بشارة بحبح.. أكاديمي فلسطيني أميركي فتح قنوات سرية بين ترامب وحماس

خالد كريزم | منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

مع مراوحة مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة مكانها منذ أسابيع، برز رجل يعمل كقناة اتصال غير رسمية بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحركة المقاومة الإسلامية حماس.

وظهر اسم الأكاديمي ورجل الأعمال الفلسطيني الأميركي بشارة بحبح لأول مرة، كشخص يعلب دورا مهما في جسر الهوة بين الطرفين بعد وصول المفاوضات إلى طريق مسدود.

قناة بديلة

بدأ دور بحبح في الظهور إلى العلن خلال أبريل/نيسان 2025، عندما كانت المفاوضات متعرقلة بشكل كبير دون أحاديث عن استئنافها، ومع التحضير والتهديد الإسرائيلي بشن اجتياح كبير لقطاع غزة يفضي إلى احتلاله وتهجير أهله.

وأمام هذا الجمود، أفاد موقع أكسيوس الأميركي في 13 مايو/أيار أن مسؤولا كبيرا في حركة حماس (غازي حمد) تواصل في أبريل مع بحبح الناشط الذي أيد انتخاب ترامب في السابق، ضمن مسعى سري لبدء محادثات مع المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.

وأدى دور بحبح في النهاية إلى إطلاق سراح الأسير الأميركي الإسرائيلي عيدان ألكسندر من غزة، في 12 مايو، وذلك بعد مفاوضات مباشرة بين واشنطن وحماس.

لكن صحيفة يديعوت أحرونوت قالت في 27 مايو، إن دور بحبح بدأ قبل ذلك وإنه “أسهم في التوسط لوقف إطلاق النار في غزة في 19 يناير (كانون الثاني) قبل أن تنهيه إسرائيل من جانب واحد (بعد شهرين)، وتستأنف هجومها، وتمنع جميع المساعدات من دخول القطاع الذي مزقته الحرب”.

ونقلا عن عدة مسؤولين، ذكر موقع أكسيوس أن بشارة بحبح تلقى ما يقرب من 20 رسالة من ممثلي حماس خلال الأسبوعين الماضيين، أي بعد الإفراج عن ألكسندر.

وجاءت الرسائل بعد أن استأنفت تل أبيب العدوان مباشرة عقب الإفراج عن ألكسندر دون الحصول على أي مقابل، أو حدوث حلحلة في المفاوضات نتيجة لبادرة الحركة.

وأضاف الموقع أن هذه الاتصالات تهدف إلى إقناع إدارة ترامب بزيادة الضغط على إسرائيل لإجراء مفاوضات أوسع نطاقاً.

وورد أن المسؤولين الإسرائيليين لم يكونوا على علم بالمحادثات السرية بين واشنطن وحماس، وأنهم علموا بها من خلال أجهزتهم الاستخباراتية. 

ومنذ الإفراج عن ألكسندر، ازداد دور بحبح في تسهيل المحادثات بين واشنطن والحركة، وفق ما قالت صحيفة تايمز أوف إسرائيل. ونهاية مايو، كان هذا الرجل في الدوحة نيابة عن ويتكوف وقد أدار المفاوضات بناء على توجيهات عامة من الأخير.

وبعد أيام من تداول صيغ وتفاصيل مختلفة لاتفاق جديد، قالت حماس في 28 مايو، إنها تنتظر الرد النهائي على إطار عام اتفق عليه مع ويتكوف بشأن وقف إطلاق النار، في حين تحدثت وسائل إعلام عبرية عن رفض تل أبيب للاقتراح الذي وافقت عليه الحركة.

وفي بيانها، ذكرت حماس أن الاتفاق مع ويتكوف يتضمن إطلاق سراح 10 أسرى إسرائيليين وجثث مقابل إطلاق أسرى فلسطينيين بضمان الوسطاء وانسحاب كامل لقوات الاحتلال من قطاع غزة، وتدفق المساعدات، وتولي لجنة مهنية إدارة شؤون القطاع فور الإعلان عن الاتفاق".

وتعليقا على ذلك، نقلت القناة 13 الإسرائيلية عن أحد المصادر أن الاقتراح الذي وافقت عليه حماس غير مقبول، كما نقلت عن مسؤولين آخرين أنه لا يوجد اقتراح أميركي جديد لصفقة تبادل، وأن رد حماس على الأرجح يتعلق بمقترح بشارة بحبح.

وتضمن توجيه ويتكوف لبحبح التزاما أميركيا بأن تجري إسرائيل مفاوضات جادة لإنهاء الحرب، لكن بعد رفض تل أبيب، تنصل المبعوث الأميركي من الصيغة التي اتفق عليها مع رجل الأعمال الفلسطيني الأميركي.

وقبل بيان حماس، نفى ويتكوف في 26 مايو خلال تصريحات لموقع "واللا" الإسرائيلي، أن تكون الحركة قد وافقت على العرض، وقال إن ما وصله من ردود منها "مخيّب للآمال وغير مقبول إطلاقًا"، على حد تعبيره.

ورأى مراقبون أن هذا التضارب يكمن في موافقة حماس على صيغة أعدها بحبح تؤدي إلى وقف الحرب، بينما وافقت إسرائيل على مقترح آخر لا يضمن هذا البند.

وفي 27 مايو، قالت صحيفة يديعوت أحرونوت: إن الأميركيين زعموا أنهم لا يقفون وراء الاقتراح الذي نقلته حماس عبر بحبح.

وأردفت أنه “في إسرائيل، هناك من يقول إن بحبح كبش فداء جلبته واشنطن إلى المحادثات للضغط عليها وتقليل معارضتها لإنهاء الحرب”.

وعاد ويتكوف في 28 مايو للحديث عن مقترح آخر، حيث ظهر في البيت الأبيض بجانب ترامب قائلا: “نحن على وشك إرسال ورقة شروط جديدة للتوصل لاتفاق بشأن غزة ونأمل أن يتم تسليمها في وقت لاحق اليوم”. وبعد ساعات تحدثت تقارير عن تسليمه بالفعل إلى الأطراف.

أكاديمي بارز

بشارة أسعد رزق بحبح ناشط وأكاديمي فلسطيني أميركي، وُلد عام 1958 في شرق القدس لأبوين هجرا من أراضيهما بفعل النكبة عام 1948.

تابع بشارة بحبح دراسته في القدس إلى غاية 1976، وبعد تجربة مهنية قصيرة استقر بالولايات المتحدة في سبعينيات القرن العشرين، وخلال هذه الرحلة نزح مع عائلته إلى الأردن لمدة عامين.

وانخرط بحبح في العمل الأكاديمي والسياسي الأميركي، ويعد كاتبا غزير الإنتاج، ويسهم بانتظام في 15 صحيفة ومجلة، حيث ينشر على نطاق واسع حول القضايا السياسية والاجتماعية في الشرق الأوسط.

حصل على درجة البكالوريوس من جامعة بريغهام يونغ، ثم على شهادتي الماجستير والدكتوراه في التمويل من جامعة هارفارد عامي 1982 و1983.

ثم درس في نفس الجامعة وشغل منصب المدير المساعد لمعهد الشرق الأوسط التابع لها، قبل أن ينطلق في مسيرة مهنية جمعت بين المال والسياسة والنشاط المؤيد للفلسطينيين.

كان بحبح عضوا في الوفد الفلسطيني لمحادثات السلام العربية الإسرائيلية متعددة الأطراف بين عامي 1992 و1993، وظل مؤيدا قويا لحل الدولتين. 

ثم عاد إلى القدس عام 1983 وتولى منصب رئيس تحرير صحيفة الفجر الفلسطينية الصادرة من المدينة، ونشط في العديد من المنظمات الإنسانية.

كما كان عضوا في المحادثات متعددة الأطراف للحد من التسلح والأمن الإقليمي في الشرق الأوسط. وحتى وقت قريب كان نائب رئيس المجلس الأميركي الفلسطيني.

وشغل منصب المدير الإداري لمؤسسة "النداء الفلسطيني الموحد" الخيرية، وأسس مركز فلسطين (مركز أبحاث مستقل)، وكلاهما بواشنطن العاصمة.

كما عمل لفترة في شركة تابعة لمورغان ستانلي وهي مؤسسة خدمات مالية واستثمارية أميركية متعددة الجنسيات، وألف كتاب "إدارة الثروات في أي سوق".

وبحبح ديمقراطي في الأصل، لكنه أعلن في يونيو/حزيران 2024، سحب دعمه للحزب بسبب سياسات الرئيس السابق جو بايدن تجاه العدوان على غزة.

وسحب بحبح دعمه حتى قبل انسحاب الرئيس السابق من السباق، قائلا في نفس الشهر على قناة تي ري تي وورلد التركية: "لقد سئمنا من جو بايدن وتورطه في الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة".

وأمام ذلك، أطلق “الرابطة العربية الأميركية من أجل ترامب”، التي كان لها دور كبير في حشد أصوات الناخبين العرب لدعم الرئيس الأميركي الحالي في ولاية ميشيغان، حتى أصبح أحد المقربين من دائرته الخاصة.

فقد عمل عن كثب مع ريتشارد غرينيل مبعوث ترامب الخاص، ورجل الأعمال اللبناني الأميركي مسعد بولس صهر الرئيس الحالي وأحد أهم منسقي العلاقات مع الجاليات العربية الأميركية.

لكنه غير موقفه نسبيا من ترامب بعد أن أعلن الأخير في فبراير/شباط 2025 عن خطط أميركية للاستيلاء على قطاع غزة بعد ترحيل سكانه إلى دول الجوار وتحويله إلى وجهة سياحية دولية سماها "ريفييرا الشرق الأوسط".

وعلى إثر ذلك، غير بحبح إلى اسم الرابطة التي أسسها عام 2024 دعما لترامب إلى “العرب الأميركيون من أجل السلام”.

وتقول يديعوت أحرونوت: إن هذا التحول شكل دخوله الهادئ إلى دبلوماسية القنوات الخلفية، مبينة أنه ما يزال يؤيد ترامب على الرغم من انتقاده لخطته بشأن غزة.

كما لعب دورا خلف الكواليس في صياغة رسالة تهنئة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى ترامب بعد إعادة انتخابه.

وقالت صحيفة التلغراف البريطانية في 21 مايو: إن بحبح أقنع عباس بالأمر وسلم الرسالة لترامب عندما التقاه بنفسه، مما مهد الطريق لأول مكالمة هاتفية مباشرة بين الزعيمين.

سيرة ومواقف

 ورغم أنه بنى حياته في الولايات المتحدة، فإن صلته بفلسطين لم تتزعزع أبدا، وفق ما قال في مقابلة أجرتها معه صحيفة عرب نيوز الإماراتية عام 2018.

فقد قال بحبح: إنه سجّل أطفاله المولودين لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” على الرغم من أنهم من مواليد الولايات المتحدة.

وقال: "ستبقى فلسطين وطنًا لي أينما كنت، عندما أموت، أريدهم أن يقولوا إني فلسطيني، هذا حقنا الأبدي".

وأردف أنه ما يزال يحتفظ ببطاقة أونروا، والتي كانت عائلته تتلقى من خلالها الدعم عندما نزحت إلى مخيم الزرقاء للاجئين بالأردن ثم في البلدة القديمة بالقدس.

وتابع: "أعلق على جداري شهادة الدكتوراه من جامعة هارفارد، والتي تُثبت بوضوح أنه حتى لو استولت إسرائيل على أراضينا، فلن تتمكن أبدًا من سلب عقولنا وإرادتنا الراسخة وتصميمنا على النجاح. عليهم أن يقطعوا رؤوسنا عن أجسادنا أولًا لينجحوا في النهاية".

كان والده يملك صالون حلاقة في فندق الملك داوود بالقدس، قبل أن يفجره الصهاينة. قالت له امرأة: "يا بحبح، اقفز! قنبلة على وشك الانفجار".

وكما يروي بحبح، قفز والده من الطابق الثاني أثناء انفجار القنبلة، مضيفا: “تسببت الصدمة في تحول شعره إلى اللون الرمادي في غضون بضعة أشهر”.

وواصل القول: “بعد ذلك بوقت قصير، هربت عائلتي إلى الأردن وانتهى بها المطاف في مخيم الزرقاء للاجئين، حيث لجأنا إليه لمدة عامين. بعد ذلك عادت العائلة إلى البلدة القديمة”.

ولا يملك بحبح سوى جواز سفره الأميركي؛ حيث سحبت إسرائيل عام 2009 إقامته في القدس، والمتمثلة في بطاقة الهوية الزرقاء. 

وقال: “زعموا أن القدس لم تعد موطنا لي وسلبوني حقي في الإقامة فيها لأنني أحمل الجنسية الأميركية”.

وأردف: “الآن، عندما أعود لزيارة عائلتي، أدخل بجواز السفر الأميركي، وأحصل على تأشيرة لمدة 90 يومًا كأي مواطن أميركي آخر”.

وقد أوضح بحبح آراءه بشأن المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية السابقة والمستقبلية خلال مقابلة أجراها معه مركز ويلسون الأميركي للاستشارات وصناعة السياسات في فبراير/شباط 2021.

وقال آنذاك: “فيما يتعلق بصيغة أي مفاوضات مستقبلية، أعتقد أنها يجب أن تكون أكثر تفاعلية. لا تُصنع السياسات من خلال قراءة الخطابات، بل عبر الجلوس معًا وتوضيح مخاوف كل طرف بشأن القضايا التي يجرى التفاوض عليها”.

وذكر أنه "يجب أن يكون الطرفان واضحين بشأن ما يأمل كل منهما تحقيقه. كلما زادت المفاوضات المباشرة، زادت احتمالية إثمارها".

وأضاف: "في المفاوضات، إذا بدأت بالتظاهر، فلن تصل إلى أي نتيجة، لأنها تصبح عندئذٍ عملية ربح وخسارة". 

ولفت إلى أن "المفاوضات الناجحة تتحقق عندما يرى الطرفان الفوائد التي يأمل كل منهما في تحقيقها من خلالها".

وعن موقفه بشأن خطط ترامب من أجل غزة، قال بحبح في منشور على منصة إكس خلال فبراير: "أفكار الرئيس غير مقبولة بتاتًا. غزة ملك للفلسطينيين، ليست عقارا يُشترى أو يُباع".

كما عاد وقال في أبريل: “غزة للفلسطينيين، وليست أرضًا لأحد آخر، لا ينبغي للولايات المتحدة ولا لإسرائيل أن تتعامل معها كملكية عقارية. انتهى الكلام”.