تشيليك وأوزيل.. هل تنجح الوجوه الجديدة في حل أزمات حزب أتاتورك؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بينما كانت أنظار قيادات وأعضاء حزب "الشعب الجمهوري" التركي متجهة نحو المؤتمر الاستثنائي في أنقرة، كان التركيز الفعلي موجها نحو انتخابات بلدية بايرام باشا في إسطنبول في 21 سبتمبر/ أيلول 2025.

ونشرت صحيفة “حرييت” التركية مقالا للكاتب عبد القادر سيلفي، ذكر فيه أن "المرحلة الحالية كشفت عن بروز أسماء جديدة داخل الحزب، فقد تمكن رئيس فرع إسطنبول، أوزغور تشيليك، من إثبات حضوره السياسي في محطتين أساسيتين".

وجوه جديدة

وأوضح أن “المحطة الأولى في إدارة عملية تعيين غورسل تكين لرئاسة الفرع، والثانية في قيادة معركة انتخابات بلدية بايرام باشا”.

ولفت إلى أن “تشيليك اختار البقاء في إسطنبول ليتابع الانتخابات عن قرب بدلا من المشاركة في المؤتمر بأنقرة، وهو ما عُدّ خطوة سياسية موفقة، والأزمات ـكما يعلّق المراقبونـ قد تطيح ببعض السياسيين، لكنها تفتح المجال أمام آخرين للصعود وإبراز قدراتهم".

ورأى أن “المشهد أوضح أن هذه المرحلة عززت مكانة أوزغور تشيليك، فيما أضعفت من نفوذ غورسل تكين. واليوم يبرز اسمان يلمع نجمهما داخل الحزب: أوزغور أوزيل (رئيس الحزب)، وأوزغور تشيليك (رئيس فرع إسطنبول)”.

في المقابل، تراجع حضور شخصيتين بارزتين هما غورسل تكين ورئيس الحزب السابق كمال كليتشدار أوغلو. 

وفي هذا السياق، أكد بعض الصحفيين المخضرمين، من الذين تابعوا الحياة السياسية التركية منذ عودة التعددية بعد انقلاب 1980، أن “أوزيل وتشيليك يقفان اليوم في الموقع الصحيح داخل مسار الحزب".

وأضافوا أن "المرحلة الحالية هي مرحلة نضال، ومن يخوض هذا النضال بجدية سيكون الرابح في النهاية”.

رموز ورسائل

وأردف الكاتب التركي أن "المؤتمر الاستثنائي الأخير اختلف عن المؤتمرات السابقة، فلم يكن ساحة لصراع القوائم أو لتنافس الأجنحة، بل اتسم بالهدوء؛ مرشح واحد، قائمة واحدة، وصوت واحد". 

وهدفه الأساسي كان مواجهة احتمال صدور حكم قضائي بـ"البطلان المطلق" ضد الإدارة القائمة، لذلك أطلق عليه البعض اسم "مؤتمر الحركة".

وأشار إلى أن “المؤتمر شهد رسائل رمزية لافتة. فقد عُلّقت عند المدخل لافتة كبيرة كُتب عليها: (لا خلاص فرديا، إما جميعا أو لا أحد). كما خُصص ركن داخل القاعة أطلق عليه (سجن سيليفري)، ووضعت فيه صور رؤساء البلديات المعتقلين، وعلى رأسهم أكرم إمام أوغلو”. 

ولفت سيلفي إلى أن “مشهدا من هذا النوع كان مألوفا في مؤتمرات حزب الشعب الديمقراطي، لكنه ظهر هذه المرة في مؤتمر حزب الشعب الجمهوري”.

وربما كان أبرز ما لفت الأنظار هو غياب كليتشدار أوغلو، رغم حضور زعماء سابقين للحزب كحكمت تشيتين ومورات كارايالتشين، ورغم أن أوزغور أوزيل  وجّه له دعوة هاتفية، إلا أنه اختار عدم الحضور. 

والمثير هنا هو أن المؤتمر لم يخصص له مقعدا، ولم يُسجَّل أي انتظار أو رغبة في وجوده، وهو ما عدّه المراقبون دليلا على أن نفوذه ودعمه داخل الحزب بدأ يتلاشى بسرعة، كما تذوب الشمعة شيئا فشيئا.

وأضاف سيلفي: “في كلمته الافتتاحية، لمّح أوزيل إلى كليتشدار أوغلو وغورسل تكين منتقدا: هذه الأيام هي التي نعرف فيها أصدقاءنا من أعدائنا.. لقد تمرّسنا في كسر الحجارة”. 

كما فاجأ الجميع بمطالبته بحجب الثقة عن الإدارة السابقة، وهو أمر غير مألوف، إذ اعتاد الحزب في مؤتمراته تجديد الثقة لا سحبها.

ويرى مراقبون أن هذه الخطوة ليست سوى تكتيك استباقي، فإذا صدر في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2025 قرار قضائي بالبطلان المطلق، فتكون الإدارة السابقة قد سقطت فعليا بحجب الثقة، ليُقال لاحقا إن الإدارة الجديدة منتخبة ومشروعة.

وقال سيلفي إن “المشهد داخل حزب الشعب الجمهوري يشير بوضوح إلى مرحلة تحول، فهناك أسماء بارزة تتراجع مثل كليتشدار أوغلو وغورسل تكين، وأخرى تصعد بقوة مثل أوزغور أوزيل وأوزغور تشيليك”. 

أزمات متجددة

في المؤتمر الأخير، وجّه رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل انتقادا لاذعا للحكومة التركية قائلا: "هذه السلطة سلطة أخذت إذنا من (الرئيس الأميركي، دونالد) ترامب". 

وذكر سيلفي أن “التصريح قد أثار الجدل، إذ أن السلطة الحالية هي نتاج إرادة الناخبين الأتراك. وقد رأي مراقبون أن مثل هذا التوصيف يُعدّ مساسا بخيارات الشعب، الذي سبق أن جدّد ثقته بحزب الشعب الجمهوري في الانتخابات المحلية”.

لكن أوزيل لم يتوقف عند ذلك، بل أطلق نداء صريحا لتوحيد الصفوف، ورغم أن قادة الحزب فسّروا هذا النداء على أنه موجّه إلى قوى المعارضة الأخرى، إلا أن المتابعين أجمعوا أن الحزب نفسه -أي الشعب الجمهوري- هو الأكثر حاجة اليوم إلى وحدة داخلية صلبة.

وقبل كلمة أوزيل، عُرضت رسالة مسجلة من رئيس بلدية إسطنبول (الموقوف) إمام أوغلو، كما جرت العادة في كل مهرجان واجتماع. 

لكن اللافت هنا هذه المرة هو فتور ردّة فعل الحاضرين، إذ غابت موجات التصفيق الحماسي التي كانت ترافق ذكر اسم إمام أوغلو منذ لحظة اعتقاله وحتى فترة قريبة.

فعلى العكس، بدا أن الاهتمام الأكبر موجّه هذه المرة إلى أوزيل نفسه، ما أعطى الانطباع بأن نجم إمام أوغلو بدأ يخفت تدريجيا، فيما يتقدّم أوزيل إلى الواجهة بوصفه القائد الجديد الذي يثير الحماسة. 

وحتى ديليك إمام أوغلو التي اعتادت الحضور في مثل هذه المناسبات غابت عن قاعة المؤتمر، ما زاد من الإيحاء بأن بريق العائلة السياسية في تراجع.

وأضاف الكاتب أن "أوزيل خاض الانتخابات الداخلية بوصفه المرشح الوحيد وفاز بها بسهولة، بينما بقيت قائمة المجلس الحزبي على حالها، بذلك سقطت كل التوقعات التي رُوّجت عن إمكانية تقليص نفوذ فريق إمام أوغلو داخل الحزب".

لكن قبل انعقاد مؤتمر فرع إسطنبول، اندلعت أزمة جديدة. فقد صرّح غورسل تكين، الذي عُيّن رئيسا لفرع الحزب بقرار قضائي، قائلا: "توليت المهمة بقرار المحكمة، ولن تنتهي إلا بقرار المحكمة". 

في المقابل، ترى قيادة حزب الشعب الجمهوري أن مهمته انتهت بمجرد انعقاد المؤتمر وانتخاب قيادة جديدة، لذلك فإن هذه الإشكالية القانونية السياسية تهدد بمفاقمة التوتر داخل الحزب في الأيام المقبلة.

وأكد سيلفي أنه “من الواضح أن حزب الشعب الجمهوري يواجه الأزمات الواحدة تلو الأخرى، بدءا من مسألة القيادة وصراع النفوذ بين الأجنحة، وصولا إلى الخلافات القضائية حول شرعية التعيينات”. 

واستدرك: “لكن يبقى السؤال الأهم: ماذا بعد 24 أكتوبر، تاريخ صدور القرار القضائي المرتقب بشأن شرعية بعض التعيينات؟”

وقال سيلفي إن "الإجابة ليست واضحة بعد.. لكن المؤكد هو أن حزب الشعب الجمهوري بحاجة إلى ما يشبه (سيف إسكندر)، الرمز التاريخي القادر على قطع كل العقد وحلّ الإشكاليات المتشابكة". 

وتابع: "فإما أن ينجح الحزب في استثمار التحديات لتجديد نفسه، أو أن تتراكم الأزمات بما يهدد مكانته في المشهد السياسي التركي".