ذريعة لعدوان إسرائيل على لبنان.. 3 سيناريوهات لمستقبل سلاح حزب الله

إسماعيل يوسف | منذ ٢٢ يومًا

12

طباعة

مشاركة

يتبنى حزب الله اللبناني سياسة غامضة تجاه قضية تسليم سلاحه، وسط ضغوط إسرائيلية وأميركية على جيش البلاد لحل هذا الملف بعد المواجهة الأخيرة بين بيروت وتل أبيب.

ويتحرك الحزب بمنطق أن هذا السلاح غير معروض للتسليم، لكن من الوارد التنسيق مع الجيش اللبناني حوله، بشروط من بينها انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي اللبنانية.

وهي خطوة يرى الحزب أنها لن تتحقق إلا بالسلاح، ما يعني عدم قبوله بالتخلي عن المكتسبات التي راكمها طوال سنوات بدعم إيراني، والتي تعرضت لضربة قوية بعد دخوله على خط مواجهة طوفان الأقصى إسنادا لغزة.

لذا كان نقل وكالة "رويترز" البريطانية في 10 أبريل/نيسان 2025 عن "مسؤول كبير"، مجهول، في حزب الله، قوله: إن "الجماعة مستعدة لمناقشة "مستقبل" سلاحها مع الرئيس اللبناني جوزيف عون، في سياق إستراتيجية دفاع وطني"، مثيرا للالتباس.

فقد فُهم التصريح على أنه تطور غير مسبوق، ومؤشر على تخلي الحزب عن سلاحه الذي استثمر فيه عقودا، رغم أنه خط أحمر، كما أن هذا "المسؤول" وضع شرطا، منها "انسحاب إسرائيل من النقاط الخمس الحدودية في جنوب لبنان ووقف الغارات".

وجاء تأكيد الرئيس اللبناني أن "حزب الله" أبدى "الكثير من الليونة والمرونة" في مسألة التعاون حول موضوع السلاح، وتأكيد مصادر لبنانية الاتفاق على بدء حوار مباشر معه بشأن الأمر، ليزيد الغموض ويعدد التساؤلات.

فهل ينوي الحزب بالفعل نزع سلاحه والتخلي عنه للدولة والجيش اللبناني الضعيف؟ أم الانخراط – نظريا- في المؤسسة العسكرية الرسمية مع احتفاظه بسلاحه؟ أم يناور لحين ترميم قدراته وتبدل الظروف ضد دولة الاحتلال؟

والأكثر غموضا هو تضارب التفسيرات وتباينها، بين فريق من الممانعة يقول، إن الحديث ينحصر في السلاح جنوب نهر الليطاني، ومن فريق خصم لحزب الله يقول إنه يشمل كل لبنان.

ما الحقيقة؟

وكان لافتا إعلان رئيس الحكومة نواف سلام من داخل المعقل الماروني (المعارض للحزب)، وهو المقر البطريركي في بكركي، يوم 9 أبريل، عن "اقتراب إدراج موضوع سلاح حزب الله على جدول أعمال مجلس الوزراء".

وهو ما أوحى أن الحكومة تتعاطى بجدية مع ملف السلاح، خاصة أن رئيس الجمهورية جوزيف عون تحدث عن "خطة زمنية معينة" وأشاد بـ "الإيجابية لدى الحزب".

إلا أن مصادر في حزب الله، ترى أن الليونة أو المرونة التي يتحدث عنها رئيس الجمهورية من جانب الحزب، تتعلق باستعداده لبحث موضوع سلاحه "ضمن إستراتيجية دفاعية" وليس "جدول زمني لتسليمه".

وهذا ما عبر عنه أكثر من قيادي في حزب الله، أبرزهم النائب حسن فضل الله وعضو المجلس السياسي غالب أبو زينب الذي قال صراحة: "سلاح الحزب ليس معروضا للتسليم".

وقد نقلت صحيفة "القدس العربي" عن مقربين من الحزب أنه لم يعلن على لسان أي من مسؤوليه أنه يريد بحث ما يسميه البعض "نزع أو تسليم السلاح".

إذ إن ما صرح به مسؤولون في حزب الله، هو استعدادهم للحوار حول إستراتيجية دفاعية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وتعزيز نقاط قوة لبنان.

وبين المصدر أن المقاومة جزء من نقاط هذه القوة؛ لأنها واجهت إسرائيل على مدى 40 عاما.

وبغض النظر عن الموقف الحقيقي لحزب الله من نزع سلاحه، وما إذا كان يشكل ورقة قوة أو تبريرا تستخدمه إسرائيل لإبقاء احتلال 5 نقاط بجنوب لبنان ومواصلة الاعتداءات، فهناك تصور ربما يجرى فرضه على الحزب.

وتشير التقديرات إلى أن رئيس الجمهورية القائد السابق للجيش، يحاول سحب سلاح الحزب، مستفيدا من الواقع الجديد له بعد خسائره أمام إسرائيل.

ويريد عون الاستفادة من المعطيات الخارجية ومن تحذيرات ورسائل المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس التي حملتها في زيارتها الثانية إلى العاصمة اللبنانية، وبشكل لا يحتمل التأويل عن ضرورة نزع السلاح في أقرب وقت ممكن.

فقد أكدت مصادر عسكرية وسياسية لموقع "أساس ميديا" اللبناني، القريب من الأوساط الخليجية، أنه منذ مغادرة المبعوثة الأميركية "يكثر العمل في الأروقة الرسمية على الانتقال من مرحلة وضع الخطط إلى التنفيذ".

وأكد أن الجيش اللبناني تقدم على الأرض في الجنوب، ودخل عددا من المعسكرات التي رفض الحزب تسليمها سابقا، وغالبيتها تقع على ضفاف نهر الليطاني، من الجهة الشمالية.

وأوضح الموقع القريب من الرئاسة أن "أورتاغوس" نقلت "رسالة واضحة محددة عن عدد من المواقع التي يفترض أن يسيطر عليها الجيش اللبناني في سياق بدء تنفيذ المرحلة النهائية من سيطرته وانتشاره في جنوب الليطاني".

ونقل عن مصادر عسكرية وسياسية أن الجيش حقق تقدما كبيرا في جنوب الليطاني (وفق مطالب إسرائيل) ووصل إلى المرحلة الأخيرة من الانتشار.

أما شمال الليطاني، فكان حزب الله يرفض رفضا قاطعا دخول الجيش أيا من معسكراته حتى وصلته "رسالة حازمة".

وذلك عبر ضغط كبير مارسه الجيش والمسؤولون بوضع الحزب أمام الأمر الواقع، وفق الموقع اللبناني.

ثلاثة سيناريوهات

ويتحدث خصوم حزب الله، عن ثلاثة سيناريوهات لمصير سلاحه: الأول: عبر الحوار الذي طرحه رئيس الجمهورية للاتفاق مع الحزب على جدول زمني لتسليمه.

ويأتي ذلك في إطار ما وصفه الرئيس بـ"إستراتيجية الأمن الوطني"، وتأكيده أن السلاح يجب أن يكون محصورا بيد الدولة دون سواها.

والثاني: حتمية تسليمه بأسرع وقت إذ لا إعادة إعمار ولا مساعدات دولية قبل حصر السلاح في شمال الليطاني وجنوبه.

والثالث: أن تتواصل الحرب واستهداف إسرائيل المستمر للحزب واحتمالات رده وعودة الحرب بقوة وتدخل أميركا لدعم إسرائيل وضوءا أخضر لها لتنفيذ هجوم كبير انطلاقا من البقاع لتدمير سلاح الحزب بالقوة.

ولتقوية الجيش أمام الحزب، تتردد معلومات أن المساعدات الدولية للمؤسسة العسكرية ستتضاعف، وأن رئيس الجمهورية عازم على نقل لبنان إلى مرحلة جديدة في الأمن والسياسة.

وكان مصدر من حزب الله، كشف لوكالة الأنباء الفرنسية، 12 أبريل/نيسان 2025، أن الجيش اللبناني بات يهيمن على معظم نقاط الحزب العسكرية جنوبي نهر الليطاني، حيث نقل حوالي 190 موقعا من بين 265 إلى قواته. 

وألزمت هدنة نوفمبر/تشرين الثاني 2024 الحزب بالتراجع شمالا، مع انتشار عناصر الجيش والقوات الدولية (اليونيفيل).

ويقترب الجيش من إزالة كل المواقع العسكرية للحزب، ما شجع أميركا للضغط لنزع سلاحه.

وتزعم ورقة بحثية لمركز "الدراسات الإستراتيجية والدولية"، أن حزب الله خسر معظم قوات النخبة المعروفين بقوات الرضوان.

وتقدر الدراسة أن الإسرائيليين تمكنوا من قتل قيادة هؤلاء المقاتلين بالإضافة إلى ما لا يقل عن 1000 مقاتل من أصل 2500.

ونقلا عن مصادر عسكرية غربية، فإن حزب الله فقد حتى اليوم ما لا يقل عن 7000 مقاتل من مجموع 30 ألفا.

ويرى المركز، أن الترسانة الصاروخية وعدد صواريخ حزب الله لا يزال كبيرا، ويتراوح بين 150 – 200 ألف صاروخ، وهي نفس أرقام مراكز أبحاث أخرى مثل المجلس الأميركي للعلاقات الخارجية وموقع "ديفانس ناو المتخصص".

هل الضغوط السبب؟

وكان مجرد إعلان حزب الله، عبر مصدر مجهول وبدون بيان رسمي في قضية مصيرية كهذه، "استعداده لمناقشة مستقبل سلاحه"، دون الحديث مباشرة عن "نزعه" كسرا لما يعد أحد أبرز "التابوهات" المُحرمة في قاموسه منذ تأسيسه.

وجاء الطرح في ظل الضغوط الأميركية وحالة التكالب المحلي من قوى مارونية محلية وعربية من فريق التطبيع مع إسرائيل، على الحزب.

وجاء صدور الإعلان بعد 4 أيام من زيارة المبعوثة الأميركية "مورغان أورتاغوس للبنان، وتأكيدها لقناة "إل.بي.سي.آي" اللبنانية، في 6 أبريل/نيسان 2025، أنه "يجب نزع سلاح حزب الله"، ليشير ضمنا لنقل رسائل أميركية حادة ربما كانت وراء هذا التصريح.

هذا الموقف فتح الباب أمام تساؤلات جوهرية: هل حزب الله مستعد فعلا للدخول في مفاوضات تنهي الثنائية الأمنية التي أرساها منذ عقود؟

أم أن ما يُطرح لا يعدو كونه "مناورة سياسية" لشراء مزيد من الوقت؟ وما مدى واقعية الرهان على "إستراتيجية دفاعية وطنية" تشمل انخراط الحزب وسلاحه في الجيش، وفق تقارير لبنانية؟

بحسب تقرير لـ "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي"، 10 أبريل/نيسان 2025، فإن "الضغوط التي يتعرض لها حزب الله دفعت قيادته المشرذمة والضعيفة إلى إجراء تعديلات مؤقتة على إستراتيجيته وطرق عمله".

كاتبة التقرير "أورنا مزراحي"، ترى أن عرض الحزب (مناقشة مستقبل سلاحه) هدفه "تخفيف الضغوط عليه، بما يسمح له بتركيز جهوده على ترميم منظوماته وقدراته".

دللت على ذلك بـ "استعداده لإجراء حوار مع القيادة اللبنانية بشأن مسألة سلاحه، مع وضع شروط واضحة هي انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني ووقف الهجمات ضده"، في إشارة إلى أنه موقف غامض.

قالت: إن الحزب لم يترك التأويلات مفتوحة طويلا؛ إذ سارع العضو في مجلسه السياسي غالب أبو زينب إلى توضيح الموقف خلال مقابلة مع قناة "الجديد"، 9 أبريل، قائلاً: "لم نوافق على تسليم السلاح أو نزعه".

وأضاف: "نحاور حول كيف يمكن للبنان أن يمتلك أوراق قوة أساسية يستطيع من خلالها أن يحافظ على وجوده في ظل هذه المتغيرات الكبيرة، لن نكون إلا في موقع قوة للبلاد و(لكن) هذا السلاح ليس معروضاً للتسليم".

وكانت أورنا ميزاحي، أشارت في تقرير سابق  لـ "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي"، 2 أبريل 2025 أن انتخاب جوزيف عون رئيسا للبنان وتعيين نواف سلام رئيسا للوزراء يشكل مصلحة لإسرائيل لنوع سلاح حزب الله.

قالت: "تُمثل هذه القيادة الجديدة في لبنان فرصة مُحتملة لإسرائيل، إذ يشترك كل من عون وسلام في مصلحة تقليص نفوذ إيران وحزب الله ونزع سلاحه".

لكنها اعترفت أن أولوية "عون" و"سلام" المُلحة هي إعادة تأهيل لبنان المُنهار، وليس المواجهة العسكرية المباشرة مع حزب الله، الذي يُركز على الحفاظ على مكانته وقوته العسكرية.

حلم أم وهم؟

وتؤكد مصادر لبنانية لـ "الاستقلال" أن مبادئ حزب الله المعلنة لا تسمح له بالتخلي عن أيديولوجيا "المقاومة"، المرتبطة بسلاحه.

 لذا فالحديث عن نزع سلاحه "حلم" لن يتحقق، وقد يكون "وهما" أكثر منه حقيقة ومجرد مادة للنقاش.

وتشير إلى أن الحزب يعكف حاليا على بناء نفسه والتسلسل القيادي الجديد، وترميم قدراته، وإجراء تعديلات مؤقتة على إستراتيجيته وطرق عمله، ويتطلع إلى استعادة قوته للبقاء ندا للاحتلال الإسرائيلي.

إذ إن مستقبل الصراع في المنطقة لا يشير إلى أفق سلام قريب، والحروب تتوسع، والاحتلال يحاول فرض "شرق أوسط إسرائيلي" على كل الدول العربية لا لبنان فقط، بدليل هجماته عليها وعلى سوريا وغزة واليمن وإيران.

ووصف المحلل السياسي "إلياس الزغبي"، ربط الحزب نزع السلاح بشروط محددة، بأنه "يُفرغ أي حوار مرتقب من مضمونه محولا إياه إلى مجرد فولكلور ووعد نظري"، بحسب وكالة "رويترز" البريطانية 10 أبريل 2025.

كما نقل عنه أيضا موقع "الحرة" الأميركي أن الحزب لا يربط سلاحه بشروطه، بل بمصير الحوار الإيراني الأميركي.

"فعلى ضوء نتائج هذا الحوار يتلقى التوجيه الإيراني بالموقف المناسب، وحتى ذلك الحين يسعى إلى كسب الوقت والمماطلة".

لكن المحلل السياسي "غسان سعود" قال لوكالة الأناضول التركية في 9 أبريل 2025 إن "الدولة اللبنانية لن تُستدرج إلى فخ نزع سلاح حزب الله منعا للتصادم معه، والرئيس عون حريص على الحوار معه رغم الضغوط الأميركية".

كما قلل المحلل السياسي اللبناني آلان سركيس، من جدوى الحوار مع "حزب الله" بخصوص نزع سلاحه.

وقال: إن ذلك "مضيعة للوقت لأنه لا يحمل مهلة زمنية محددة مع تصريحات متكررة لكوادر من الحزب بعدم تسليم السلاح"

وأضاف أن الدولة اللبنانية “في موقف لا تحسد عليه، فهي من جهة لا تستطيع سحب سلاح الحزب بالسرعة التي تريدها واشنطن”، ومن جهة أخرى تخشى الدولة حزب الله خاصة أنه مازال مسيطرا رغم تدمير إسرائيل لمعظم ترسانته من الأسلحة.