ترامب يجبر نتنياهو على الاعتذار لقطر.. لحظة ضعف أم مناورة سياسية؟

نتنياهو أكد لقطر أن إسرائيل لن تشن هجومًا عليها في المستقبل
أثار اعتذار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدولة قطر على استهدافها، العديد من التساؤلات عن دلالات هذه الخطوة التي جاءت بضغط أميركي واضح، وكان الهدف المعلن منها إعادة الدوحة للعب دور الوسيط للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب في غزة.
الاعتذار جاء في 29 سبتمبر/ أيلول 2025، بعد 20 يوما فقط من ضربة جوية إسرائيلية استهدفت اجتماعا لقادة حركة المقاومة الإسلامية حماس في الدوحة كان يبحث مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء حرب غزة.
ويأتي الاعتذار أيضا، بعد تصريح لنتنياهو خلال مؤتمر صحفي عقده في تل أبيب مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في 15 سبتمبر، لم يستبعد فيه شن المزيد من الضربات ضد قادة حماس "أينما كانوا"، مؤكدا تحمل إسرائيل "المسؤولية الكاملة" عن هجوم الدوحة.

"اعتذار وتعهد"
خلال بيان رسمي صدر عنه في 29 سبتمبر، قال البيت الأبيض، إن نتنياهو، أعرب لرئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، عن أسفه على الهجوم على الدوحة، متعهدا بعدم تكرار ذلك بالمستقبل.
جاء هذا الإقرار بالذنب خلال مكالمة هاتفية ثلاثية جمعت آل ثاني وترامب ونتنياهو أثناء استضافة الأخير في البيت الأبيض.
قال البيت الأبيض إن "نتنياهو أعرب عن أسفه العميق لأن الضربة الصاروخية الإسرائيلية على أهداف لحركة حماس في قطر أدت إلى مقتل جندي قطري عن غير قصد"، مقرا بأن الهجمات "انتهكت السيادة القطرية".
ولفت البيان إلى أن "نتنياهو أكد لقطر أن إسرائيل لن تشن هجومًا في المستقبل، كالذي نفذته في 9 سبتمبر".
وعقب الهجوم الإسرائيلي، أعلنت "حماس" نجاة وفدها المفاوض، بقيادة رئيسها بغزة خليل الحية، من محاولة الاغتيال، ومقتل نجله همام ومدير مكتب الأول جهاد لبد، و3 مرافقين.
من جهته، رحب رئيس الوزراء القطري بضمانات نتنياهو بعدم تكرار الهجمات على الدوحة، مؤكدا استعداد بلاده لمواصلة المساهمة الفعّالة في الأمن والاستقرار الإقليميين. فيما أعرب الأخير عن التزامه بذلك، وفقا للبيان.
وذكر البيت الأبيض أن رئيس الوزراء القطري ونتنياهو اتفقا على مقترح ترامب لإنشاء "آلية ثلاثية (تشمل واشنطن والدوحة وتل أبيب) لتعزيز التنسيق وتحسين التواصل وحلّ الخلافات المتبادلة، وتعزيز الجهود الجماعية لدرء التهديدات".
وأشار إلى أن "ترامب أعرب عن رغبته في "وضع العلاقات الإسرائيلية القطرية على مسار إيجابي بعد سنوات من الخلافات وسوء الفهم المتبادل".
وعقب ذلك بوقت قصير، قالت الخارجية القطرية في بيان، إن “نتنياهو اعتذر عن الهجوم على الدوحة وانتهاك السيادة القطرية”، متعهدا بعدم تكراره في المستقبل".
وأكد البيان "استعداد الدوحة لمواصلة الانخراط في العمل للوصول إلى نهاية للحرب في قطاع غزة في إطار مبادرة الرئيس ترامب"، وذلك بعدما توقفت قطر عن الوساطة في مفاوضات وقف إطلاق النار بعد الهجوم الإسرائيلي على أراضيها.
وفي 23 سبتمبر 2025، هاجم أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، نتنياهو، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، واتهمه بالسعي لإفشال مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة بالعدوان على الدوحة، ووصف إسرائيل بأنها دولة "مارقة".

غضب إسرائيلي
على الصعيد الإسرائيلي، تناولت وسائل إعلام إسرائيلية تداعيات اعتذار نتنياهو الذي لم تعلم به حكومة الاحتلال بشكل مسبق، مشيرة إلى أن الخطوة كشفت حجم الأهمية التي تحتلها الدوحة في مسار المفاوضات الإقليمية.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية في 29 سبتمبر، أن نتنياهو لم يبلغ كبار المسؤولين في المستوى السياسي بشأن الاعتذار، ناقلة عن مسؤول إسرائيلي (لم تسمّه) قوله إنّ إسرائيل وافقت أيضا على دفع تعويضات لعائلة عنصر الأمن القطري الذي استشهد خلال العدوان على الدوحة.
ووصف وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الاعتذار، بأنه أمر "مخزٍ"، زاعما أن قطر "دولة تدعم الإرهاب وتدعمه".
ونشر وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير تدوينة على منصة "إكس"، زعم فيها أن الهجوم على قادة من حماس "في دولة العدو قطر كان مهما، عادلا، وأخلاقيا لا مثيل له"، وفق تعبيره. وأضاف: "من الجيد جدا أنه حدث".
وكتب رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان على "إكس" في 29 سبتمبر، أنه "لا يُصدق أنّ نتنياهو اعتذر للقطريين الذين حتى اليوم لم يدينوا مجزرة السابع من أكتوبر (تشرين الأول 2023)، لكنه لم يعتذر يوماً لشعب إسرائيل على أنه في فترته قُتل... واختُطف آلاف الإسرائيليين".
أما مراسل الشؤون السياسية في "القناة 11" ميخائيل شيمش، فرأى أن ما جرى يمثل حدثا بالغ الدرامية، مؤكدا أن نتنياهو لم يكن أمامه خيار سوى الاعتذار، لأن الدوحة رفضت المضي قدما في الاتفاق الكبير الذي طرحه ترامب قبل الحصول على هذا الاعتذار.
ورأت المحللة السياسية في "القناة 12" دانا فايس، أن التزام نتنياهو بعدم استهداف الأراضي القطرية مجددا هو رسالة واضحة، تعكس سبب اعتراض القيادات الأمنية الإسرائيلية على العملية منذ البداية، مشيرة إلى أن الهجوم تزامن مع لحظة بدت فيها حماس مستعدة لإبداء مرونة في المفاوضات.
في السياق نفسه، لفتت مراسلة الشؤون السياسية في القناة 11 غيلي كوهين إلى أن “قادة بارزين في المؤسسة الأمنية فوجئوا عندما علموا أن نتنياهو قدم اعتذارا رسميا للقطريين، ويرون أن ”الخطوة غير مسبوقة في طبيعتها".
وأكد محلل الشؤون الفلسطينية في "القناة 24" تسفيكا يحزكلي، أن التطورات الأخيرة أظهرت بجلاء مدى أهمية قطر في هذه القضية، وأن أي مسار سياسي مستقبلي لا يمكن تجاوزه من دون مشاركتها.

"حالة ضعف"
وعن دلالات اعتذاره، قال الكاتب والمحلل السياسي المختص بشؤون الشرق الأوسط، عماد الدين الجبوري، إن "العدوان الإسرائيلي على قطر، كان له أبعاده في منظومة الخليج العربي والمنطقة عموما، إضافة العزلة الدولية التي يواجهها نتنياهو جراء استهتاره بكل القوانين والأعراف الدولية".
أضاف الجبوري لـ"الاستقلال" أن “ترامب أيضا بحاجة إلى قطر كوسيط لا بد منه، لأنها اشترطت عدم العودة للوساطة بدون اعتذار نتنياهو، وهذا ما جرى، وهنا يبرز تساؤل حول مدى التزامه بالأمر (عدم مهاجمة الدوحة مجددا)”.
وخصوصا أن تاريخ نتنياهو يبيّن أن هذا ثالث اعتذار يقدمه خلال توليه رئاسة الحكومات الإسرائيلية على مراحل مختلفة.
كان الأول عند محاولة اغتيال القيادي في حماس خالد مشعل في عمّان عام 1997، عندما اعتذر نتنياهو لملك الأردن الراحل الحسين بن طلال.
واعتذاره الثاني كان لرئيس الوزراء التركي (الرئيس الحالي) رجب طيب أردوغان عندما استهدفت إسرائيل سفينة مافي مرمرة التركية التي كانت تحمل مساعدات إنسانية إلى غزة عام 2010.
ورأى المحلل السياسي أن "الفرق بين اعتذار اليوم وأمس، هو أنه أتى بعد مضي 20 يوما، والسؤال: هل ثمة ثقة مستقبلية بنتنياهو؟ لا أتصور.
وعما إذا كان للاعتذار بعدا لاستعادة ثقة دول المنطقة بواشنطن بعد تواطؤها في استهداف إسرائيل لقطر، رأى الجبوري أن "منظومة الخليج العربي، لديها ارتباطاتها التاريخية والاستراتيجية مع الولايات المتحدة، لذلك لا تبتعد بشكل مفاجئ ذلك البعد".
من جهته، علق الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، ياسر الزعاترة، على اعتذار نتنياهو لقطر، عبر تدوينة على "إكس" في 29 سبتمبر، بالقول: "لا شك أنه جاء بضغط من ترامب، على أمل تدخّلها لصالح رؤيته الجديدة للحل في غزة".
وأضاف: “لا شك أيضا أن ترامب كان يعلم بالعدوان في الدوحة، لكنه يكره أن يُنسَب له عمل فاشل. هو اعتذار نادر، لكن مسبوق كما حدث مع الأردن وتركيا”.
ورأى الكاتب أن الاعتذار "في العموم يعكس حالة ضعف يعيشها نتنياهو، وسبق أن تحدثنا عن ذلك، في حالة الداخل المشتبك معه، والخارج الذي ينبذه وكيانه وأتباعه، وكل ذلك معطوفا على استمرار المأزق في غزة".
وأكد الزعاترة أن "المهم بالنسبة إلينا هو ألا يكون للاعتذار ثمن غير مُعلن، أما الأهم، فهو أن لا يترتّب على ذلك ضغط من قطر على حماس للقبول برؤية ترامب إذا كانت ترفضها، وهو ما ينطبق على تركيا أيضا، مع ثقتنا بأن الحركة لن تقبل بما لا تراه في مصلحة شعبها وقضيتها، مهما كان الثمن".
وبعد لقائه مع نتنياهو الذي قدم خلاله اعتذارا إلى قطر، عرض ترامب خلال مؤتمر في 29 سبتمبر، خطة شاملة من عشرين بندا لإنهاء الحرب التي تشنها إسرائيل منذ نحو عامين على قطاع غزة.
الوثيقة التي نشرها البيت الأبيض تضمنت بنودا تتعلق بوقف القتال، وإطلاق الأسرى الإسرائيليين وإدخال المساعدات وإعادة إعمار القطاع، إلى جانب نزع سلاح حماس، وإقامة حكم انتقالي لا تشارك فيه الفصائل ولا السلطة الفلسطينية، مع استمرار السيطرة الأمنية الإسرائيلية على غزة.
وهدد ترامب، حماس بالقول: "ننتظر موافقتها على مقترحات السلام، وأمامها 3 أو 4 أيام للرد وإذا رفضت الاتفاق فستفعل إسرائيل ما يجب عليها فعله".
المصادر
- هيئة البث: نتنياهو يعتذر لرئيس وزراء قطر عن هجوم الدوحة
- نتنياهو: لا حصانة لقادة "حماس" أينما كانوا.. ونتحمل المسؤولية الكاملة عن هجوم قطر
- إعلام إسرائيلي: اعتذار نتنياهو لقطر يكشف أهميتها وفشل الهجوم عليها
- البيت الأبيض: نتنياهو يعتذر لقطر عن مهاجمة الدوحة ويتعهد بعدم تكرارها
- اعتذار نتنياهو لقطر يثير ردات فعل ساخطة في إسرائيل
- ترامب يهدد حماس: عليكم القبول بالخطة خلال ايام
- 20 بندا يرسم مستقبل غزة... ما هي النقاط التي تتضمنها خطة ترامب؟
- ترامب يهدّد حماس: 3 أو 4 أيام للموافقة على خطة غزة