بعد 14 عاما من تراجع الإنتاج.. خطة سوريا الجديدة للنهوض بقطاع الزراعة

"يجب دعم المزارعين ومدهم بالقروض حتى تدور عجلة الزراعة من جديد"
بدأت الحكومة السورية الجديدة مراجعة شاملة لقطاع الزراعة ومعالجة الأضرار والمعوقات التي لحقت به بعد 14 عاما من تراجع الإنتاج الزراعي وتخلي المزارعين عن أراضيهم الخصبة.
وجاء هذا التراجع نتيجة عمليات القصف والنزوح وانقطاع القدرة على تأمين المحروقات أو السماد أو الأدوية الزراعية، في ظل حكم النظام البائد برئاسة بشار الأسد.

قطاع منهك
وحذّرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو" من احتمال أن يؤدي الجفاف الشديد في سوريا عام 2025 إلى خسارة ما يقدر بنحو 75 بالمئة من محصول القمح المحلي، مما يهدّد الأمن الغذائي لملايين المواطنين.
ولذلك، قالت وزارة الزراعة في 20 مايو/أيار 2025: إن الحكومة تتخذ تدابير للمساعدة في تفادي الأضرار، بما في ذلك الحد من زراعة المحاصيل التي تحتاج الكثير من المياه.
وأضافت أن رفع العقوبات الأميركية يسهم في تحسين القطاع الزراعي من خلال السماح باستيراد الأسمدة وتكنولوجيا الري.
وأشار ممثل الفاو في سوريا طوني العتل في حديث لوكالة رويترز البريطانية إلى أن المنظمة تتوقع "نقصا في الغذاء يبلغ 2.7 مليون طن من القمح هذا العام، وهو ما يكفي لإطعام 16.3 مليون شخص على مدار السنة".
وقال العتل: إن تدفق الأموال قد يؤدي إلى إنعاش القطاع الزراعي من خلال توفير التكنولوجيات المطلوبة بشدة للري وتجديد البنية الأساسية.
وانعكست تداعيات التغير المناخي وسنوات شح الأمطار وموجات الجفاف بسوريا على ارتفاع تكاليف الزراعة.
وبحسب ما ذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في يناير/كانون الثاني 2024، فقد انخفض الإنتاج الزراعي في سوريا بنحو 50 المئة خلال السنوات العشر الأخيرة.
وأمام ذلك، شهدت سوريا في موسم 2025 موجة جفاف بشدات متفاوتة، لم تتعرض لها منذ عام 1958، ما أثر في الزراعات البعلية، والمحاصيل الإستراتيجية، وأبرزها القمح، إضافة إلى تأثرها بالعواصف الغبارية في المناطق الشرقية والبادية.
كما لوحظ انخفاض معدل الهطل المطري في جميع المناطق والمحافظات عن المعدل السنوي.
وضمن هذا الإطار، أفاد مدير الاقتصاد الزراعي في وزارة الزراعة سعيد إبراهيم، بأنه مع تذبذب الهطولات من حيث التوزع والكمية، باتت معظم المساحات التي تمتد عليها مناطق الاستقرار الزراعي في سوريا، إما قاحلة أو شبه قاحلة.
وقال لوكالة الأنباء السورية "سانا" في 13 مايو 2025: إن معدل الهطل انخفض لأقل من 350 مم لأكثر من 90 بالمئة من الأراضي.
وأشار إبراهيم إلى انخفاض مخزون المياه، بنسبة تتجاوز 60 بالمئة مقارنة بالمواسم السابقة، وانخفاض المخزون المائي للسدود لشهر مارس/آذار 2025 مقارنة بعامي 2023 و 2024.
كما تحدث عن تراجع مستوى المياه الجوفية بشكل حاد؛ حيث فقدت بعض المناطق أكثر من 70 بالمئة من مخزونها خلال الأعوام الأخيرة، ووصلت نسبة التصحّر والجفاف إلى أكثر من 50 بالمئة في بعض المناطق الزراعية الحساسة.
وبين مدير الاقتصاد الزراعي أن انخفاض كميات المياه استدعى التخطيط لتخفيض المساحة المزروعة خلال الموسم الصيفي القادم.
ولفت إلى أن الجفاف أثر مباشرة في حياة أكثر من 4 ملايين مواطن، ما سينعكس سلبا خلال الموسم الحالي وسيخلف آثارا اقتصادية واجتماعية.

أضرار بالقطاع الزراعي
تفيد دراسة لشبكة "وورلد ويذر أتريبيوشن"، التي تعنى بتحليل الرابط بين العوامل الجوية والتغير المناخي، بأن درجات الحرارة المرتفعة الناجمة عن التغير المناخي، "زادت من احتمالية حدوث الجفاف، أكثر بـ25 مرة في سوريا".
وتعد سوريا من البلدان المتأثرة بشدة بالتغير المناخي، ومن أكثر الدول إهمالا لناحية الحصول على تمويل لمواجهته.
وحتى سبتمبر/أيلول 2022، تسبب الجفاف بنزوح نحو مليوني شخص في سوريا ممن يعيشون في المناطق الريفية، وفق الدراسة التي صدرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وفي الوقت الراهن يعاني 9 من كل 10 سوريين من الفقر، وربع السكان عاطلون عن العمل، بينما الناتج المحلي الإجمالي اليوم أقل من نصف ما كان عليه في 2011.
إلا أنه منذ تولي القيادة الجديدة في سوريا عقب سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 أكد المسؤولون أن الاقتصاد في البلاد سيكون حرا تنافسيا مع تطبيق سياسات حماية المنتج المحلي، وأنه سيتم دعم وحماية القطاع الزراعي.
وتأمل وزارة الزراعة السورية الجديدة، بأن يسمح انفتاح الاقتصاد باستثمارات وحلول لمواجهة آثار الجفاف.
وقالت الوزارة في مايو 2025: إن رفع العقوبات لا يحل أزمة الجفاف بذاته، لكنه يوفر الوسائل والإمكانات التي تمكّن الحكومة والمزارعين من الاستجابة بكفاءة للأزمة عبر تحديث أنظمة الري وتحسين الإنتاجية وتقوية الأمن الغذائي.
كما أعلنت وزارة الزراعة السورية عن توجهها لتقليص زراعة المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه، في إطار خطط الطوارئ للتكيّف مع الواقع المناخي والمائي المتدهور.
وقبل سقوط نظام الأسد كان هناك تسابق على شراء محاصيل القمح من المزارعين، والتي تحظى بأهمية إستراتيجية كونها توفر احتياجات السكان من الخبز.
وقد تضررت كذلك زراعة القطن، التي تتطلب مياها وفيرة، نظرا لأهميته الاقتصادية في تأمين المواد الخام للمعامل، إضافة إلى تشغيل اليد العاملة.
وهناك محاصيل إستراتيجية عدة منها الشمندر السكري ودوار الشمس وفول الصويا توقفت زراعتها منذ عام 2011.
ولا سيما أن المزارعين الذين لم يعد لديهم القدرة على تحمل تكاليف الزراعة اتجهوا إلى أعمال أخرى تؤمن لهم دخولا ثابتة.
وفي منتصف عام 2024 قال البنك الدولي: إنه بعد الانخفاض التاريخي عام 2022، انتعش الإنتاج الزراعي بسوريا وسط تحسن في الظروف الجوية، وبلغ مليوني طن متري عام 2023 مقارنة بمليون طن متري في العام السابق.

معوقات وحلول
وضمن هذا السياق، قال الباحث السوري ومؤسس موقع أخبار البيئة زاهر هاشم: “إنه في الوقت الراهن يعاني 13 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي وهذا يشكل أكثر من نصف عدد سكان البلاد”.
وأضاف لـ"الاستقلال" أن من بين هؤلاء، 3 ملايين يعانون من انعدام شديد في الأمن الغذائي وهذا كله بسبب تراجع الزراعة في البلاد".
وأكد أن "العوامل الطبيعية والمناخية من ارتفاع الحرارة ونقص الرطوبة وزيادة معدلات التبخر تهدد صلاحية الأراضي الزراعية البعلية مما أدى لتقليص المساحات المزروعة مثل القمح".
واستدرك أن "العوامل الطبيعية والمناخية ليست وحدها ما يعيق استمرار العمل في الزراعة بل يضاف لذلك الصعوبات الاقتصادية من شح الوقود وساعات التقنين الطويلة للتيار الكهربائي على مدار 14 عاما أدت إلى الإضرار الكبير في الإنتاج الزراعي".
وأشار هاشم إلى أن "التغير المناخي أدى لاضطراب في الدورات الزراعية بسبب الإجهاد المائي والحراري للنباتات فضلا عن انتشار الآفات والأمراض النباتية وعدم قدرة المزارعين على معالجتها خلال السنوات السابقة".
وذلك علاوة على “خروج كثير من السدود عن الخدمة جراء انقطاع الكهرباء والتوقف عن صيانة المضخات، مما دفع المزارعين إلى زراعة أنواع محدودة لا تتطلب مياه وفيرة”، وفق هاشم.
ولفت إلى أنه "في المقابل واجه المزارعون في عموم الأراضي السورية ومختلف مناطق السيطرة قبل سقوط الأسد، صعوبة في ري محاصيلهم وتوفير البذار والأسمدة مرتفعة الكلفة".
وبين أن "الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي على مدى 14 عاما لعب دورا في تراجع الإنتاج الزراعي وارتفاع أسعار البذار والمعدات الزراعية وتضرر البنية التحتية للزراعة بسبب القصف ونزوح اليد العاملة".
ورأى هاشم أنه في “هذه المرحلة الجديدة يجب أن يكون هناك تمويل حكومي للمشاريع الصغيرة للمزارعين ونقل تقنيات الري الموفرة للمياه إلى المناطق البعلية، خاصة أنه من شأن انتعاش الزراعة أن يعزز الثروة الحيوانية المتضررة أيضا”.
وذكر أن هذا الأمر "يتطلب دعم المزارعين ومدهم بالقروض حتى تدور عجلة زراعة في الأراضي الواسعة والمتنوعة".
وكذلك “ينبغي على الحكومة السورية الاهتمام بتطهير الأراضي الزراعية من مخلفات الحرب التي تحول دون عودة المزارعين إلى قراهم والبدء بمشاريع زراعية جديد”.
ويقول مزارعون: إن التغير المناخي ليس التحدي الوحيد، بل تتقاطع أزماتهم مع غياب الدعم، وارتفاع تكاليف الزراعة، وصعوبة تأمين المحروقات ومستلزمات الإنتاج، ما يحوّل كل موسم إلى رهان محفوف بالخسارة.
إذ يطالب مزارعون بأن يشكل دعم محصول القمح أولوية كبيرة لدى الحكومة، الأمر الذي من شأنه زيادة المساحات المزروعة وبالتالي تجنيب البلاد دفع المزيد من الأموال لفاتورة الاستيراد.
على سبيل المثال تصل إنتاجية القمح إلى 400 طن في السنة بريف حلب عندما يكون المعدل المطري بين 450 إلى 650 مليمتر.
لكن نسبة الإنتاجية هذه انخفضت عام 2025 إلى أكثر من 60 بالمئة وقد لا تتجاوز إنتاجية القمح 100 طن.
وفي عهد بشار الأسد المخلوع، اعتمدت دمشق على واردات القمح من روسيا لدعم برنامج دعم الخبز.
وفي تقييم لها عقب سقوط الأسد، رأت الأمم المتّحدة أن الاقتصاد السوري بحاجة لـ55 عاما للعودة إلى المستوى الذي كان عليه في 2010.