التوتر بين الهند وباكستان.. كيف يغير شكل العلاقة بين نيودلهي وأنقرة؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

يفرض الموقع الجيوسياسي لتركيا وعلاقاتها المتداخلة في العالم، أدوارا صعبة عليها في أزمات معقدة مثل النزاع الهندي-الباكستاني.

ورغم أن تركيا تسعى للحفاظ على علاقات متوازنة، فإن تقاربها الإستراتيجي مع باكستان قد يضعها في مهب رياح دبلوماسية لا تُحمد عقباها. 

ومن هنا، رأت صحيفة يني شفق التركية أن تصاعد التوتر بين الهند وباكستان أخيرا، لا يخلو من ارتدادات سلبية على العلاقات بين أنقرة ونيودلهي.

توتر العلاقات

وقالت في مقال للكاتب التركي محمود عثمان أوغلو: شهدت العلاقات بين الجارتين النوويتين باكستان والهند تصعيدا جديدا أثار قلقا عالميا، انعكست أصداؤه حتى على الساحة التركية. 

وتصاعد التوتر بين الهند وباكستان في 22 أبريل/ نيسان 2025، عقب إطلاق مسلحين النار على سائحين في بلدة باهالغام بإقليم "جامو وكشمير" الخاضع للإدارة الهندية، ما أسفر عن مقتل 26 شخصا وإصابة آخرين.

وفي 6 مايو/أيار نفذ الجيش الهندي هجمات صاروخية على أراضٍ باكستانية، شملت منطقة "آزاد كشمير" (كشمير الحرة) الواقعة تحت السيطرة الباكستانية، وذلك بدعوى الرد على هجوم بلدة باهالغام.

وتبادل الطرفان الهجمات بعدها، حتى إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 10 مايو، توصلهما لاتفاق لوقف شامل وفوري لإطلاق النار، نتيجة وساطة أميركية.

ووصلت رياح هذا التوتر إلى تركيا؛ حيث بدا واضحا أن لكل من الطرفين؛ باكستان والهند، نهجا مختلفا في التعامل الدبلوماسي مع أنقرة.

فبينما بدت باكستان حريصة على بث رسائل الود والانتصار عبر القنوات الرسمية وغير الرسمية، فإن الدبلوماسية الهندية بدت أكثر صلابة وتحفظا. 

وهذا ما يمكن تلمُّسه في اللقاءات التي جمعت مسؤولين أتراكا مع دبلوماسيين هنود، وعلى رأسهم القنصل العام الهندي في إسطنبول، ميجيتو فينيتو، المعروف بنشاطه الميداني داخل تركيا، وفق الكاتب.

خلال تلك اللقاءات حرص فينيتو على تسليط الضوء على الهجوم الذي استهدف سياحا في كشمير الخاضعة للسيطرة الهندية، وذلك في محاولة لتبرير موقف بلاده الأمني في المنطقة.

كما عرض وجهة النظر الهندية بشأن النزاع الكشميري، مؤكدا في الوقت ذاته رغبة نيودلهي في الحفاظ على علاقات بناءة مع أنقرة.

وتعد السيطرة على كشمير أحد أطول النزاعات في جنوب آسيا؛ حيث تطالب كل من الهند وباكستان بالإقليم ذي الأغلبية المسلمة بأكمله منذ استقلالهما قبل 78 عاما.

وفي 1972، توصلت الهند وباكستان إلى "اتفاقية شيملا" التي أسفرت عن ترسيم "خط السيطرة" الذي يقسم كشمير إلى منطقتين تخضع إحداهما لنيودلهي والأخرى لإسلام أباد.

إلا أن هذا الخط لم يكن كافيا للحد من التصعيد؛ إذ شهدت السنوات الأخيرة مواجهات عسكرية متكررة، ما أدى إلى تصاعد التوترات بين البلدين.

ولم يخف فينيتو انزعاج بلاده مما وصفه بـ"التحيز الإعلامي التركي لصالح باكستان"، مشيرا إلى وجود فراغات في الخطاب العام التركي تجاه الهند، والتي يسعى الدبلوماسيون الهنود لملئها عبر قنوات متعددة. 

كما أكد أن بلاده ترغب في مخاطبة جميع شرائح المجتمع التركي، وتأسيس فهم مشترك يعكس حقيقة الموقف الهندي، لا سيما في ظل ما وصفه بـ"القراءات المسبقة والمتحيزة" في بعض المقالات والتحليلات الإقليمية.

في السياق ذاته، لم تخلُ تصريحاته من رسائل غير مباشرة؛ إذ حذّر من أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في رسم ملامح العلاقات التركية الهندية للسنوات العشر المقبلة، وذلك في إشارة إلى أن الهند تتابع عن كثب موقف أنقرة من النزاع الباكستاني-الهندي.

وأردف الكاتب التركي: من الواضح أن الصراعات بين باكستان والهند تؤثر على العلاقات التركية الهندية، لا سيما في أوقات التوتر. 

وأشار إلى أن هذه الأجواء انعكست سلبا على الشركات التركية العاملة في الهند، كما هو الحال مع شركة "تشيلبي" التي تدير عمليات مطار مومباي.

وقد أُلغي الترخيص الأمني للشركة عقب دعوات هندية لمقاطعة تركيا، في أمر يكشف أن تداعيات هذا التوتر لا تقف عند حدود السياسة والدبلوماسية، بل تمتد إلى الاقتصاد والاستثمار.

كما تحدثت تقارير عن تعليق الهند علاقاتها التجارية والتعليمية مع تركيا، وفرضها قيودا على السياحة والمنتجات التركية، ردا على موقف أنقرة المؤيد لإسلام أباد، وإدانتها القصف الهندي على منطقة آزاد كشمير الخاضعة لسيطرة باكستان.

لغة جديدة 

واستدرك: في عالم السياسة والدبلوماسية، لا تمر الكلمات مرور الكرام؛ حيث اختار السفير الهندي الجديد لدى أنقرة، موكتيش بارديشي، استخدام كلمة "Türkiye" بدلا من "Turkey" في تصريحاته باللغة الإنجليزية.

وفي هذا إشارة إلى احترام رمزي دقيق للهوية التركية، لكنه يعكس حساسية المرحلة ومحاولة لكسب ود الشارع التركي رغم التوتر. 

وخلف هذه البادرة المهذبة يختبئ واقع أكثر تعقيدا، تشي به نبرة الخطاب وتصريحات السفير الصريحة. 

فمنذ تسلمه مهامه في ديسمبر/كانون الأول 2024 لم يُخفِ السفير الهندي امتعاضه مما يعده "تشويشا إعلاميا" في تركيا لصورة بلاده، لا سيما فيما يخص قضية كشمير. 

ويقول الكاتب: إن هذا الامتعاض وإن غُلّف بلغة دبلوماسية ناعمة، فإنه لا يشير إلا إلى عمق الحساسية الهندية تجاه أي اصطفاف تركي ولو رمزي إلى جانب باكستان، الحليف التاريخي لأنقرة.

فالسفير، كما القنصل العام قبله، شدد على أهمية فهم كشمير من منظور هندي، ويرى أن تجاهل الرواية الرسمية للهند يجعل أي محاولة لفهم النزاع مع باكستان قاصرة أو مشوهة.

بالإضافة إلى أن السفير لم يُخفِ قلق بلاده، وأشار إلى أن الرأي العام الهندي أصبح يشعر بالإهانة نتيجة هذا التقارب العسكري.

وهو ما يفسر حملات المقاطعة والتضييق على الشركات التركية العاملة في الهند، ومنها سحب التراخيص الأمنية من شركة "تشيلبي".

وأضاف الكاتب التركي: إن أشد ما أثار قلق السفير كان التعاون العسكري المتزايد بين تركيا وباكستان، والذي ألمح إلى أنه يتجاوز حدود العلاقات الطبيعية بين دولتين صديقتين. 

فبالنسبة للهند، هذا النوع من الشراكة الدفاعية ينعكس فورا على مزاج الشارع، وقد يترجم إلى دعوات مقاطعة اقتصادية أو ضغوط سياسية على شركات تركية، كما حدث بالفعل سابقا.

وعلق الكاتب التركي: الهند، وكعادتها، ترفض الوساطة الدولية في نزاعها مع باكستان، متمسكة بسياسة "الحل الثنائي". 

وأردف: "استمرار غياب الاتفاق بين جارين نوويين، وتزايد احتمالات تحول أي صراع تقليدي إلى حرب نووية، يجب أن يقرع نواقيس الخطر لدى الطرفين".

وبين أن اندلاع “حرب نووية في المنطقة لن يبقى محصورا فيها، بل ستمتد آثارها إلى العالم كله، ولذلك، فإن تسوية النزاع على طاولة الحوار باتت ضرورة عالمية”.

ولفت الكاتب التركي إلى أنه رغم لباقة الخطاب، فإن ملامح القلق والضيق كانت واضحة في حديث السفير.

فلغة الجسد، واختيارات المفردات، وحتى تحذيره الضمني بأن "الأشهر المقبلة ستحدد مسار العلاقات" توحي بأن الرسائل التي تحملها الدبلوماسية الهندية هذه الأيام تتجاوز المجاملات البروتوكولية. 

وختم الكاتب مقاله قائلا: ففي ظل سباق التسلح واحتمال تدهور الأوضاع إلى مواجهة نووية، فإن مسؤولية الدول الإقليمية وفي مقدمتها تركيا تكمن في الدفع نحو الحوار حفاظا على أمن المنطقة واستقرار العالم بأسره.