اعتراف الدول الأوروبية بدولة فلسطين.. 3 أسباب وراء "التحول الكبير"

"الاستمرار في دعم إسرائيل لم يعد يتماشى مع المصالح الجوهرية لأوروبا"
اعترفت بريطانيا وأستراليا وكندا والبرتغال وفرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا وأندورا وموناكو بالدولة الفلسطينية، خلال أعمال الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في 22 و23 سبتمبر/ أيلول 2025.
بالتزامن مع ذلك، أعلن الاتحاد الأوروبي عزمه اتخاذ سلسلة من الإجراءات العقابية ضد إسرائيل.
ويرى موقع "الصين اليوم" أن هذه التطورات تمثل "تحولا كبيرا" في سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية، بعد سنوات من الانحياز شبه المطلق لإسرائيل.
غير مسبوق
وفسر التقرير الصيني أسباب هذا التحول الذي وصفه بـ"المنعطف الدراماتيكي"، مقارنا بين إسبانيا وألمانيا في الموقف من إسرائيل.
وأوضح أنه "في بداية الجولة الحالية من الصراع، وقفت غالبية دول الاتحاد الأوروبي إلى جانب إسرائيل، بل إن رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، تعرضت لانتقادات من نواب البرلمان الأوروبي بسبب دعمها الصريح لإسرائيل".
واستدرك: "لكن الأمور تغيرت مع استمرار العمليات العسكرية (الإبادة) الإسرائيلية في قطاع غزة، والتي أثارت موجة متصاعدة من الإدانة في أوساط الشعوب الأوروبية، وأجبرت العديد من الحكومات التي كانت مؤيدة لإسرائيل على إعادة النظر في مواقفها، واتخاذ نهج أكثر صرامة تجاه حكومة بنيامين نتنياهو".
على مستوى الاتحاد، لفت إلى أنه بينما "كانت بروكسل منقسمة تقليديا في تعاملها مع الصراعين الروسي الأوكراني والإسرائيلي الفلسطيني، إلا أنها اتخذت أخيرا منعطفا دراماتيكيا في نهجها تجاه إسرائيل".
وعزا ذلك إلى "تشكل إجماع سياسي غير مسبوق على إدانة تل أبيب وفرض عقوبات عليها، إلى جانب دعم واضح لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم".
هذا التحول في الموقف الأوروبي يعكس -وفق التقرير- "تعقيدات المشهد الدولي الراهن، ويكشف عن احتدام المنافسة بين القوى الكبرى، حيث لم تعد المواقف ثابتة أو محسومة، بل تخضع لإعادة تقييم مستمرة في ضوء التطورات الميدانية والضغوط الشعبية".
مصالح متضاربة
وسلط الموقع الضوء على ثلاثة أسباب وراء هذا التحول.
وقال: "أولا، أثارت سياسات إسرائيل في قطاع غزة، بما في ذلك بناء ما يُسمى بـ(المدينة الإنسانية) واستمرار القصف المكثف؛ موجة غضب عارمة في أوروبا، حتى إن قطاعات واسعة من الرأي العام الأوروبي وصفت ما يجرى بأنه (إبادة جماعية)".
وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي، في مايو/ أيار 2025 إلى الإعلان عن بدء مراجعة “اتفاقية الشراكة بين الاتحاد وإسرائيل”، وفق التقرير.
وتابع: "فيما خرجت مظاهرات حاشدة في عدة دول أوروبية دعما للشعب الفلسطيني".
ويعتقد الموقع أن "هذا التوافق الشعبي خلق ضغطا سياسيا كبيرا على حكومات الاتحاد الأوروبي، وأجبرها على إعادة النظر في سياساتها".
في الوقت ذاته، أبرز أن "الاستمرار في دعم إسرائيل لم يعد يتماشى مع المصالح الجوهرية لأوروبا".
وفسر حديثه قائلا: "في الماضي، كان دعم الاتحاد الأوروبي لإسرائيل مدفوعا في المقام الأول بأنظمة سياسية متشابهة وقيم مشتركة، بالإضافة إلى احترام الولايات المتحدة وطاعتها، لكن اليوم، تُقوض تصرفات إسرائيل في الشرق الأوسط بشدة المصالح الحيوية للاتحاد الأوروبي".
وأردف: "فقد أدى الصراع الروسي الأوكراني إلى أزمات في إمدادات الطاقة وسلاسل التوريد في أوروبا، مما دفع دول الاتحاد إلى البحث عن مصادر نفط وغاز من الشرق الأوسط".
"غير أن دعم إسرائيل يهدد بإغضاب الدول العربية، ويعرض أمن الطاقة الأوروبي لمزيد من المخاطر". على حد قوله.
"وبالتالي، أصبحت أوروبا ترى أنه في إطار السعي نحو تعزيز استقلاليتها الإستراتيجية، فإن النأي بنفسها عن إسرائيل وتعزيز علاقات أوثق مع دول الشرق الأوسط يُعد خيارا عمليا للدبلوماسية الأوروبية". وفق رأي الموقع الصيني.
إضافة إلى ذلك، لفت إلى التغيرات في تركيبة المجتمعات الأوروبية اليوم، فقال: "عند النظر إلى المجتمع الأوروبي حاليا، يمكن ملاحظة تغيرات تدريجية في التركيبة السكانية والدينية".
وأردف: "فمنذ أوائل القرن الحادي والعشرين، أدت الاضطرابات السياسية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط إلى موجات كبيرة من اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا".
ووفقا له "أدخل هذا التدفق مجموعات كبيرة من المهاجرين العرب واللاجئين والشعوب الإفريقية من شمال إفريقيا، ما أثر تدريجيا على البنية الاجتماعية الأوروبية التقليدية المهيمنة عليها أغلبية بيضاء ومسيحية".
"ونتيجة لذلك، أصبحت الأصوات الشعبية الداعمة للشعب الفلسطيني والمنددة بإسرائيل، خاصة في الاحتجاجات الشعبية، واقعا لا يمكن لصناع القرار في أوروبا تجاهله". بحسب التقرير.
تناقض داخلي
من زاوية أخرى، عقد الموقع مقارنة بين الموقفين الإسباني والألماني من حرب الإبادة في غزة، قائلا: "من اللافت أن إسبانيا تعد من أكثر دول الاتحاد الأوروبي تشددا في موقفها من إسرائيل".
واستدل على ذلك بالقول: "ففي 17 سبتمبر 2025، قادت مدريد حملة لرفض مشاركة إسرائيل في مسابقة (يوروفيجن) الغنائية".
وأكمل: "وفي 14 سبتمبر 2025، أعلن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز دعمه المظاهرات المؤيدة لفلسطين، أما في 8 سبتمبر 2025، فقد ألغت مدريد صفقة أسلحة مع إسرائيل بقيمة تقارب مليار يورو، ورفعت حجم المساعدات الإنسانية الموجهة لغزة".
ووفق التقرير، يأتي موقف إسبانيا الصارم نتيجة مجموعة عوامل، فقد أظهرت استطلاعات الرأي أن 82 بالمئة على الأقل من الإسبان يرون أن ما يحدث في غزة يشكل “إبادة جماعية”، كما أن الحكومة الإسبانية اليسارية تاريخيا تميل لدعم القضية الفلسطينية.
واستطرد: "ومع تزايد تأييد الرأي العام لهذا التوجه، إلى جانب الرغبة في الحد من تدفق اللاجئين من الشرق الأوسط ومكافحة التهديدات الإرهابية الدولية، اتخذت مدريد هذه المواقف الدبلوماسية الحاسمة".
"في المقابل، تحمل ألمانيا عبئا تاريخيا حساسا مرتبطا بـ(الإبادة الجماعية) لليهود في عهد النازية، ولذلك دأبت على الحفاظ على علاقات قوية مع إسرائيل، لكن هذا التسامح التاريخي له حدود". على حد قوله.
وأضاف: "ففي عهد حكومة أولاف شولتس السابقة، أعلنت برلين دعمها غير المشروط لـ(حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها)، رغم المعارضة الشعبية".
واستدرك: "أما اليوم، فقد اتخذت حكومة فريدريش ميرتس المنتمية إلى الاتحاد الديمقراطي المسيحي خطوة لافتة؛ إذ علقت تصدير أي معدات عسكرية قد تستخدم في قطاع غزة".
واسترسل: "كما أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحاكم، دعا هو الآخر إلى فرض عقوبات على إسرائيل".
ولفت الموقع إلى أن "هذا التحول لا يرتبط فقط بتغير المزاج الشعبي، بل أيضا بالضغوط السياسية الداخلية".
وتابع موضحا: "فحزب (البديل من أجل ألمانيا)، أكبر أحزاب المعارضة، تجاوز الاتحاد الديمقراطي المسيحي في استطلاعات الرأي الأخيرة".
ويكمن الخطر في أن هذا الحزب "يُعرف بمواقفه المعادية للأجانب واليهود، ما يضع الحكومة تحت ضغط متزايد أثر على سياستها الخارجية".
وحول قدرة الخطوات الأوروبية على إيقاف العدوان على غزة، يرى الموقع الصيني أنه "رغم التوافق الظاهر بين الدول الأوروبية على إدانة إسرائيل ومعاقبتها، إلا أن هذه العقوبات في الممارسة العملية لا تبدو قوية، ويُنظر إليها في غالبها كإشارة سياسية رمزية".
واستشهد على ذلك قائلا: "فحتى اللحظة، اقتصرت العقوبات التي أعلنها الاتحاد الأوروبي على اثنين من الوزراء الإسرائيليين، وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير، والمالية بتسلئيل سموتريتش، باستخدام آلية (العقوبات الدولية لحقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي)، وأدواته المالية العالمية".
وتشمل هذه العقوبات بضائع إسرائيلية بقيمة 5.8 مليارات يورو، صدرت إلى الاتحاد الأوروبي بموجب اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
ورغم ذلك، ينظر الموقع إلى هذه الإجراءات على أنها "قد تشكل نقطة تحول في ابتعاد إسرائيل عن أكبر شريك تجاري واستثماري لها".