ديفيد زيني من أصول جزائرية وخلفية دينية متشددة.. من رئيس الشاباك الجديد؟

ينحدر زيني من بيئة عائلية ذات خلفية دينية متجذرة أصولها جزائرية
كتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صفحة جديدة في تاريخ جهاز الأمن العام "الشاباك" بتعيينه شخصية من اختياره، في خطوة أشعلت الجدل داخل تل أبيب.
وأصبح الجنرال العسكري ديفيد زيني رئيسا لجهاز الأمن الداخلي في إسرائيل المعروف باسم "الشاباك"، خلفا لـ "رونين بار" الذي قدَّم استقالته بعد تصاعد الخلاف بينه وبين نتنياهو بسبب الإخفاق في التصدي لهجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وأعلن مكتب نتنياهو أن اللجنة المكلفة بتعيين الموظفين الكبار "غرونيس" صدقت في 25 سبتمبر/أيلول 2025، على تعيين ديفيد زيني على رأس جهاز الشاباك، والذي اقترحه رئيس الوزراء منذ مايو/أيار من نفس العام.
وبعد هذا الإقرار، كان يفترض أن تقر الحكومة التعيين خلال اجتماع في 28 سبتمبر فيما لم يصدر أي جديد بشأن الأمر مع وجود نتنياهو في واشنطن. لكن يبدو الأمر وكأنه محسوم فعليا في ظل إجماع أعضاء الائتلاف على رئيس الجهاز الجديد.
والشاباك مَعنِيّ بالأمن والتهديدات التي تستهدف تل أبيب من الداخل ويعد واحدا من ثلاثة أجهزة استخبارية في إسرائيل. والاثنان الآخران هما جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان"، والاستخبارات الخارجية "الموساد".

خلفية عسكرية دينية
ولد اللواء في الجيش الإسرائيلي ديفيد زيني في القدس عام 1974، لأسرة ذات أصول جزائرية، لكنه نشأ وتلقى تعليمه في أسدود.
ينحدر من بيئة عائلية ذات خلفية دينية متجذرة، فهو حفيد الحاخام مائير زيني، أحد أشهر الشخصيات لدى يهود الجزائر.
كما أنه واحد بين عشرة أبناء للحاخام "يوسف وبنينا زيني"، الذي كان مسؤولا عن المنطقة "د" في أسدود، وعمه أيضا حاخام يدعى "إلياهو رحاميم زيني".
نشأ زيني بصفته الابن البكر في هذه العائلة الكبيرة ودرس في شبابه بالمؤسسات التعليمية الدينية التوراتية، والتي شكلت محطته الأولى للالتحاق بالجيش.
يعيش حاليا في مستوطنة "كيشت" في مرتفعات الجولان، وهو متزوج ولديه 11 طفلا ويحمل درجة البكالوريوس في التربية، والماجستير في الأمن القومي والإدارة العامة.
تشمل المسيرة العسكرية لزيني سلسلة طويلة من المناصب القيادية القتالية، تخللها مشاركته في الحروب على قطاع غزة ولبنان.
انضم إلى هيئة الأركان بالجيش عام 1992، وأصبح فيما بعد قائدا للسرية الثالثة من الكتيبة 12 في لواء جولاني، والتي قادها في معارك جنوب لبنان.
وفي وقت لاحق، تولى قيادة السرية الأولى في وحدة إيجوز، وفي عام 2006 جرى تعيينه قائدا للكتيبة 51. وفي صيف عام 2007، قاد الكتيبة في نشاط عملياتي في قطاع غزة استمر حتى فبراير/شباط 2008.
في أعقاب هذا النشاط حصلت الكتيبة على ميدالية الوحدة من قائد القيادة الجنوبية في حينه، يوآف غالانت (وزير الجيش السابق).
عين عام 2008 قائدا لوحدة إيجوز وقادها في عملية الرصاص المصبوب التي أطلقت عليها حركة المقاومة الإسلامية حماس اسم “حرب الفرقان” واستمرت 21 يوما.
وفي عام 2011 جرت ترقيته إلى رتبة عقيد وتولى قيادة لواء ألكسندروني، وذلك خلال عملية الجرف الصامد عام 2014 التي أطلقت عليها حركة حماس اسم “العصف المأكول” واستمرت 51 يوما.
وبعد إصابة قائد لواء جولاني وقتها غسان عليان في هذه المواجهة، جرى تعيين زيني مؤقتا خلفا له وقاد اللواء في معركة الشجاعية شرق مدينة غزة.
وفي عام 2015، أسس زيني لواء الكوماندوز "عوز" وكان قائده الأول. وفي عام 2018 تمت ترقيته إلى رتبة عميد وتعيينه قائدا لتشكيل "عيدان".
عام 2020، جرى تعيينه قائدا للمركز الوطني للتدريب البري، وهو المنصب الذي شغله حتى عام 2022.
وفي يونيو/حزيران 2023، جرت ترقيته إلى رتبة جنرال وتعيينه في مهامه الحالية، قائدا لقيادة التدريب والتأهيل في الجيش وقيادة الفيلق التابع لهيئة الأركان العامة، قبل أن يحال للتقاعد من المؤسسة العسكرية بعد تعيينه في منصب رئيس الشاباك.

جدل ورفض
وأثار تعيين ديفيد زيني جدلا ورفضا وانتقادات في إسرائيل، نظرا لعدة أسباب أولها أنه من خارج الجهاز ولا يحظى بخبرة لإدارة الشاباك.
وأيضا بسبب علاقته الوثيقة بنتنياهو والتي تهدد عمل واستقلالية الشاباك وتوجهاته، وأخيرا تصريحاته وعائلته الهجومية ضد المحكمة العليا.
فقد قال الجنرال المعين خلال مناقشات خاصة مع كبار مسؤولي الأمن السابقين: إن “النظام القضائي ديكتاتوري يحكم دولة إسرائيل”.
وشملت التعليقات تصريحات لوالد زيني، الحاخام يوسف، الذي سُمع وهو يقول إنه يأمل أن ”تنفجر“ المحكمة العليا، وفق ما كشفت تسجيلات نشرتها القناة 13 في وقت سابق من سبتمبر.
وأفاد موقع يديعوت أحرونوت بأن شرطة لواء الجنوب طلبت الإذن بالتحقيق مع الحاخام للاشتباه في توجيهه تهديدات.
وحضر ضباط الشرطة إلى منزل يوسف زيني نهاية سبتمبر لإبلاغه بالتحقيق، ولكن في اللحظة الأخيرة تقرر عدم إحضاره للاستجواب بعد.
وجاء تعليق والد الجنرال زيني بسبب تحفظ المحكمة العليا على تعيين نجله وإصدارها قرارًا رأت فيه أن إقالة الحكومة لسلفه رونين بار "غير قانونية".
وشاب العملية برمتها تجاوزات، فقد عرض نتنياهو المنصب على زيني خلال لقاء جمعهما داخل سيارة الأول دون استشارة رئيس أركان الجيش إيال زامير في انتهاك غير معهود للأعراف.
وبعد إعلان نتنياهو اختياره في مايو 2025، استدعى زامير الجنرال زيني إلى “محادثة توضيح”؛ حيث لم يكن على علم عن النية لتعيينه.
وقدم أربعة رؤساء سابقين لجهاز الشاباك اعتراضات للجنة التعيينات "غرونيس" على تعيين زيني، محذرين من أنه غير مؤهل لقيادة جهاز الأمن الداخلي.
وأشار نداف أرغمان، وعامي أيالون، ويورام كوهين، وكرمي غيلون في رسائل منفصلة إلى اللجنة خلال سبتمبر، إلى القلق من أن زيني قد يتأثر بشكل مفرط بعلاقته الوثيقة مع نتنياهو وأن “نظرته المتطرفة” من شأنها أن تؤدي إلى تفكك جهاز الشاباك من الداخل.
وأكد غيلون أن مواقف زيني، المستندة إلى كتاباته وتصريحاته العلنية، “تستند إلى رؤية متطرفة تتجاوز بكثير الإجماع الاجتماعي والسياسي الذي قامت عليه دولة إسرائيل وسنّت قوانينها”.
وجاءت رسائل الاعتراض الأربع بعد يوم من تحذير 260 مسؤولا سابقا في الشاباك اللجنة من أن زيني، " قد يُلحق الضرر بالقيم الديمقراطية حال تعيينه".
وقال موقع تايمز أوف إسرائيل في 26 سبتمبر: إن عددا من المسؤولين في جهاز الشاباك هددوا بالاستقالة إذا تولى زيني المثير للجدل القيادة.
وتلقت لجنة "غرونيس" للتعيينات رفيعة المستوى، أكثر من 10 آلاف التماس ضد تعيين ديفيد زيني، وفق ما قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية منتصف سبتمبر.
ولم تكشف الصحيفة الجهات التي تقف خلف الالتماسات المقدمة للجنة، لكنها قالت: "إن المُلتمسين أشاروا إلى مواقف زيني العلنية المتطرفة، فيما يرى آخرون أنه لم يتصرف بشفافية تامة تجاه قائده المباشر، رئيس أركان الجيش إيال زامير".

“قطر غيت”
في يوم إعلانه عن تعيين زيني في 23 مايو، أكد نتنياهو أن الرئيس الجديد لجهاز الشاباك لن يتعامل مع قضية “قطر غيت”، أحد الملفات التي تثير قلق رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وتشير عبارة "قطر غيت" إلى التحقيق الذي يجريه الشاباك، بشأن شبهات بتلقي بعض مساعدي نتنياهو رِشا من الدوحة.
وكان الجهاز بقيادة رونين بار يشتبه بأن مساعدين اثنين لنتنياهو، هما مستشاره يوناتان أوريش، والمتحدث بلسانه إيلي فيلدشتاين، تلقيا أموالا من شركة علاقات عامة أميركية، ترتبط بعقد مع الحكومة القطرية، بهدف "الترويج الإيجابي لمصالح قطرية من داخل مكتب رئيس الوزراء".
وفي إطار ذلك، أعلنت الشرطة الإسرائيلية في 31 مارس/ آذار 2025، اعتقال الرجلين، قبل أن تقرر محكمة إسرائيلية، إطلاق سراحهما، ووضعهما تحت الإقامة الجبرية لأسبوعين، في إطار التحقيق معهما بالقضية.
ونفت قطر الادعاءات الواردة بحقها في القضية بوصفها "لا أساس لها من الصحة"، فيما قال نتنياهو إن ما يجري ليس إلا ملاحقة سياسية لإسقاط حكومة اليمين ومنع عزل رئيس الشاباك السابق رونين بار، الذي صدقت الحكومة على إقالته في 20 مارس وغادر منصبه منتصف يونيو/حزيران.
ولذلك جاء تعيين زيني ليعمق الجدل بشأن هذا التحقيق، إذ حظرت المدعية العامة للدولة غالي بهاراف ميارا (أقالتها الحكومة وجمدت المحكمة العليا القرار) على نتنياهو تسمية خلف لرونين بار، خشية "تضارب مصالح" مع قضية “قطر غيت”.
وقال رؤساء سابقون لجهاز الشاباك: إن نتنياهو أقال رونين بار واختار زيني بالتحديد لإبعاد الأنظار عن فضيحة “قطر غيت” وإنهاء التحقيق فيها.
وخاصة أن نتنياهو يحاكم أمام القضاء منذ سنوات بتهم ثقيلة أبرزها الفساد والغش وتلقي الرشوة وخيانة الأمانة، فضلا عن اتهامه بشكل متواصل بالمسؤولية عن “كارثة 7 أكتوبر”.
وكان يورام كوهين أحد رؤساء الشاباك السابقين الذين عارضوا التعيين، قال: إن “هناك قلقا حقيقيا من أن نتنياهو سيستغل زيني بما يخالف القانون”، وفق ما نقلت هيئة البث الإسرائيلية.
وكتب في رسالته الموجهة إلى لجنة “غرونيس”: "نظرًا لحساسية المنصب ونطاق صلاحياته، هناك قلق من أن المرشح سيُستغل عمليًا من قبل من عيّنه، وسيستخدم صلاحياته، بما في ذلك الصلاحيات الأمنية والمدنية، بما لا يفي بالمعايير القانونية للمهنية".
وخلص كوهين إلى أنه “لا يحق لشخص يشغل منصبًا أمنيًا رفيعًا كهذا أن يكون مدينًا بأي شيء لمن عينه”.
فيما أكد الضابط السابق في الشاباك جونين بن يتسحاك أن هدف نتنياهو من هذا التعيين هو إبعاد الأنظار عن فضيحة قطر غيت عبر ضمان ولاء رئيس الجهاز المسؤول عن التحقيق في هذه القضية الحساسة.
ويجادل المعارضون لخطوة تعيين زيني بأن نتنياهو اختار شخصية تعمل تحت إمرته وليس بشكل مستقل وذلك بعد تراجع رئيس الوزراء عن ترشيح شخصية أخرى.
ففي خضم الأزمة بين نتنياهو والمؤسسة القضائية بشأن إقالة بار من منصبه، رشح نتنياهو القائد السابق لسلاح البحرية الأميرال، إيلي شارفيت رئيسا جديدا لجهاز الشاباك، في نهاية مارس 2025.
لكن نتنياهو تراجع عن قراره بعد ساعات فقط من اتخاذه، وأوضح بيان لمكتبه آنذاك أن "رئيس الوزراء شكر الأميرال شارفيت على استجابته لنداء الواجب، لكنه أبلغه أنه بعد المزيد من التفكير فإنه ينوي النظر في مرشحين آخرين".
وأفادت تقارير إسرائيلية وقتها بأن نتنياهو تراجع عن قراره بعد أن تفاجأ بأن شارفيت كان قد شارك، خلال عام 2024، في تظاهرات شعبية معارضة لقوانين ما يسمى “الإصلاح القضائي” التي طرحتها الحكومة، وعدّ معارضون أنها تحد من صلاحيات واستقلال السلطة القضائية.














