في أقل من 24 ساعة.. المقاومة تلقن الاحتلال درسا قاسيا بجباليا والشجاعية

الشجاعية أحد أكبر أحياء غزة وتعد المفتاح والحارس الشرقي للقطاع
بعد أكثر من 600 يوم على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة، وعقب أقل من 24 ساعة من كمين أدى لمقتل 3 جنود إسرائيليين في جباليا (شمال)، قتل جندي إسرائيلي وأصيب اثنان آخران خلال اشتباكات جديدة مع المقاومة.
مواقع إخبارية إسرائيلية أفادت في 3 يونيو/حزيران 2025 بأن طائرة مُسيّرة لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، ألقت قنبلة على جنود الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، ما أسفر عن سقوط قتيل على الأقل، وإصابة 5 آخرين بعضهم بجروح خطرة.
والشجاعية أحد أكبر أحياء غزة، وتعد المفتاح والحارس الشرقي للقطاع، وكانت لها دور في كثير من الحروب التي مرت على المنطقة.
ويعود تاريخ تأسيسه إلى عهد الأيوبيين، وسمي نسبة إلى “شجاع الدين الكردي” الذي استشهد في معركة غزة الكبرى بين الأيوبيين والصليبيين عام 1239 ميلادي.
وكان للشجاعية دور كبير أثناء معارك 1967، وشهدت انطلاق شرارة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وتحولت في أكتوبر/تشرين الأول 1987، لساحة مواجهات مسلحة بين المقاومة والاحتلال.
وتأتي هذه التطورات الميدانية بعد ساعات قليلة من إعلان الجيش الإسرائيلي مقتل 3 جنود خلال معارك في الثاني من يونيو شرق جباليا شمال القطاع.
وعبر ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي عن دعمهم المقاومة الفلسطينية ورفضهم لأشكال التصعيد كافة التي يعمد لها الاحتلال.
كما أعربوا عن فخرهم وسعادتهم بعمليات المقاومة وامتنانهم لصمود المقاومين ومقارعتهم للاحتلال وسير الشجاعية على خطى جباليا.
وتداولوا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي “إكس” و"فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #الشجاعية #جباليا، #غزة، وغيرها مقاطع فيديو تتضمن مشاهد لعمليات الاحتلال إجلاء المصابين والقتلى من جنوده في المنطقة.
وقدم ناشطون تحليلات ميدانية للحدث، مشيرين إلى أنه يكشف فشل الاحتلال ويعكس تنامي قدرات المقاومة وعزيمتها على مواجهته وإيقاع جنوده بين قتيل ومصاب، وامتلاكها قدرات تكتيكية للمناورة والخداع.
حفاوة وسعادة
وإعرابا عن السعادة بالعملية، قال الباحث ماجد أبو دياك: إن الشجاعية تأخذ دورها اليوم في التنكيل بجنود الإبادة الجماعية، الذين يتباهون بقتل شعبنا وإذلاله حتى وهو يتوجه لأخذ لقمة عيشه من مراكز الإذلال الإسرائيلية الأميركية.
وعد تزايد جنائز الاحتلال دليلا على خيبة عربات جدعون (عملية تل أبيب لاجتياح القطاع واحتلاله)، وأكذوبة النصر الكامل لدجَّالهم (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو مع جوقة المرضى المتعطشين للدماء حوله مثل وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش.
وأشار السياسي فايز أبو شمالة إلى أن جباليا كانت رعبا زلزل أركان الإسرائيليين بثلاثة قتلى، مشيدا بأن الشجاعية تقدمت وصارت رعبا يهرس عظم المحتلين.
وكتب الإعلامي جمال ريان: "ليلة سوداء على الصهاينة في الشجاعية.. اللهم اجعل عدد قتلاهم بعدد كل من قال يا الله".
ودعا الصحفي أحمد عطوان للتكبير والتهليل بعد الإعلان عن العملية، وعدها كاشفة لتطور كبير في أدوات المقاومة، واصفا الشجاعية بأنها حي الفرسان الشجعان.
تحليل ميداني
وتحت عنوان "مسيّرة في الشجاعية!"، قال طه الفتياني: "قد لا تكون خسائر هذا القصف القسامي المبارك كبيرة، لكن مكان هذا القصف وزمانه يعطيانك فكرة جيدة عن حجم الصمود الأسطوري للمقاومة في غزة".
وذكر بأن حي الشجاعية يقع شرقي مدينة غزة، على بُعد كيلو متر واحد من مستوطنات غلاف غزة، موضحا أن هذا ما يخصّ المكان، أما بالنسبة للزمان، فنحن في اليوم الثامن بعد الستمائة من معركة طوفان الأقصى.
وعد الباحث نور الدين المغربي معارك شرق الشجاعية إضافة قوية لما حدث شمال القطاع، قائلا: "الملاحظ أن هذه النوعية من الضربات تصيب العدو بالشلل والصدمة وتخفض إلى حد كبير حدة عملياته البرية كأنها تكسر إرادته وهذا أمر شهدناه كثيرا في هذه الحرب".
وتوقع أن ما حدث شرق الشجاعية سيقلل عمليات العدو هناك وسيجعل العدو يتراجع كما حدث شرق مخيم جباليا. مشيرا إلى أن التحركات في رفح خفتت لكن وتيرة القصف تزيد في خان يونس.
وأكد المغربي أن أي ضربة من هذه النوع في خان يونس ستوفر الكثير من الجهد والمعارك في المحافظة، لافتا إلى أن قوات العدو لم تحاول التحرك في أي محور، وهذه فرصة لأخذ زمام المبادرة التي تميل بشكل متزايد للمقاومة.
ورأى أن أخذ زمام المبادرة الآن سيكون أمرا مصيريا في هذه الحرب، مشيرا إلى أن العدو نشر خريطة توضيحية تضمنت عدد الفرق التي تعمل في قطاع غزة وهم خمسة فرق، ويعملون بالحد الأدنى من قوتهم، وبالتالي كل ضربة كبيرة تصيب الفرقة التي تتلقاها بالشلل.
ورأى الباحث وسام عفيفة أن اللافت في كمين الشجاعية، أن المقاومة تعتمد تكتيك النَّفَس الطويل والمباغتة المؤجلة؛ حيث تسمح لقوات الاحتلال بالتحرك وفق ما تظنه روتينًا آمنًا، ثم تُفعِّل الكمين في لحظة خمول قتالي.
وأشار إلى أن كمائن مركبة ومخططا لها تستدرج العدو إلى نقطة ضعف قبل الانقضاض، غالبًا من مسافة صفر أو عبر ضربات نيران متزامنة.
وأكد عفيفة أن الاشتباكات لم تعد عشوائية، بل عمليات تعبوية متدرجة؛ حيث يتكامل الرصد الميداني مع قرار التفعيل، ويبدو أن وحدات المقاومة تملك زمام المبادرة وتنتظر لحظة الإجهاز، لا لحظة الصد.
وأشار الكاتب ياسر كمال صديق إلى أن الحصيلة المتداولة في وسائل الإعلام العبرية عن كمين الشجاعية هي 23 بينهم حالات بتر أطراف وإصابات خطرة فضلا عمن فطس.
وقال: إن المقاومة غيرت تكتيكاتها وقسمت أفرادها إلى مجموعات قليلة العدد، وتركت لكل مجموعة حرية الحركة والتصرف دون الرجوع إلى القيادة، هذه المجموعات تنفذ كمائن عن طريق تفخيخ بعض المنازل والأماكن المتوقع وصول العدو فيها ومن ثم تفجيرها.
وأكد صديق أن الموضوع له عناوين عدة؛ منها الصبر ثم الصبر، الجهاد، الرباط، الصوم الإجباري إلا من حشائش الأرض أو أوراق الشجر إن وجدت، واصفا ما يحدث بأنه "شيء يشبه جهاد الصحابة الذي طالما قرأنا عنه وأعجبنا به وتعجبنا منه".
وتوقع أن بضعة أيام مع عدة كمائن مثل هذه وسيرضخ الكيان لشروط المقاومة التي يراوغ ويتهرب منها، مشيرا إلى أن نتنياهو خرج يتباكي ويبرر أمام جمهوره الغاضب بشدة على عامين مضيا في انتظار النصر المطلق، فلا يرى إلا الجثث والإصابات.
حارس الشرق
وتسليطا للضوء على الحي وما يمثله للمقاومة وما يقدمه من صمود، قال حمزة كمال: “حيّ على العزة والكرامة حيّ على الشجاعية الصمود”.
وتابع: "شجاعية النار لقّنت العدو دروسًا لا تُنسى!، يا ميدان الكبرياء ما خذلتِ يومًا، ولا انكسرتِ ساعة، وما انحنيتِ إلا لله رب العالمين".
وأضاف: "ها هم رجالُكِ – أبناء المقاومة الباسلة – يسطّرون المجد بالدم، ويرفعون راية النصر "، مستطردا: "الشجاعية... حيث البندقية لا تسكت، والحق لا يساوم، والرجال لا يركعون".
وتابع كمال: "قسما بدم الشهداء، لن تُكسر الشجاعية ولن يُطفأ نورها، فهي قبلة الأحرار وقلعة الثوار"، مؤكدا أن العدو يحسب ألف حساب لأشباحها في الليل، ولأسودها في النهار.
وأردف: "من الشجاعية يولد النصر، ومنها ينبعث الزلزال.. فمن أراد أن يرى معنى الرجولة، فليتجه شرقا؛ حيث تقف الشجاعية كالسيف لا يلين!"، قائلا: "المجد لكم يا من جعلتم من أجسادكم دروعا للأرض، ومن دمائكم حبرا لكتابة الحرية.. وإنا على دربكم سائرون حتى يأذن الله بنصرٍ مبين".
ووصف يحيى اليعقوبي الشجاعية بأنها "حارسة الشرق"، مشيرا إلى أن ما حدث صفعة جديدة بعد كمين جباليا.
إشادة وثناء
وإشادة بالأيادي التي صنعت الحدث والعقول التي دبرت والأقدام التي سعت، قالت المغردة سلوى: إن مقاتلي الشجاعية المُجَوعُون يبعثون السلام على طريقتهم إلى فدائي جباليا العطشى.
ودعا ماجد مقداد إلى تذكر أن من ينفذ هذه العمليات التي تشفي الصدور جائعون متعبون ملاحقون نازحون هم وأهلهم وعائلاتهم بيوتهم مدمرة، قائلا: "لا تخذلوهم ولا تكتفوا بالتصفيق لهم من خلف الشاشات".
وقال انشراح صندوقة: "من جباليا إلى الشجاعية ثُلةٌ من الشباب بأجسادٍ نحيلة وأيْدٍ هزيلة لكنها متوضّئة يعلّمون العالم معاني البطولة والرجولة والثبات والكرامة".
وأشار نور زيداني إلى أن من يقاتلون الآن هم خيرة عباد الله صائمون، قائمون، مجاهدون في سبيل الله، داعيا الله أن يسدد رميهم، ويحفظهم بعينه التي لا تنام.
وتمنى الخزي والعار للمرجفين من المسلمين، والفردوس الأعلى والمجد للأبطال الذين قدموا الغالي والنفيس والنفس والروح من أجل الأرض والأقصى، لافتا إلى أن منهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظروا، ولكنهم أبدا ما بدلوا تبديلا.
وقال أحد المدونين، إن "أبطال الشجاعية ينافسون أبطال جباليا ورفح وخان يونس، عاشوا أبطال الأمة العظماء، نصرهم الله وحفظهم، وسدد الله رميهم".