بعد زيارة الشرع لواشنطن.. أسباب عودة الحديث عن تشكيل حكومة جديدة بسوريا

مصعب المجبل | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

ما تزال الولايات المتحدة الأميركية تدفع باتجاه إعادة صياغة التفاهمات السياسية في سوريا بين كل الأطراف بما يضمن تمثيلا شاملا لكل المكونات في السلطة.

وتوقع المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم باراك، تشكيل حكومة سورية مركزية شاملة قبل نهاية عام 2025، مؤكدا أن بلاده لا ترى في "الفيدرالية حلا مناسبا لسوريا".

"حكومة جديدة"

وفي تصريحات لشبكة "روداو" في 25 سبتمبر/ أيلول 2025، قال باراك: إن الحكومة المقبلة ستضمن حقوق جميع المكونات والأقليات، مشددا على أن الدعم الأميركي يشمل السوريين الكُرد وباقي المكونات دون فرض أي إملاءات.

وأفاد بأن "الولايات المتحدة تسهم بالتوجيه والمساعدة، لكنها لا تفرض نموذجا أميركيا أو أوروبيا على السوريين".

وأشار باراك إلى أن اجتماع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان كان "أفضل من رائع"، وتناول قضايا متعددة، بينها دعم جهود تشكيل حكومة سورية شاملة. 

وذكر أن تركيا أبدت تفهما لدور الولايات المتحدة في دعم عملية السلام وتشكيل حكومة سورية جديدة.

وفي 29 مارس/آذار 2025، عين الرئيس السوري أحمد الشرع حكومة جديدة مكونة من 23 وزيرا لإدارة المرحلة وذلك بعد أربعة أشهر من سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024. 

اللافت أن حديث براك جاء بعد إلقاء الشرع في 24 سبتمبر 2025 أول خطاب لرئيس سوري أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك منذ عام 1967.

واستغل الشرع ظهوره الأول في المناقشة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة لرسم أجندة مستقبلية للإصلاح وإعادة البناء، ووعد بالدبلوماسية المتوازنة والعدالة الانتقالية والتمثيل الشامل.

وتعهَّد بأن سوريا حاليا "تعيد بناء نفسها من خلال إقامة دولة جديدة وبناء المؤسسات والقوانين التي تضمن حقوق الجميع دون استثناء".

ولفت الشرع خلال حديثه إلى أنه تمت إعادة هيكلة المؤسسات المدنية والعسكرية، وحل البيروقراطية السابقة، وتشكيل "حكومة كفاءات" لتعزيز المشاركة.

والحديث الأميركي عن إعادة تشكيل الحكومة، يتزامن مع حديث داخلي في سوريا عن قرب إعلان تعديلات حكومية تنال بعض الوزراء، إلى جانب تغييرات لبعض محافظي المحافظات.

ويرى بعض الخبراء أن عدم وحدة الأراضي السورية منذ سقوط نظام الأسد، مرتبطة بغياب التفاهمات بشأن المشاركة السياسية، خاصة من قبل “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تستولي على مناطق شاسعة من ثلاث محافظات هي (الحسكة- دير الزور- الرقة).

وما تزال “قسد” تماطل في تطبيق الاتفاق الذي وقع بين قائدها مظلوم عبدي والشرع في 10 مارس 2025 والذي يقضي "بدمج" المؤسسات المدنية والعسكرية كافة التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية "بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز".

والاتفاق مؤلف من ثمانية بنود ويُفترض أن تعمل لجان مشتركة على إتمام تطبيقه قبل نهاية عام 2025.

كذلك، برزت نزعة انفصالية في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، يقودها حكمت الهجري رئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في المحافظة منذ يوليو/ تموز 2025 مستنجدا بإسرائيل لتحقيق مشروعه بعدما رفض الهجري دخول مؤسسات الدولة السورية إلى المحافظة عقب سقوط الأسد.

"دخول قسد"

وضمن هذا السياق، أوضح الباحث في مركز "الحوار السوري"، أحمد قربي، أنه بعد اتفاق مارس 2025 بين الحكومة وقسد ”جرى حديث عقب ذلك أنه لو تم تشكيل حكومة انتقالية يمكن إعادة النظر في بعض المناصب من أجل دمج قسد ضمن مؤسسات الدولة". 

وأوضح قربي لـ"الاستقلال" أن “هذا الأمر هو أحد أهم الاستحقاقات المرتبطة بدخول قسد إلى الحكومة بحيث يكون لها بعض المناصب دون أن يكون هذا الأمر شكلا من أشكال المحاصصة”.

ولفت إلى أنه “عقب تشكيل الحكومة الانتقالية في 29 مارس 2025 كانت هناك انتقادات من البعض بأن الحكومة رغم أنها تشمل غالبية المكونات السورية إلا أن هذا الشمول ليس على المستوى المطلوب وخاصة أن غالبية المناصب بنسبة 40 بالمئة ذهبت إلى هيئة تحرير الشام”. وفق قوله.

وأشار قربي إلى أنه “بعد أحداث السويداء الأخيرة وإن كان بدرجة أقل فإنه كانت هناك دعوات بأن تكون هناك خطوات من قبل الحكومة الحالية من أجل الانفتاح على بعض الشرائح الاجتماعية خصوصا من جهة اللامركزية..". 

واستطرد: "بمعنى أن هناك مطلبين أساسيين لتحقيق مبدأ الشمول، وهما الأول على مستوى الحكومة المركزية التي تمثلها الوزارات وعلى مستوى اللامركزية من خلال الصلاحيات وتعيين المحافظ والأجهزة الأمنية والعسكرية الموجودة والخدمية الموجودة داخل كل محافظة”.

ورأى قربي أن “تصريحات واشنطن والأوروبيين هو فقط على مستوى الحكومة المركزية والمقصود بها حقيقة هي قسد بمعنى أنه قد نشهد إعادة تعديل حكومي كجزء من متطلبات تنفيذ الاتفاق بين الحكومة وقسد الذي يبدو أن الأخيرة أحد أهم متطلبات اندماجها في الحكومة الجديدة أن يكون لها وجود على المستوى الحكومة المركزية”. 

وتابع: "بالتالي قد يكون هناك بعض الوزارات تمنح لقسد في التعديل الحكومي الجديد".

وذهب قربي للقول: إن “هذه التعديلات الحكومية التي يجرى الحديث عنها هي أمر إيجابي؛ لأن هذا التعديل لن يؤثر على مسار السلطة بسبب أن الحقائب السيادية هي بيد هيئة تحرير الشام”.

واسترسل: "بمعنى لن يكون هناك تغيير في السياسات، خصوصا أن النظام الموجود في سوريا هو نظام رئاسي، أي كل الأمور مرتبطة بسياسة رئاسة الجمهورية وبالتالي هوامش الوزارات ليست واسعة".

ونوه قربي إلى أن "تلك الخطوة هي أحد أهم الأدوات التي تساعد على تسريع اندماج قسد داخل مؤسسات الدولة وهذا يعني أن سوريا موحدة وأرضها وثرواتها النفطية التي تتركز 90 بالمئة من الغاز والنفط في مناطق قسد".

واستدرك: “وكل ذلك شريطة أن لا يتحول الأمر إلى نوع من المحاصصة حتى نبتعد عن النموذج اللبناني والعراقي”. 

وبالتالي، يضيف قربي، "يمكن أن تكون هناك بعض المناصب الوزارية لبعض الكفاءات من قبل المكون الكردي دون أن يكون هذا نوع من الاعتراف بتكريس عرف دستوري يعطي نوعا من الكوتا لمكون معين حتى لا تصبح سابقة ونتحول في سوريا شيئا فشيئا إلى اتباع النموذج العراقي الحالي".

"إضعاف السلطة"

عندما شكل الشرع الحكومة في نهاية مارس 2025، قال: إنه جرى رفض المحاصصة في تشكيلها، وأنه لم تتم الاستجابة لأي حالة من التقسيم السياسي، مؤكدا أن الحكومة الجديدة راعت "تنوع" المجتمع السوري.

وأضاف الشرع وقتها "اخترناهم أصحاب كفاءات وأصحاب خبرات، ومن دون توجهات فكرية أو سياسية معينة، همهم الوحيد هو بناء هذا البلد وبناء هذا الوطن، وسنوفر لهم كل الإمكانات ليكونوا ناجحين".

وأمام ذلك، هناك من يشير إلى وجود ضغوط على الإدارة السياسة السورية من قبل بعض الدول التي تجد في دعوات إعادة تشكيل الحكومة مدخلا للتأثير على قرارات دمشق.

وهذا ما يشير إليه الكاتب والمحلل السياسي السوري، أحمد الهواس، لـ"الاستقلال" بقوله: إن "الطلب الأميركي بتشكيل حكومة سورية موسعة وإشراك فئات داخلها هو تدخل سافر في الحياة السياسة السورية ومحاولة للسيطرة على البلاد". 

وأضاف الهواس أن "غياب الدولة العميقة في سوريا والجيش الطائفي الذي ربما كان سيلعب دور الثورة المضادة أو التأثير على قرارات الحكومة يراد أن يعاد إنتاجها بطريقة مختلفة من خلال ما يطلق عليه حكومة موسعة" .

 ويرى أن "طلب حكومة موسعة يعني توافقات بمعنى أننا سندخل في المحاصصات الطائفية أو العرقية وهذا ما سيضعف السلطة المركزية للدولة وتجعلها من جديد تحت رحمة الأقليات أو الأقليات التي يمكن أن تتساند فيما بينها ويضاف لها كتلة أخرى تحت مسميات أخرى لا تريد لهذا النظام أن يستمر أو أن التغيير الذي حدث في سوريا لم يكن كما أريد". 

ورأى أن "الطلبات المقدمة للإدارة السورية الحالية هي مقاربة لما كان يطرح على الرئيس المصري الراحل محمد مرسي قبيل الإطاحة به وتشكيل جبهة الإنقاذ والحديث عن حكومة موسعة وفي النتيجة انتهى الأمر بانقلاب".

وختم الهواس حديثه بالقول: إنه "في ظل عدم وجود دولة عميقة يمكن أن تلعب دور الانقلاب، فإنه يجرى الاعتماد على الأطراف التي تدعمها واشنطن إما بشكل مباشر كحال قسد أو الهجري في السويداء الذي تدعمه إسرائيل بشكل علني والذي يسعى لخلق احتلال جديد لتحقيق الرغبات الانفصالية".