فرانشيسكا ألبانيزي.. مسؤولة أممية فضحت الاحتلال و"الإبادة" فعاقبتها واشنطن

إسماعيل يوسف | منذ ١٦ ساعة

12

طباعة

مشاركة

العقوبات الشديدة التي فرضتها واشنطن على مقررة الأمم المتحدة المسؤولة عن حقوق الإنسان في فلسطين، فرانشيسكا ألبانيزي، ألقت الضوء على دور واشنطن في جرائم الإبادة بغزة، وفضحها لهم، لذا أضافوها لقائمة المغضوب عليهم.

تحرك إدارة الرئيس دونالد ترامب ضد محامية حقوق إنسان العالم التي كشفت تقاريرها منذ توليها هذا المنصب عام 2022، الدور الأميركي المساند للإبادة الصهيونية في غزة، جاء لسببين.

الأول، أنها فضحت جرائم الحرب التي ارتكبتها أميركا مع إسرائيل، بدعمها إبادة غزة، بداية من توفير سلاح القتل والمشاركة في الجرائم، وحتى التربح من المجازر هناك، ثم دعت المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبتهم.

الثاني، أن تقرير "من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية"، الذي قدمته ألبانيزي، للدورة 59 لمجلس حقوق الإنسان (16 يونيو/حزيران- 11 يوليو/تموز 2025)، كشف استغلال الشركات الأميركية والإسرائيلية مجازر غزة لتدشين "اقتصاد الإبادة" الربحي، بالتواطؤ مع شركات عالمية.

عش الدبابير

في تقريرها الخطير الغزير بالمعلومات، كشفت مقررة الأمم المتحدة بالتفصيل الدقيق، كيف تحول اقتصاد الحرب الإسرائيلي من "اقتصاد احتلال" إلى "اقتصاد إبادة جماعية"، مدعوما بشبكة كبيرة مترابطة من الشركات والمستثمرين العالميين، خاصة الأميركيين.

ودعت إلى محاسبة شركات أميركية وأخرى عالمية ومديرين تنفيذيين لتواطؤهم مع إسرائيل ودعمهم لجرائم "التهجير والإبادة" ضد الفلسطينيين، والتربح بشكل كبير من خلال ذلك.

لذا تحرك ترامب وحكومته ضدها بكل قوة، وفرض عليها عقوبات مشددة؛ لأنها دعت في نهاية تقريرها محكمة الجرائم الدولية (لاهاي) للتصدي لتلك الشركات الأميركية ومحاكمة مدرائها ومسؤولي حكومتي الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي.

وهو ما يعني أنها وضعت يدها في “عش الدبابير” أو "لمست عصبا حساسا لديهم"، كما قالت ألبانيزي وهي تُعقب على عقوبات ترامب.

وأشار إلى ذلك وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في تبريره للعقوبات؛ حيث وصف حملة ألبانيزي التي فضحتهم بأنها "حرب سياسية واقتصادية على الولايات المتحدة وإسرائيل"، وأكَّد أنهم "لن يتسامحون معها بعد الآن!".

وكتب على منصة "إكس" يقول: "أفرض عقوبات على مقررة الأمم المتحدة الخاصة لحقوق الإنسان فرانشيسكا ألبانيزي، لجهودها غير الشرعية والمخزية لحثّ المحكمة الجنائية الدولية على التحرك ضد مسؤولين وشركات ومديرين تنفيذيين أميركيين وإسرائيليين".

وأعلن أن ألبانيزي سيتم إضافتها إلى قائمة العقوبات الأميركية بسبب عملها الذي أدى إلى ما وصفه بـ"الملاحقات القضائية غير المشروعة للإسرائيليين في المحكمة الجنائية الدولية"!.

وردت ألبانيزي شارحة “السبب الذي جعلني أتعرض للتعذيب لسنوات، واتهامي بأكاذيب سخيفة للغاية”، مثل كوني "تهديدا لوجود دولة إسرائيل"، والولايات المتحدة، وحتى "الاقتصاد العالمي"، بالإحالة إلى تقرير كتبه أستاذ القانون، نمر سلطاني.

وقال سلطاني: إنه يجرى مطاردتها وتشويه صورتها وعقابها بسبب التقارير الدقيقة التي كتبتها عن تقرير المصير، ونظام السجون، وحقوق الطفل، والإبادة الجماعية، وتواطؤ الشركات، داعيا إلى تدريس هذه التقارير.

ففي سبتمبر/أيلول 2022 تحدثت عن "انتهاكات وطبيعة الاحتلال الإسرائيلي" ووصفته بأنه "نظام عنصري وتمييزي وقمعي يهدف إلى منع الشعب الفلسطيني من نيل حقه في تقرير المصير".

وفي مارس/ آذار 2024، رصدت “الإبادة الجماعية الإسرائيلية” ضد الفلسطينيين في غزة، ووصفتها بأنها "مرحلة تصعيدية في عملية محو استعمارية استيطانية طويلة الأمد، لأكثر من سبعة عقود، خنقت الشعب الفلسطيني".

ووصفت ألبانيزي القرار الأميركي بعقابها، ضمنا، بأنه نوع من البلطجة من الأقوياء تجاه الضعفاء، مؤكدة: "معاقبة الأقوياء لمن يتحدثون باسم الضعفاء ليست دليل قوة، بل دليل شعور بالذنب".

ودعت إلى "التزام كامل بوقف الإبادة الجماعية"، وأن "تبقى كل الأنظار مُسلطة على غزة؛ حيث يموت الأطفال جوعا في أحضان أمهاتهم، بينما يُقصف آباؤهم وإخوتهم بحثا عن الطعام، أرسلوا قوات بحرية واكسروا الحصار".

وحول طبيعة العقوبات الأميركية ضدها قالت لوكالة "رويترز" في 11 يوليو 2025: إنها تواجه حاليا تجميد أصولها وقيودا محتملة على السفر.

وأضافت: "لم تعد هناك خطوط حمراء بعد الآن، إنه أمر مخيف أن يمنعوني (وهي مقررة أممية) من التنقل، ويرعبون الأفراد الذين يتعاملون معي".

وحذّرت ألبانيزي من أن "القرار الأميركي يشكل سابقة خطرة للمدافعين عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم".

ورد رئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يورج لاوبر، على العقوبات الأميركية ضدها، مطالبا جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بـ"الامتناع عن أي أعمال ترهيب أو انتقام ضدهم"، في إشارة إلى واشنطن.

وطالب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، أميركا بإلغاء العقوبات التي فرضتها عليها.

فيما قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، إن استخدام العقوبات ضد أي مسؤول أممي يعد "سابقة خطيرة" وهو "أمر غير مقبول".

فاضحة المتربحين

بحكم منصبها، وثقت ألبانيزي منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023 الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي في عدة تقارير أثارت غضب واشنطن والاحتلال.

لكن اتهامها الولايات المتحدة وشركاتها المختلفة ومسؤوليها، في تقريرها الأخير، والمطالبة بإحالتهم إلى المحكمة الجنائية الدولية لدورهم في جرائم الإبادة في غزة، فضح الدور الأميركي بصورة غير معتادة.

ففي تقريرها، عددت ألبانيزي أسماء الشركات الأميركية والأوروبية التي تنتفع من وراء إبادة غزة، وكشفت أنشطتها، من شركات أسلحة إلى شركات بلدوزرات ومعدات ثقيلة إلى شركات تقنية إلى مصارف وشركات مالية وصناديق استثمارات.

وحدد 48 جهة فاعلة في مجال الشركات، من مصنعي الأسلحة إلى الشركات المالية، متهمة بالربح على أساس تعاونها مع الحكومة الإسرائيلية في تنفيذ الإبادة الجماعية. بحسب موقع "بوليتيكو" في 9 يوليو 2025.

وأكدت أن أكثر من 1000 شركة عالمية، أغلبها أميركية، من المليارديرات داعمي ترامب، متورطة بشكل مباشر في دعم الإبادة الجماعية المتواصلة في غزة، وهو ما رصده بدقة تقرير لـ"منظمة العمل ضد العنف المسلح".

ولا يكشف التقرير عن مدى التواطؤ الأميركي والدولي فحسب، بل يكشف أيضا أن الإبادة الجماعية في فلسطين تشارك فيها مؤسسات اقتصادية يُفترض أنها محايدة، كجزء من آلة القتل، وتُسهم في التمويل والتسويق والإنتاج والتطبيع.

لم يكتف التقرير برصد الجرائم، بل فضح جوانبها الاستعمارية؛ إذ ركز على نموذج هيمنة ما يُعرف بـ"الرأسمالية الاستعمارية العنصرية"؛ حيث تتشابك المصالح الاقتصادية مع البنى الاستعمارية والعنصرية، مؤكدا أن هذا "ما فعله الاحتلال الإسرائيلي في غزة".

ووصف "المشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي" بأنه "مثال حي على هذا النموذج الرأسمالي الاستعماري العنصري؛ حيث تتداخل أدوات التهجير والاستبدال والسيطرة المكانية ضمن منطق اقتصادي استغلالي تقوده الشركات متعددة الجنسيات والبنوك وصناديق الاستثمار والمؤسسات الأكاديمية".

ورصد التقرير "كيف يعكس البعد الاقتصادي لواحدة من أكثر الحروب دموية في العصر الحديث، "اقتصاد الإبادة" الذي يديره الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتتواطأ مع شركات عالمية بغرض الربح".

وكيف تحولت البنية الاقتصادية للاحتلال إلى منظومة ربحية تعتمد على التهجير والتدمير والقمع، بغطاء تقني وتمويلي دولي.

وتتبع التقرير العلاقة المعقدة بين الاحتلال وشبكة من الشركات الدولية التي تدعمه أو تستفيد منه، موضحا أن “هذه الكيانات ليست هامشية بل تمثل ركيزة أساسية للاحتلال”.

وتشمل هذه الشركات مصنعي الأسلحة وشركات التكنولوجيا، والشركات التي توفر بلدوزرات هدم غزة، وشركات الطاقة وحتى المؤسسات الأكاديمية.

تورط العمالقة

كشف تقرير ألبانيزي عن الدور المحوري الذي تلعبه شركات التكنولوجيا الكبرى في دعم البنية التحتية الرقمية والعسكرية لإسرائيل، مما يعزز قدراتها في الحرب على غزة ويستهدف تحقيق أرباح للشركات العالمية ودولة الاحتلال.

وأوضح أن شركات مثل غوغل وأمازون ومايكروسوفت وفّرت أدوات متقدمة لإدارة البيانات والاستهداف والمراقبة، وحققت من وراء ذلك أرباحا ضخمة، رغم اتهام إسرائيل بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي.

وشملت القائمة شركات تكنولوجيا كبرى مثل، غوغل (ألفابت)، وأمازون، ومايكروسوفت، وبالانتير، و"أي بي إم"، و"إتش بي"، و"إن إس أو".

وهي شركات متهمة بتوفير أدوات مراقبة متقدمة وخدمات سحابية وتقنيات الذكاء الاصطناعي التي تُستخدم في العمليات العسكرية الإسرائيلية.

كما أشار التقرير إلى تورط شركات مثل "أي بي إم" و"إتش بي" و"إن إس أو" في تطوير أنظمة مراقبة بيومترية وتجسس، أسهمت في فرض رقابة مشددة على الفلسطينيين وتكريس نظام الفصل العنصري.

ورصد التقرير كيف شكل التدمير الهائل في غزة والمأساة الإنسانية، فرصة ربحية لشركات أسلحة إسرائيلية وأجنبية، استفادت بشكل مباشر من الحرب والإبادة الجماعية المستمرة بحق الفلسطينيين.

وحققت شركتا "إلبيت سيستمز" وصناعات الفضاء الإسرائيلية (IAI) قفزات في أرباحهما السنوية، مدفوعة بزيادة بنسبة 65 بالمئة في الإنفاق العسكري الإسرائيلي بين عامي 2023 و2024، والذي بلغ 46.5 مليار دولار.

وبالمثل، تربحت شركات أسلحة أميركية شهيرة مثل لوكهيد مارتن، ليوناردو، كاتربيلر، وإتش دي هيونداي من الإبادة، واستفادت إسرائيل من مشاركتها في برنامج مقاتلات "إف-35"، الذي تقوده لوكهيد مارتن.

وبجانب الدور الذي لعبته شركات التكنولوجيا والسلاح في قلب اقتصاد الإبادة، لعب المال عنصرا أساسيا، فرغم المجازر التي خلفتها إسرائيل، دعم عدد من البنوك وشركات الاستثمار الاقتصاد الإسرائيلي.

فبحسب تقرير ألبانيزي، زاد حجم استثمارات صندوق الثروة السيادي النرويجي في الشركات الإسرائيلية بعد عملية “طوفان الأقصى” بـ32 بالمئة لتصل إلى 1.9 مليار دولار، "رغم ادعائه بالالتزام بالمعايير الأخلاقية".

وحين زاد عجز الميزانية العسكرية من 4.2 إلى 8.3 بالمئة، لجأت الحكومة الإسرائيلية إلى تمويل موازنة الحرب الضخمة عبر إصدار سندات حكومية بقيمة تزيد عن 13 مليار دولار اشترتها أكبر بنوك العالم مثل "بي إن بي باريبا" وباركليز لتعزيز "اقتصاد الإبادة".

كما اشترت شركات إدارة الأصول الكبرى (بلاك روك وفانغارد وأليانز) تلك السندات بقيمة (68 مليون دولار) و (546 مليون دولار) و(960 مليون دولار) على التوالي.

وأدى ذلك إلى زيادة قياسية بلغت 179 بالمئة في أسعار أسهم الشركات المدرجة في بورصة تل أبيب، لتحقق إسرائيل مكاسب بلغت 157.9 مليار دولار، بحسب تقرير ألبانيزي.

أيضا تورطت شركات إنتاج الجرافات في اقتصاد الإبادة، بعقود بملايين الدولارات مثل شركة كاتربيلار الأميركية التي زودت إسرائيل لهدم واقتحام المستشفيات والمنازل، ودفن الجرحى أحياء، وفق التقرير.

أيضا تورطت شركات "فولفو" السويدية وهيونداي ودوسان الكورية عبر تزويد إسرائيل بمعدات ثقيلة استخدمت في تدمير قطاع غزة، الذي تضرر أكثر من 70 بالمئة من أبنيته و95 بالمئة من أراضيه الزراعية بعد أكتوبر 2023، بحسب منظمة "الفاو".

شرارة نوبل

كانت العقوبات الأميركية على ألبانيزي شرارة، دفعت الكثيرين حول العالم للمطالبة بتكريمها لا عقابها لكشفها مجرمي الحرب وما يجري في غزة، ومنحها جائزة نوبل للسلام بدلا من ترامب الذي يدفع نوابه وحكام موالون لحصوله عليها.

طالب نشطاء وعرائض بمنحها جائزة نوبل للسلام لعام 2026، إلى جانب الأطباء الذين يواصلون تقديم الرعاية الطبية في قطاع غزة تحت القصف والحصار.

وقالوا: إن جائزة نوبل "مسيسة ومحابية للصهيونية"، لكن هذا النداء لمنح الجائزة لمقررة الأمم المتحدة "هو لإحراجهم ليس إلا، ووضعهم إزاء شخصية تدعو للسلام الذي تسمى الجائزة باسمه!".

ولفتوا إلى أن هذ الانتقام والبطش الأميركي بها يأتي ضمن سياق أوسع يشمل التضييق على الناشطين واعتقال أي مواطن أوروبي أو أميركي يعبر عن تضامنه مع الفلسطينيين.

وأكدوا أن ألبانيزي، المثقفة الإيطالية والحائزة على شهادات عليا متعددة في الحقوق والقانون والناشطة والخبيرة في حقوق الإنسان، تُعاقب لأنها فضحت ازدواجية أميركا وللغرب في التعامل مع جرائم الإبادة في غزة.

وبسبب مطالبتها، في تقارير أممية متعددة، ليس فقط بملاحقة شخصيات إسرائيلية بارزة ضالعة في هذه الجرائم، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وإنما أيضا مسؤولون ورؤساء شركات أميركية متورطة في دعم الإبادة، بصفتها مشروعا ربحيا.

وجاءت هذه الدعوات لترشيحها، عبر عريضة إلكترونية انتشرت على نطاق واسع، واقترب عدد الموقعين عليها من 500 ألف توقيع، وهو الهدف المرصود لها.

ودعم حصولها على الجائزة، نواب أوروبيون منهم، عضو البرلمان الأوروبي السلوفيني، ماتياز نيميتش، الذي قال: إن "العديد من السياسيين في أوروبا والولايات المتحدة، على عكس ألبانيزي، شركاء في الإبادة الجماعية من خلال التزام الصمت".