل "مهمة مهنية ومغامرة شخصية"، في إشارة إلى عودته إلى بلد ولادته بعد غياب طويل، وفي توقيت تعمل فيه واشنطن على بلورة إستراتيجية جديدة للمنطقة.
وتشير معلومات دبلوماسية إلى أن عيسى هو من طلب بنفسه من ترامب أن يكون سفيرًا في بيروت، خلال لقاء جمعهما في إحدى جولات الغولف. ورغم تحذيرات الرئيس من حساسية المرحلة وتشابك الملفات اللبنانية، أصرّ عيسى على خوض ما وصفه لاحقًا بـ"التحدي الأصعب في مسيرته".
وبحسب مصادر مطّلعة، فإن الملف اللبناني سيكون متابعة مباشرة من السفير الجديد، مع تنسيق وثيق مع وزارة الخارجية والبيت الأبيض، في ظل ثقة كبيرة يضعها ترامب في عيسى المعروف بمقارباته الحادة تجاه النفوذ الإيراني في لبنان.
وكان عيسى قد التقى عددًا من المسؤولين اللبنانيين في السفارة اللبنانية بواشنطن على هامش اجتماعات صندوق النقد الدولي في 17 أكتوبر 2025، وقال يومها: "أعرف بعضكم، وأتطلع إلى معرفة الجميع"، في إشارة إلى رغبته في بناء شبكة علاقات سياسية واسعة.
وفي رسالة إلى الجالية اللبنانية في الولايات المتحدة بتاريخ 25 أكتوبر 2025، شدّد عيسى على أن مستقبل لبنان يكمن في "التعافي والاستقلال والوحدة"، محذرًا من أن "صبر المجتمع الدولي ليس بلا حدود"، ومؤكدًا ضرورة دعم الجيش اللبناني والمؤسسات الرسمية.
ورغم افتقاره إلى تجربة سياسية تقليدية، يتوقع مراقبون أن يوسّع السفير الجديد دائرة النفوذ الدبلوماسي الأميركي في لبنان، بما يضع حدًا لحالة الازدواجية السابقة التي برزت بين أدوار السفارة وعدد من الموفدين الأميركيين، وبينهم توماس باراك ومورغان أورتاغوس.

مهمة صعبة
يدخل ميشيل عيسى بيروت في واحدة من أعقد اللحظات السياسية والاقتصادية التي يشهدها لبنان، خصوصًا بعد الحرب المدمرة بين إسرائيل وحزب الله، وما خلّفته من دمار واسع وتراجع إضافي في قدرة الدولة على إدارة التحديات.
وتضعه واشنطن أمام مهمة شديدة الحساسية، عنوانها الأبرز: ملف سلاح حزب الله، الذي ما يزال يشكّل محور الانقسام الداخلي، في ظل تمسّك الحزب بسلاحه شمال نهر الليطاني إلى حين انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة في الجنوب.
وكشفت مصادر دبلوماسية لصحيفة "الأنباء" اللبنانية أنّ السفير الجديد، اللبناني الأصل والمقرّب من ترامب، "يمتلك مفاتيح عدد من الملفات الحيوية بشكل أكثر فاعلية"، نظرا لخبرته المالية واتصالاته الدولية.
وأضافت المصادر أن "لبنان لا يمكن أن يُترك لمصيره مهما بلغت صعوبة الحلول"، وترى أن أي فشل في استكمال التحولات الإقليمية، من سوريا إلى غزة، ستكون له تداعيات معاكسة على الداخل اللبناني.
وتشير القراءة السياسية إلى أن تعدد الوفود الأميركية إلى بيروت أخيرا يعكس مقاربة أكثر حذرا، تقوم على الضغط السياسي دون الانزلاق إلى التخلي عن لبنان، مع التشديد على دعم المؤسسات الرسمية وتهيئة ظروف إعادة الإعمار وعودة السكان إلى المناطق المنكوبة.
وتحذّر مصادر سياسية من أن الاكتفاء بالتحذيرات الدولية دون تقديم دعم فعلي للحكومة يضعف موقع الدولة اللبنانية، خصوصا في ظل الانهيار الاقتصادي والتحديات الاجتماعية الناتجة عن الحرب، ما يستدعي مقاربة أكثر واقعية من الأطراف الدولية، وفي مقدمتها واشنطن.















