معادلة معقدة.. نتائج محادثات السلام بين أرمينيا وأذربيجان في الإمارات

"من المرجع توقيع مسودة أولية لاتفاق السلام قبل نهاية عام 2025"
استحوذت المفاوضات التي عُقدت في الإمارات بين رئيس وزراء أرمينيا، نيكول باشينيان ورئيس أذربيجان، إلهام علييف، على اهتمام واسع من الصحافة العالمية، رغم غياب أي معلومات رسمية أو تفاصيل ما نوقش بين الجانبين.
واكتفى المسؤولون الرسميون لدى الجانبين بتصريحات مقتضبة، أشاروا فيها إلى أن المعلومات المتعلقة بالاجتماع “ستعلن في الوقت المناسب”.
وتناول موقع "المجلس الروسي للشؤون الدولية" تفاصيل ما أحرز من تقدم في المحادثات بين الجانبين، مركّزا على ثلاثة ملفات رئيسة، وذلك ضمن تحليله لنتائج الجولة الثنائية الأخيرة.

دلالات إقليمية
وأشار المجلس في مستهل تقريره إلى أن "بعض المراقبين قد لا يدرجون هذا اللقاء بين أرمينيا وأذربيجان ضمن الإطار التقليدي لمسار تطبيع العلاقات الأرمنية-الأذربيجانية، نظرا لغياب أي دور مباشر للوسطاء الدوليين".
إذ دأب الطرفان، بحسب الموقع، خلال السنوات السابقة على "إشراك الوسطاء الدوليين بينهما، ففي المراحل الأولى جرت المفاوضات ضمن ما عرف بـ (الصيغة الروسية)، والتي أفضت إلى توقيع أربع بيانات ثلاثية رفيعة المستوى".
وأردف: "ثم لاحقا، دخلت الأطراف في مسارات تفاوضية موازية، برعاية بروكسل منذ ديسمبر/ كانون الأول 2021، وواشنطن منذ أواخر 2022".
إلا أن المجلس يعتقد أن "اختيار هذا الشكل من اللقاءات الثنائية، يعكس تفضيل يريفان وباكو إجراء حوارات مباشرة".
ولفت إلى أن "هذه الصيغة بدأت تتبلور منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2024 على هامش قمة مجموعة بريكس في قازان، وتواصلت لاحقا في مايو/ أيار 2025 على هامش اجتماع المجموعة السياسية الأوروبية".
على جانب آخر "تواصل أرمينيا العمل على تطبيع علاقاتها مع تركيا"، يقول الموقع.
وتابع: "ففي 20 يونيو/ حزيران 2025 قام رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، بزيارة عمل إلى تركيا، أجرى خلالها محادثات مع الرئيس رجب طيب أردوغان".
واستطرد: "وقد تبع هذه الزيارة لقاءات بين وزراء أرمينيا وتركيا تناولت ملفات البنية التحتية والنقل والطاقة".
وبالتالي، قدّر المجلس أن "اللقاء الذي جرى في الإمارات لا يقتصر فقط على مسار التطبيع الثنائي بين أرمينيا وأذربيجان، بل يحمل أيضا دلالات إقليمية أوسع تتضمن التأثير التركي كعامل أساسي في هذه المعادلة السياسية المعقدة".
استنتاجات رئيسة
ورغم الغموض الذي أحاط بتفاصيل نتائج الاجتماع الذي امتد لخمس ساعات؛ بسبب البيانات الرسمية المقتضبة من الجانبين الأرميني والأذربيجاني، إلا أن الموقع الروسي استخلص عدة استنتاجات رئيسة.
أولا: “يُلاحظ أن كلتا الدولتين تبدي رغبة واضحة في مواصلة المفاوضات بصيغة ثنائية مباشرة، دون إشراك أطراف ثالثة كوسطاء”.
وتابع: "ويبدو أن هذا التوجه يخدم مصلحة باكو، التي ترى أن الحوار المباشر يمنحها أفضلية تفاوضية تسمح بفرض رؤيتها".
وأضاف: "أما بالنسبة ليريفان، فإن غياب الوسطاء قد يسرع من وتيرة الوصول إلى تفاهمات".
ولفت الموقع إلى أن كلا الطرفين يدركان أن "غياب المفاوضات قد يفتح الباب أمام خطر التصعيد، ولهذا ترى أرمينيا أنه إذا كانت أذربيجان تصر على المفاوضات المباشرة، فإنّ من الأفضل الإبقاء على هذا المسار تفاديا لأي توتر محتمل".
ونظرا لتشابه البيانات الصحفية الصادرة من الجانبين، رجّح الموقع أن "جزءا كبيرا من وقت اللقاء خُصص للتوافق على نص نهائي مشترك".
وأوضح أن "هذا النص قد تضمن إشارة إلى مناقشة القضايا الثلاث الرئيسة: اتفاق السلام، وترسيم الحدود، وخطوط الاتصال".
وأشار الموقع إلى "عدم إحراز تقدم في مسألة معاهدة السلام كما كان متوقعا".
ومع ذلك، نوَّه إلى أن "بعض المصادر الأذربيجانية تشير إلى احتمال التوقيع بالأحرف الأولى على الوثيقة".
ورغم أن هذا الإجراء لا يحمل صفة ملزمة من منظور القانون الدولي، لفت الموقع إلى أنه “قد يسهم في تسريع التفاهمات بشأن ملفات أخرى، مثل فتح قنوات الاتصال، مما قد يفتح الباب أمام دخول أطراف إقليمية ودولية جديدة راغبة في الاستفادة من هذا التطور”.
من جانب آخر، يرى أن "القيادة الأرمينية بإمكانها استغلال هذه الخطوة لإظهار فعالية مسار السلام، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في يونيو/ حزيران 2026".
كذلك أكد الموقع أن "هذا المسار يستحق اهتماما خاصا، لا سيما في ظل الحديث عن احتمال انخراط الولايات المتحدة في ملف إعادة فتح قنوات الاتصال بين الجانبين".
مسودة أولية
وفي هذا السياق، ذكر أن "أرمينيا صرحت باستعدادها لدراسة المقترحات المختلفة لفتح خطوط الاتصال، شريطة أن تستند إلى ثلاثة مبادئ، السيادة، والسلامة الإقليمية، والاختصاص القضائي".
من جانبها، "تواصل باكو الإصرار على الطابع (الإقليمي الخاص) لما يُعرف بـ(ممر زنغزور)؛ إذ تُقر بالولاية القضائية لأرمينيا عليه لكنها ترفض وجود أي نقاط مراقبة أو تفتيش أرمنية".
وكحل لهذه الإشكالية، أشار الموقع إلى أنه "يمكن أن تفوض بعض المهام المتعلقة بالمراقبة إلى جهة دولية محايدة".
من اللافت أيضا -بحسب الموقع- أن الجانبين "لم يعودا يشيران إلى البند التاسع من البيان الثلاثي الصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، والذي ينص على نشر قوات حرس الحدود الروسية لمراقبة الممر".
واستدرك: “مقابل تلك القضايا المحورية التي نوقشت، غابت عدة قضايا أخرى لا تقل أهمية”.
فعلى سبيل المثال، "لم تناقش مسألة فك الحظر عن خطوط الاتصال الأخرى بخلاف ممر زنغزور".
كما "لم يُطرح رسميا ملف أسرى الحرب الأرمن، سواء من أفراد القوات المسلحة الأرمينية أو من القيادات السياسية والعسكرية لإقليم قره باغ ".
ورجّح المجلس أن "استمرار تجاهل هذا الملف، سيُعقد فرص التوصل إلى تفاهمات في الملفات الأخرى".
وبناء على مسار العملية التفاوضية، توقع الموقع أن "يواصل الأطراف الحوار بصيغة ثنائية، دون إشراك روسيا أو الدول الغربية كوسطاء".
كما توقع "تحقيق تقدم في ملف ترسيم الحدود"، مع الإشارة إلى أنه "إذا تضمن هذا التقدم نقل (جيوب) إقليمية إلى أذربيجان، فقد يؤدي ذلك إلى تصعيد التوترات داخل أرمينيا".
ولم يستبعد المجلس توقيع مسودة أولية لاتفاق السلام قبل نهاية عام 2025.