لماذا تضغط أميركا على الدول لاستعادة معتقلي "تنظيم الدولة" من سوريا؟

"حساسية مصير سجناء عناصر تنظيم الدولة الأمنية يفرض حل هذا الملف"
بدأت القيادة المركزية الأميركية “سينتكوم” البحث رسميا في مصير مخيمات وسجون تحتجز فيها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عناصر وعوائل "تنظيم الدولة" شمال شرقي سوريا.
وحثت “سينتكوم” الدول على استعادة مواطنيها الموجودين في المخيمات والمحتجزين في السجون التي تديرها "قسد" بدعم من القوات الأميركية.
خلية مشتركة
وطالب قائد القيادة المركزية الأميركية، براد كوبر، خلال مؤتمر عقد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك حول المخيمات وأماكن الاحتجاز شمال شرقي سوريا، في 26 سبتمبر 2025، الدول بتسريع عودة المحتجزين في السجون والمخيمات.
وأشار إلى “وجود خطط لإنشاء آلية تنسيق مشتركة جديدة”، دون الكشف عن طبيعتها.
وقال كوبر: "زرت مخيم الهول بنفسي في وقت سابق من سبتمبر 2025، وشاهدت الحاجة الماسة لتسريع عمليات الإعادة، هناك تقدّم بالتأكيد، وأتطلع إلى مضاعفة هذه الجهود معكم جميعا".
وكشف أن القيادة المركزية الأميركية بصدد إنشاء "خلية إعادة مشتركة" خاصة في شمال شرقي سوريا لتنسيق عودة المحتجزين إلى أوطانهم.
والتقى كوبر بالرئيس السوري أحمد الشرع في القصر الرئاسي بدمشق في 12 سبتمبر 2025.
وقال بيان القيادة المركزية الأميركية حينها: إن المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس براك انضم إلى اللقاء.
وشهد اللقاء بحسب البيان مناقشة جهود مكافحة تنظيم الدولة في سوريا.
ولا يزال تنظيم الدولة قادرا على استهداف الدولة السورية الجديدة وتهديد استقرارها عبر تحريك خلاياه وتنفيذ هجمات قاتلة على المدنيين وقوات الأمن، وذلك رغم تغير النظام الحاكم في هذا البلد.
وأصبح بسط الأمن في عموم سوريا أحد أبرز التحديات التي تواجه السلطات الجديدة التي تولّت الحكم عقب الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
ولذلك عززت دمشق منذ اللحظة الأولى تحالفاتها الإقليمية والدولية لمحاربة تنظيم الدولة الذي تشير كثير من الوقائع الميدانية إلى قدرته على شن هجمات داخلية.
ويأتي بحث "سينتكوم" لمصير المحتجزين من عوائل تنظيم الدولة من الأجانب في وقت تكثف فيه واشنطن دعوة “قسد” لتحقيق عملية الاندماج الكامل لمناطق الأخيرة مع باقي أراضي الدولة السورية الجديدة.
ويعد ملف مخيمات وسجون تحتجز فيها عناصر وعوائل "تنظيم الدولة" ذو حساسية خاصة كونه "ملفا أمنيا بامتياز" ويشكل وجود الأجانب منهم خطرا على المشهد السوري.
كما أن خلايا لتنظيم الدولة حاولت في أكثر من مرة شن هجمات على سجون في محافظة الحسكة لإطلاق سراح هؤلاء لكنها فشلت.
وهناك كثير من الأطفال من أبناء عناصر وقادة تنظيم الدولة يكبرون في مخيمات الاحتجاز بريف الحسكة، حيث يخشى من تنامي أيديولوجية التنظيم في عقولهم.
ولهذا منذ سقوط نظام الأسد، لم تبد كثير من الدول استجابة في استعادة مواطنيها وأطفالهم وزوجاتهم ممن انضموا إلى تنظيم الدولة عقب ظهوره عام 2014 في العراق وسوريا.
وتدير "قسد" بدعم لوجستي وعسكري واستخباراتي أميركي كامل السجون التي تحتجز فيها عناصر "تنظيم الدولة" في مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا.
وبحسب "سينتكوم" فإن عدد نزلاء مخيم الهول بريف الحسكة يبلغ حوالي 54 ألفا، منهم نحو 27 ألف عراقي أي حوالي النصف ونحو 18 ألف سوري وحوالي 8500 أجنبي"، ويقصد بالأجانب أنهم "ليسوا عراقيين وسوريين".
وتؤكد الأمم المتحدة أن أسر عناصر تنظيم الدولة من الأجانب، ينحدرون من 60 دولة، بينهم 3177 امرأة، والبقية أطفال.
بينما الأطفال الأكبر أودعوا في سجن "الأحداث" بقرية تل معروف شمال شرق المحافظة.
كما خصصت القوات الأميركية ما يسمى مخيم "روج" قرب مدينة المالكية شمال الحسكة، كسجن أمني حساس جدا، احتجزت فيه فقط نساء وأطفال قادة وأمراء تنظيم الدولة.
كذلك تزج “قسد” بقسم من عناصر تنظيم الدولة في سجني (غويران والصناعة) بالحسكة، وسجن "كامبا البلغار" الواقع شرق مدينة الشدادي جنوب الحسكة.
وهؤلاء جميعهم جرى تجميعهم، بعد معارك بين "تنظيم الدولة" و"قسد" بدعم كامل من التحالف الدولي، حيث أجبر التنظيم في 23 مارس/ آذار 2019 على الاستسلام، وسلم المئات من عناصره أنفسهم وزوجاتهم وأطفالهم، في آخر معقل له بالبلاد في بلدة الباغوز بمحافظة دير الزور.
تخفيف العبء
ووقع الرئيس السوري الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي، في 11 مارس 2025 اتفاقا يقضي "بدمج" المؤسسات المدنية والعسكرية كافة التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية "بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز".
والاتفاق المذكور مؤلف من ثمانية بنود ويُفترض أن تعمل لجان مشتركة على إتمام تطبيقه قبل نهاية عام 2025.
ونص الاتفاق كذلك على "دعم الدولة السورية في مكافحتها لفلول نظام الأسد والتهديدات كافة التي تهدد أمنها ووحدتها".
وقد تضمن الاتفاق المذكور أن تتسلم الداخلية السورية الجديدة إدارة السجون التي تضم عناصر تنظيم الدولة والمخيمات من "قسد"، إلا أن ذلك لم يتحقق بعد بسبب عدم تطبيق قسد للاتفاق.
ومع ذلك، هناك بعض الدول مثل العراق وروسيا وإسبانيا وطاجكستان وأستراليا تجري عمليات استعادة لأطفال وعوائل تنظيم الدولة على مراحل.
فبحسب رئيس اللجنة الوطنية لتنفيذ إستراتيجية مكافحة التطرف العنيف التابعة للأمن القومي العراقي، علي عبد الله، فإن هناك 16 ألف عراقي لا يزالون داخل مخيم الهول في ريف الحسكة.
وأشار عبد الله خلال تصريحات صحفية في 22 مارس 2025 إلى أن "هناك جهودا تبذل لاستعادة العراقيين من المخيم".
وأمام ذلك، يبدو وفق مراقبين أن هناك توجها جديدا لتقليص أكبر عدد من السجناء وترحيلهم إلى دولهم الأصلية لتخفيف العبء الأمني على دمشق في حال أكملت قسد عملية الاندماج مع الدولة السورية الجديدة.
وضمن هذا السياق، قال الخبير العسكري والإستراتيجي السوري، العقيد فايز الأسمر: إن "دعوة القيادة المركزية الأميركية، دول العالم إلى ضرورة استعادة مواطنيها و سجنائها من أفراد وعوائل تنظيم الدولة المحتجزين في مخيمات وسجون قسد، يندرج تحت بند سعي واشنطن التخفيف من ثقل هذا الملف الأمني وإدارته عليها وعلى الدولة السورية".
وأضاف الأسمر لـ"الاستقلال"، أن "تحريك هذه الملف وطرح الولايات المتحدة إستراتيجية ترحيل هؤلاء إلى دولهم ربما عبر ضغوطات معينة، تأتي نتيجة التقارب الكبير بين واشنطن ودمشق ولقاء كوبر مع الشرع".
ورأى أن "حساسية مصير هؤلاء الأمنية خاصة في هذه المرحلة من إعادة بناء سوريا يفرض حل هذا الملف، علاوة على أن قوات قسد في كل تهديد من تركيا لعملية ضدها تستخدم هذا الملف كفزاعة لضمان بقاء التحالف الدولي في شرقي الفرات".
ويرى الأسمر أن "واشنطن على ما يبدو وبعد اجتماعات الأمم المتحدة ولقاء الشرع وأردوغان مع ترامب ستوافق على عملية عسكرية محدودة ضد قسد نهاية عام 2025 لإجبارها على دمج مؤسساتها المدنية والعسكرية بالدولة السورية تنفيذا لاتفاق 10 مارس، وهي بهذا التصرف تريد سحب ذريعة خطر سجناء داعش من قسد".
استثمار سياسي
ويدور جدل قانوني في كثير من الدول التي لها مواطنين محتجزين في سجون أو مخيمات تديرها “قسد”، بين من يرفض استعادتهم حفاظا على الأمن الوطني، وبين من يدعو إلى استعادتهم بموجب الالتزامات القانونية والإنسانية للدولة تجاه مواطنيها.
وتطالب المنظمات الحقوقية بإعادة الأطفال مع أمهاتهم، وإحالة البالغين إلى محاكمات عادلة في دولهم، بدلا من تركهم في مناطق شديدة الخطورة.
كذلك يخشى عناصر تنظيم الدولة من الأجانب قيام الحكومة السورية بإجراء محاكمات لهم على أراضيها.
فقد ناشد مواطنون ألمان الحكومة الألمانية في يونيو 2025 عبر رسالة مفتوحة، التدخل لإعادة ذويهم من المقاتلين السابقين في تنظيم الدولة المحتجزين في سجون "قسد".
وطالب أقارب المحتجزين الحكومة الألمانية بالشروع في التحضيرات اللازمة لإعادة المقاتلين السابقين إلى الأراضي الألمانية، موضحين أن جميع المعتقلين من الرجال، ويبلغ عددهم نحو 30 شخصا.
إلا أن وزارة الخارجية الألمانية أكدت في بيان لها في 17 يونيو 2025 أن الحكومة لا تعتزم حاليا استعادة مواطنيها المنتمين لتنظيم الدولة والمحتجزين في مراكز الاعتقال بشمال شرقي سوريا.
وسبق للحكومة الألمانية أن أعادت، بين عامي 2019 و2022، عشرات النساء والأطفال الألمان الذين كانوا قد التحقوا بتنظيم الدولة في سوريا، وهو ما اعتبره ذوو المحتجزين سابقة تدفع باتجاه استكمال جهود الإعادة بالنسبة للرجال أيضا.
وضمن هذا الإطار، قال مضر حماد الأسعد مدير الرابطة السورية لحقوق اللاجئين لـ "الاستقلال": إنه "يجب أن يكون هناك تسريع في تفكيك المخيمات والسجون التي تضم عوائل وعناصر وقادة تنظيم الدولة أو في خطوة أولى تسليم هذا الملف للحكومة السورية وهي من تتولى التواصل مع الدول".
وأضاف الأسعد، أن "هناك الكثير من الأطفال الذين فقدوا آبائهم لكنه معروف لأي دولة ينتمون، فضلا عن الكثير من النساء وهؤلاء جميعهم بحاجة إلى إعادة تأهيل ودمجهم من جديد في مجتمعاتهم الأصلية".
ولفت الأسعد إلى أنه في "المخيمات شمال شرقي سوريا هناك نحو 8 آلاف طفل وهم قنبلة موقوتة لأنهم لا يتلقون التعليم بل يتم صناعتهم بأن يكونوا متطرفين في المستقبل في حال لم يتم إعادتهم إلى دولهم الأصلية وتأهيلهم من جديد هناك".
ورأى الأسعد أن "قوات قسد ما تزال تستثمر سياسيا من إدارتها لسجون عناصر وعوائل تنظيم الدولة والحصول على دعم دولي ومالي".
واستدرك "طالما أن تلك المخيمات والسجون موجودة فإن الإرهاب ما يزال موجودا في منطقة الجزيرة والفرات".
وذهب الأسعد للقول "تتحمل الولايات المتحدة والأمم المتحدة مسألة تفكيك تلك المخيمات في منطقة الجزيرة والفرات بالتعاون مع الدولة السورية الجديدة وتفعيل آليات رسمية تمكن الدول من استعادة مواطنيها".