أزمة دروز سوريا.. هل نجح الشرع في إجهاض خطة إسرائيل أم تأجيلها؟

إسماعيل يوسف | منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

باتت أهداف إسرائيل باللعب بالورقة الدرزية لتقسيم سوريا مؤكدة، بعد هجوم الجيش الإسرائيلي على القوات السورية التي دخلت السويداء جنوب البلاد في 16 يوليو/تموز 2025.

وقصف الاحتلال مقر الرئاسة ورئاسة الأركان السورية ووزارة الدفاع في دمشق لإجبارها على سحب جيشها من السويداء التي يتمركز فيها الدروز، بعد استنجاد هذه الطائفة بها.

قصف تل أبيب لسوريا والتهديد بتصعيد الهجمات، حالَ عدمِ انسحاب جيشها من السويداء، وتنصيب نفسها وصية على الجنوب السوري، بذريعة حماية الدروز، كشف خطة الاحتلال في إعادة صياغة النظام الإقليمي من بوابة الأقليات؛ إذ يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لفرض سابقة في السويداء، ذات الأغلبية الدرزية، تمنحه غطاء مزيفا ومبررا للتدخل العسكري في شؤون الدول العربية، تحت شعار حماية الأقليات، وذلك كما فعلت إسرائيل سابقا مع أرمن لبنان وأكراد العراق، ومسيحيي جنوب السودان وغيرهم.

تحول الإستراتيجية

كانت الخطة التي اتبعتها دولة الاحتلال في فترة السبعينيات حتى نهاية الألفية، في سبيل تغيير النظام الإقليمي، هي اتباع سياسة "شد الأطراف"، ثم "بترها".

وشرح هذه السياسة كتاب أصدره مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا (التابع لجامعة تل أبيب) بعنوان: "إسرائيل وحركة تحرير السودان"، عام 2004، وكتبه ضابط الاستخبارات الإسرائيلية "الموساد" سابقا العميد المتقاعد موشي فرجي.

تَكْمُن أهمية الكتاب في شرحه بالتفصيل الدورَ الكبير الذي لعبته المخابرات الإسرائيلية في مساندة حركة تحرير الجنوب، حتى انفصل جنوب السودان عن البلد الأم.

الأمر الأكثر أهمية أو خطورة أنه شرح على وجه التفصيل إستراتيجية إسرائيل لإضعاف العالم العربي بوجه عام.

فقد كان محور كتاب "فرجي"، وهو وثيق الصلة بدوائر القرار في الموساد، هو شرحه سياسة إسرائيل في مد الجسور مع الأقليات وجذبها خارج النطاق الوطني، ثم تشجيعها على الانفصال، لإضعاف العالم العربي وتفتيته.

وفى إطار تلك الإستراتيجية فتح الموساد خطوط اتصال مع تلك الأقليات، خاصة الأكراد في العراق والموارنة في لبنان والجنوبيون في السودان، وغيرهم.

ويتجاوز الأمر ذلك ليشرح كتاب "فيرجي" إضعاف العالم العربي بوجه عام‏، ومصر على وجه الخصوص‏ انطلاقا من السودان، خاصة "عقد تحالفات مع الأقليات العرقية والطائفية في الوطن العربي‏ لتفتيت المنطقة العربية".

وهذه النظرية قال عنها الباحث الإسرائيلي زئيف شيف إنها تهدف لتشجيع الجماعات العرقية والدينية في العالم العربي على الانفصال‏ وتشكيل الكيانات مستقلة عن الدول العربية‏.

والجديد، منذ اعتبار تل أبيب أنها حققت أهدافها وانتصرت في حروبها بغزة ولبنان وإيران، وحديث نتنياهو صراحة يونيو/حزيران 2025، عن بناء "شرق أوسط (إسرائيلي) جديد"، هو تغير إستراتيجية إسرائيل من اللعب سرا بورقة الأقليات، للإعلان بفجاجة عن أنهم في حِماها.

فقد انتقلت تل أبيب من العمل سرّا لتشجيع الأقليات على الانفصال، إلى فرض الوصاية والسيادة الإسرائيلية على هذه الأقليات علنا، ومحاولة إعادة صياغة النظام الإقليمي عبر هذه الورقة.

وكانت تصريحات نتنياهو ووزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس حول ضرورة انسحاب القوات السورية من السويداء وفرض سياسة نزع السلاح في المنطقة بالقوة، والربط بين حماية الدروز وأمن تل أبيب مؤشرا واضحا على بدء تنفيذ هذه الإستراتيجية الجديدة.

نتنياهو ذكر أن "الجيش وسلاح الجو يعملان وقوات أخرى من أجل إنقاذ إخواننا الدروز والقضاء على عصابات النظام"، وزعم هو و"كاتس"، أنهما أخذا على عاتقهما “حمايتهم” في سوريا.

تحريض درزي

ولتوفير أرضية طائفية للتدخل الإسرائيلي دعا المتطرف الدرزي "حكمت الهجري"، أحد ثلاثة يديرون الرئاسة الروحية للدروز 16 يوليو 2025، إسرائيل والولايات المتحدة للتدخل لحمايتهم.

وتمثّل الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز المرجعية الدينية العليا للطائفة في سوريا، لكن هناك 3 مشايخ عقل (زعماء دينيون) للطائفة يتخذون مواقف متضاربة، وهم حكمت الهجري، وحمود الحناوي، ويوسف جربوع.

والأخير هو من قاد اتفاق وقف النار الأخير وسحب القوات السورية، وأكد أن أبناء محافظة السويداء يقفون مع دولتهم ولا يقبلون أي توجه للخارج، وفق وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا".

أيضا حرّض رئيس الطائفة الدرزية في إسرائيل، موفق طريف، دولة الاحتلال الإسرائيلي على مهاجمة سوريا.

وذكر في بيان، أنه نقل رسالة إلى نتنياهو مفادها أن "عليكم الاختيار بين الشراكة مع الطائفة الدرزية أو مع تنظيم الدولة (نظام الشرع) ويجب ضرب النظام السوري وإجباره على الانسحاب من السويداء".

فمنذ عام 1956 يرتبط "موفق طريف" بما يسمى "عقد الدم" مع دولة الاحتلال، وبموجبه يدافع الجنود الدروز عن "إسرائيل"، ويعادون الفلسطينيين، وبعضهم ذهب لسوريا للقتال خلال الأزمة الأخيرة.

وقد أشارت هذه الإستراتيجية الإسرائيلية الجديدة لإعادة صياغة النظام الإقليمي من بوابة الأقليات، صحيفة "ليمانيتي" الفرنسية humanite، في 16 يوليو 2025.

وأكّدت أن إسرائيل "استغلت تدخل الجيش السوري في السويداء، كذريعة ممتازة لمهاجمة العاصمة دمشق وادعاء الدفاع عن الطائفة الدرزية".

وأوضحت أن تل أبيب "لم تتوقف عن صبّ الزيت على النار وتفكك سوريا بورقة حماية الدروز، واللعب على وتر الانقسام عبر تغذية الانشقاقات الطائفية، ووجدت وكلاء محليين مستعدين للتحالف معها"، في إشارة لحكمت الهجري.

قالت: سعت الحكومة الإسرائيلية لتحقيق هدفين: الأول، إقناع جميع الدروز (في الجولان المحتل، وسوريا، ولبنان) بأنها حاميتهم الأفضل.

والثاني، تأمين مزيد من الأراضي عبر التوغل أكثر في الداخل السوري والسيطرة على كامل جبل الشيخ (حرمون)، وهو موقع إستراتيجي. وتشير "ليمانيتي" إلى أن الأهداف الحقيقية التي تسعى إليها إسرائيل غير واضحة.

ورغم محاولات أميركا تطبيع العلاقات بين دمشق وتل أبيب، "يبحث نتنياهو عن زعزعة الاستقرار لمنع أي دولة من إعادة بناء نفسها وتحولها إلى قوة إقليمية".

وأوضحت أن الأمر لا يتعلق بمحاربة الإسلاميين، بل الاستثمار في نقاط ضعف المجتمع السوري، مع توجيه رسالة إقليمية تشير إلى أن هدفها تأجيج الانقسامات الطائفية.

أيضا أشار لهذا المخطط الكاتب السوري "عزت بغدادي" عبر حسابه على فيسبوك، مؤكدا أن "سوريا اليوم لم تعد قضية وطنية فقط، بل ورقة في بناء إقليم جديد، وإسرائيل، في قلب المبادرة".

وتساءل: "هل يمكن أن يتخلص السوريون من هواجسهم الطائفية؟ أم أننا دخلنا مرحلة تَحْكُمها المصالح، وتُدار فيها الجغرافيا كغنيمة، والطوائف كأدوات لإشعال الصراع؟

إجهاض أم تأجيل؟

وكانت إسرائيل بدأت في التحرك منذ ديسمبر/كانون الأول 2024، في إطار التعهد بحماية الدروز وتهديد الحكومة السورية الجديدة، بقصف قواتها لو حاولت التحرك ضدهم.

كما قرَّر الجيش الإسرائيلي إنشاء "وحدة تنسيق وارتباط" تابعة لمنسق أعمال الحكومة في المناطق المحتلة، بهدف إقامة علاقات مع سكان القرى الدرزية السورية.

وسمحت إسرائيل منذ 16 مارس/آذار 2025، بدخول الدروز السوريين للعمل في الجولان السوري المحتل في قطاعي البناء والزراعة.

أيضا بدأ جيش الاحتلال عرض خدماته على الدروز مثل تحسين البنية التحتية في القرى الدرزية الحدودية داخل سوريا، وإصلاح شبكات المياه وتحسين الخدمات الطبية، وتنظيم لقاءات بين العائلات الدرزية لدى الجانبين.

ويعيش حوالي 40 ألف سوري حاليًا في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي في سوريا، من بينهم 25 ألفًا في الجولان و15 ألفًا في سفوح جبل الشيخ، معظمهم من الدروز الذين تحاول تل أبيب تعزيز العلاقة معهم لتقسيم المجتمع السوري.

كما نظم رئيس الطائفة الدرزية الرافض للحكم الجديد في سوريا، "حكمت الهجري" زيارة لـ 100 من شيوخ الدروز لإسرائيل في 14 مارس 2025، بدعوة من نتنياهو وموفق طريف.

"كنا أمام خيارين: الانجرار إلى مواجهة مفتوحة مع الكيان الإسرائيلي على حساب أهلنا الدروز وأمنهم، وزعزعة استقرار سوريا والمنطقة بأسرها، وبين فسح المجال لوجهاء ومشايخ (هذه الطائفة) للعودة إلى رشدهم، وتغليب المصلحة الوطنية، وقد اخترنا حماية الوطن".

كانت هذه أهم كلمة في أقوى خطاب صدر عن الرئيس السوري أحمد الشرع، 17 يوليو 2025، منذ توليه المسؤولية، وهو يعلن اتفاق سحب قواته من السويداء وتولي قوى أمن محلية درزية الأمن، بوساطة أميركية تركية عربية.

"الشرع" أشار بوضوح للهدف الإسرائيلي بقوله: "أفشلنا مخططا إسرائيليا لجر سوريا إلى الفوضى"، واتهم تل أبيب بمحاولة "تحويل أرضنا إلى ساحة نزاع وتفكيك وحدة شعبنا".

وكانت أول مرة يقول فيها لإسرائيل: إن الدولة السورية "لا تخشى الحرب". وشدد على أن "الدروز جزء أصيل من نسيج الوطن، وحمايتهم أولوية للدولة"، لنزع الحجة الإسرائيلية بحمايتهم.

قال: "سوريا لن تكون أبدا ساحة للتفتيت"، و"السوريون عبر تاريخهم رفضوا كل أشكال التقسيم، ولن نكون ساحة لمؤامرات خارجية أو مطامع إقليمية".

ويرى محللون أن خطاب الشرع كان يعبر عن فهم واضح للمخطط الإسرائيلي الأصلي، وهو السعي لتفتيت العالم العربي عبر ورقة الأقليات، مستغلة انتشار الفئات العرقية والدينية المختلفة في أرجاء الوطن العربي، والشرق الأوسط.

وأكّدوا أن اتفاق سحب القوات السورية من السويداء تحت وطأة الضربات الجوية الإسرائيلية التي نالت القصر الجمهوري ووزارة الدفاع وقيادة الأركان ومقرات ألوية للجيش، ورغم أنه تنازل سوري أمام الاحتلال، جاء لإجهاض استغلال إسرائيل ورقة الدروز.

إنشاء دويلة

ووصف الصحفي المصري جمال سلطان تسليم ضبط الأمن في السويداء لفصائل درزية وطنية متحالفة مع الدولة والسلطة الشرعية بأنه "قرار سياسي مرحلي سليم تماما، يسحب البساط من تحت التدخل الأجنبي".

وأيضا "يهمش تيار الخيانة والعمالة الذي يمثله الهجري وفصائله الذين تلقوا درسا عسكريا قاسيا علمهم الأدب وسحقهم بيومين وطردهم من السويداء".

وكانت واشنطن تدخلت بدورها للضغط على دمشق كي تسحب قواتها من جنوب البلاد، ما أدى لمساندتها الخطة الإسرائيلية لإعادة صياغة المشهد في سوريا من بوابة الورقة الدرزية.

وانتهى الأمر بانسحاب القوات السورية من محافظة السويداء وتكليف فصائل درزية محلية بمهام حفظ الأمن، ضمن اتفاق لوقف إطلاق النار ووساطة دولية، لتجنب التصعيد تثبيت الاستقرار جنوب البلاد. 

ومنذ انتصار الثورة السورية وانهيار نظام بشار الأسد، تظهر التقارير والنوايا الإسرائيلية على الأرض، أن الهدف البعيد هو محاولة إنشاء "دويلة درزية" موالية لها، تكون عازلة بين إسرائيل وسوريا

بحيث تحمي الاحتلال من أي هجمات أرضية محتملة من سوريين أو فلسطينيين على الجولان، وتكون "مسمار" تفتيت لكل سوريا ضمن خطط قديمة.

وكان المحلل الإسرائيلي "رامي سيمني" كتب في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، 29 ديسمبر 2024 أن "مصلحة إسرائيل تكمن في تقسيم سوريا إلى كانتونات".

وضمن هذا الهدف كشفت صحيفة "هآرتس"، 11 مارس 2025 أن "القيادة السياسية في إسرائيل أصدرت توجيهات صارمة بمنع أي تموضع عسكري للقوات السورية حتى عمق 65 كيلومترًا من الحدود".

وبرر وزير الجيش الإسرائيلي ذلك بـ "حماية سكان الجولان والجليل (الدروز) من أي تهديد يمثله الشرع هو أو أصدقاؤه الجهاديون"، وفق زعمه.

ولا يقبل كل دروز سوريا التعاون مع الاحتلال ورفضت العديد من قراهم استقبال مساعدات إسرائيلية.

وهناك أكثر من جهة فاعلة في المجتمع الدرزي أقواها وأكثرها شعبية تلك المرتبطة بالشيخ وحيد البلعوس الذي اغتاله النظام السوري عام 2015، وهذه القوة مؤيدة لسلطة الرئيس السوري أحمد الشرع.

وسبق أن رد شيخ عقل طائفة الدروز في محافظة السويداء "حمود الحناوي" على دعوة نتنياهو لحمايتهم قائلا إن "أبناء الطائفة لا يطلبون الحماية من أحد"، مؤكدا قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم، وأن التاريخ يشهد على ذلك.

وقال: إن "الأخ أحمد الشرع أهل للثقة، ونرفض التدخلات الخارجية في الشأن السوري عموما وبالجنوب خصوصا، وأي حديث عن السماح بتدخل إسرائيلي لا يمثلنا، ونحن دروز سوريا ملتزمون بالسيادة".

وقد دفع هذا الشرع، للقاء وفد من شخصيات درزية بارزة عدة، من بينها ليث نجل الشيخ وحيد البلعوس، مؤسس حركة "رجال الكرامة" أهم فصائل السويداء المعادية للاحتلال.

وجرى الاتفاق على خطوط توافق ضد الاحتلال، تقطع الطريق على استغلال نتنياهو الورقة الدرزية لتثبيت وجوده في جنوب سوريا.

وقد أكد "البلعوس" الابن لقناة "الحرة" الأميركية 26 فبراير/شباط 2025 أن الدروز مع الدولة السورية الموحدة وينسقون مع الشرع ويرفضون الاحتلال.

ويعول "الشرع" على أن سكان الجنوب السوري يُجمعون على رفض أي محاولة لتقسيم البلاد تحت أي ذريعة، ما ينسف الخطط الإسرائيلية تماما.

وضمن خطط الدولة السورية لإجهاض محاولات إنشاء دويلة درزية، جرى وضع إعلان دستوري جديد يحفظ حقوقهم ودمجهم في العديد من المؤسسات وإجراء لقاءات مع قادتهم الموالين للدولة السورية الموحدة.