من خط النار إلى قلب السياسة.. هكذا أعاد عاصم منير جيش باكستان إلى الصدارة

ردّت باكستان بضربات جوية داخل الهند وقالت إنها أسقطت عدة مقاتلات هندية
بعد التصعيد الأخير مع الهند، عزز الجيش الباكستاني مكانته وسيطرته داخل المشهد السياسي الوطني، حيث شكّل هذا الصراع فرصة للقيادة العسكرية لتثبيت نفوذها كقوة أساسية في البلاد، وإعادة تأكيد دورها المؤثر في رسم مستقبل باكستان.
وفي تقرير لها، استعرضت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية كيف حول الجيش الباكستاني التوترات الإقليمية إلى مكاسب إستراتيجية، مما عزز من حضوره السياسي بشكل واضح، كما سلطت الضوء على ما وصفته بـ "لحظة تألق قائد الجيش الباكستاني عاصم منير".

صعود شعبية الجيش
وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" في باكستان ونُشر في 21 مايو/أيار أن 93 بالمئة من الباكستانيين قالوا: إن نظرتهم إلى جيشهم تحسّنت بعد الصراع الأخير مع الهند.
وفي الوقت ذاته، رأى 97 بالمئة أن أداء الجيش كان "ممتازا" أو "جيدا"، وهو خبر سار لـ "منير".
وفي 7 مايو 2025 شهدت الحدود بين باكستان والهند اشتباكات متبادلة، عقب تنفيذ الهند هجمات صاروخية على الأراضي الباكستانية ومنطقة "آزاد كشمير" التي تخضع لسيطرة إسلام آباد.
وجاء هذا التصعيد بعد هجوم وقع في منطقة "باهالغام"، يوم 22 أبريل/نيسان 2025، وأسفر عن مقتل 26 شخصا.
وبعد وقف إطلاق النار في 10 مايو، خرج الباكستانيون إلى الشوارع للاحتفال مرددين هتافات مؤيدة للجيش.
وضمّت الحشود أعضاءً وأنصارا لحزب حركة الإنصاف الباكستانية (PTI) المعارض، الذي دخل في مواجهة مع المؤسسة العسكرية منذ اعتقال زعيم الحزب ورئيس الوزراء السابق، عمران خان عام 2023.
حتى إن خان، وفي تصريحات نشرها على حسابه في منصة "إكس"، دعا الأمة إلى احتضان المؤسسة العسكرية، التي استفادت من التفاف الشعب حول راية الوطن.
مع ذلك، قد يبدو هذا الدعم المتدفق غريبا -وفق المجلة- بالنظر إلى ما حدث خلال الأزمة؛ فقد تعرّضت باكستان لضربات قوية؛ حيث نشرت الهند صواريخ وطائرات مسيرة عميقا داخل الأراضي الباكستانية.
واستهدفت ضربات نيودلهي الأولية عدة مواقع، فيما استهدفت الهجمات اللاحقة منشآت حساسة في مدن رئيسة، من بينها قاعدة جوية في روالبندي، مقر قيادة الجيش الباكستاني.
وكان هذا هو أقصى ما أطلقته الهند من قوة على باكستان من حيث الشدة وتعدد المواقع منذ الحرب بين البلدين عام 1971.
غير أن الباكستانيين يرون ما حدث مظلمة وانتصارا، وكلاهما يعزز مكانة الجيش القوي في البلاد، وفق المجلة.

تحويل الأنظار
وروّج المسؤولون الباكستانيون لرواية مفادها أن باكستان عوقبت بقوة وحشية -شملت هجمات أسفرت عن مقتل مدنيين أبرياء- على أمر لم ترتكبه.
وردّت باكستان بضربات جوية داخل الهند، وقالت: إنها أسقطت عدة مقاتلات هندية، لكن لم تؤكد نيودلهي هذه المزاعم ولم تنفِ صحتها، إلا أن مسؤولين غربيين أكدوا صحة هذه الأنباء.
وقالت "فورين بوليسي": "يرى الباكستانيون في ردهم الحازم انتصارا كبيرا، وعلى نطاق أوسع، برهنت الأزمة على الدور الذي يدعيه الجيش الباكستاني كحامٍ رئيس للبلاد ضد التهديد الهندي الدائم".
وأشارت المجلة إلى أن المؤسسة العسكرية في باكستان حظيت بمكاسب جيوسياسية بارزة؛ إذ دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إيجاد حل للنزاع في كشمير، مما أسهم في تدويل القضية وهو ما كانت تسعى إليه القوات الباكستانية منذ وقت طويل.
كما أدى تصاعد حدة المواجهات بسرعة إلى تحويل أنظار المجتمع الدولي نحو مخاطر التصعيد النووي، بدلا من التركيز على مزاعم الهند بدعم باكستان للإرهاب.
هذا الوضع يتناقض بشكل كبير مع ما كان موجودا خلال السنوات الأخيرة، التي شهدت خلالها البلاد حملات عسكرية واسعة ضد حزب حركة الإنصاف، وزعيمها عمران خان، أشهر سياسي في باكستان.
وهذا بدوره، أثار واحدة من أشد موجات السخط ضد المؤسسة العسكرية في البلاد منذ عقود، ففي حادثة قبل عامين، هاجم متظاهرون باكستانيون منشآت عسكرية في عدة مدن بعد اعتقال خان.
وتسببت الضغوط الاقتصادية وتزايد الهجمات الإرهابية في باكستان إلى جانب الغضب من القمع في إقليمي بلوشستان وخيبر بختونخوا، في زيادة الضغط على المؤسسة العسكرية.
كما أدت الحملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك تلك التي تُدار من الخارج، إلى تفاقم الغضب تجاه المؤسسة، خاصة تجاه الجنرال منير.

الرابح الأكبر
واستدركت المجلة: "لكن الآن برز منير كأحد أكبر الرابحين في الصراع الأخير بين الهند وباكستان، وفتح له ذلك فرصا لاستثمار الدعم الشعبي الذي استعادَه".
إذ يمكنه السعي لتحقيق مصالحة مع المعارضة السياسية، أو كسب تأييد الجمهور لحملة مكافحة الإرهاب المكلفة، أو الدفع نحو إصلاحات اقتصادية ضرورية رغم مخاطرها السياسية.
مع ذلك، يُرجّح أن يستغل منير، المعروف بتشدده استعادة المؤسسة العسكرية لهيبتها ليمضي قدما في سياساته القمعية التي أثارت استياءً واسعا، لا سيما في بلوشستان وخيبر بختونخوا؛ حيث لا يزال الدعم الشعبي للجيش ضعيفا بعد الأزمة، بحسب المجلة.
وفي 20 مايو، أعلنت باكستان ترقية منير إلى رتبة مشير، وهو تكريم لم يُمنح سوى مرة واحدة من قبل في عام 1959، حين نالها الرئيس العسكري، محمد أيوب خان.
وبحسب المجلة فإن هذه الخطوة ستشعل غضب منتقدي منير، الذين يرون فيها استغلالا لأزمة لتعزيز نفوذه.
ويرجع تعيين عاصم منير قائدا جديدا للجيش الباكستاني في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 إلى قرار حكومة، شهباز شريف، بإنهاء حقبة الجنرال قمر جاويد باجوا، الذي أكمل ست سنوات في المنصب قبل تقاعده.
واشتهر منير بتحفظه وابتعاده عن الأضواء، مقتصرا على الظهور في المناسبات العسكرية الرسمية، لكن التصعيد الأخير دفعه إلى كسر صمته والخروج إلى الواجهة.
ففي خطاب ألقاه من فوق دبابة، وجه منير رسالة حازمة للهند، محذرا من أن أي مغامرة عسكرية غير محسوبة "ستُقابل برد سريع وصاعق".
وأضاف: "لن نتخلى عن إخواننا الكشميريين في نضالهم البطولي ضد الاحتلال الهندي". وترى المجلة الأميركية أن "مكانة منير قد تعززت، لكن مكاسبه السياسية قد تكون عابرة".