صبر سوريا وتركيا يوشك على النفاد.. هل تنطلق عملية عسكرية ضد “قسد”؟

مصعب المجبل | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في لهجة تصعيدية أعطى الرئيس السوري أحمد الشرع مهلة نهائية حتى ديسمبر/ كانون الأول 2025، لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" لتطبيق الاتفاق المبرم بين الجانبين والذي ينص على الاندماج الكامل مع الدولة السورية الجديدة.

إلا أن تعنت “قسد” المدعومة من واشنطن في تطبيق اتفاق الاندماج المقرر حتى نهاية عام 2025، دفع الشرع خلال حوار مع صحفيين وباحثين من جنسيات مختلفة حول العالم للقول: "إذا لم تتحقق عملية التكامل بحلول ديسمبر 2025 فقد تتخذ تركيا إجراء عسكريا".

مهلة نهائية

وفي معرض رده على مطالب قسد بـ"اللامركزية" والذي ترفضه دمشق، أشار الشرع إلى أن سوريا بالفعل لامركزية بنسبة 90 بالمئة بفضل القانون رقم 107،  وفق ما نقلت صحيفة "ملييت" التركية، في 20 سبتمبر/ أيلول 2025، عن مدير مركز عمران للدراسات (بنسخته التركية) عمر أوزقزلجق الذي التقى الشرع أخيرا ضمن وفد من الباحثين والإعلاميين.

وأوضح الشرع أن المجتمع السوري غير مستعد لمناقشة الأنظمة الفيدرالية، وأن كل هذه المطالب هي في الواقع قناع لـ”الانفصالية” خلف تعريفات مختلفة.

وقال الشرع في أول لقاء له مع قائد قسد مظلوم عبدي: “إذا أتيت إلى هنا للمطالبة بحقوق الكرد، فلا تهتم. مبدأي الأساسي هو أن الكرد مواطنون متساوون في سوريا. أنا أهتم بحقوق الكرد أكثر منك”.

ويرى الشرع أن اتفاقية 10 مارس، قدمت لأول مرة حلا تدعمه الولايات المتحدة وتركيا، ويرى أن “أجنحة معينة داخل (قوات سوريا الديمقراطية) و (حزب العمال الكردستاني) خربت تنفيذ الاتفاقية وأبطأت العملية”.

وأشار الرئيس السوري إلى أن الوضع الراهن في شمال شرق سوريا يشكل تهديدا للأمن القومي لتركيا والعراق.

وذكر أن دمشق أقنعت أنقرة بعدم شن عملية ضد قسد بعد الإطاحة بالأسد وإعطاء المفاوضات فرصة، غير أن قسد ما زالت تماطل في تطبيق الاتفاق.

والاتفاق مؤلف من ثمانية بنود ويُفترض أن تعمل لجان مشتركة على إتمام تطبيقه قبل نهاية عام 2025.

وفي مقابلة مع قناة الإخبارية، قال الشرع منتصف سبتمبر: إن "المفاوضات مع قسد كانت سارية بشكل جيد، لكن يبدو هناك نوع من التعطيل أو التباطؤ في تنفيذ الاتفاق"، مؤكدا تدخل أطراف دولية للوساطة.

وأضاف الشرع خلال المقابلة ذاتها "كل ما يسهل عملية ألا تحصل معركة أو حرب لعلاج هذه المشكلة أنا فعلته".

ويكثف مسؤولون بارزون في قسد التصريحات الإعلامية المؤكدة على أنه "لا يمكن التنازل" عن مطلب التعددية اللامركزية في إدارة النظام السياسي في سوريا، فيما ترفض دمشق اللامركزية السياسية أو الفيدرالية.

كما خرجت مظاهرة في 17 سبتمبر 2025 وسط مدينة القامشلي بريف الحسكة الخاضعة لسيطرة قوات قسد، طالبت باللامركزية وتمسكهم بالإدارة الذاتية الكردية.

وجدد القيادي الكردي ألدار خليل خلال التظاهرة مطلب الإدارة الذاتية باللامركزية. وقال في كلمة: "عندما نتحدث عن اللامركزية فإننا نريدها لكل سوريا وليس لمنطقتنا فقط".

من جانبه، دعا وزير الدفاع التركي يشار غولر، التنظيمات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، وعلى رأسها قسد، إلى إنهاء أنشطتها وتسليم أسلحتها بشكل فوري ودون شروط، وفق ما قال في 19 سبتمبر 2025 خلال مشاركته في مراسم "يوم المحاربين القدامى" بأنقرة.

 "فرصة جديدة"

اللافت أنه بينما لا تزال أنقرة في طور التحذيرات لقسد، تتزايد الاتصالات الدبلوماسية بين تركيا وسوريا، ولا سيما عقب توقيع اتفاقية مشتركة للتدريب والاستشارات بين وزارتي الدفاع في البلدين.

كذلك فإن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أكّد خلال مؤتمر بمعهد العلاقات الدولية بالعاصمة الإيطالية روما في 13 سبتمبر 2025 أن قسد تحاول استغلال الأزمة التي خلقتها إسرائيل في سوريا لتحقيق مكاسب خاصة بها.

وقال الوزير التركي: إن "التوصل إلى اتفاق بين قسد والحكومة في دمشق سيكون أمرا جيدا، فقد سبق أن وقعوا اتفاقا في 10 آذار، ورغم أننا لم نكن راضين بالكامل عن بنوده إلا أن التزام الطرفين به سيعود بالفائدة".

وأضاف فيدان أن "قسد" تتباطأ في دفع الاتفاق مع دمشق إلى الأمام, وتراهن على الأزمة التي خلقتها إسرائيل لتحقيق فرص جديدة، موضحا أنهم يظنون أن نشوء موجة جديدة من عدم الاستقرار في سوريا سيخدم مستقبلهم. 

وأشار إلى أن بلاده ترى عددا كبيرا من عناصر حزب العمال الكردستاني يأتون من العراق وإيران للعمل مع قسد، مؤكدا أنهم ليسوا هناك من أجل سوريا بل لمحاربة تركيا، وأن استمرار هذه التهديدات سيدفع أنقرة لاتخاذ الإجراءات اللازمة.

وضمن هذا السياق رأى رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد عبدالله الأسعد، أن "تركيا لا ترغب بأن يكون أحد مفرزات حزب العمال الكردستاني تبقى تشكل تهديدا على أمنها القومي وعلى وحدة سوريا بعد سقوط نظام الأسد".

وأضاف لـ"الاستقلال": "الرئيس الشرع أبدى حرصه على أن تسير التفاهمات مع قسد كما جاء في اتفاق مارس 2025, لكن مماطلتها المستمرة في عملية الدمج والانخراط بالدولة السورية يدفع قيادة دمشق إلى حثّ قسد للاندماج أو مواجهة نفاد صبر تركيا".

ولفت الأسعد إلى أن "القيادة السورية في حديثها عن الإنذار التركي هي تمنح فرصة جديدة لقسد, لكنها على عجل لكي يتم تطبيق الاتفاق قبل نهاية العام الجاري".

واستدرك الأسعد "دمشق من جهتها سارت مع اتفاق قسد وأعطته الوقت الكافي، بمعنى أن دمشق قد أتمت كل النشاطات السياسية تجاه قسد".

إن بعض قادة قوات سوريا الديمقراطية يقاومون حتى الضغوط الأميركية الداعية للاندماج في قوات الأمن الحكومية.

بالمقابل فإن توماس براك المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، وهو أيضا سفير الولايات المتحدة لدى تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، حثّ مرارا قوات قسد على التحرك بشكل أسرع للتصديق على اتفاق مارس 2025 مع دمشق لوضع المناطق التي يديرونها تحت سلطة الدولة، ودمج قوات سوريا الديمقراطية في قوات الأمن الحكومية.

وقد كان لافتا أن بعضا من أكبر الدبلوماسيين الأميركيين الذين يعملون في منصة سوريا الإقليمية - البعثة الأميركية الفعلية إلى البلاد ومقرها في إسطنبول جرى تسريحهم من مناصبهم منتصف سبتمبر 2025 في وقت تسعى فيه واشنطن إلى دمج حلفائها الأكراد في سوريا مع الإدارة المركزية في دمشق.

وكان هؤلاء الدبلوماسيون يرفعون تقاريرهم إلى توماس برّاك المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، والذي تمّ تعيينه في مايو 2025 وقاد تحولا في السياسة الإقليمية يدعم دولة سورية موحدة تحت قيادة الرئيس أحمد الشرع.

وقد نقلت وكالة رويترز عن دبلوماسي غربي لم تسمه قوله في 18 سبتمبر 2025 إن من أسباب الاستغناء عن الدبلوماسيين الأميركيين "اختلاف" في وجهات النظر بين الموظفين وبرّاك بشأن مسألة قوات سوريا الديمقراطية والشرع، دون الخوض في التفاصيل.

"طبول الحرب"

 وضمن هذا السياق، قال الخبير العسكري والإستراتيجي السوري، العقيد فايز الأسمر: إن "المهل الكثيرة التي أعطتها الحكومة السورية لمليشيات قسد باتت بشكل أو بآخر بلا جدوى لتنفيذ ما اتفق عليه في 10 مارس 2025 بين الرئيس السوري الشرع وقائد مليشيات قسد مظلوم عبدي".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن “الرئيس الشرع طلب من الأتراك سابقا إعطاء الدبلوماسية والحل السلمي جانبا من الوقت لانخراط قسد في الدولة السورية حرصا على الدم السوري من أن يراق أكثر ”.

واستدرك قائلا: "لكن هذا الوقت أتصور أنه طال كثيرًا, وهذا دفع بالسيد الشرع للإدلاء بهذا التصريح وتحذيره لقسد من المطرقة التركية التي من المعروف أنها لن تقبل بوجود حتى مجرد جماعة مسلحة تتبع لقسد قرب الحدود التركية, فكيف بآلاف الأشخاص المسلحين الذين تريد قسد أن يحظوا باستقلالية وخارج سيطرة الدولة السورية".

ورأى الأسمر أن "الوقت ينفد وطبول الحرب أقرب لأن تقرع ضد قوات قسد".

ومضى يقول: "إن كان هناك عملية عسكرية تركية ضد قسد فلن تبدأ إلا بموافقة أميركية, ولكنها ستكون محدودة كعملية نبع السلام, وسيكون هدفها وضع قسد تحت الضغط أكثر بالتنسيق مع واشنطن لإجبارها على الانصياع وتنفيذ الشروط بالاندماج مع الدولة السورية الجديدة".

وكانت أطلقت تركيا بالتعاون مع الجيش الوطني السوري (انضم إلى الجيش السوري الجديد بعد سقوط الأسد) عمليتين عسكريتين بسوريا لقطع الطريق أمام محاولات قسد وصل شريط من القرى والمدن على الحدود السورية التركية مع بعضها، تربط محافظات "الحسكة، الرقة، حلب"، لمنع قيام كيان كردي شمال سوريا على حدودها.

الأولى: حملت اسم "غصن الزيتون" في 20 يناير/كانون الثاني 2018، وجرى خلالها السيطرة على مدينة عفرين شمال حلب وتخليصها من عناصر "بي كا كا".

والثانية، في 9 أكتوبر 2019 وسميت "نبع السلام" وتركزت في محافظتي الحسكة والرقة؛ إذ أبعدت قوات قسد وفروع أخرى لـ "بي كا كا" مسافة 30 كيلومترا عن الحدود التركية.