ليست في بلدك فقط.. لهذه الأسباب ارتفعت معدلات التضخم عالميا

طارق الشال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

يشهد العالم حالة من التضخم بمستويات مرتفعة تدعو إلى القلق وسط قلة المعروض، الناجم عن أزمة وباء كورونا التي أدت إلى شلل القطاعات الاقتصادية الحيوية، مقابل تنامي الطلب العالمي، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع والخدمات.

وأعلنت وزارة العمل الأميركية، في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 ارتفاع أسعار مجموعة واسعة من المنتجات التي يعتمد عليها المستهلكون يوميا بوتيرة أسوأ من المتوقع، مسجلة أعلى معدل تضخم في البلاد منذ أكثر من 30 عاما، بواقع 6.2 بالمئة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

وأشارت الوزارة إلى أن أسعار المنتجين في الولايات المتحدة سجلت ارتفاعا قويا في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 بنحو 0.6 بالمئة، ما يشير إلى أن التضخم المرتفع قد يستمر لبعض الوقت، وفي الاثني عشر شهرا حتى نهاية أكتوبر 2021 قفز المؤشر 8.6 بالمئة.

ويقيس مؤشر أسعار المنتجين (الجملة) تكلفة البضائع عند بوابة المصنع، ما يعني أنه يرصد معدل الزيادة في أسعار مدخلات الإنتاج.

وفي الاتحاد الأوروبي (27 بلدا)، صعد معدل التضخم السنوي إلى 4.4 بالمئة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، من 3.6 بالمئة في سبتمبر/أيلول 2021، بعد أن كان عند مستوى الصفر في يناير/كانون الثاني 2020، بحسب بيانات منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي.

كما وصلت نسبة التضخم إلى 4.5 بالمئة داخل مجموعة دول العشرين، التي تشكل 80 بالمئة من الناتج المحلي الخام في العالم.

يصاحب ذلك نمو التضخم الاستهلاكي في الصين خلال أكتوبر/تشرين الثاني 2021، بعد أربعة أشهر من التراجع ليرتفع بـ1.5 بالمئة على أساس سنوي، بينما ارتفع تضخم أسعار المنتجين في الصين للشهر الرابع على التوالي إلى أعلى مستوى له في 26 عاما ليصل في أكتوبر 2021 إلى 13.5 بالمئة.

الأسباب والتداعيات

ويأتي التضخم الراهن نتيجة مجموعة من العوامل، لكن يعد السبب الأبرز هو تداعيات كورونا خلال عام 2020 على النشاط الاقتصادي العالمي ما أدى إلى اضطرابات في سوق العمل وسلاسل الإمدادات، ما بدوره تسبب في نقص البضائع مقابل الطلب المتزايد مع عودة النشاط الاقتصاد العالمي.

يضاف إلى ذلك ارتفاع أسعار النفط عند متوسط يزيد عن 80 دولارا للبرميل، ما يؤثر بالسلب على الانتعاش الهش لقطاع التصنيع العالمي واستمرار تحديات سلاسل التوريد وزيادة الضغط على خطط الانتقال الطاقي، وبالتالي زيادة تكلفة الإنتاج وصعوبة التوسع في العرض من قبل المصنعين.

كذلك استمرار الحكومات في الإنفاق على خطط التحفيز الاقتصادي، لا سيما في الولايات المتحدة ومن بعدها منطقة اليورو، ما دفع  بشكل مباشر نحو زيادة مستويات الدخل للعاملين في القطاعات التي تدعمها الحكومات، وهو ما يمثل زيادة في الدخل لا تقابلها زيادة في الإنتاج، بما يعني مزيدا من الضغوطات التضخمية.

كما تلعب أسعار الشحن دورا في أزمة التضخم وبخاصة الشحن البحري الذي ينقل 70 بالمئة من السلع والبضائع عالميا، حيث ارتفعت أسعار الشحن البحري خلال الشهور الـ12 السابقة لسبتمبر/أيلول 2021، وصعدت أسعار تأجير الحاوية التي يبلغ طولها 40 قدما بنحو 8 أضعاف، مقارنة بمتوسط سعرها قبل الجائحة.

وتعتبر الأسعار الفورية للشحن البحري مرتفعة عن التكلفة الحقيقية لشحن البضائع، لأن معظم تكاليف الشحن وتأجير السفن يتم تسعيرها لفترات تعاقدية سابقة، والتي يمكن أن تستمر لمدة عام أو أكثر.

وبالتالي فمن المتوقع أن تنعكس الأسعار الفورية بشكل متزايد على الأسعار المتعاقد عليها في عام 2021، ولذلك من الواضح أن هناك زيادة أكبر قادمة في تكاليف الشحن.

وتتوقع مؤسسة كابيتال إيكونوميكس أن ترتفع أسعار السلع المستوردة عالميا بنحو 10 بالمئة نتيجة لتضاعف أسعار الشحن، وفقا لتقديرات بأن أسعار الشحن تمثل 10 بالمئة من تكلفة استيراد السلع.

وبينما ارتفعت الأسعار الفورية للشحن البحري خلال الفترة الحالية بنحو 800 بالمئة، مقارنة بمستواها في منتصف 2020، ارتفعت الأسعار التعاقدية للشحن على نحو أقل.

وتفترض كابيتال ايكونوميكس أن التكلفة التعاقدية العامة لشحن الحاويات ارتفعت بنحو نصف ارتفاع الأسعار الفورية، أي بنحو 400 بالمئة، ما يعني ذلك أن تكلفة استيراد السلع عبر البحر قد ترتفع بنحو 40 بالمئة.

يرى مفوض FMC عودة بعض الأمور الطبيعية إلى الشحن

من جانبها، كشفت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) عن ارتفاع مستمر في تكلفة الغذاء عالميا على مدار الـ12 شهرا الماضية، مشيرة إلى تأثر التموين العالمي باضطراب الإنتاج واليد العاملة والنقل بسبب جائحة كورونا.

ومع أن ارتفاع التضخم يدفع أصحاب المدخرات إلى الاستثمار هربا من تآكل قيمة أموالهم، إلا أن التضخم يسهم أيضا في ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات المستخدمة في أغلب مناحي الحياة مما يزيد من أعباء المعيشة.

كما يصيب أسعار صرف العملات خاصة في البلاد الناشئة والنامية، حيث ستتراجع قيمتها مقابل العملات الرئيسة مثل الدولار واليورو.

غير أن الطامة الكبرى تتمثل في توقعات حول اتجاه المؤسسات المالية الكبرى مثل الفيدرالي الأميركي والمركزي الأوروبي إلى رفع أسعار الفائدة، ما يعني بدء خروج المستثمرين الراغبين في أسعار الفائدة العالية من الأسواق الناشئة والنامية إلى الأسواق الكبرى، وبالتالي تورط البلاد النامية التي تعيش على الديون.

وتظهر التوقعات الأساسية لصندوق النقد، الصادرة في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن التضخم في الاقتصادات المتقدمة سيصل إلى ذروته عند 3.6 بالمئة في خريف 2021 وسينخفض إلى حوالي 2 بالمئة بحلول منتصف 2022.

ووفق التقرير، ستشهد الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية تراجع التضخم إلى حوالي أربعة بالمئة في 2022 بعد أن يصل إلى ذروته عند 6.8 بالمئة هذا الخريف.

الوطن العربي

وتأتي الدول العربية ضمن أبرز الدول المتأثرة بمعدلات التضخم، حيث ضربت زيادة الأسعار القسم الأكبر من الأسواق العربية بقوة، كونها من أكثر أسواق الدول النامية ارتباطا بالتجارة العالمية التي ارتفعت تكاليفها.

وهو الأمر الذي يعكس اعتماد غالبيتها في توفير سلعها الأساسية على الاستيراد بنسبة تزيد على 50 بالمئة.

كما يتوقع أن يؤدي التضخم إلى رفع تكلفة المعيشة بالدول العربية وزيادة معدلات الفقر وتقليص النمو الاقتصادي، في وقت تعاني بالفعل فيه جميع هذه الدول من تداعيات كورونا وارتفاع البطالة وانكماش الاقتصاد.

وبناء على توقعات صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، يتوقع بقاء معدل التضخم في الدول العربية عند مستوى مرتفع خلال عام 2021 ليصل نحو 11 بالمئة، بينما تشير التوقعات إلى تراجع معدل التضخم خلال عام 2022 ليصل إلى نحو 6.1 بالمئة.

ويأتي في صدارة الدول العربية التي ستشهد معدلات تضخم كبيرة خلال عام 2021، وفق توقعات صندوق النقد، السودان بنسبة 194.6 بالمئة، يليها لبنان بنسبة 56 بالمئة، ثم اليمن بنسبة 40.7 بالمئة، يليها الجزائر بنسبة 6.47 بالمئة، ومن ثم تونس 5.7 بالمئة، ومصر بنسبة 4.5 بالمئة.

فيما تتراجع احتمالات تعزيز مسار التعافي في الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات، مثل ليبيا، وسوريا، وفلسطين، واليمن، والصومال، واليمن والسودان، في ظل استمرار حالة عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في تلك الدول.

كما أن أوجه عدم المساواة آخذة في الارتفاع، وستحتاج البلدان العربية إلى معالجة تأثير الوباء على الديون وأسواق العمل وقطاع الشركات.

ارتفاع حاد بمعدل التضخم في السعودية

وبحسب بيانات مركز الإحصاء الخليجي، فإن معدلات التضخم لأسعار المستهلك في دول مجلس التعاون مجتمعة بلغت 3.5 بالمئة.

ووفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي، فإن دول الخليج العربية المصدرة للنفط ستشهد ذروة التضخم عند 2.8 بالمئة هذا العام مقارنة بالدول المستوردة للنفط في الشرق الأوسط، حيث سيرتفع متوسط ​​التضخم إلى 17 بالمئة في عام 2021، قبل أن ينخفض ​​إلى أقل بقليل من 10 بالمئة في عام 2022.

وحسب وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، فإن ارتفاع أسعار النفط من شأنه تحويل نحو 742 مليار دولار من دول مستوردة مثل الصين وأوروبا إلى دول منتجة مثل روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي.

إلا أن دول الخليج تتأثر بالتضخم بشكل واضح ومباشر، باعتبارها مستوردة أكثر مما هي مصدرة، وبالتالي يبقى تأثير التضخم على دول مجلس التعاون رهين ما ستؤول إليه الأسعار في الدول المصدرة لها.

مواجهة التضخم

ورغم تلك التوقعات التي تتحدث عن انحسار التضخم خلال عام 2022، إلا أنه لا توجد دلائل على أن التضخم سيختفي قريبا وسط أزمات سلاسل الإمداد والتوريد، وارتفاع أسعار السلع الأولية، وزيادة الطلب بعد انتهاء الإغلاق، واستمرار عمليات التحفيز النقدي.

ومن المحتمل تباطؤ معدلات نمو الاقتصاد، ما قد يؤدي ربما إلى مزيد من اشتعال الأسعار، وسط تزايد فجوة في الأسواق بين العرض والطلب، ومخاوف المستهلكين والمنتجين.

لذا فمن المتوقع أن تلجأ البنوك المركزية لمواجهة موجات التضخم المتوقعة إلى تنفيذ ما يعرف بالسياسات الانكماشية التي من شأنها كبح جماح الطلب الكلي، عبر رفع أسعار الفائدة.

وهو الأمر الذي قد يؤثر على قدرة المقترضين على سداد قروضهم، وأيضا سيقلص الفرص المتاحة للحصول على قروض مصرفية جديدة، ما يعني تقليص معدلات الاستثمار التي تحتاجها الدول للتعافي من تداعيات كورونا.

فيما ستسعى الدول المنتجة إلى تلبية احتياجاتها محليا قدر الإمكان لتقليص الواردات ذات الأسعار المرتفعة، والعمل على استغلال الأموال التي سيضخها المدخرون عبر استثمارات من أجل تنفيذ مشروعات تنموية تحفز النمو الاقتصادي وتسهم في التخلص من التداعيات الاقتصادية للجائحة.