تتهمه أميركا بإفشال اتفاق غزة.. من هو اللواء المصري أحمد عبد الخالق؟

12

طباعة

مشاركة

تطورات غريبة ومريبة ظهرت خلال مايو/أيار 2024 تشير لتغير في الموقف الأميركي من العدوان على غزة، وربما التملص، مثل إسرائيل، من اتفاق التهدئة.

ووافقت حركة المقاومة الإسلامية حماس خلال الشهر، على مقترح مصري - قطري لوقف العدوان وتبادل الأسرى، لكن رفضته إسرائيل. 

وبدلا من الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لقبول الاتفاق، انتقلت إدارة الرئيس جو بايدن إلى دعم ومساندة استمرار العدوان على غزة، عبر صفقات سلاح ضخمة، ثم موقف أميركي مائع من الغزو الواسع لمدينة رفح المحاذية لمصر.

لم يقتصر الموقف الأميركي على دعم رفض إسرائيل لاتفاق الوساطة المصري القطري الأخير، بل واتهمت مصادر أميركية تحدثت لشبكة سي إن إن في 21 مايو 2024، مصر بأنها هي التي أفشلت الاتفاق الذي قبلته حماس عبر جهاز المخابرات المصري.

وفي 6 مايو/أيار 2024 أعلنت حركة حماس، أنها أبلغت الوسيطين القطري والمصري، موافقتها على مقترح بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

حينئذ قال مسؤولون في الحركة، إن "مصر وقطر قدمتا لهم ضمانات باسم كل من الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد.

هذه الضمانات مفادها أن "الحرب ستنتهي مع نهاية المرحلة الثالثة والأخيرة من الهدنة والتبادل".

اتهام مصر

وفي اليوم التالي، كشفت مصادر في حركة حماس لموقع "الشرق" السعودي عن "تغيير رئيس أُدخل على الورقة المصرية خلال مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، جعل الحركة توافق عليها".

المصادر أوضحت أن التغيير تمثل في فقرة واردة في المرحلة الثانية من الاتفاق تنص على: "الإعلان عن عودة الهدوء المستدام (وقف العمليات العسكرية والعدائية) وبدء سريانه قبل البدء بتبادل المحتجزين والأسرى بين الطرفين".

وقال مسؤولون إسرائيليون آنذاك، إن تل أبيب "تم التلاعب بها" من قبل الولايات المتحدة والوسطاء بشأن صياغة الاتفاق، الذي أعلنت حركة "حماس" موافقتها عليه في 6 مايو، وفق صحف عبرية.

لكن وكالة "رويترز" البريطانية نقلت في 6 مايو عن مسؤول أميركي قوله: "نتنياهو ومجلس الحرب لا يبدو أنهما يتعاملان مع مرحلة المفاوضات الأخيرة مع حماس بحسن نية"، أي أن إسرائيل هي التي تلاعبت بالاتفاق.

وقال مسؤول أميركي رفيع آخر لموقع "أكسيوس" الأميركي 7 مايو 2024 إن "الدبلوماسيين الأميركيين كانوا يتواصلون مع نظرائهم الإسرائيليين، ولم تكن هناك مفاجآت".

وأكد مسؤولون إسرائيليون للموقع الأميركي أن "مدير وكالة الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز، ومسؤولين آخرين في إدارة بايدن، شاركوا في المفاوضات كانوا على علم بالاقتراح الجديد (أي التعديل المصري)، لكنهم لم يخبروا إسرائيل".

أيضا نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" 7 مايو 2024 عن مسؤولين حول المقترح المصري المنقح، أن "التغييرات أجراها وسطاء عرب، بالتشاور مع مدير سي آي إيه، ويليام بيرنز".

وبينت أن النسخة الجديدة تحتفظ بعبارة رئيسة، وهي تطبيق "هدوء مستدام" في نهاية المطاف، وهي صياغة سبق أن قالت عنها جميع الأطراف إنها يمكن أن تقبلها.

لذا، جاء تقرير "سي إن إن" في 21 مايو 2024 الذي يتهم مصر بالتلاعب وتحريف الاتفاق ووضع عبارة "هدوء مستدام"، مفاجأة كبيرة لأنه يتنصل من كل ما سبق ومن علم أميركا ومدير مخابراتها بهذا التعديل.

واتهمت أميركا، عبر تقرير "سي إن إن" مسؤول التفاوض بالمخابرات المصرية أحمد عبد الخالق بأنه هو الذي أفشل الاتفاق بوضع هذه العبارة "خلسة" ودون علم أميركا وإسرائيل وقطر، مع أن موقعي "أكسيوس" و"نيويورك تايمز" نفيا ذلك سابقا على لسان مسؤولين أميركيين.

كان هناك شيء غير مفهوم حين أعلنت مصر 6 مايو 2024 موافقة حماس على آخر اتفاق يهيئ لوقف العدوان على غزة، ثم رفضته دولة الاحتلال، وأعلنت أن ما وافقت عليه الحركة يختلف عما عرض عليها، ففشلت المفاوضات.

القاهرة هددت عقب هذا الرفض الإسرائيلي للاتفاق الذي جرى برعاية أميركية وعلم تل أبيب، بالانسحاب من الوساطة بين الاحتلال وحماس.

وأكد هذا لصحيفة "هآرتس" 15 مايو 2024 مسؤولون إسرائيليون، حذروا من انسحاب مصر من جهود الوساطة في مفاوضات غزة بعد تفاقم الأزمة بين الجانبين، وخاصة عقب سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطيني من معبر رفح. 

ونقلت شبكة سي إن إن عن 3 مصادر مطلعة على المحادثات لم تعلن هوياتهم، أن المخابرات المصرية غيرت شروط اقتراح وقف إطلاق النار الذي وقعت عليه إسرائيل سابقا، مما أدى في النهاية إلى إحباط صفقة التبادل، ومسار إنهاء القتال مؤقتا في غزة.

زعموا أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنته حماس في 6 مايو لم يكن ما اعتقد القطريون أو الأميركيون أنه قدِّم إلى الحركة للمراجعة النهائية.

المصادر الثلاثة زعمت أن التعديلات التي أجرتها المخابرات المصرية، أدت إلى موجة من الغضب والاتهامات المتبادلة بين المسؤولين من الولايات المتحدة وقطر وإسرائيل، وأدخلت محادثات وقف إطلاق النار في طريق مسدود.

نقلت سي إن إن عن أحد تلك المصادر قوله: لقد تم خداعنا جميعا"، حتى إن مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية كان غاضبا عندما وصلته أنباء مفادها أن المصريين غيروا شروط الاتفاق.

الرد المصري

مصدر مصري "رفيع المستوى" عبر لقناة "القاهرة الإخبارية" التابعة للمخابرات المصرية 22 مايو 2024، عن استغراب مصر من محاولات بعض الأطراف تعمد الإساءة إلى الجهود المصرية المبذولة للتوصل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وعلق على مزاعم تقرير “سي إن إن” بالقول: تلعب بعض الأطراف لعبة اتهام الوسطاء بالتحيز من أجل التهرب من اتخاذ القرارات المطلوبة".

وأضاف: "وتستغرب مصر محاولات بعض الأطراف الإساءة المتعمدة للجهود المصرية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة".

وقال المصدر المصري، إنه "من الغريب استناد بعض وسائل الإعلام لمصادر تطلق عليها مطلعة، ونتحدى إذا كان بالإمكان نسب ما تم نشره لمصادر أميركية أو إسرائيلية رسمية محددة".

وأشار إلى أن ممارسة مصر لدور الوساطة في صفقة وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن بالقطاع "جاءت بعد طلب وإلحاح متواصل للقيام بهذا الدور"، والقاهرة لعبت هذا الدور "نظرا لخبرة وقدرة مصر في إدارة مثل هذه المفاوضات الصعبة".

أيضا هاجم ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات التابعة للرئاسة المصرية، التقرير الأميركي ووصفه بأنه محض ادعاءات خالية من أي معلومات أو حقائق.

وقال في بيان 22 مايو: "لا يرتكز (تقرير سي إن إن) على أي مصادر صحفية يعتد بها وفق القواعد المهنية الصحفية المتعارف عليها عالميا".

وتحدى "رشوان" الشبكة الأميركية أن تنسب الادعاءات التي نشرتها إلى مصادر أميركية أو إسرائيلية رسمية محددة.

وأوضح أن مثل هذا المقال المغلوط والمليء بالمزاعم غير الصادقة لا يؤدي، وربما يهدف، إلى تشويه دور مصر الرئيس والبارز في محاولات ومفاوضات وقف إطلاق النار بقطاع غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي الدموي عليه قبل نحو ثمانية أشهر.

وأوضح، أن "مصر لاحظت خلال الفترات الأخيرة قيام أطراف بعينها بممارسة لعبة توالي توجيه الاتهامات للوسطاء، القطري تارة ثم المصري تارة أخرى، واتهامهم بالانحياز لأحد الأطراف وإلقاء اللوم عليهم".

وأرجع ذلك إلى "التسويف والتهرب من اتخاذ قرارات حاسمة بشأن صفقة وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى للحفاظ على مصالح سياسية شخصية لبعض هذه الأطراف، ومحاولاتها مواجهة الأزمات السياسية الداخلية الكبيرة التي تمر بها".

كما أرجع عمليات تشويه موقف مصر إلى "تمسك مصر المعلن بضرورة وجود عناصر فلسطينية بالجانب الفلسطيني من معبر "رفح" للموافقة على قيام مصر بتشغيله من جانبها، والانضمام إلى جنوب إفريقيا في دعوى محكمة العدل الدولية.

أيضا قال ضياء رشوان لقناة القاهرة الإخبارية، 22 مايو 2024 إن "مواصلة محاولات التشكيك" في دور مصر "قد يدفع الجانب المصري لاتخاذ قرار بالانسحاب الكامل من الوساطة التي يقوم بها في الصراع الحالي".

بدوره، دعا المتحدث الرسمي باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري إلى "عدم الالتفات إلى التقارير الإعلامية التي تحاول التشكيك وكيل الاتهامات لجهود الوساطة الجارية لوقف العدوان على غزة".

وشدد الأنصاري في تصريح لوكالة الأنباء القطرية "قنا" 22 مايو، على أن مصر وقطر وأميركا "تعمل بتنسيق تام من أجل التوصل لوقف فوري ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى والمحتجزين.

وجاء ذلك ردا على زعم مصدرين لشبكة سي إن إن، أن وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، "أبلغ الموساد (جهاز المخابرات الإسرائيلي) أن مصر تصرفت وحدها"، عقب علمه بالتغييرات والتحريفات المصرية على ورقة اتفاق التهدئة.

اللواء عبد الخالق

وكان لافتا أن المصادر الأميركية التي استندت عليها شبكة سي إن إن، سعت لتحميل المسؤولية عن فشل المفاوضات إلى مسؤول كبير في المخابرات المصرية هو اللواء أحمد عبد الخالق.

زعموا أن عبد الخالق أخبر الإسرائيليين بشيء وحماس بشيء آخر، و"أدرج المزيد من مطالب الحركة في الإطار الأصلي الذي وافقت عليه إسرائيل ضمنيا".

ووفقا لرصد "الاستقلال"، يعد اللواء أحمد عبد الخالق مسؤولا عن الملف الفلسطيني في المخابرات العامة.

وهو نائب كبير لرئيس المخابرات المصرية عباس كامل، وكان المسؤول عن إجراء جولات الوساطة ونقل الاقتراحات بين الطرف الإسرائيلي وحماس بتنسيق تام مع القطريين والأميركيين.

وشارك عبد الخالق في صفقة تبادل الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، أو صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011.

وكان قد استقال، أو خرج على المعاش، لكن جرى إرجاعه لجهاز المخابرات في يوليو/تموز 2018، بسبب خبرته في ملف الفصائل الفلسطينية وإسرائيل.

وتقول مصادر إنه أعيد إلى الخدمة بناء على طلب الفصائل الفلسطينية بسبب إجادته إدارة هذا الملف وقربه منهم.

وجاءت إعادته للجهاز بعد أيام من تولي اللواء عباس كامل رئاسته عام 2018، وتغير طريقة مصر في التعامل مع حماس من الهجوم إلى التعاون.

وكان "عبد الخالق" أول مسؤول مصري يشارك في حفل تأبين شهداء كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس في خانيونس أواخر 2018.

ووقتها حضر حفل تأبين الشهيد نور بركة، وظهر وهو يقبل يد ابنه، وسط حفاوة من قادة وأنصار حماس به.

ويرى خبراء ومقربون من "عبد الخالق"، بينهم مصريون وفلسطينيون، أن تقرير سي إن إن "استهدف تشويه مسؤول المخابرات المصري والتحريض على إبعاده".

قالوا لـ "الاستقلال" إنه يصعب تصور أن يلعب عبد الخالق دورا سيئا بإشراف المخابرات العامة المصرية لإفشال المفاوضات كما يدعي الأميركيون، في ملف مهم، مشيرين إلى أنه من رجال الصف القديم في الجهاز.

كما أشاد فلسطينيون به وأكدوا أنه يتعامل مع الملف الفلسطيني من منظور أمن قومي سليم وصحيح يحافظ على القضية الفلسطينية، ويعرف مواقفه الفلسطينيون قبل المصريين، حسبما تقول المصادر المصرية.

أشاروا إلى أن من كتب تقرير سي إن إن هما: "أليكس ماركوارت"، وهو كبير مراسلي الأمن القومي، و"جيريمي دايموند"، مراسل البيت الأبيض، أي جاءت معلوماتهما من قلب إدارة واستخبارات أميركا، ما يشير لتعمد التقرير تشويه عبد الخالق.

وأوضحوا أن دور "عبد الخالق" الإيجابي للغاية في الملف الفلسطيني دفع إسرائيل وأميركا للضغط بورقة تقرير سي إن إن للإطاحة به من ملف الوساطة بين الاحتلال وحماس، خاصة أن له علاقات جيدة بقادة الحركة.

وأشار ناشطون مصريون إلى أن الهدف الأميركي من الهجوم على اللواء عبد الخالق، هو تركيع وإذلال الدور المصري في الوساطة، والتخلص من عضو وفد التفاوض الذي يتولى تلك المهمة منذ عام 2018، ويحظى بعلاقة جيدة مع حماس.

ورأوا أن تقرير الشبكة الأميركية هدفه ابتزاز مصر واللواء أحمد عبد الخالق، بهدف تنحيته عن ملف المفاوضات، والخضوع للضغوط الإسرائيلية في مفاوضات تبادل الأسرى.