4 أهداف و4 نقاط.. تفاصيل خطة إسرائيل الجديدة لتوزيع المساعدات بغزة

إسماعيل يوسف | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

ضمن خطة لإجبار أهالي غزة على الهجرة عبر التجويع، اخترعت إسرائيل والولايات المتحدة "آلية" جديدة لتوزيع الطعام والمساعدات في القطاع، بعيدا عن عمل الأمم المتحدة أو المؤسسات الدولية والإغاثية، وبإشراف شركة مرتزقة أميركية.

هدف الخطة الإسرائيلية الحقيقي هو إفراغ شمال القطاع من سكانه بإقامة مركز توزيع مساعدات في جنوبه فقط تمهيدا لتهجير السكان انطلاقا من هناك.

كما تهدف إلى إخلاء مسؤولية الاحتلال من تهمة "التجويع"، وتسريع التهجير، عبر حصر توزيع الطعام على مراكز بجنوب قطاع غزة، وحشر مليوني فلسطيني هناك بما يسهل دفعهم للحدود باتجاه مصر.

وتسعى دولة الاحتلال لتبرئة ساحتها من المسؤولية عن وقف المساعدات، بحيث لا تتهم دوليا بالتسبب بمجاعة وموت المدنيين.

وبذلك تتحمل هذه المسؤولية مستقبلا "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF) التي ستحل محل الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة العالمية المستقلة.

ومنذ أوائل مارس/آذار 2025، قطعت إسرائيل كل الإمدادات عن غزة، ضمن خطة تجويع وتهجير، بما في ذلك الغذاء والملاجئ والأدوية والوقود، مما أدى إلى أزمة إنسانية لسكان القطاع البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة.

مؤسسة مشبوهة

وتصف "مؤسسة إغاثة غزة"، نفسها على موقعها الإلكتروني، بأنها جمعية "خيرية" تأسست في سويسرا عام 2025، وتحمل الاسم القانوني "ستيفتونغ".

"وتعمل في مجالات الرعاية الصحية، والإغاثة الإنسانية والكوارث، والمنظمات غير الربحية والخيرية، وغيرها".

وتقول: إن هدفها يكمن في "تحقيق أهداف خيرية وإنسانية لمساعدة المحتاجين للدعم المادي أو النفسي أو الصحي، خاصة تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين من النزاع في قطاع غزة، مثل الغذاء والماء والدواء والمأوى وإعادة الإعمار".

كما تؤكد المؤسسة أنها "غير ربحية"، ولكنها لا تعلن عن مصادر تمويلها.

وما يثير الشبهات أن من سيديرونها عليهم علامات استفهام، إذ يتولى رئاستها "بابازيان ديفيد"، وهو أرميني يقيم في لندن، ومتهم في قضايا فساد.

فقد كان "بابازيان"، رئيسا تنفيذيا في السابق لـ"صندوق المصالح الوطنية الأرمنية" (ANIF)، وجرى فصله من منصبه في يناير/كانون الثاني 2024 بسبب اتهامات بالفساد والاختلاس، وفُتحت تحقيقات جنائية ضده. 

وعضوا المؤسسة هما: "هندرسون لويك صامويل مارسيل"، من الولايات المتحدة الأميركية، و"كوهلر ديفيد"، من كولونيا في ألمانيا، وكلاهما لا يُعرف عنهما شيء.

وفي حين يعلن موقعها الإلكتروني أن هؤلاء الثلاثة هم من يديرون "مؤسسة غزة الإنسانية" لتوزيع المساعدات، تنشر تقارير أميركية وإسرائيلية أسماء أخرى.

فقد ذكرت صحيفة "الغارديان" 17 مايو/أيار 2025، أنه يشرف على عملها، جندي مشاة بحرية أميركي سابق، هو "جيك وود"، مؤسس شركة المرتزقة "روبيكون" لتقديم خدمات المحاربين الأميركيين القدامى لمناطق الأزمات.

والمفارقة أن "جيك وود" على علاقة وثيقة بشخصيات إسرائيلية، كما تُظهر منشوراته على حسابه الموثق بموقع "فيسبوك"، وزار الجولان المحتل.

كما أنه يضع صورة على حسابه مع رئيس العمليات البحرية الإسرائيلي سابقا، مع تعليق: "قاد هذا الرجل الغواصة الإسرائيلية الوحيدة في مهمة سرية إلى ميناء الإسكندرية بعد هزيمة مصر عام 1967".

وفي محاولة لتجميل وجهها، حاولت هذه المنظمة تعزيز مكانتها بإدراج اسمي شخصيتين إنسانيتين بارزتين ضمن فريقها الإداري.

 وهما ديفيد بيزلي، الرئيس السابق لبرنامج الغذاء العالمي، وناثان موك، الرئيس التنفيذي السابق لشركة المطبخ المركزي العالمي.

لكنهما صرحا لشبكة سي إن إن في 16 مايو/أيار 2025 بأنهما "لا يشاركان حاليًا في هذه المؤسسة"، التي تزعم توزيع مساعدات إنسانية على غزة، فيما لم ترد الأخيرة على هذا النفي.

ولأنها تشكلت على عجل لهدف مشبوه هو التهجير باسم المساعدات، وتأخر عملها، فقد اضطر الاحتلال وأميركا لمعاودة السماح لمنظمات الأمم المتحدة بتولي عملية التوزيع مؤقتا لحين استعداد المؤسسة لتولي المسؤولية نهاية مايو 2025.

وقد اعترفت هذه المنظمة، بأنها "لن تتمكن من إطعام بعض المدنيين الأكثر ضعفا في المجمعات العسكرية التي تخطط (إسرائيل) لإنشائها"، وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية، ما يعني ترك قرابة نصف الفلسطينيين جوعى.

4 مواقع

وأظهرت وثيقة مكونة من 14 صفحة، لهذه المنظمة أن خطتها هي إنشاء أربعة مواقع آمنة لتوزيع الطعام والمياه في جنوب غزة، كل منها ستخدم 300 ألف شخص بشكل مستمر، أي نحو 1.2 مليون نسمة"، ما يمثل نحو 60 بالمئة فقط من سُكان القطاع كمرحلة أولى.

وتتضمن خطة هذه المنظمة المشبوهة توزيع صناديق يصل وزنها إلى 20 كيلوغرامًا، على الأسر الفلسطينية، تحوي مؤنًا تكفي لعدة أيام من الطعام ومواد النظافة الأساسية كالصابون.

ويعني هذا أنه لا توجد أي مؤن لمن يعانون من أمراض أو ضعف شديد بسبب المجاعة، ويعجزون عن السير لمسافات طويلة عبر أراضٍ مدمرة في القطاع وهم يحملون حمولات ثقيلة، وفق منظمات حقوقية.

لذا انتقد المتحدث باسم صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) جوناثان كريكس الخطة وقال: إن "من شأنها أن تزيد من المعاناة المستمرة للأطفال والأسر في قطاع غزة".

تساءل: كيف لأم لأربعة أطفال، فقدت زوجها، أن تحمل 20 كيلوغرامًا إلى خيمتها المؤقتة، التي تبعد أحيانا عدة كيلومترات؟

وأكد أن هذا يعني أن الضعفاء والمرضى وكبار السن والمعاقين والجرحى والأيتام، لن يتمكنوا من الحصول على المساعدات.

ويقول ناشطون فلسطينيون: إن إسرائيل اختارت منطقة جرداء ملاصقة تمامًا لمحور فيلادلفيا الحدودي مع مصر لتوزيع الطعام فيها، تحت حماية الجيش الإسرائيلي وشركة أمنية أميركية، لزيادة الضغط على الحدود ودفع الجائعين لاجتياحها.

وأوضحوا أن الهدف هو التهجير، وليس توزيع الطعام، عبر إجبار مليوني إنسان على مطاردة الطعام، بشكل منظم وبكميات قليلة، لدفعهم لاقتحام الحدود.

وقال المحلل الإسرائيلي "تامير هايمن" في القناة 12 العبرية في 19 مايو 2025: إن هناك 3 طرق لتوزيع المساعدات الإنسانية الآن:

أولاً، إدخال قوافل المساعدات، وفق الطريقة القديمة التي وافقت عليها إسرائيل بشكل مؤقت حتى نهاية مايو 2025.

أي أن تصل الشاحنات لمخازن التوزيع، وتعمل حركة المقاومة الإسلامية حماس على توزيعها، ما يسمح لها بالاستيلاء عليها، وفق زعمه.

وثانيا، 4 أو 6 مناطق توزيع، عبر مؤسسة غزة الانسانية، وتحت سيطرة شركة أميركية.

وبحسب هذه الطريقة، يجرى إعطاء كل أسرة صندوق مساعدات تكفيها أسبوعا.

وهذه الطريقة لا تضمن حصول كل الأسر على للمساعدات وألا تسيطر عليها حماس، بغطاء أبناء عائلات جائعة، وفق تعبيره.

ثالثا، رفح: وهذه الفكرة هي الأكثر طموحا في إسرائيل، أي منطقة آمنة هناك يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، وسيتم تزويد السكان بحاجاتهم فيها ومن يحضر يأكل، لكن هذه الخطة لن تكون جاهزة إلا بعد أشهر طويلة.

وعلى الرغم من إصرار حكومة تل أبيب على عدم وجود نقص في الغذاء، فإن بعض المسؤولين العسكريين يعترفون الآن سرا بأن الفلسطينيين على شفا المجاعة، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز 17 مايو 2025

4 أهداف

ومن وراء آلية توزيع الطعام والمساعدات الجديدة، تستهدف إسرائيل تحقيق 4 أهداف خبيثة ضمن خطتها لمحو غزة من الخريطة:

الأول، إفراغ شمال غزة من السكان بالتجويع بعدما فشل الاحتلال بإجبارهم على الخروج بالقوة والقصف لأن الخطة هي منع دخول المساعدات إلى تلك المنطقة.

وقد اعترفت إذاعة الجيش الإسرائيلي، يوم 20 مايو 2025، بذلك بوضوح مؤكدة أن "الخطة تقضي بأن جميع سكان شمال القطاع الذين يتوجهون إلى مركز توزيع المساعدات جنوب محور صلاح الدين لن يُسمح لهم بالعودة".

ووصفت الإذاعة هذه الخطة بأنها "تذكرة باتجاه واحد"، وسترغم عمليا السكان على النزوح إلى المناطق في جنوب القطاع.

وأضافت أن إسرائيل تعتزم تسريع إخلاء السكان الغزيين من شمال القطاع، وأنه سيكون بالإمكان إفراغ تلك المنطقة بشكل كامل.

واعترفت الإذاعة إلى أنه طوال الحرب على غزة، وفي ذروة الاجتياح البري الإسرائيلي في المدينة ومناطق أخرى في شمال القطاع، "لم تنجح إسرائيل أبدا في إفراغ المنطقة الشمالية كليا". 

ورغم عشرات بيانات الإخلاء التي وجهها جيش الاحتلال للسكان، بقي في شمال القطاع بشكل دائم 200 – 300 ألف من أهاليه الذين رفضوا التوجه إلى جنوب محور نتساريم، الذي أعده الجيش كنقطة فاصلة بين الشمال والجنوب.

والاعتقاد في إسرائيل الآن، حسب الإذاعة، هو أن هذه الخطة لن تبقي للغزيين خيارا، وستلزمهم بالنزوح جنوبا.

والثاني: هو استغلال هذه الخطة في التهجير لا توزيع الطعام عبر حشد الفلسطينيين في جنوب غزة ومن ثم دفعهم لحدود مصر في مرحلة لاحقة.

والثالث، إشراف شركة أميركية خاصة مجهولة على مهمة توزيع المساعدات، ومن ثم تهرب الاحتلال من المسؤولية عن تجويعهم.

والرابع، هو إضفاء الشرعية على السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة واحتلاله، لتوزيع الطعام وإبعاد الأمم المتحدة والمنظمات الدولية عن هذه الآلية.

ويشير تقرير لصحيفة "أوبزرفر" 10 مايو 2025، إلى أن الهدف من هذه المنظمة (غزة للإغاثة) هو تحويل مسار المساعدات من القنوات الدولية الراسخة إلى نظام جديد ممول من المانحين، مشيرة إلى أن "الجهة التي ستموله مجهولة".

وبموجب القانون الدولي، فإن إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، تتحمل مسؤولية توفير الاحتياجات الأساسية للمدنيين في غزة، بما في ذلك الغذاء والدواء.

لذا رفض الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ومنسق الإغاثة الطارئة في الأمم المتحدة، توم فليتشر، الخطة، خوفا من أنها ستحد من وصول المساعدات وتعرض المدنيين الذين يحاولون الوصول إليها للخطر.

قالا إنها ستجبر مئات الآلاف على التجمع حول أربع نقاط توزيع فقط، مؤكدين: "لن نشارك في أي ترتيب لا يحترم المبادئ الإنسانية احترامًا كاملًا".

الغذاء سلاح!

وفور الإعلان عن تفاصيل الخطة المثيرة للجدل، أكدت وكالات الأمم المتحدة أنها لن تتعاون معها لأنها تبدو وكأنها "تستخدم المساعدات كسلاح".

وأعلنت الهيئة العليا لشؤون العشائر في قطاع غزة 18 مايو 2025، رفضها التعامل مع الشركة الأميركية المختصة بتوزيع المساعدات الإنسانية وفق الرؤية الإسرائيلية. 

وقالت: إن هذا: "يُعد مقدمة خطيرة لإنهاء الدور الأممي في غزة، واستبداله بجهات ذات أجندات سياسية، و"عسكرة العمل الإنساني وتحويل الإغاثة إلى أداة من أدوات السيطرة على القطاع تحت غطاء المساعدات". 

وعدت إدخال شركة "إغاثة غزة" الأميركية لتوزيع المساعدات، "تقويضا للسيادة الوطنية والالتفاف على المؤسسات الدولية العاملة في القطاع وعلى رأسها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)". 

وقال القيادي في حركة حماس باسم نعيم: إن الخطة الأميركية المقترحة لتوزيع المساعدات في غزة "ليست بعيدة عن التصور الإسرائيلي لعسكرة هذا الملف".

فيما أوضح رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده أن "الخطة الأميركية الإسرائيلية لإسناد توزيع مساعدات محدودة في غزة إلى شركات دولية هي مناورة مدروسة لتقنين التجويع".

وأوضح أن "الهدف ليس الإغاثة بل فرض السيطرة وكسب الوقت لصالح إسرائيل وإجبار السكان على النزوح عبر إنهاكهم وتجويعهم"، و"هذه ليست خطة إغاثة بل شكل جديد من الحصار والإبادة الجماعية والتهجير القسري".

وانتقد 55 منظمة، في بيان، 10 مايو 2025 "المعايير الغامضة وواسعة النطاق والمسيسة والمفتوحة"، لعمل هذه المنظمة الأميركية الجديدة، بهدف "السيطرة" على غزة.

كما حذرت نحو 12 منظمة إغاثية وحقوقية بريطانية في 19 مايو، من أن مؤسسة المساعدات المدعومة من الولايات المتحدة "مسيسة".

وقالوا: إنها أُطلقت دون مشاركة فلسطينية، بينما يظل السكان في غزة تحت حصار كامل، مطالبين بوصول المساعدات لكل الفلسطينيين "وليس فقط أولئك الذين يتعاونون مع قوة احتلال".

وكان وزير المالية "بتسلئيل سموتريتش"، قال وهو يعلن موافقته على دخول مساعدات قليلة لغزة إن الهدف هو تجنب اتهامات "جرائم الحرب" بينما نعمل على "إبادة" القطاع.

أكد خلال خطاب في 19 مايو 2025: سمحنا بإدخال المساعدات الإنسانية "كي لا يوقفنا العالم ويتهمنا بارتكاب جرائم حرب"، لكن الهدف كما هو "السيطرة والتطهير والبقاء" حتى تُفكك غزة تمامًا.

والهدف ليس الإغاثة، بل المظهر: "فهذا يسمح للعالم بمواصلة توفير الحماية الدولية لنا".

وقال الصحفي الإسرائيلي الأميركي في موقعي "واللا" و"أكسيوس"، 18 مايو 2025 إن موافقة مجلس الحرب في تل أبيب “الكابينت” على استئناف نقل المساعدات الإنسانية إلى غزة فورا سببه الضغوط الدولية.

وأيضا تأكيد ممثلي جيش الاحتلال في الاجتماع الوزاري إن "احتياطيات الغذاء لدى الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى في غزة قد نفدت" وأن إسرائيل ستُتهم بجرائم حرب.

وهو ما أكده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تصريحات رسمية 20 مايو 2025، مؤكدا أن "إدخال المساعدات بكمية محدودة سيسمح لحلفاء إسرائيل بمواصلة إمدادها بالسلاح وعدم إدانتها سياسيا بالمحافل الدولية".